الأحد، 19 فبراير 2012

شرح المنظومة الحائية
في
عقيدة أهل السنة والجماعة

للإمام أبي بكر عبدالله بن أبي داود السِّجِسْتَانِي

تلخيص الطالب / عبدالله أبوبكر عبدالرحمن باوارث







بسم الله الرحمن الرحيم
حائية ابن أبي داود
للإمام أبي بكر عبدالله بن أبي داود السِّجِسْتَانِي

(1) تَمَسَّـكْ بِحَـبْلِ اللهِ واتَّبِعِ الهُـدَى
(2) وَدِنْ بِكِتابِ اللهِ وَالسُـنـَنِ الَّتِـي
(3) وَقُـلْ غَيـرَ مَخْلُوقٍ كَلامُ مَلِيكِنـا
(4) وَلا  تَكُ  في  القُرآنِ   بالْوَقْفِ    قَائِلاً   
(5) ولا  تَقُـلِ   القُرْآنُ   خَـلْقاً    قِرَاءَةً  
(6) وقُـلْ  يَتَجَلَّى اللهُ  لِلْخَلْقِ   جَـهْـرَةً   
(7) وَلَيْسَ  بَمَوْلُـودٍ  وَلَيْسَ   بِـوَالِــدٍ  
(8) وَقَـدْ  يُنْكرُ الْجَهْميُّ هَــذَا  وَعِنْدَنَا
(9) رَواهُ  جَرِيْـرٌ عَـنْ مَقَـالِ  مُحَـمَّدٍ
(10) وَقَـدْ يُنْكِرُ الْجَهْمِيُّ أَيْضَاً    يَمِينـَهُ
(11) وَقُـلْ يَنْـزِلُ الجَبَّارُ فِـي كُـلِّ لَيْلَةٍ
(12) إلى طَبَـقِ   الدُّنيَا يَمُـنُّ  بِفَضْلِــهِ
(13) يَقُولُ أَلا مُسْـتَغْفِـرٌ يَلْـقَ  غَافِـراً
(14) رَوَى ذَاكَ قوْمٌ لا يُـرَدُّ حَــدِيْثُهُمْ
(15) وقُلْ إِنَّ خَيرَ النَّاسِ  بَعْـدَ  مُحَمَّـدٍ
(16) وَرَابِعُهُـمْ خَـيرُ البَرِيـَّةِ بَعْـدَهُـمْ
(17) وإِنَّهُمُ   لَلْرَّهْـطُ  لا  رَيْــبَ   فِيهِــمُ (18) سَعِيْدٌ وَسَعْدٌ وَابْنَ عَـوْفٍ وَطَلْحَـةٌ
(19) وَقُلْ خَـيرَ قَولٍ في الصَّحَابَةِ  كُلِّهِـمْ
(20) فَقَدْ نَطَقَ الوَحْيُ المُبِينُ  ِبفَضْلِهِــمْ
(21) وَسِبْطَيْ رَسُوْلِ اللهِ وابْنَيْ  خَدِيْجَةٍ
(22) وَعائِشُ    أُمُّ  المُؤْمِنينَ       وَخَالُنَا
(23) وأنصَـارُهُ    وَالْهَاجـرُونَ       دِيارَهُـمْ
(24) وَمِنْ بَعْدِهِمْ  فَالتَّابِعُونَ لِحُسْنِ   ما
(25) وَمَالِكٌ    وَالثَّوْرِيُّ   ثُمَّ      أَخُوهُمُ
(26) ومَنْ بَعدهُمْ فالشافعيُّ وأحمدٌ
(27) أولئكَ قومٌ قدْ عفا اللهُ عنهُمُ  
(28) وَبِالقَـدَرِ المَقْـدُورِ أًيْقِـنْ    فَإِنـَّهُ
(29) وَلا تُنْكِـرَنْ جَهْلاً نَكِيْراً   وَمُنْكَـراً
(30) وقُـلْ يُخْـرِجُ اللهُ الْعَظِيمُ  بِفَضْلِـهِ
(31) عَلَى النَّهْرِ فيِ الْفِرْدَوْسِ تَحْيَا    بِمَائِهِ
(32) وَإنَّ رَسُـولَ اللَّـهِ لِلْخَلْـقِ شَافِـعٌ
(33) ولا تُكْفِرَنَّ أَََهْلَ الصَّلاةِ وإِنْ  عَصَـوْا
(34) ولا تَعْتَقِــدْ  رَأْيَ  الخَوارجِ  إِنَّـهُ
(35) ولا تـَـكُ مُرْجِيَّـاً  لَعُوباً  بِدِينِـهِ
(36) وقُـــلْ  إِنَّمَـا الإيمَـانُ  قَـولٌ  وَنِيَّــةٌ (37) وَيَنْقُصُ  طَـوْراً  بِالْمَعَاصِي  وَتَـارَةً
(38) وَدَعْ عَنكَ آراءَ الرِّجَالِ  وَقَـوْلَهُـمْ
(39) وَلا  تَكُ  مِنْ  قَوْمٍ   تَلَهَّـوْا   بِدِينهِمْ
(40) إذا مَا اعْتَقَدْتَ الدَّهْرَ يَا صَاحِ    هَذِهِ

ولا تَـكُ بِدْعِيَّـاً لَعّلَّـكَ تُفْلِــحُ
أَتَتْ عَنْ رَسُولِ اللهِ تَنْجُو وَتَرْبَحُ
 بـذلكَ دانَ الأتقياءُ وأَفْصَحُــوا
 كَمَا  قَـالَ  أَتْبَاعٌ  لِجَهْمٍ   وأََسْجَحُـوا
فَإنَّ كَـلامَ   اللهِ  بِالْلَّفْظِ   يُــوضَحُ
كَمَا  الْبَدْرُ لا يَخْفَى  وَرَبُّكَ   أَوْضَـحُ
وَلَيْسَ  لَهُ   شِـبْهٌ    تَعَالَى      المُسَبِّحُ
بِمِصْـدَاقِ مَا قُلْنَـا حَدِيثٌ  مُصَرِّحُ
فَقُـلْ  مِثْلَمَا قَدْ قَالَ فِي ذَاكَ   تَنْجَحُ
وَكِلْتَـا  يَدَيْـهِ بِالفَوَاضِـلِ  تَنفْـحُ
بِلا كَيْفَ جَـلَّ الوَاحِـدُ المُتَمَـدَّحُ
فَتُفْـرَجُ  أَبْوَابُ  السَّـمَاءِ وَتُفْتَـحُ
ومُسْـتَمْنِحٌ  خَـيراً  وَرِزْقاً   فَيُمْنَحُ
أَلا خَابَ قَــومٌ كَذَّبـُوْهُمْ وَقُبِّحُوا
وَزِيـرَاهُ  قِدَماً ثُمَّ  عُثْمَانُ  الأَرْجَـحُ
عَلِـيٌّ  حَلِيفُ  الخَـيْرِ  بِالْخَيْرِ مُنْجِحُ
على نُجُبِ  الفِرْدَوْسِ  بالخُلْدِ    تَسرَحُ
وَعَامِرُ فِهْــرٍ  والْزُّبَيْـرُ  المُمَـدَّحُ
ولا تَـكُ طَعَّانـَّاً تَعِيـبُ وَتَجْـرَحُ
وَفِي  الفَتـــحِ   آيٌ   لِلصَّحَـابَةِ     تَمْـــدَحُ
وفَاطِـمـةٌ     ذَاتُ      النَّقْــاءِ       تَبَـحْبَـحُ
 مُعَاوِيَـةٌ     أَكْــرِمْ     بِـهِ   ثُمـَّ       امْنَــحُ
بِنَصْـرَتِهِــمْ   عنْ    كَيَّــةِ   النَّـارِ    زُحْـزِحُ حَذَوُ  حَذْوَهـم  قَـوْلاً   وَفِعْــلاً      فَأَفْـلَــحُ
أبُو عَمْرٍو   الأَوْزَاعِيُّ  ذَاكَ   الْمُسَبِّحُ
إماما الهُدى مَنْ يَتبعِ الحقُ ينصحُ
فَـأَحْـبـِـبْهُمُ  فَـإِنـَّكَ تَـفْرَحُ 
دَعَامَةُ عِقْـدِ  الدِّينِ  وَالدِّينُ  أَفْيَـحُ
وَلا الحَوضَ والمِْيزانَ  إِنَّـكَ  تُنْصَـحُ
مِنَ النَّارِ أَجْسَاداً مِنَ  الْفَحْمِ   تُطْرَحُ
كَحبِّ حَمِيْلِ السَّيْلِ إِذْ جَاءَ يَطْفَـحُ
وَقُلْ فِي عَذَابِ  الْقَبْـرِ  حَـقٌّ  مُوَضَّحُ فَكُلُّهُمُ يَعْصِي  وَذُو الْعَرْشِ   يَصْفَـحُ
مَقَالٌ لِمَنْ يَهْـوَاهُ   يُرْدِي    وَيفْضَحُ
أَلا  إِنَّمَا  المُرْجِيُّ   بِالدِّينِ   يَمْـزَحُ
وَفِعـلٌ   عَلـى   قَــولِ    النَّبِـيُّ    مَصَـرَّحُ
بِطَاعَتِـهِ  يَنْمِـي  وَفِي   الوَزْنِ   يَرْجَحُ فَقَوْلُ  رَسُولِ  اللهِ أَزْكَى   وَأَشْـرَحُ
فَتَطْعَنَ  في  أَهْلِ   الْحَدِيثِ   وتَقْدَحُ
فَأَنْتَ  عَلَـى    خَيــرٍ   تَبِيْــتُ     وَتُصْبِــحُ



بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المنظومة الحائية
إنْ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شررور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله ، أما بعد :
1- كان المسلمون في الصَّدْرِِ الأوَّل – عصرِ الصَّحابة ومَنْ بعدهم من القرون المُفضَّلةِ - يعتقدون ما جاء في القرآن والسنة ، ثم ظهرت الفِرَقِ الضالةُ كفرقةِ الخوراجِ والشِّيعةِ والمُرْجِئة والقَدَريةِ ، ونشطَ دُعاةُ الضلال في ترويجِ هذه الأفكارِ المُنحرفة ، وفي مقابل هذه الفرق الضالة والبدع الحادثة هيأ الله أهلُ العلم في بيان عقيدةِ أهل السنَّةِ والجماعةِ  فحرَّروها ودوّنوها في كُتبٍ سمَّوها الإيمان أو الشريعة أو السنّة أو التوحيد ، وردّوا فيها على المُخالفين على مر العصور أمثال الإمام مالك والإمام أحمد والإمام البخاري وشيخ الإسلام بن تيمية وتلميذه ابن القيم وغيرهم من العلماء مما يطول ذكرهم رحمهم الله ، فصار هذا من لُطفِ الله بهذهِ الأُمَّةِ ليبقَى دينُها ، فإنّ الله يُقيِّضُ لهذا الدِّينِ حُماةً في كلِّ زمانٍ يحفظُونه .
2- ثم إنّ بعض العلماءِ اعتَنَوا بِمُتُونِ العقيدةِ ونَظَمُوها ، لأنّ النَّظمَ أَخفُّ على النَّفسِ وأسرعُ في الحِفْظِ ، وأبقى في الذاكرةِ ، ومن ذلك هذه المَنظُومَةِ التي بين أيدينا ، تسمى حائِيَّةُ ابنِ أبي دَاوُدَ في العقيدة وأصول الدين ، وهي تَتَضمَّن عقيدته وما كان عليه ، وأنه متَّبِعٌ للسَّلف في ذلك ، وتحتوي على بضع وثلاثين أو أربعين بيتاً ، وسُمِّيتْ " الحَائِيَّة " لأنها على رَوِيِّ الحَاء ، ينتهي كل بيت منها بحرف الحاء ، مثلُ المِيْمِيَّةِ لابن القيم ، والنُّونية له ، على رَوِيِّ النُّون أو الميم ، فالنَّظْمُ إذا كان على قافيةٍ واحدةٍ فإنّه يُسمى باسم هذه القافية ، أما إذا كان النَّظمُ ليس على قافيةٍ واحدةٍ ، وهو ما يُسمَّى بالرَّجَز ، فهذا يُسمى بالمنظومة أو الأُرْجُوزةِ ، مثلُ منظومةِ السَّفَّارِينيّ في العقيدة ، ومنظومةِ الرَّحبيّة في الفرائض .
3- والمؤلف هو أبو بكرٍ عبدالله بنُ أبي دَاوُدَ (سُليمانَ) بنِ الأشْعَثِ السِّجِسْتَانيُِّ رحمه الله تعالى ، المعروف بـ " ابن أبي داود " ، ووالدهُ أبو داودَ صاِحبُ السننِ ، التي هي السُّننِ الأرْبَعِ من دواوينِ السُّنَّةِ المُهمةِ ، وهو من أصحابِ الإمامِ أحمدَ وتلامِيذِه ، وأحد نقلة مذهب الإمام أحمد ، وابنُه هذا هو : النَّاظِمُ عبدالله ، ويُكنَى أبَابَكرٍ ، وهو إمامٌ جليلٌ ، ولد سنة ثلاثين ومائتين ، أخذَ عن أبيهِ ، وعن غيرِه من عُلماءِ وقته ، وتَبحَّر في العِلْمِ والرِّوايةِ وحَدَّث ، وله مقامٌ عظِيمٌ في العِلْمِ لا يقلُّ عن مَقامِ أبيه .
4- فجاءت هذه القصِيدةُ مُتضّمِّنةٌ لعقيدةِ السَّلفِ  في أهم المسائل على وجه الإجمال ، وخاصة المسائل التي جرى فيها الخلاف بين أهل السنة والجماعة والمخالفين لهم من أهل البدع وهذه المسائل هي : التمسك بالقرآن والسنة والتحذير من البدع ، مسألة القرآن وأنه كلام الله غير مخلوق ، الرؤية ، اليدان ، النزول ، فضائل الصحابة والتابعين رضي الله عنهم  ، القدر ، عذاب القبر والمسآلة ، الحوض ، الميزان ، الشفاعة ،الخوارج والتحذير منهم ، الإيمان ، التمسك بالقرآن والسنة وترك الرأي ، والناظم رحمه الله لم يستوعب كل مسائل العقيدة ، منها : الإستواء ، الصحف ، الحساب .
5- والناظم هو من أئمة أهل السنة والجماعة ، وكان حنبليّ المذهب ، وقال عنه الإمام بن القيم :
وكذا الإمام ابن الإمام المرتضى                  حقاً أبي داود ذي العرفان
تصنيفه   نظماً   ونثراً   واضح                  في السنة المثلى هما  نجمان                     
6- قال المؤلف ابن أبي داود : " رأيت جنازة إسحاق بن راهوية ، ومات إسحاق وكنت مع ابنه في الكُتَّاب " ، وكان المؤلف ذا همة عالية منذ صغره في التحصيل والطلب ، ومن دلائل هذه الهمة قوله رحمه الله : " دخلتُ الكوفة ومعي درهم واحد ، فاشتريت به ثلاثين مداً باقلا ، فكنت آكل منه مداً ، وأكتب عن أبي سعيد الأشج ألف حديث ، فلما كان الشهر حصل معي ثلاثون ألف حديث ، ما بين منقطع ومرسل " ، من تلامذته أبو حفص عمر بن شاهين ، والإمام الدار قطني ، وأبو عبد الله بن بطة .
7- ولابن أبي داود في تقرير عقيدته الحائية المشهورة " موضع الشرح " ، قد ساقها جماعة من الأعلام في كتبهم العقدية وعلى رأسهم ابن أبي يعلى ، والذهبي ، وقد جاء عنه أنه قال في تمام هذه القصيدة : " هذا قولي ، وقول أبي ، وقول أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى ، وقول من أدركنا من أهل العلم ، وقول من لم ندرك من أهل العلم مِمن بلغنا قوله ، فمن قال عليّ غير ذلك فقد كذب "
8- قال الأزهري : " أُخرج أبوبكر بن أبي داود إلى سجستان في أيام عمرو بن الليث ، فاجتمع إليه أصحاب الحديث وسألوه أن يحدثهم فأبى ، وقال : ليس معي كتاب ، فقالوا : ابن أبي داود وكتاب ؟! ، قال أبو بكر : فأثاروني ، فأمليت عليهم ثلاثين ألف حديث من حفظي " ، وقال أبو عبد الرحمن السلمي : " سألت الدار قطنيّ عن أبي بكر بن أبي داود ، فقال : ثقة " ، وقال الخطيب البغدادي : " كان فقيهاً عالماً حافظاً " ، وقال الذهبي : " كان من بحور العلم ، بحيث إن بعضهم فضله على أبيه " ، توفى سنة ست عشرة وثلاثمائة .
9- من شروحات هذه المنظومة ، شرح الإمام أبوبكر الآجري ، شرح ابن البناء الحنبلي ، وأبو عبد الله بن بطة في الإبانة ، والتحف السنية للشيخ د. عبدالرزاق بن عبدالمحسن البدر ، شرح الشيخ سعود الشريم ، وقد اعتمدت بعد توفيق الله سبحانه وتعالى في هذا التلخيص على الشروحات التالية :
أ- شرح الشيخ عبدالرحمن بن ناصر البراك – سي دي سلسلة ميراث الأنبياء .
ب- لوائح الأنوار السنية ولواقِح الأفكار السُّنِّيَّة شرح عقيدة ابن أبي داود الحائية ، للإمام محمد أحمد السّفاريني الحنبلي ، وعليها بعض المآخذ ، دراسة وتحقيق عبدالله بن سليمان البصيري نال بها درجة الدكتوراه ، مجلدين .
ج- المنظومة الحائية للإمام ابن أبي داود ، شرح الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان .
وختاماً أسأل الله عز وجل أن يجعل عملي هذا وكل أعمالي خالصة لوجهه الكريم ، وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه ، إنه سميع مجيب ،،، تلخيص الطالب / عبد الله أبو بكر عبد الرحمن باوراث 20/1/1429هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح حائية ابن أبي داود
[1] تَمَسَّـكْ  بِحَـبْلِ اللهِ  واتَّبِعِ الْهُـدَى        ولا تَـكُ بِدْعِيَّـاً لَعّلَّـكَ تُفْلِــحُ
[2] وَدِنْ  بِكِتابِ اللهِ  وَالسُّـنـَنِ  الَّتِـي      أَتَتْ  عَنْ  رَسُولِ  اللهِ   تَنْجُو  وَتَرْبَحُ
[3] وَقُـلْ غَيـرُ  مَخْلُوقٍ كَلامُ  مَلِيكِنـَا       بِـذَلكَ  دَانَ الأَتْقِيَاءُ  وأَفْصَحُــوا
[4] وَلا  تَكُ  في  القُرآنِ   بالْوَقْفِ    قَائِلاً       كَمَا  قَـالَ  أَتْبَاعٌ  لِجَهْمٍ وأََسْجَحُـوا
[5] ولا  تَقُـلِ   القُرْآنُ   خَـلْقاً    قِرَاءَةً    فَإنَّ كَـلامَ   اللهِ  بِالْلَّفْظِ  يُــوضَحُ
[6] وقُـلْ  يَتَجَلَّى اللهُ  لِلْخَلْقِ   جَـهْـرَةً     كَمَا  الْبَدْرُ لا يَخْفَى  وَرَبُّكَ  أَوْضَـحُ
[7] وَلَيْسَ  بَمَوْلُـودٍ  وَلَيْسَ   بِـوَالِــدٍ          وَلَيْسَ  لَهُ   شِـبْهٌ    تَعَالَى    المُسَبِّحُ
[8]وَقَـدْ   يُنْكِرُ الْجَهْمِيُّ هَــذَا  وَعِنْدَنَا      بِمِصْـدَاقِ مَا قُلْنَـا حَدِيثٌ  مُصَرِّحُ
[9] رَواهُ  جَرِيْـرٌ عَـنْ مَقَـالِ  مُحَـمَّدٍ  فَقُـلْ  مِثْلَمَا قَدْ قَالَ فِي ذَاكَ  تَنْجَحُ
[10] وَقَـدْ يُنْكِـرُ الْجَهْمِيُّ أَيْضَاً   يَمِينـَهُ      وَكِلْتَـا  يَدَيْـهِ بِالفَوَاضِـلِ تَنفْـحُ
[11] وَقُـلْ يَنْـزِلُ الجَبَّارُ فِـي كُـلِّ لَيْلَةٍ        بِلا كَيْفَ جَـلَّ الوَاحِـدُ المُتَمَـدَّحُ         
[12] إلى طَبَـقِ   الدُّنيَا يَمُـنُّ  بِفَضْلِــهِ        فَتُفْـرَجُ  أَبْوَابُ  السَّـمَاءِ وَتُفْتَـحُ
[13] يَقُولُ أَلا مُسْـتَغْفِـرٌ يَلْـقَ  غَافِـراً        ومُسْـتَمْنِحٌ  خَـيراً  وَرِزْقاً   فَيُمْنَحُ
[14] رَوَى ذَاكَ قَـوْمٌ لا يُـرَدُّ حَــدِيْثُهُمْ       أَلا خَابَ قَــومٌ كَذَّبـُوْهُمْ وَقُبِّحُوا
[15] وقُـلْ إِنَّ خَيرَ النَّاسِ  بَعْـدَ  مُحَمَّـدٍ      وَزِيـرَاهُ  قِدَماً ثُمَّ  عُثْمَانُ  الأَرْجَـحُ
[16] وَرَابِعُهُـمْ خَـيرُ البَرِيـَّةِ بَعْـدَهُـمْ   عَلِـيٌّ  حَلِيفُ  الخَـيْرِ  بِالْخَيْرِ مُنْجِحُ
[17] وإِنَّهُـمُ لَلْرَّهْـطُ لا رَيْـبَ فِيهِــمُ  على نُجُبِ  الفِرْدَوْسِ  بالخُلْدِ    تَسرَحُ
[18] سَعِيْدٌ وَسَعْـدٌ وَابْنَ عَـوْفٍ وَطَلْحَـةٌ     وَعَامِرُ  فِهْــرٍ  والْزُّبَيْـرُ   المُمَـدَّحُ
[19]وَقُلْ خَـيرَ قَولٍ في الصَّحَابَةِ  كُلِّهِـمْ    ولا تَـكُ طَعَّانـَّاً تَعِيـبُ وَتَجْـرَحُ
[20] فَقَدْ نَطَقَ  الوَحْيُ المُبِينُ  ِبفَضْلِهِــمْ    وَفِي الفَتــحِ آيٌ لِلصَّحَابَةِ تَمْـدَحُ
[21] وَسِبْطَيْ   رَسُوْلِ  اللهِ  وابْنَيْ  خَدِيْجَةٍ وفَاطِمةٌ    ذَاتُ    النَّقْاءِ     تَبَحْبَحُوا
[22] وَعائِشُ      أُمُّ  المُؤْمِنينَ       وَخَالُنَا        مُعَاوِيَةٌ    أَكْرِمْ     بِهِ   ثُمَّ      امْنَحُ
[23] وأنْصَارُهُ    وَالْهَاجِرُونَ       دِيارَهُمْ  بِنَصْرَتِهِمْ  عنْ   كَيَّةِ  النَّارِ   زُحْزِحُوا
[24] وَمِنْ  بَعْدِهِمْ   فَالتَّابِعُونَ  لِحُسْنِ   ما        حَذَوُ  حَذْوَهم قَوْلاً  وَفِعْلاً    فَأَفْلَحُوا
[25] وَمَالِكٌ    وَالثَّوْرِيُّ   ثُمَّ      أَخُوهُمُ  أبُو عَمْرٍو   الأَوْزَاعِيُّ  ذَاكَ   الْمُسَبِّحُ
[26] ومَنْ   بَعدِهُمْ   فَالشَّافِعِيُّ     وَأَحْمَدٌ إِمَامَا  هُدَىً  مَنْ  يَتْبَعِ   الْحَقَّ  يَنْصَحُ
[27] أُولَئِكَ   قَوْمٌ  قَدْ   عَفَا  اللهُ     عَنْهُمُ       فَـأَحْـبـِـبْهُمُ  فَـإِنـَّكَ تَـفْرَحُ 
[28] وَبِالقَـدَرِ المَقْـدُورِ أًيْقِـنْ    فَإِنـَّهُ دَعَامَةُ عِقْـدِ  الدِّينِ  وَالدِّينُ  أَفْيَـحُ
[29] وَلا تُنْكِـرَنْ جَهْلاً نَكِيْراً   وَمُنْكَـراً     وَلا الحَوضَ والمِْيزانَ  إِنَّـكَ  تُنْصَـحُ
[30] وقُـلْ يُخْـرِجُ اللهُ الْعَظِيمُ  بِفَضْلِـهِ        مِنَ النَّارِ أَجْسَاداً مِنَ  الْفَحْمِ   تُطْرَحُ
[31] عَلَى  النَّهْرِ فيِ الْفِرْدَوْسِ تَحْيَا    بِمَائِهِ كَحَبِّ حَمِِيْلِ السَّيْلِ إِذْ جَاءَ يَطْفَـحُ
[32] وَإنَّ رَسُـولَ اللَّـهِ لِلْخَلْـقِ شَافِـعٌ        وَقُلْ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ  حَـقٌّ  مُوَضَّحُ
[33] ولا تُكْفِرَنَّ أَََهْلَ الصَّلاةِ وإِنْ  عَصَـوْا      فَكُلُّهُمُ يَعْصِي  وَذُو الْعَرْشِ  يَصْفَـحُ
[34] ولا تَعْتَقِــدْ  رَأْيَ  الخَوارجِ  إِنَّـهُ        مَقَالٌ لِمَنْ يَهْـوَاهُ   يُرْدِي   وَيفْضَحُ
[35] ولا تـَـكُ مُرْجِيَّـاً  لَعُوباً  بِدِينِـهِ  أَلا  إِنَّمَا  المُرْجِيُّ   بِالدِّينِ   يَمْـزَحُ
[36]وقُــلْ  إِنَّمَا الإيمَانُ  قَـولٌ  وَنِيَّـةٌ  وَفِعلٌ  عَلى  قَـولِ   النَّبِيُّ   مَصَرَّحُ
[37] وَيَنْقُصُ  طَـوْراً  بِالْمَعَاصِي  وَتَـارَةً     بِطَاعَتِهِ  يَنْمِي  وَفِي   الوَزْنِ   يَرْجَحُ
[38] وَدَعْ عَنكَ آراءَ الرِّجَالِ  وَقَـوْلَهُـمْ       فَقَوْلُ  رَسُولِ  اللهِ أَزْكَى  وَأَشْـرَحُ
[39]وَلا  تَكُ  مِنْ  قَوْمٍ   تَلَهَّـوْا   بِدِينهِمْ  فَتَطْعَنَ  في  أَهْلِ   الْحَدِيثِ  وتَقْدَحُ
[40]إذا مَا اعْتَقَدْتَ الدَّهْرَ يَا صَاحِ    هَذِهِ        فَأَنْتَ عَلَـى  خَيرٍ  تَبِيْتُ    وَتُصْبِحُ

















بسم الله الرحمن الرحيم
أسئلة في شرح المنظومة الحائية في عقيدة أهل السنة والجماعة - للإمام أبي بكر عبدالله بن أبي داود السِّجِسْتَانِي
 (1) أجب على الأسئلة التالية باختصار :
1- أما أهل التأويل فيقولون : " ينزلُ أمره ، أو ينزل ملك من الملائكة " كيف تردّ عليهم ؟
__________________________________________________________ .
 2- الإيمان بالقضاء والقدر يتضمن أربعَ مراتبَ ، أذكرها مع ذكر دليل لكل مرتبة ؟
__________________________________________________________ .
__________________________________________________________ .
3- لماذا قدّم النبي صلى الله عليه وسلم في إمارة غزوة مؤتة مولاه زيد بن ثابتة على جعفر بن أبي طالب وهو ابن عمه
___________________________________________________________ .
4-  لماذا سمى المؤلف هذه المنظومة " الحَائِيَّة " ؟ . _________________________________ .
(2) أذكر البيت الذي يشير إلى هذا المعنى :
1- مأخوذ من سورة الإخلاص ؟ _________________________________________ .
2- الله الملك الجبار ينزل إلى السماء الدنيا في كل ليلة نزولاً يليق بذاته بلا تشبيه ولا تكييف ولا تمثيل ولا تحريف؟
___________________________________________________________ .
3- أصحاب الكبائر لا يخلدون في النار يوم القيامة ؟ _______________________________ .
4-  فعليك بهذه الأمور الثلاثة : تمسَّك بكتاب الله ، واتَّبعِ الهُدى ، وتَجَنَّبِ البِدَعَ ، فإن أخللت بواحدة من هذه الثلاث فإنك تخسرُ ولا تُفْلِحُ أبداً ؟ ________________________________________ .
(3) أكمل ما يلي :  1- قال ابن حجر: " وهذا الذي أشرت إليه كله يمنع تأويل اليدين بالنعمة أو القوة _____
___________________________________________________________.
__________________________________ بل وكل من قبل ما جاءت به الرسل ، وآمن به "
2- فإن كان كافراً أعطي كتابه _______________ ، وإن كان مؤمناً عاصياً يعطى كتابه ___________________ ، وأما المؤمن الطائع  فيعطى كتابه __________ .
3- صفة _________ مذكورة في سبع آيات من القرآن ، ، وروي عن الإمام مالك رضي الله عنه أنه سئل عن الآية ، فقال : " الكيف غير معقول ، ________________________________ ، وقال للسائل : أراك رجل سوء " . فمذهب أهل السلف ______________________، وأما مذهب الخلف فحملوا ______ الوارد في الآيات والآحاديث بمعنى " _____ "  ، فـ ______هو القهر والغلبه وهذا تأويل باطل .
4- عند أهل السنة والجماعة آخبار الآحاد ليست ظنية ، بل هي تفيدُ ____________ ، ما دامت صحت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ويؤخذ بها في _________________ وغيرها .
5- الأشاعرة أثبتت الصفات المعنوية من ________________________________ ، وأما ما ورد به السمع  من لفظ اليدين والعين والوجه ونحوها _________________، والصحيح هو مذهب ______________ ،  وهو إجراء أحاديث الصفات على ظاهرها مع نفي الكيفية والتشبيه عنها .
6- فالواجب الاعتراف بفضل الصحابة ومكانتهم ______________________________ .
______________________________________________ مأجور ومعذور .
(4) من القائل :          1- " إذا صحَّ الحديثُ فهو مذهبي " ؟ _________________________ .
2-  " الكل مقر بأن معاوية ليس كفواً لعلي رضي الله عنهما في الخلافة " ؟ __________________
3- " إنْ لم تكنْ الفرقةُ الناجيةُ أصحابُ الحديثِ فلا أدري مَنْ هم " ؟ . ___________________ .
4- حكى إجماع أهل الحق من المسلمين وهم أهل السنة والجماعة أن الصحابة كلهم عدول ؟ __________ .
5-  إنْ جاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلى الرَّأسِ والعين ، وإذا جاء الحديث عن أصحابِ رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلى العين والرأس ،  وإذا جاء الحديثُ عن التابعين فهم رجالٌ ونحن رجالٌ _______ .
(5) اختار الإجابة من القائمة ( أ ) ما يناسبها من القائمة (ب) :
رقم
القائمة (أ)
رقم
القائمة ( ب )
1
الخوارج

يطعنون في خلافة أبوبكر وعمر ، ويسمونهما صنمي قُريشٍ
2
عبدالله بن مسعود

" الخِلافُ شرٌّ "
3
الرافضة

وزيرا رسول الله صلى الله عليه وسلم
4
أهل السنة والجماعة

حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم
5
الزبير بن العوام

أمين هذه الأمة
6
الأشاعرة

الإيمان قول باللسان وإعتقاد بالجنان وعمل بالأركان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية
7
الحسن والحسين

فضلها على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام
8
مرجئة الفقهاء

العبدُ ليسَ له اختيارٌ ولا مَشيئةٌ ، فهو كالآلة بيد من يحركها
9
المعتزلة

إنّ العبدَ يخلقُ فعلَ نفسهِ ، ( مَجُوسُ هذهِ الأمَّةِ )
10
معاوية بن أبي سفيان

بشرها النبي صلى الله عليه وسلم ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولانصب
11
الأنصار

سيِّدا شبابِ أهلِ الجنة
12
أبو عبيدة بن الجراح

القرآن كلام الله منزل غير مخلوق
13
أبوبكر وعمر

يكفرون مرتكب الكبيرة ، وأنه مخلد في النار
14
الجهمية أتباع جهم

القرآن العربي ليس هو كلام الله ، وإنما كلامه المعنى القائم بنفسه
15
أم المؤمنين عائشة

لا يحبهم إلا مؤمن ، ولا يبغضهم إلا منافق
16
أم المؤمنين خديجة

كسرى العرب ، وأول الملوك
17
الصوفية

الإيمان التصديق بالجنان والقول باللسان .
18
المرجئة

يجعلون الرقص والدُّفوفَ والأغاني من الدين ، وينشدونها .
19
من علامات الإيمان

لا يَضرُّ مع الإيمان معصيةٌ ولا يَنفعُ من الكُفرِ طاعةٌ ،
20


أن تحب السَّلف الصالحَ ، وإئمةَ الإسلامِ .
اسم المتسابق : ______  ____ ، بواسطة : _________ جوال : ___________
آخر موعد لتسليم الإجابة يوم الجمعة 6ربيع الأول 1429هـ ، عبدالله أبوبكر عبدالرحمن باوارث
حل أسئلة في شرح المنظومة الحائية في عقيدة أهل السنة والجماعة - للإمام أبي بكر عبدالله بن أبي داود السِّجِسْتَانِي
 (1) أجب على الأسئلة التالية باختصار :
1- أما أهل التأويل فيقولون : " ينزلُ أمره ، أو ينزل ملك من الملائكة " كيف تردّ عليهم ؟ ينزل الله عز وجل نزولاً يليق بجلاله ، ونقول لهم : فهل الأمر أو الملك يقول : مَنْ يسألُني فأُعطيه ؟ ، مَنْ يستَغْفِرني فأَغفِرْ له
2- الإيمان بالقضاء والقدر يتضمن أربعَ مراتبَ ، أذكرها مع ذكر دليل لكل مرتبة ؟
أ- العلم ، ب- الكتابة ، دليلهما ( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا ) ج- المشيئة والإرادة : الدليل ( فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ) ، د-  الخَلْقُ والإيجادُ  : الدليل ( وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ)
3- لماذا قدّم النبي صلى الله عليه وسلم في إمارة غزوة مؤتة مولاه زيد بن حارثة على جعفر بن أبي طالب وهو ابن عمه
كلاهما من السابقين في الإسلام ، لكن زيد أسبق .
4-  لماذا سمى المؤلف هذه المنظومة " الحَائِيَّة " ؟ . لأنها على رَوِيِّ الحَاء ، ينتهي كل بيت منها بحرف الحاء .
(2) أذكر البيت الذي يشير إلى هذا المعنى :
1- مأخوذ من سورة الإخلاص ؟ وَلَيْسَ  بَمَوْلُـودٍ  وَلَيْسَ   بِـوَالِــدٍ         وَلَيْسَ  لَهُ   شِـبْهٌ    تَعَالَى    المُسَبِّحُ


[1]  1- تمسك أيها المسلم واعتصم بحبل الله الذي هو القرآن والسنة ، قال تعالى : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا )(آل عمران: 103) ،  وَاتَّبعِ الهدى الذي شرعه الله على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى : ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (التوبة:33) ، واحذر من إرتكاب البدع والأهواء لتفوز بالفلاح والتقوى والدرجات العالية في الجنة .
2- فهذا البيت مأخوذ من القرآن والسنة ، هو الأمر بالتمسك بحبل الله ، وحبلُ الله هو وحيه الذي أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم سواء أكان قرآناً أو سنة ، قال تعالى : ( وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ) ( الأعراف : 170 ) ، ولقوله صلى الله عليه وسلم : ( أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة ، وإن تأمر عليكم عبد ، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين ، عضوا عليها النواجز ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل بدعة ضلالة ) رواه أبو داود وأحمد والترمزي من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه ، ولقوله صلى الله عليه وسلم : ( إنّ الله يَرْضى لكم ثلاثاً ويكره لكم ثلاثاً ، فيرضى لكم أنْ تعبدُوه ولا تُشْركوا بهِ شيئاً ، وأن تعتصموا بحبلِ الله جميعاً ولا تَفَرَّقُوا ، أنْ تُنَاصِحُوا مَنْ وَلاَّه الله أمْرَكُمْ ، ويكرُ لكم قيلَ وقال ، وكثرةَ السؤالِ وإضاعةِ المالِ ) أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة ، فلا يحصل الاختلاف والافتراق إلا بسبب عدم التمسُّك بكتابِ الله وسُنَّة رسُوله صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى : ( وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (آل عمران:105) .
3- والبدعة هو ما أُحْدِثَ في الدين مما ليس له أصل في كتاب الله ولا سُنةِ رسوله صلى الله عليه وسلم ، يقصد بها التقرب إلى الله سبحانه ، والله نهانا عن الإبتداع في الدين ، والنبي صلى الله عليه وسلم حذرنا من الإبتداع في الدين ، قال تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً)(المائدة: 3) ، فالدين كامل لا يحتاج إلى أن تضيف إليه أشياء تستحسنها ، كالأذكار البدعية ، وجميع أنواع التقرب إلى الله إذا لم يكن عليه دليل ، فهو بدعة ، وفي الصحيحين عن أم المؤمنين عائشة الصديقة بنت الصديق رضي الله عنهما قالت : ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من أحدث في أمرنا هذا لما ليس منه فهو رد ) ، وفي رواية : ( مَنْ عمل عملاً ليس عليه أَمْرُنا فهو ردٌ ) ،  وأخرج الطبراني بإسناد حسن من حديث أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنّ الله حجب التوبة عن كل صاحب بدعة حتى يدع بدعته ) ، وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه : ( من رغب عن سنتي فليس مني ) .
4- فإذا كنت تريد الفلاح ، فلا تغتر بعملك ولكن عليك أن تأتي بالأعمال الصالحة ، وترجو من الله عز وجل ، فعليك بهذه الأمور الثلاثة : تمسَّك بكتاب الله ، واتَّبعِ الهُدى ، وتَجَنَّبِ البِدَعَ ، فإن أخللت بواحدة من هذه الثلاث فإنك تخسرُ ولا تُفْلِحُ أبداً ، قال تعالى : ( فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ) (المؤمنون:102-103) ، وقال تعالى : ( وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(النور: الآية31).
[2]  1- اتَّبعْ في دِينكَ كِتابَ الله ، المنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو القرآن العظيم ، فحلل حلاله وحرم حرامه ، واتَّبعْ سُننَ الرسولِ صلى الله عليه وسلم ، وهي الأحاديثُ الصحيحة ، فاجعلْ عملكَ مأخُوذاً من كتاب الله ، ومنْ سُنَّةِ رسُول الله صلى الله عليه وسلم ، ليس مأخوذاً عن الأهواء والبدع والمُحدثاتِ ، قال تعالى : ( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (الأنعام:153) تنجُ من الآفات وتسلم من المهلكات ، وتفوز في دار النعيم .
2-  وأصول الإستدلال عند الأُصوليين المتفق عليه أربعة ، القرآن الكريم ، والسنة النبوية ، والإجماع والقياس ، فالسنة النبوية هي الوحي الثاني بعد القرآن ، قال تعالى :  ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)(النور: 63) ، وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) (النساء:59) ، وروى البيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً : ( من تمسك بسنتي عند فساد أمتي فله أجر مائة شهيد ) ، وروى أبو داود والدارمي ومسلم ابن ماجه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً ، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من اتبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً ) .
3- ومن المعلوم والمقرَّر أنّ العمل بالسنّة من العملِ بالقرآن ، لأن الله جعل وعلا يقول :  ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)(الحشر: 7) ، وقال تعالى : ( مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ )(النساء: 80) ، وقال تعالى : ( وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)(لأعراف: 158) وقال تعالى : (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)(النور: 56) .
4- والقرآن فيه مجملات ، والسنةُ هي التي تُبيِّنُها وتفصِّلُها ، والله عز وجل يقول :  ( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ )(النحل: 44) ، فهي تفصيل لمجمله ، وتقييد لمُطلقه ، وقد ينسخ القرآنُ بالسنة والسنة بالقرآن ، وقد حذّر النبي صلى الله عليه وسلم عن الذين يعرضون عن السنة فقال : ( ألا يُوشِكُ رجلٌ شَبْعانُ مُتَّكيءٌ على أريكتِه يُحَدِّثُ بِحديثٍ من حديثي ، فيقول : بيننا وبينكُم كتابُ الله عزّ وجل ، فما وجدنا فيه من حلال استحْلَلْنَاه ، وما وجدنا فيه من حرامٍ حرَّمناه ، ألا وإنّ ما حرّمَ رسولُ الله مثلُ ما حرَّم الله ) ، من حديث المقدام بن معد يكرب ، أخرجه أبودواد وابن ماجه وأحمد ، وكذا قوله صلى الله عليه وسلم : ( أٌوتيتُ القرآنَ ومثلهُ معه ) ، يعني السنة .
5- ولا يعتدّ بقولهم آخبار آحاد لا يؤخذ بها في العقائد ، إنما يؤخذ بها في الفروع ، لأنها أدلة ظنيةٌ ، نقول : ظنية عندكم ، أما عند أهل السنة والجماعة فهي ليست ظنية ، بل هي تفيدُ اليقين والعلم ، ما دامت صحت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ويؤخذ بها في العقائد والمعاملات وغيرها .
6- أما ما جاء عن غير الرسول صلى الله عليه وسلم فيُنظر فيه ، فإن وافق الكتاب والسنة أُخِذَ به ، وإن خالف الكتابَ والسنةَ فإنه يُرّد على صاحبه ، قال الإمام الشافعي : " إذا خالفَ قولي قولَ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فخُذوا بقولِ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم ، واضربوا بقولي عُرْضَ الحائطِ ) عُرْضَ : أي جانبه ووسطه ، ويقول الإمام مالك : ( كُلَّنَا رادٌّ ومَردودٌ عليه إلا صاحبَ هذا القبر ) ، وقال أبو حنيفة : " إنْ جاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلى الرَّأسِ والعين ، وإذا جاء الحديث عن أصحابِ رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلى العين والرأس ،  وإذا جاء الحديثُ عن التابعين فهم رجالٌ ونحن رجالٌ ) ، فإن وافق الكتاب والسنة أخذنا به ، وإنْ خالفَ تركناه .
[3]  1- وقل أيها المسلم المتبع للآثار والسلف الصالح أن القرآن كلام الله غير مخلوق ، وبذلك اعتقد الأتقياء من الأئمة هذا القول ، وأظهروه للناس وأفصحوا غاية الإفصاح وناظروا وجادلوا ، وألفوّ وكتبوا  وقالوا : القرآنُ منزلٌ غير مخلوق ، وردوا القول المخالف لخطورته وشناعته ، ولما فيه من تنقُّص لله عز وجل .
2- من عقيد أهل السنة والجماعة من الصحابة والتابعين ومن تبعهم أنهم يقولون : أنّ القرآن كلامُ الله حقيقة ، تكلَّم الله به سبحانه وتعالى وأوحاه إلى جبريل عليه السلام ، فسمعه جبريل من الله ونزل به إلى محمد صلى الله عليه وسلم وبلغه محمد صلى الله عليه وسلم إلى الأمة ، قال تعالى : ( وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) (الشعراء: 192-195) فهذا توثيق لسند القرآن الكريم ، أنّه تلقته أمّة محمد صلى الله عليه وسلم عن محمد صلى الله عليه وسلم عن جبريل عن الله عز وجل ، فهو كلام الله .
3- فالقرآن كلام الله قديم النوع حادث الآحاد ، وأنه سبحانه وتعالى متكلم في الأزل ، ويتكلم إذا شاء بما شاء بلا كيف ، نزل به الروح الأمين على قلب سيد المرسلين بلسان عربي مبين ، وهو سور وآيات وحروف وكلمات ، وهو مائة وأربعة عشرة سورة أولها الفاتحة وآخرها المعوذتان ، مكتوب في المصاحف متلو في المحاريب ، مسوع بالآذان متلو بالألسن ، له أول وآخر وأجزاء وأبعاض ،  تحدى الله الخلق بالإتيان بمثله فعجزوا ، قال تعالى : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر:9) ، وقال تعالى : ( قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (الاسراء:88) .
4- أما إضافته إلى المَلَك في قوله تعالى : ( إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) (التكوير:19)  ، وإضافته إلى محمد صلى الله عليه وسلم في قوله : (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ )(الحاقة: 40-41) ، فهي إضافة تبليغٍ ، فمحمدٌ صلى الله عليه وسلم وجبريلُ عليه السلام كلاهما مُحتمِّلٌ ومبلِّغٌ لكلام الله ، والكلام إنما يضافُ إلى منْ قاله مبتدئاً ، لا إلى من قاله مُبلِّغاً مُؤدِّياً ، لأنه لا يمكن أن يكون الكلام من ثلاثة ، فالله أخبر أنه كلامه ، وأضافة إلى الرسولِ الملَكي ، وإلى الرسول البَشري ، من باب إضافة التبليغ فحسب ، وهو كلام الله ابتداءً ، وهو كلام جبريل ومحمدٍ صلى الله عليه وسلم تبليغاً عن الله عز وجل .
5- ومن أسماء الله تعالى الملك وهو الذي يستغني في ذاته وصفاته عن كل شيء ويحتاج إليه كل شيء وهو يوصف بالملك  والمالك والمليك أي مالكنا ومالك الناس أجمعين ، وكلها في القرآن ، قال تعالى : ( مَلِكِ النَّاسِ) (الناس:2) ، ( تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ )(الملك: 1) ، ( لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ)(غافر: 16)، وقال تعالى : (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) (الفاتحة:4) ،  ( قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ )(آل عمران: 26) وقال تعالى : (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) (القمر:55)  ، فالمليك هو الملك ، والله عز وجل هو مالِكُ المُلكِ ، وأما ملوك الدنيا فإنما مُلكهم عارية ، يؤتيها الله من يشاء منهم ، ثم ينزِعُها منهم ويُعطيها للآخر .
6- فأهل السنة الجماعة يقولون أنّ القرآن كلام الله منزل غير مخلوق ، قال تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ)(الزمر: 2) ، ( تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) (الزمر:1) ، ( مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ)(الأنعام: 114) ، وموسى سمع كلام الله من الله بلا واسطة ، والمؤمنون يسمعه بعضهم من بعض ، فسماع موسى مطلق بلا واسطة ، وسماع الناس مقيد بواسطة ، قال تعالى : ( وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ) (الشورى:51) والله عز وجل وصفه بأنه كلامُه ، قال تعالى: ( وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ )(التوبة: من الآية6) .
7- أما الأشاعرة فيقولون : أنّ القرآن العربي ليس هو كلام الله ، وإنما كلامه المعنى القائم بذاته ، والقرآن العربي خلق في بعض الأجسام الهواء وغيره  ليدل على ذلك المعنى ، أو ألهمه جبريل أو ألهمه محمد فعبر عنه بالقرآن ، أو يكون أخذه جبريل من اللوح المحفوظ ،  قال الإمام أحمد : " من قال إنّ القرآن عبارة عن كلام الله فقط غلظ وجهل " ، فقولهم إنه مكتوب في اللوح المحفوظ ، وإنّ جبريل أخذه من اللوح المحفوظ ، ونزل به على محمد صلى الله عليه وسلم ، وهذا قول باطل ، فإنّ جبريل لم يأخُذْه من اللوح المحفوظ ، وإنما أخذه عن الله عز وجل ، نعم أنه مكتوب في اللوح المحفوظ ، قال تعالى : ( بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ) (البروج:21-22) ، لأن قولهم هذا وسيلة إلى الله خلقه في اللوح المحفوظ ، وفيه وصف الله بالعجز ، وأنه لا يتكلم ولا يأمر ولا ينهى ، وأنّ هذا القرآن ليس كلام الله ، وأنه مخلوق ،  فهو مأخوذ من قول الجهمية .
7- فإن الجهمية أتباع جهم بن صفوان ومذهبهم نفي الصفات عن الله تعالى ، وهو القائل " بأن الإنسان مجبور لا قدرة له ولا اختيار " ، وقال : " إن الإيمان المعرفة بالقلب وقال بخلق القرآن ، وبفناء الجنة والنار ، وبدعة نفي الأسماء والصفات ، وإن كان الجعد بن درهم سبقه إلى بعض ذلك ، فضحى به خالد بن عبدالله القسري أمير العراقيين من جهة هشام بن عبدالملك الأموي ، بواسطة يوم النحر وقال : " يا أيها الناس ضحوا ، تقبل الله ضحاياكم فإني مضح بالجعد بن درهم ، إنه زعم أنّ الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً ، ولم يكلم الله موسى تكليماً ، تعالى عما يقول الجعد بن درهم علواً كبيراً ثم نزل فذبحه ) .
[4]  1- ولا تكن في القرآن الكريم بالوقف قائلاً بأن تقول : أنا لا أقول القرآن مخلوق أو غير مخلوق ، بل أتوقَّف ! وهذا شيطان أخرس ، لأنه إذا توقف توهّم الناس أنّ القرآن مخلوق ، فلا بدّ من البيان ،  وهذا  كما قال أتباع الجهم بن صفوان ، وهو مذهبُ الواقِفةِ الذين لا يقولون مخلوق أو غير مخلوق ، وهو كتمان بيان الحق ، والواقفية من فرق الجهمية ، قال الإمام أحمد : " الواقفية هم الذين يقولون القرآن كلام الله ، ولا يقولون غير مخلوق ، قال : وهم من شر الأصناف وأخبثها "، وأسمحوا أي جادوا  بالقول بخلق القرآن ولانوا وتسامحوا  مع قول الجهمية ولم ينكروا عليهم ، بل توقَّفوا في هذه المسألة .
2- في الحقيقة هذا القول أخبث من قول الجهمية القرآن مخلوق ، لأنّ الجهمية صرّحُوا وعُرِفَ مذْهبُهُم ، أما هذا فهو يخدع الناس في أنّه متورع ، فلا يكفي التوقُّفُ ، بل لا بدّ من التصريح ببُطلان هذا القول .
[5]  1- ولا يجوز لك أن تقول لفظي بالقرآن مخلوق ، ولا أن تقول لفظي بالقرآن غير مخلوق ، لأنّ هذا قول مجمل ، فيجب عدم إطلاق هذا اللفظ نفياً أو إثباتاً إلا مع البيان ، فلا بدّ من التفصيل بأن تقول : ماذا تريدٌ بقولك : لفظي بالقرآن ، هل تريد التلفُّظَ والصوت ، أو تُريدُ الملفوظَ به ، فإن كنت تريد الملفوظُ بِه والمتلوَّ  ، فإنه كلام الله ، وهو غير مخلوق ،  أمّا إذا أردتَ به التلفُّظَ بالصوت الذي تنطِقهُ بلسانك ، فهذا مخلوقٌ ، فلسانك مخلوقٌ ، وصوتُك مخلوقٌ ، ولفظُك مخلوقٌ ، ولهذا قال أهل السنة : " الصوتُ صوتُ القَارِي ، والكلامُ كلامُ البارِي " ، فإن كلام الله الذي هو القرآن باللفظ أي بتلفظ القارئ له ، يكشف ويظهر ويبّين .
3- قال الإمام أحمد " من قال اللفظ بالقرآن أو لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي " ، لأن هذا اللفظ مجمل ، ، قال ابن تيمية : " لأن اللفظ يراد به مصدر لفظ يلفظ لفظاً ، ومسمى هذا فعل العبد ، وفعل العبد مخلوق ، وقد يراد باللفظ القول الذي يلفظ به اللافظ ، وذلك كلام الله لا كلام القارئ ، فمن قال إنه مخلوق ، فقد قال إن الله لم يتكلم بهذا القرآن ، وإنّ هذا القرآن الذي يقرؤه المسلمون ليس هو كلام الله ، ومعلوم أنّ هذا مخالف لما علم بالاضطرار من دين الرسول ، وأما صوت العبد أي فعل العبد فهو مخلوق " .
4- فمذاهِبُهم ثلاثةٌ :
الأول : مذهب الجهمية وهو التصريح بأنّ القرآن مخلوق .
الثاني : مذهبُ الواقِفةِ ، فلا يقال : مخلوقٌ أو غيرُ مخلوقٍ .
الثالث : مذهبُ اللفظيَّةِ ، الذين يقولون لفظي بالقرآنِ مخلوقٌ أو غيرُ مخلوقٍ ، فنقول لهم لا بدّ من التفصيل .
أما مذهب أهل السنة والجماعة فالقرآن كلام الله غير مخلوق .
[6]  1- وقل أيها المسلم يتجلى الله سبحانه وتعالى للخلق من المسلمين ، أي يظهر سبحانه وتعالى ويكشِف الحجاب عنه جلاّ وعلا ، يراه أهل الجنة يوم القيامة ، كالبدر لا يخفى على أحد في إبداره مع الصحو ، وهي ليلة الخامس عشر أو الرابع عشر ، وهي ليالي الإبدار ، وفيها تمام القمر ، وربك أيها المخاطب ورب الخلائق أجمعين أظهر وأبين من البدر ، لأن البدر من مخلوقاته .
2- كما في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وفيه : ( قال الناس يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ قال : هل تضارون في الشمس ليس دونها حجاب ؟ قالوا : لا يا رسول الله ، قال : هل تضارون في القمر ليلة البدر وليس دونه سحاب ؟ قالوا : لا يا رسول الله ، قال : إنكم ترونه يوم القيامة ) .
قال الحافظ البيهقي وابن الجوزي : " التشبيه للرؤية وهو فعل الرائي لا للمرئي ، والمعنى ترون ربكم رؤية ينزاح معها الشك ، كرؤيتكم القمر ليلة البدر لا ترتابون ولا تمترون " ، فالله يتجلّى لهم ، أي يظهر لهم كما يليق بجلاله يوم القيامة ، فيرونه عياناً بأبصارهم لا يُضامُّون في رؤيته ، ولا يتضامون ، يعني لا يتزاحمون لرؤيته ، فلا يلحقكم في رؤيته مشقة ، فإنكم ترونه وكل واحد في مكانه لا ينازعه رؤيته أحد ، يرونه عياناً بأبصارهم كما يرون الشمس صحواً ليس دُونها سَحابٌ ، وكما يرونَ القمرَ ليلةَ البدرِ ، وهذا تشبيهٌ للرؤيةِ بالرُّؤيةِ لا المرئي بالمَرئي .
3- المعروف عند أهل السنة والجماعة أن صفات الله تعالى قسمان :
أ- صفات ذاتيه كالحياة والعلم والقدرة والوجه واليدين ونحوهما ، فهذه قديمة وهي صفات لازمه لله تعالى .
ب-  صفات فعلية وهي التي تتعلق بمشيئته وحكمته ، فإن اقتضت حكمته فعلها ، وإن اقتضت حكمته أن لا يفعلها ، لم تكن ، وهذا مثل الخلق والرزق والإحياء والإماته والكلام والنزول والإستواء وغير ذلك من صفات فعله ، فهذا يكون قديم النوع أو الجنس ، وإن كانت آحاده توجد شيئاً فشيئاً وحيناً آخر .
4- هذه مسألة رؤيةِ الله جلاّ وعلا ، هل الخلق يرون الله تعالى أو لا يرونه ؟ فالجهمية والمعُتزلة كلُّهم ينفون الرؤية ، ويقولون أنّ الله لا يُرى ، لأنّ الرؤية للأجسام ، والله غيرُ جسمٍ ، فينفون الرؤية بتاتاً في الدنيا وفي الآخرة ، والصوفية يقولون إنّ الله يرى في الدنيا والآخرة ، أما القول الثالث فهو القولُ الحقُّ ، وهو مذهب أهل السنة والجماعة أنّ الله يُرى في الآخرة ، يراه أهل الجنة كما تواترت بذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أما في الدنيا فالناس لا يطيقون رؤيته سبحانه ، ولما طلب موسى عليه السلام رؤية الله في الدنيا ، قال تعالى : ( قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ)(الأعراف: 143) ، وقول الله لموسى (لَنْ تَرَانِي ) ، ليس معناه النفيّ المؤبد ، فالمعنى لن تراني في الدنيا ، بدليل أن الرؤيا ثبتت في الآخرة .
5- فمذهب أهل السنة والجماعة أنّ الله عز وجل يُرى يوم القيامة ، يراه أهل الجنة ، كما تواترت الأدلة  : قال تعالى : ( لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ )(يونس: 26) ، الحُسنى هي الجنة ، والزيادة هي النظرُ إلى وجه الله كما في صحيح مسلم من حديث صهيب ، وقال تعالى : ( لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ) (قّ:35) ، أي لهم ما يشاءون في الجنة ، ولدينا مزيد وهو رُؤية الله جلا وعلا ، وقال تعالى : ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) (القيامة:22-23) أي ناظرة بأبصارها ،  فالنظر ثلاثة أنواع :
الأول : إنْ عُدِّي بنفسه ( يَنْظُرونَ ) فمعناه التوقف والانتظارُ .
الثاني : إنْ عُدِّي بـ ( في ) فمعناه التفكرُ والإعتبارُ ، كما قال تعالى : ( أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ )(الأعراف: 185) .
الثالث : إنْ عُدِّي بـ ( إلى ) فمعناهُ المعاينة بالأبصار ، قال تعالى : ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) (القيامة:22-23) ، أي ناظرة بأبصارها ، قال شارح الطحاوية : " وإضافة النظر إلى الوجه الذي هو محله في هذه الآية ، وتعديته بأداة "إلى" الصريحة في نظر العين ، وإخلاء الكلام من قرينة تدل على خلاف حقيقته ، وموضوعه صريح في أنّ الله أراد بذلك نظر العين التي في الوجه إلى الرب جلّ وعلا " .
6- وأما الكفارُ فلما لم يؤمنوا به في الدنيا ، حجبهم الله عن رؤيته يوم القيامة ، قال تعالى : )كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) (المطففين:15) ، فإنّ الكفار محجوبون عن رؤية الله ، فهذا يُفهم منه أنّ المؤمنين لا يُحجبون عن رؤية ربهم ، وإلا كان الكفار والمؤمنونَ سواءً في الآحرة ، لا فرق بينهم .
7- أما قوله تعالى : ( لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ )(الأنعام: 103)  ، فالإدراك غير الرؤية ، أنت ترى الشمس وتُبصِرُها ، ولكنْ لا تدركها أي لا تحيطُ بِجرمها وحقيقتها ،  فلا تُحيطُ بالمريء من كلِّ جانب ، وإنّما تراه ، فهذا في المخلوق ، فكيف بالخالق سبحانه وتعالى . فالمؤمنون  يرون ربهم يوم القيامة ، ولكن لا يدركونه ، أي لا يُدركون عظمته جلّ وعلا ، ولا يُحيطون به علما ، فنفي الإدراك غير نفي الرؤية ، بل قالوا : إنّ نفيَ الإدراكِ يدلُّ على أنّه يُرى ، ولكنّه لا يُدركُ ، يعني لا يحاط به سبحانه وتعالى .
[7]  1- ليس الله سبحانه وتعالى بمولود ، ولده والد ، وفي هذا نفي للشريك والشبيه ، لأنّ الولدَ شبيهٌ لوالده ، وشريكٌ له ،  وليس هو تقدّس وتعالى بوالد لشيء من المولدات ولا الملائكة ولا عيسى بن مريم ، ولا العزير عليهما السلام ، ولا غيرهم ، وليس له سبحانه شبه ، فالله عز وجل ، تعالى وارتفع قدره وتقدس ، فهو المسبّح المنزه عن أن يكون والد الشيء  أو مولوداً في شيء  أو شبيهاً لشيء .
 2- هذا البيت مأخوذٌ من قول الله تعالى في سورةِ الإخلاص : ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) ، فيها نفيٌّ وإثبات ، إثبات الكمالياتِ له جلّ وعلا أي إثبات الأحدية والصمدية لله جلّ وعلا ، ونفيُ النقائص عن الله ، أي   نفيُ الوَلد والوَالد عنه سُبحانه ، ونفيُ المُشابهةُ والمِثْلِيَّة له سبحانه وتعالى ، فلا يُشْبِهه شيءٌ من خلقه .
أ-  ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) هذا إثبات أنّ الله واحد لا شريك له في ربوبيته ولا في إلهيتِه ولا في أسمائه وصفاته ، فهو واحدٌ في أنواع التوحيد الثلاثة .
ب- (اللَّهُ الصَّمَدُ ) هذا إثبات ، أي الذي تَصْمُدُ له الخلائقُ ، وتطلبُ منه حَوائِجَها .
ج- (لَمْ يَلِدْ ) هذا نفيٌ ، يعني ليس له ولدٌ ، فهو سبحانه وتعالى منزَّهٌ عن الولد .
د- ( وَلَمْ يُولَدْ ) هذا نفيٌ للشريك والشَّبيهِ ، لأنّ الولدَ شبيهٌ لوالده ، وشريكٌ له ، وأيضاً الولد إنَّما يكون للحاجة ، والله سبحانه وتعالى منزه عن ذلك ، قال تعالى : ( قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ)(يونس: 68) .
هـ  (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) هذا نفيٌ ، فالله عز وجل ليس له شبيهٌ ولا مثيلٌ ، فلا أحد يُكافئُهُ سبحانه وتعالى أو يساوِيه أو يُشابِهه أو يُماثِله أبداً ، قال تعالى : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ )(الشورى: 11) ، فهذا نفي للمثيل والشَّبيهِ والنظيرِ ، وقال تعالى : ( هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً)(مريم: 65) ، أي هل تعلمُ أحداً يساويه سبحانه وتعالى ويُساميه على الحقيقة ؟ وليس معناه لا يتسمَّى أحدٌ باسمِه ، كالملكِ والعزيز .
3- القرآن على ثلاثة أقسام :
أ- إمّا توحيدٌ ، وهو الإخبارُ عن الله وعبادتِه ، والنَّهيُ عن الشِّركِ به .
ب- وإمّا أوامرٌ ونواهٍ ، وهي الحلال والحرام والأحكام الشرعية .
ج- وإما إخبارٌ عن الرسلِ والأمم ، والماضي والمُستقبلِ ، والجنَّةِ والنار .
فسورة الإخلاص خلِّصَتْ بالقسم الأوَّلِ ، وهو الإخبار عن الله عز وجل ، فهي في التوحيد ، ولذلك صارت تَعدِلُ ثُلث القرآن في الفضل ، في الحديث الذي رواه البخاري : ( أيعجزُ أحَدُكُم أن يقرأَ ثُلُثَ القُرآنِ في ليلة ؟ فشقّ ذلك عليهم ، وقالوا : أيُّنا يطيقُ ذلك يا رسول الله ؟ فقال : الله الواحدُ الصمدُ ثُلُثُ القرآن .. ) .
4- ففي قوله تعالى : ( لَمْ يَلِدْ ) : فيه ردٌ على الذين أثبتوا الولدَ لله تعالى ، وهم :
أ- النصارى : حيث قالوا : المسيحُ ابن الله ،
ب- اليهود : الذين قالوا : عُزيرٌ ابنُ اللهِ قال تعالى : ( وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ)(التوبة: 30) .
ج- المشركين : الذين قالوا : الملائكةُ بناتُ الله ، فجعلوا لله البنات وهم يكْرهُونَهُنّ ، قال تعالى : ( وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ )(النحل: 62) ، ( فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ) (الصافات:149) ، ( أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) (الطور:39) .
5- قال ابن تيمية : " الذي اتفق عليه سلف الأمة أن يوصف الله تعالى بما وصف به نفسه ، وبما وصف به رسوله من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل ، فإنه قد علم بالسمع مع العقل ، أنّ الله ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله " ، كما قال تعالى : ( رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً)(مريم:65)  ، وقال تعالى : (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)(البقرة: من الآية22) ، وقال تعالى : (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ)(الاخلاص:3-4) ، وقال تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)(الشورى: 11) .
[8]  قد ينكر أتباع جهم بن صفوان أنّ الله يتجلىّ للخلق بما يليق بجلاله فيراه المؤمنون عياناً بأبصارهم يوم القيامة ، ولا مستند لهم في ذلك الإنكار ، وعندنا معشر أهل السنة والجماعة بمصداق الذي قلناه  في إثبات الرؤية أحاديث كثيرة متواترة من رواية جماعة من الصحابة رضي الله عنهم .
[9]  1- روى هذا الحذيث الصحيح جرير بن عبدالله البجلي رضي الله عنه ، وهو من جُملةِ الرُّواة من الصحابة ، وإلا فقد رواهُ غيرُه من الصحابة ، فالنَّاظم أراد أنْ يُمثِّل فحسب ،  قال جرير : كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ نظر إلى القمر ليلة البدر ، فقال : ( أما إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته ...) أخرجه الشيخان ، فرواه جبريل من قول مُحمدٍ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقلْ أيها المسلم وطالب النجاة ومتبع السنة وأهل الحق  ما قاله الرسُولُ صلى الله عليه وسلم الصادق المصدوق  في التجلي ورؤية المؤمنين لرب العالمين في جنات النعيم وكذا في الموقف ، وقل أيضاً مثل ما قال النبي صلى الله عليه وسلم من نحو ذلك من سائر الصفات الذاتية والخبرية والفعلية  تَنْجَحُ بموافقة الصواب ومتابعة السنة والكتاب  ولا تخالف قول الرسول صلى الله عليه وسلم فتخسرْ ، فإنّ الرسول صلى الله عليه وسلم لا ينطق على الهوى ، قال تعالى : ( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) (النجم:3-4) ، فقوله صلى الله عليه وسلم حقٌّ لا يتطرَّقُ إليه شكٌّ .    
2- فرؤية المؤمنون لرب العالمين في الآخرة ثابتة بالكتاب والسنة ، وإجماع أهل الحق من أهل السنة والجماعة ، وأنكرها أهل البدع من الجهمية والرافضة ، من الأدلة قال تعالى :( لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ )(يونس: 26) قال أهل العلم : الحسنى : الجنة ، والزيادة : النظر إلى وجهه الكريم ، وقال تعالى :( لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ)(قّ:35) وهو النظر إلى وجه الله عز وجل ، وقال تعالى : ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) (القيامة:22-23) ، فأضاف الله سبحانه وتعالى النظر إلى وجهه الذي هو محله ، وتعديته بأداة " إلى " الصريحة في نظر العين ، وإخلاء الكلام من قرينة ، قال ابن عباس : ( إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ربنها ناظرة ) قال : تنظر إلى وجه ربها عز وجل .
[10]  1- قد ينكر أتباع جهم بن صفوان  ومن وافقهم من المعطلة والفلاسفة وذويهم أيضاً ، أي مع إنكاره لرؤيته تعالى وتجليه لعباده المؤمنين في دار كرامته ، ينكر إثبات اليدين لله عزّ وجل ، وكلتا يدي الله عزّ وجل بالفواضل أي بالعطاء والنعم الجسمية والأيادي الجميلة  تُعطي الخلق وتُمِدهم ، وتنفح : أي تنضحُ والمراد تنعم وتعطي الكثير والقليل ، فهي مستمرة في العطاء الذي لا ينقطِعُ من الله سبحانه وتعالى ، واليهودُ قبحهمُ الله ، لما وصفوا الله عزّ وجل بالبخل ، قال تعالى : ( وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ) (المائدة:64) ، يعني بالجُود والعطاء والكرم .
2- وقول الناظم " قدْ " تفيد التحقيق ، مثلُ : قدْ قامتِ الصلاةُ ، ومنه قوله تعالى : ( لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا )(آل عمران: 181) ، وقال تعالى : ( قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ )(الأحزاب: 18) ، وتأتي للتَّقليلِ ، مثل : قدْ يجودُ البخيلُ ، وهي هنا في البيت ليست للتقليل ، إنما هي للتحقيق .
3- فالله عز وجل له صفاتٌ ذاتية مثل اليدين والوجه والقدمين والأصابع ، وله صفات فعلية مثلُ النزول والإستواء والكلام والخلق والرزق ، فكلما جاء الدليل بإثباته لله من صفات الذات فإننا نثبته  لله عزّ وجل خلافاً للمعطلة وعلى رأسهم الجهمية  والمبتدعة فإنهم ينكرون سائر الصفات الخبرية من الوجه والعين واليد ونحوها مما أضيف إلى الله سبحانه وتعالى مما وردت به الآيات والأحاديث ، مما يوهم التشبيه والتجسيم تعالى الله عما يزعمون ، وخلافاً للمُمَثِّلةِ الذين يغلونَ في الإثبات ، حتى يُشبِّهوا صفاتِ اللهِ بصفاتِ خَلقه ، فهم على طرفي نقيض ، فهؤلاء غلوا في التنزيهِ حتى نفوا أسماء الله وصفاته ، وهؤلاء غلوا في الإثبات ، حتى شبهوا الله بخلقه .
4- فأهل السنة والجماعة وسطٌ بين الفريقين ، فيثبتون لله ما أثبته لنفسه من صفات الذات وصفات الأفعال ، خلافاً للمعطلة ، إثباتاً بلا تثميل ، وخلافاً للمشبهة ، كما قال تعالى : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)(الشورى: 11) ، فقوله : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) هذا ردٌّ على المُمَثلة ، وقولُه : (وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) هذا ردٌ على المعطلة .
5- أما الأشاعرة أثبتت الصفات المعنوية من الحياة والقدرة والإرادة والسمع والبصر والعلم والكلام ، وأما ما ورد به السمع  من لفظ اليدين والعين والوجه ونحوها فأولتها ، والصحيح هو مذهب أهل السنة والجماعة وهو إجراء أحاديث الصفات على ظاهرها مع نفي الكيفية والتشبيه عنها ، محتجين بأن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات ، فإذا كان إثبات الذات إثبات وجود ، لا إثبات تكييف ، فكذلك إثبات الصفات إثبات ووجود ، لا إثبات تكييف ، وقالوا : لا نلتفت في ذلك إلى تأويل ، لأنا لسنا منه على ثقة ويقين لاحتمال عدم إرادته ، لأنه مأخوذ بطريق الظن والتجويز ، لا على سبيل القطع والتحقيق ، فلا ينبني الإعتقاد على مثل ذلك .
6- قال الشيخ عبدالله الغنيمان في شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري عند شرحه لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( يد الله ملآى لا يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار ، وقال : أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض ، فإنه لم ينغضى ما في يده ، وقال : عرشه على الماء ، وبيده الأخرى الميزان يخفض ويرفع ) ، وقد اضظرب أهل التأويل في تأويلهم اليد اضطراباً يدل على أنهم على باطل ، والعاقل المنصف يعجب إذا رأى ما كتبه ابن حجر في شرحه لهذا الباب ، فإنه ذكر بعض أقوال أئمة الأشعرية ، ثم قال : " واليد في اللغة تطلق على معانٍ كثيرة اجتمع لنا منها خمسة وعشرون معنى ، والنصوص في هذا الباب جاءت معينة معنى واحداً لا غير ، هو يدا الله الكريمتين ، وما عدا ذلك فهو بهتان عظيم " ، ثم قال : " هذا وقد تنوعت النصوص في كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم على إثبات اليدين لله تعالى ، وإثبات الأصابع لهما ، وإثبات القبض بهما وتثنيتهما ، وأنّ إحداهما يمين في نصوص كثيرة ، والأخرى شمال كما في صحيح مسلم ، وأنه تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ، وبالنهار ليتوب مسيء الليل ، وأنه تعالى يتقبل الصدقة من الكسب الطيب بيمينه فيربيها لصاحبها ، وأن المقسطين على منابر من نور عن يمين الرحمن ، وكلتا يديه يمين ، وغير ذلك مما هو ثابت عن الله ورسوله .. " ، ثم قال : " وهذا الذي أشرت إليه كله يمنع تأويل اليدين بالنعمة أو القوة أو الخزائن أو القدرة ، أو غير ذلك ، ويجعل التأويل في حكم التحريف ، بل هو تحريف ، وقد آمن المسلمون بهذه النصوص على ظاهرها ، وقبلوها ، ولم يتعرضوا لها بتأويل تبعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته وأئمة الهدى ، بل وكل من قبل ما جاءت به الرسل ، وآمن به " .
7- من صفات الله الذاتية اليدان ، وقد جاء إثباتهما في الكتاب والسنة ، قال تعالى : ( وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ )(الزمر: 67) ، وقال تعالى : ( قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ )(صّ: 75) ، وفي الحديث ( يدُ اللهِ ملأى سَحَّاءَ الليلِ والنهار ) رواه الشيخان من حديث أبي هريرة ، فهما يدان حقيقتان ، لكن ليستا كَيَديْ المخلوقين ، بلْ يدان تَليقان بجلال الله وعظمته ، لا يعلمُ كيفيتهما إلا الله جل وعلا ، فأهل السنة والجماعة إثبات اليدين لله تعالى ، ونفي عنهما التشبيه والتمثيل ، أما أهل التعطيل يؤولون اليدَ بمعنى القدرة ، أو بمعنى النِّعمة ، فهذا تأويل باطل من وجوه :
أولاً : يُؤَوِّلُونَها  بمعنى القدرة ، فيقولون : (لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ) ، أي بقُدرَتي ! ، فيقال لهم : الله عز وجل ذكر اليدين بلفظ التثنية ، فهل الله عز وجل له قدرتان ، أو قدرةٌ واحدةٌ ؟ فلا يوجد إلا جواب واحدٌ ، هو أنّ الله له قدرة واحدة ، ولا يصح أن يقال له قدرتان ، وفي قوله (لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ )  ، هل يقالُ معناه بقدرتيَّ ، لا أحدٌ يقول ذلك
ثانياً : يُؤَوِّلُونها بمعنى النعمة ، فكأنْ تقول : لك يدٌ عندي ، أي لك نعمةٌ عندي ! ، فإذا قال قائلهم معنى : (لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ )  : بِنِعْمَتيَّ ! ، يقال له : هل الله جل وعلا ليس له إلا نعمتان فحسب ، أم أنَّ جميع النِّعم منه سبحانه وتعالى ؟ .
ثالثاً : ميزّ الله سبحانه وتعالى آدم على غيره من البشر أن خلقه بديه ، قال تعالى : (لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ) ، وأما باقي الخلق خلقهم الله عز وجل بقدرته ، فإذا فسِّرتِ اليدُ بالقدرة ، فلا فرق بين آدم وغيره ، فهذا وجه الردِّ على هؤلاء .
8- جاء لفظُ اليمين والشِّمال في الحديث ، عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنّ المٌقْسطين عندَ الله على منَابِرَ من نُورٍ على يمينِ الرَّحمنِ ، وكلتا يديهِ يمينٌ ...) رواه مسلم ، فهي شمالٌ بمعنى اليمين ، وذلك تنزيهاً ليده عز وجل من التَّنَقُّصِ ، لأنه إذا سمع السامع إثبات الشِّمال لله ، فربَّما يقع في نفسه أنّها مثلُ شِمالِ المخلوقين ، لأن يدَ المخلوقِ الشمال ليست مثل اليمين ، بل أنقصُ ، والشمال كما هو معلوم إزالة الأذى والتَّنظيفِ ، وأما اليمين فهي لما يُستطابُ والأخذِ والإعطاءِ والأكلِ والشُّرب وغير ذلك ، فالنبي صلى الله عليه وسلم نفى هذا التوهم .
[11]  1- اعتقد أيها المسلم الذي تمسَّك بالكتاب والسنة وقل ولا تتردَّد  أن الله الملك الجبار ينزل إلى السماء الدنيا في كل ليلة نزولاً يليق بذاته بلا تشبيه ولا تكييف ولا تمثيل ولا تحريف ، ولا يختص نزوله بليلة دون أخرى ، ولا يتوهم لنزوله كيفاً ، عظموا الله في وحدانيته ، فهو الواحد الأحدُ ، الذي لا شريك له في ذاته ولا في أسمائه وصفاته ، ولا في أفعاله ، ولا في عبادته جلّ وعلا ،  وهو المتَّصفُ بصفاتِ المدحِ والكمالِ .
 2- فأهل السنة والجماعة يثبتون نزول الرب سبحانه وتعالى في كل ليلة حين يبقى ثلثُ الليلِ الأخيرِ  إلى السماء الدنيا من غير تشبيه له بنزول المخلوقين ، والنزول من صفات الأفعال التي يفعلها الله جلّ وعلا بمشيئته وإرادته متى شاء ، وهذا النزول تواترت به الأحاديثُ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم رواها جماعاتٌ من الصحابة وهو في الصِّحاحِ ، فيقول الرب عز وجل : " مَنْ يسْتَغْفِرُنِي فأَغْفِرَ لهُ ، من يسألُني فأُعْطِيَهُ ، هل مِنْ تائِبٍ فأتُوبَ عليه ، هلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأغْفِرَ لهُ ؟ هلْ من سائلٍ فأُعطيهُ ) رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة ، وكذلك يثبتون نزول الجبار عشيةَ عرفة ، فيُباهي بعباده الملائكة ، ويقول : ( انظروا إلى عبادِي أَتَوْنِي شُعْثاً غُبْراً ، مِنْ كُلِّ فَجٍّ عميقِ ، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قدْ غَفَرْتُ لهم ) أخرجه أحمد وابن حبان من حديث أبي هريرة ،  وكذلك يثبتون ما أنزل الله في كتابه من ذكر المجيء والإتيان في ظلل من الغمام والملائكة ، قال تعالى : ( وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً) (الفجر:22) ، وقال تعالى : ( هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ )(البقرة: 210) .
3- عن أبي سعيد الخضري وأبي هريرة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( أنّ الله يمهل حتى إذا كان ثلث الليل الأخير نزل إلى سماء الدنيا فينادي هل من مستغفر ، هل من تائب ، هل من سائل ، هل من داع ، حتى ينفجر الفجر ) أخرجه أحمد ومسلم ، ورواه البخاري ولفظه : ( ينزل ربنا عز وجل إلى السماء الدنيا ) .
4- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول : من يدعوني فأستجيب له ، ومن يسألني فأعطيه ، ومن يستغفرني فأغفر له ) رواه البخاري ومسلم وأبوداود والترمزي وغيرهما .
5-  قال القاضي أبو يعلى : " وقد وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بالنزول إلى السماء الدنيا والعلو ، لا على جهة الانتقال والحركة كما جازت رؤيته وتجلى للجبل لا على وجه الحركة ، والنزول صفة ذاتية فلا نقول نزوله بانتقال "
6-  قال ابن تيمية في شرح حديث النزول ما ملخصه : " نزول الرب تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا في كل ليلة استفاضت به السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم واتفق سلف الأمة وأئمتها على تصديق ذلك وتلقيه بالقبول ، وهو في جميع كتب أهل الإسلام كصحيحي البخاري ومسلم وموطأ مالك ومسند الإمام أحمد وسنن أبي داود ، فإن قلت الذي ينزل ملك ، قيل هذا باطل من وجوه منها : أنّ الملائكة لا تزال تنزل بالليل والنهار إلى الأرض ، وأن العبارة :" من يسألني فأعطيه ، من يستغفرني فأغفر له " لا يجوز أن يقولها ملك غير الله ، فالملك إذا نادى عن الله لا يتكلم بصيغة المخاطب ، بل يقول : إنّ الله أمر بكذا وكذا ، وأما الحديث الذي احتجوا به " ثم يأمر منادياً .." ، إن صح فإن الرب يقول ذلك ويأمر منادياً بذلك ، لا أنّ المنادي يقول : " من يدعوني فأستجيب له " .
7- أما أهل التأويل فيقولون : ينزلُ أمره ، أو ينزل ملك من الملائكة ، فهل الأمر أو الملك يقول : مَنْ يسألُني فأُعطيه ؟ ، مَنْ يستَغْفِرني فأَغفِرْ له ؟ هل يمكن أن يصدر ذلك من المَلك ، فليس المراد إذن ينزِلُ أمره ، وليس المراد ينزِل مَلَكٌ من الملائكة ، إنما المراد ينزل الله عز وجل نزولاً يليق بجلاله ، وكذلك قال أهل التأويل : النُّزولُ يَلزمُ عليه الحركةُ والانتقالُ ، فهل الله ينتقلُ من العرشِ إلى السماء الدنيا ويَتحرَّكُ ، فنقول : هذا بحث عن الكيفية ، ونحن لا نعلم الكيفية وأنّ الله ينزل كما يشاء ، وهو على كل شيء قدير .
8- الجبار اسم من أسمائه الحسنى ، وهو الذي يجبر عباده المُنكسرين ،  وهو الذي جبر وقهر الخلق على ما أراد من أمره ونهيه ، وقيل هو العالي المرتفع فوق خلقه ، قال تعالى : ( وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) (الأنعام:18) ،  والجبار في صفة الله تعالى صفة مدح ، وفي الخلق صفة ذم ، لأنهم تحت الخلق والمشيئة ، فعلى العبد أن لا يتجبر على غيره من عباد الله تعالى .
9- الجلال راجع إلى كمال الصفات ، كما أنّ الكبير راجع إلى كمال الذات ، والعظيم راجع إلى كمال الذات والصفات ، والفرق بين الواحد والأحد ، أنّ الواحد هو المنفرد بالذات ، والأحد هو المنفرد بالمعنى لا يشاركه فيها أحد ، وأما الوحيد فلا ينبغي إطلاقه على الله تعالى لأنه المنفرد عن أصحابه المنقطع عنهم ، ولأن أسماء الله وصفاته توقيفية لا يجوز تسميته بما لم يرد به القرآن والسنة .
10- إذا قال لك الجهمي : " أنا أكفر برب ينزل أو يزول عن مكانه " فقل أنت : " أنا أؤمن برب يفعل ما يشاء " ذكره البخاري .
[12]  1- ينزل الجبار تعالى إلى سماء الدنيا وهي القريبة إلى الأرض كيف يشاء  ، فالسَّماءَ سَبعُ طِباقٍ ، قال تعالى : ( أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً) (نوح:15) ، بعضها فوق بعض ،  يَمُنُّ بفضله ، فيعطي ويحسن إلى من لا يستثيبه ولا يطلب الجزاء عليه ، بفضله ، والفضل ضد النقص ، والفضيلة الدرجة الرفيعة في الفضل ، فيقول سبحانه : هلْ منْ سائلٍ فأعطِيَهُ ؟ هذا مَنٌّ وفضلٌ من الله ، ويقولُ : هلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فأَغْفِرَ له ، هلْ مِنْ تائبٍ فأتوبَ عليه ؟ كل هذا من فضله سبحانه وتعالى يعرضُ على عباده كرمه وجودِه ، فتفرج أي تكشف وتنشق وتنصدع أبواب السماء وتفتح  لنزول المنح منها والرحمة والمغفرة وصعود العمل والدعاء ، فَتُفتحُ أبوابُ الإجابة  ،  فينبغي للمسلم  إذا بقي ثلث الليل الأخير أن يكون مستيقِظاً ، وأن يستغفرَ ويتوبَ ويسألَ ، ويصلي ويدعو فهي فرصة عظيمة ، يحرص عليها حتى لا يفوته النداء الإلهي ، قال تعالى : ( كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (الذريات: 17-18) .
2- من أسماء الله تعالى المنان ، وهو المنعم المعطي ، في الحديث : " ما أحد أمنُ علينا من ابن أبي قحافة " رواه البخاري من حديث أبي سعيد الخضري ، والمعنى ما أحدٌ أجودُ بماله وذات يده .
[13] 1-  يقول الملك الجبار في نزوله إلى سماء الدنيا " ألا " أداة تنبيه يعني تنبهوا لما سيُقال ، ألا مستغفر يطلب غفران ذنوبه ، فيقوم في ستر الظلام  طالبٌ للمِنحَةِ وهي العطاء من الكريم العلام ، ويسأل الله عز وجل مما يشاء من الخير والرزق ،  فإنه يلق غافراً ، وهو الله عز وجل ، فإنّ من أسماءه الغفَّار ، فهو الغفور ذو المغفرة ، وهو الذي يستر الذنوب بالعفو وعدم المؤاخذة ،  فالله يعطيه ما طلب في هذه الساعة أكثرَ من غيرها ويزيده عما فيه قد رغب .
2- الله عز وجل قريب مجيبٌ يقبلُ التوبةَ ، ويغفِرُ الذنوبَ في كل وقتٍ ، ولكن توجد أوقاتٌ لها خاصِّيَّةٌ تكونُ الإجابةُ فيها أكثرَ ، مثل الثلث الأخير من الليل ، ومثل الساعة التي في يوم الجمعة ، كما توجد أحوالٌ تكون الإجابة فيها أقربَ مثلُ حال السُّجودِ ، كما في قوله صلى الله عليه وسلم : ( أقربُ ما يكونُ العبدُ من ربِّه وهو ساجدٌ ) أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة ، ومثلُ حال الضرورة ، قال تعالى : ( أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ)(النمل: 62) ، فتوحد أوقات وأحوال تكون الإجابة فيها أكثر من غيرها ، وإلا فإنّ الله عز وجل يغفرُ ويُعطي ويسمعُ الدعاء ويُجيبُ في كل وقت من ليل أو نهار .
[14]  1- وروى حديث النزول ، جماعةٌ من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قوم لا يرد حديُثُهم ، ولا يطعن في خبرهم الذي ذكروه ، لأنه حديث متواترٌ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا حيلة لهم فيه ليردُّه من ناحية السند ، ، وذلك لثقتهم وعدالتهم وحفظهم وضبطهم ، ألا خاب وخسر وحرم قوم ، لأنهم كذبوا هذا الحديث ، ونَفوا النُّزولَ عنِ الله ، وأوّلوا حديثَ الرّسول صلى الله عليه وسلم ، وافتروا على الله كذباً ، وكذبوا أولئك القوم الذين لا يرد حديثهم أي نسبوهم إلى الكذب وهو ضد الصدق ، ونسبوهم إلى القبح وهو ضد الحسن.
2- القوم في الأصل مصدر قام فوصف به الإنسان ثم غلب على الرجال دون النساء ،  لأنهم قوامون على النساء بالأمور التي ليس للنساء أن يقمن فيها ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن نساني الشيطان شيئاً من صلاتي فليسبح القوم ، والتصفق النساء ) راه أبو داود من رواية أبي هريرة .
3- وإذا قيل قبحه الله فعمناه أبعده ، ومنه الحديث " لا تقبحوا الوجه " رواه أحمد من حديث أبي هريرة  أي لا تقولوا قبح الله وجه فلان .
4- تتمة : لم يذكر الناظم مسألة الإستواء مع أنها من أعظم مسائل المعترك بين أهل السنة وأهل البدع ، بل وبين علماء السلف وعلماء الخلف ممن ينتسب إلى المذاهب الأربعة وغيرها من أهل الحق ، ولكنه أشار بالتجلي وبالنزول ، وبقوله " فكلهم يعصي وذو العرش يصفح " ، إلى ما يعلم منه ذلك ، فقد دلت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية على أنّ الله مستو على عرشه ، بائن من خلقه ، استواء يليق بذاته من غير تكييف ولا تمثيل ولا تحريف ولا تعطيل .
5- قال تعالى : ( ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ)(لأعراف: 54) وهذا مذكور في سبع آيات من القرآن ، وهذا يتضمن إبطال قول المعطلة الجهمية ومن نحا نحوهم القائلين ليس على العرش سوى العدم وإن الله تبارك وتعالى ليس مستوياً على عرشه ، ولا ترفع إليه الأيدي ولا يصعد إليه الكلم الطيب ، ولا رفع المسيح إليه ، ولا عرج برسوله محمد صلى الله عليه وسلم إليه ، ولا تعرج الملائكة والروح إليه " ، وروي عن الإمام مالك رضي الله عنه أنه سئل عن الآية ، فقال : " الكيف غير معقول ، والاستواء غير مجهول ، والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة ، وقال للسائل : أراك رجل سوء " ، فمذهب أهل السلف إثبات صفة الإستواء بلا كيف .
6- قال ابن القيم في مختصر الصواعق : " وظاهر الإستواء العلو والإرتفاع كما نص عليه جميع أهل اللغة وأهل التفسير المقبول ، فلا يحتمل استواء الرب تبارك وتعالى على عرشه المعدى بعلى المعلق بالعرش ، المعرف بالألف والام ، المعطوف على خلق السموات والأرض بثم مطرداً في موارده بهذا الأسلوب ولا يحتمل إلا معنى واحد لا معنين " .
7- وأما مذهب الخلف فحملوا الإستواء الوارد في الآيات والآحاديث بمعنى " استولى " فالاستواء هو القهر والغلبه وهذا تأويل باطل .
[15] 1- وقل بلسانك معتقداً بجنانك ، إن خير الأمم أمة محمد صلى الله عليه وسلم ،  قال تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ )(آل عمران: 110) ، وأفضل أمة محمد صلى الله عليه وسلم بعد "محمد صلى الله عليه وسلم " وزيرا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أي المستشاران للرسول صلى الله عليه وسلم ، وزيراه قدماً أي في ابتداء الأمر والنبوة ، والمراد بهما أبوبكر وعمر رضي الله عنهما ، ثم الثالث في الفضل هو عثمان رضي الله عنه على القول الراجح
2- الوزير هو المُؤازرُ والمؤيِّدُ لولي الأمر ، ويشاركه في الرأي ويشير عليه بالنصح ، قال تعالى : ( وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيراً)(الفرقان: 35) ، يؤازره ،  فأبوبكر وعمر هما وزيرا رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ، كما أنّ هارون وزيرُ موسى عليهما السلام ،  والإشارة في ذلك إلى حديث أبي سعيد الخضري رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ما من نبي إلا وله وزيران ، وزيران من أهل السماء ووزيران من أهل الأرض ، فأما وزيراي من أهل السماء : فجبريل وميكائيل ، وأما وزيراي من أهل الأرض : فأبوبكر وعمر ) رواه البخاري والترمزي .
3- ودليل خيرتهما وأفضليتهما على سائر أمة محمد بعد محمد صلى الله عليه وسلم ما أخرجه الشيخان وغيرهما من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( أي الناس أحب إليك ؟ قال عائشة ، فقلت من الرجال ؟ قال : أبوها ، فقلت ثم من ؟ فقال : عمر بن الخطاب ) ، وفي رواية : ( لست أسألك عن أهلك ، إنما أسألك عن أصحابك " .
4- وقد تواترت عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال : " خير هذه الأمة بعد نبيها : أبوبكر وعمر " رواه البخاري .
5- فقد أجمع الصحابة وأهل السنة والجماعة على أنّ أفضل الصحابة والناس بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أبوبكر رضي الله عنه ، ولي الخلافة بإجماع الصحابة واتفاقهم عليه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانت خلافته سنتين وأربعة أشهر ، وقد اختص بمزايا وخصائص دون غيره من الصحابة ، منها لمناصرته للرسول صلى الله عليه وسلم ومُلازمته له ،  أنه كان رفيقه وصاحبه في الهجرة ، قال تعالى : ( إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا )(التوبة: 40) ، ومنها أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أنابه في الصلاة بالمسلمين في مرضه فقال : ( مروا أبابكر فليصل بالناس ) متفق عليه من حديث عائشة وأبي موسى الأشعري ، وقال فيه عمر رضي الله عنه : ( أبوبكر سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله ) رواه البخاري ، ومنها ما ارتدّ مَنْ ارتدّ من العرب ، فالذي ثبت في وجوههم وقاتلهم هو أبوبكر حتى ثبَّت الله به هذا الدِّين ، وقمع به أهل الردة ، ويسمى بالصديق ، ودرحة الصديقين بعد الأنبياء ، قال تعالى : ( وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً) (النساء:69) ، والصِّدٍِّيقُ هو كثيرُ الصدقِ والمبالغ في الصدق ، قال صلى الله عليه وسلم : ( لا يزالُ الرجلٌ يَصْدُقُ ويتحرَّى الصدقَ حتى يُكتبَ عند الله صديقاً ) رواه البخاري من حديث عبدالله بن مسعود .
6- ثم عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، أعزّ الله به الإسلام ولذا سمّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفاروق ، لأنه فرق بين الحق والباطل لعبادة الله جهراً بسبب إسلامه ، ولم يعبد جهراً منذ بعث النبي صلى الله عليه وسلم قبل ذلك ، أخرج ابن سعد عن أيوب بن موسى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنّ الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه ، وعمر الفاروق ، فرق الله به بين الحق والباطل ) ، وأخرج البخاري وغيره عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : " ما زلنا أعزة مذ أسلم عمر " ، وأخرج ابن سعد قال : " كان إسلام عمر فتحاً وكانت هجرته نصراً وكانت إمامته رحمة ، ولقد رأيتنا وما نستطيع أن نصل إلى البيت حتى أسلم عمر فقاتلناهم حتى تركوا سبيلنا " ، وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا ابن الخطاب ، والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكاً فجاً ، إلا سلك فجاً غير فجك ) ، وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لقد كان فيمن كان قبلكم مُحَدَّثون ، فإن يكن في أمتي أحد فإنه عمر ) ، أي ملهمون .
7- وُليَ أمير المؤمنين عمر الخلافة بعهد من خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بكر الصديق ، سنة ثلاث عشرة فقام بالأمر أتم قيام ، وكثرت الفتوحات في أيامه ، وقتل سنة ثلاث وعشرين ضربه أبو لؤلؤة فيروز عبدٌ للمغيرة بن شعبة وكان مجوسياً ، وكان قد عهد عمر الخلافة من بعده إلى الستة وهم عثمان وعلي وطلحة والزبير وابن عوف وسعد ، الذين توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضي ، وقال عبدالله بن عمر معهم وليس له من الأمر شيء .
8- ثم بعد أبي بكر وعمر اللذين هما وزيرا رسول الله صلى الله عليه وسلم والخليفتان من بعده ، فالأفضل بعدهما عثمان بن عفان " ذو النورين " ، فهو الأرجح أي أفضل من غيره بعدهما ، ثم علي ، وهذا قول عامة أهل السنة والجماعة . فتفضيل الصديق ثم عمر مجمع عليه بين أهل الحق ، وأما المفاضلة بين عثمان وعلي فمحل خلاف فالأكثرون ومنهم الإمام أحمد والشافعي والمشهور عن مالك أنّ الأفضل بعد أبي بكر وعمر ، عثمان ثم علي رضي الله عنهم أجمعين ، وجزم الكوفيون ومنهم سفيان الثوري بتفضيل علي على عثمان ، وقيل بالوقف عن التفاضل بينهما رواية عن مالك ، أما ترتيب الخلافة فالجميع مجمعون على أنّ الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر ثم لعمر ثم لعثمان ثم لعليٍّ ، حيث تولى الخلافة عثمان بعد عمر بإجماع أصحاب الشُّورى الذين عهد إليهم عمر رضي الله عنه ، فبايعوه وبايعهُ المسلمون ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " ومن طعنَ في خِلافةِ أحدٍ من هؤلاء فهو أضلُ من جِمارِ أهله ) 
9- فيوجد فرق بين مسألة التفضيل ومسألة الخلافة ، ففي مسألة التفضيل أجمع المسلمون على أنّ الأفضل أبوبكر ثم عمر ، واختلفوا في علي وعثمان أيهما أفضل ، والصحيح أنّ عثمان أفضل ، بدليل على أنَّ أصحاب الشورى قدموا في الخلافة عثمان على عليٍّ رضي الله عنهما ، ومسألة التفضيل بين عثمانَ وعليٍّ رضي الله عنهما أمرها سهلٌ ، لكن الطعن في الخلافة ضلال ، لأن الرافضة يطعنون في خلافة أبوبكر وعمر ، ويقولون الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو عليُّ وهو الوصيُّ ، وإنّ الصحابة ظلموه واغتصبوا الخلافة ، ويلعنون أبابكر وعمر ، ويسمونهما صنمي قُريشٍ ، فهذا لا شك أنه صلالٌ وكفرٌ ومخالفٌ للإحماع .
10- عثمان بن عفان أسلم قديماً على يد أبي بكر الصديق ، وهاجر الهجرتين ، هاجر إلى الحبشة وهاجر إلى المدينة ، وتزوج رقيه بنت الرسول صلى الله عليه وسلم فمرضت فلم يشهد بدر ثم ماتت  ثم تزوج أختها أم كلثوم فماتت ولذلك سمي بذي النورين لأنه تزوج بنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهو من السابقين الأولين وأول المهاجرين وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة ، وأحد الستة الذي توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض ، وهو الذي كتب المُصْحفَ الإمام – المسمّى مُصحفَ عثمانَ – بالرسم العثماني ، الذي عليه المصاحف اليوم ، وأحد الخلفاء الراشدين ، أخرج الشيخان عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع ثيابه حين دخل عثمان وقال : ( ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة ) ، وأخرج البخاري أنّ عثمان بن عفان حين حصر أشرف عليهم وقال : " أنشدكم الله ولا أنشد إلا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ألستم تعلمون أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من جهز جيش العسرة فله الجنة ، فجهزتهم ، ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من حفر بئر رومة فله الجنة فحفرتها ، فصدقوه بما قال ) . ولما أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة يفاوضَ المُشركين وأُشيعَ أنّه قُتل ، بايعَ له الرسول صلى الله عليه وسلم بيده ، وقال : " وهذهِ لعثمان " ، وتمت بيعة الرضوان تحت الشجرة وهو غير حاضر ، لأنه في مكة ، فكانت يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان خيراً من يمين نفسه ، واستشهد رضي الله عنه في داره سنة خمس وثلاثين ، وكانت مدة خلافته اثنتي عشرة سنة .   
[16]  1- ورابع الخلفاء الراشدين المتقدم ذكرهم ، الإمام علي أمير المؤمنين وهو خير الخلق من هذه الأمة بعد أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم ، وهو الملازم للخير المواخي له ، وهو بالخير ظافر ، والخير اسم جامع لكل منتفع به .
2- وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ، هو ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو أول من أسلم من الصبيان ، وزوجُ ابنةِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم فاطمة ، وأبو الحسنينِ : الحسنُ بنُ عليٍّ ، والحُسينُ بنُ عليٍّ رضي الله عنهما ، سيِّدا شبابِ أهلِ الجنة .
3- قال الإمام أحمد : " علي رضي الله عنه رابعهم في الخلافة والتفضيل ، ومن فضل علياً على أبي بكر وعمر أو قدمه عليهما في الفضيلة والإمامة دون النسب فهو رافضي مبتدع فاسق " ، وقال أيضاً : " ما جاء لأحد من الفضائل ما جاء لعلي رضي الله عنه وأرضاه "
4- قال بن تيمية : " الكل مقر بأن معاوية ليس كفواً لعلي رضي الله عنهما في الخلافة ، ولا يجوز أن يكون معاوية خليفة مع إمكان استخلاف علي رضي الله عنه لسابقته وعلمه ودينه وشجاعته وسائر فضائله فإنها كانت عندهم ظاهرة معروفة كفضل إخوانه أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم ، ولم يكن بقى من أهل الشورى غيره وغير سعد ، لكن سعداً قد أسقط حقه من هذا الأمر ، فانحصر الأمر في أمير المؤمنين علي وعثمان رضي الله عنهما ، فلما توفى عثمان لم يبقى لها معين إلا علي رضي الله عنه "
5- عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلف علي بن أبي طالب رضي الله عنه في غزوة تبوك فقال : ( يا رسول الله أتخلفني في النساء والصبيان ، فقال : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ، غير أنه لا نبي بعدي ) رواه أحمد والبخاري ومسلم والترمزي ، وعن أبي سعيد الخضري رضي الله عنه قال : ( كنا نعرف المنافقين ببغضهم علياً ) رواه الترمزي ، وفي الصحيحين عن سهل بن سعد الساعدي وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر : ( لأعطين الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه ، يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ، قال فبات الناس يدوكون ليلتهم – أي يخوضون ويتحدثون – أيهم يعطاها ، فقال أين علي بن أبي طالب ؟ فقيل : هو يا رسول الله يشتكي عينيه ، قال : فأرسلوا إليه ، فأتي به فبصق في عينيه ودعا له فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع ، فأعطاه الراية فقال علي : يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا ؟ قال : انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله عز وجل فيه ، فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم ) .
6- لم يزل علي رضي الله عنه في محاربة الأعداء ومنازعة الخصماء إلى أن فتك به عبدالرحمن بن ملجم وقال : " الحكم لله يا علي ، لا لك ولا لأصحابك ، فقال على : فزت ورب الكعبة ، لا يفر منكم الكلب " ، فتوفى سنة أربعين ، ثم أحضر ابن الملجم وقطعت يداه ورجلاه وكحلت عيناه بمسامير الحديد ، ثم قطع لسانه ، وكان ابن الملجم لعنه الله قبل ذلك من العباد ، وكتب عمر أن يوسع دار بن ملجم ليعلم الناس الفقه والقرآن ، ثم كان من شيعة أمير المؤمنين علي رضي الله عنه ، وشهد معه صفين ، ثم آل أمره إلى ما ترى ، فنسأل الله تعالى حسن الخاتمة ، وعند الخوارج أن ابن ملجم أفضل الأمة .
7- فالواجب الاعتراف بفضل الصحابة ومكانتهم وإحسان الظن بهم ، والكف عما شجر بينهم ، وإن الكل مجتهد ، وإن أخطأ بعضهم في إجتهاده فهو مأجور ومعذور ، ولذلك لما تحدث الدكتور طارق السويدان في خلافة علي رضي الله عنه ، وذكر عما شجر بينه وبين معاوية ، منعت هذه الأشرطة أن تباع في الأسواق .
[17]  1- وإنهم العشرة المبشرون بالجنة وهم الخلفاء الأربعة الراشدين المهديين وبقية العشرة ، وهم أفضل الصحابة ، وكلُّ هؤلاء العشرة من قريش ، هم الجماعة لا شك ولا تهمة ولا ريب فيهم مقطوع لهم بالجنة في دار الخلد على نُوقٍ من جنّة  الفردوس الأعلى تسرح بهم حيث شاء راكبها .
2- ولفظ الرهط يعني قوم الرجل وقبيلته ، وهم الجماعة من ثلاثة إلى ما دون العشرة ، وما فيهم امرأة ، قال تعالى : ( وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ) (النمل:48)
3- من أسماء الجنة ، جنة الفردوس ، قال تعالى : ( أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ* الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (المؤمنون:10-11) ، وقال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً) (الكهف:107) ، قال ابن القيم : " الفردوس اسم يقال على جميع الجنة ، ويقال على أفضلها وأعلاها كأنه أحق بهذا الاسم من غيره من الجنان " .
[18] وباقي العشرة المبشرين بالجنة هم  : 1- أبو الأعور سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ، ابن عم عمر بن الخطاب وزوج أحته فاطمه ، أسلم قديماً وشهد المشاهد كلها من النبي صلى الله عليه وسلم غير بدر ، فإنه كان هو وطلحة بن عبيد الله يطلبان خبر عير قريش . 2- سعد بن أبي وقاص الزهري ، أسلم قديماً على يد أبي بكر الصديق ، وهو أول من رمى بسهم في سبيل الله ، شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو آخر العشرة موتاً ، ولاه عمر وعثمان الكوفة ، وفي الترمزي من حديث جابر رضي الله عنه قال : ( كنت جالساً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل سعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( هذا خالي ، فليرني امرؤ خاله ) حيث كان سعد من بني زهرة ، وكانت أم النبي صلى الله عليه وسلم من بني زهرة  .
3- عبدالرحمن بن عوف ، اسمه في الجاهلية عبدو عمرو فسماه النبي صلى الله عليه وسلم عبدالرحمن ، أسلم قديماً على يد أبي بكر ، وهاجر إلى الحبشة الهجريتن ، وشهد المشاهد كلها مع النبي صلى الله عليه وسلم ، وثبت يوم أحد ، وصلى النبي صلى الله عليه وسلم خلفه في غزوة تبوك وأتم ما فاته ، " وكان ابن عوف تصدق على أمهات المؤمنين بحديقة بيعت بأربعين ألفاً " رواه التزمزي ، وكان من أثرياء الصحابة ، ومن الذين ينفقون في سبيل الله عز وجل الإنفاق الكثير .
4- طلحة بن عبيد الله ، أسلم قديماً على يد أبي بكر ، وشهد المشاهد كلها غير بدر ، فإنه كان هو وسعيد يطلبان خبر عير قريش ، ووقى النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد فشلت أصابعه وجرح ، وسماه النبي صلى الله عليه وسلم طلحة الخير ، وطلحة الفياض وطلحة الجود .
5- أمين الأمة أبوعبيدة عامر بن عبدالله بن الجراح ، يلتقي نسبه مع النبي صلى الله عليه وسلم في فهر بن مالك ، و"فِهرٍ" من أجداد النبي صلى الله عليه وسلم ومن آباء القرشيين ، وهاجر أبوعبيدة إلى الحبشة الهجرة الثانية ، وشهد المشاهد كلها ، وثبت معه يوم أحد ، ونزع الحلقتين اللتين دخلتا في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد من حلق المغفر بفيه ، فوقعت ثناياه ، مات في طاعون عمواس بالأردن سنة ثماني عشر ، وفي الصحيحين وغيرهما من حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إنّ لكل أمة أميناً وإن أميننا أيتها الأمة أبو عبيدة بن الجراح ) .
6- الزبير بن العوام أسلم قديماً على يد أبي بكر ، أمه صفية عمة الرسول صلى الله عليه وسلم ، هاجر إلى الحبشة الهجرتين ، وشهد المشاهد كلها ، وهو أول من سل سيفاً في سبيل الله ، وثبت مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد ، وصفه الناظم بالممدح المتصف بالخصال التي يمدح بها ويحمد عليها ، إشارة إلى كثرة مناقبه ، وهو حورايُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال صلى الله عليه وسلم : ( إنّ لكل نبي حوارياً ، وإن حواري الزبير بن العوام ) رواه الترمزي من حديث علي .
7- وهؤلاء هم العشرة المبشرون بالجنة ، ففي حديث عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أبوبكر في الجنة ، وعمر في الجنة ، وعثمان في الجنة ، وعلي في الجنة ، وطلحة في الجنة ، والزبير في الجنة ، وعبدالرحمن بن عوف في الجنة ، وسعد بن أبي وقاص في الجنة ، وسعيد بن زيد في الجنة ، وأبوعبيدة بن الجراج في الجنة ) رواه الترمزي .
8-  والصواب وقوع التفاضل بين الصحابة الكرام رضي الله عنهم ، وإن علمت ذلك فاعلم أن أهل السنة والجماعة متفقون على أن أفضل هذه الأمة بإعتبار الأفراد أبوبكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ، ثم بقية العشرة ، وأما بإعتبار الأصناف فأفضلهم الخلفاء الراشدين ثم الستة الباقين من العشرة المبشرين بالجنة ، ثم أهل بدر ثم أهل بيعة الرضوان بالحديبية ، ثم أهل أحد ، وقد نص القرآن تفضيل السابقين الأولين ثم باقي الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين ، ولما سئل ابن تيمية عن المفاضلة بين العباس وبلال رضي الله عنهما ، قال : " بلال وأمثاله من السابقين الأولين ، أفضل من العباس وأمثاله من التابعين لهم بإحسان ، قال تعالى : ( لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى )(الحديد: 10) ، والفتح هو صلح الحديبة على الأرجح ، قال تعالى : ( إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) (الفتح:1) ، وكذلك قدّم النبي صلى الله عليه وسلم في إمارة غزوة مؤتة مولاه زيد بن حارثة على جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وهو ابن عمه ، وكلاهما من السابقين ، لكن زيد أسبق ، أما من فضل العباس على نحو بلال ، فلعله أراد بالقرابة والنسب ونصاعة العنصر والحسب ، والله تعالى الموفق .
[19] 1- وقل أيها المسلم بلسانك معتقداً بجنانك خير قول في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الثناء عليهم بذكر محاسنهم وصدق جهادهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم ، لأنهم يستحقون هذا المدح والثناء ، والكف عما فيه شائبة تنقيصهم ، والترضي عنهم في الصحابة كلهم من السابقين واللاحقين من المهاجرين والأنصار وغيرهم من سائر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا تكُ طعاناً ، مبالغة في الطعن ، أي وقاعاً في أعراض الناس بالذم والغيبة والنميمة والتنقيص والمسبة ،  تعيب وتجرح بالسب والشتم ، في الحديث : ( لا يكون المؤمن طعاناً ) رواه الترمزي ، فلا يجوز تنقُّصُ أحدٍ منهم ، أو التماسُ العُيوبِ لهم ، كما تفعلُ الرَّافضةُ – قبحهم الله – وكما تفعل الخوارج الذين يكفرون الصحابة .
2- والصحابي من اجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً ومات على الإيمان ، وقد حكى الإمام  ابن عبدالبر إجماع أهل الحق من المسلمين وهم أهل السنة والجماعة أن الصحابة كلهم عدول ، قال تعالى :( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)(آل عمران: 110) ، وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : ( لا تسبوا أصحابي ، فوالذي نفسي بيده لو أنّ أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما أدرك مدَ أحدهم ولا نصيفه )
[20]  1- فقد نطق الوحيُّ قرآناً وسنةً بفضل الصحابة ومناقبهم ، فالذي يطعنُ فيهم مكذبٌ لكتاب الله وسنةِ رسوله صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى : ( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ)(التوبة: 100) ، وفي سورة الفتح ثناء متكرر على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أولها وفي آخرها ، ونزلت هذه السورة في السنة السادسة من الهجرة بعد انصراف النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من الحديبية وفيها بيعة الرضوان وكانوا أربع عشر مائة على المشهور ، وفيها آيات تثني على الصحابة الكرام رضوان الله عليهم وتمدح وتعدد محاسنهم ، قال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ)(الفتح: 10) ، وقال تعالى : ( لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً)(الفتح:18)  ، وقال تعالى : ( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ )(الفتح: 29) .
2- وقد خص الناظم آيات الفتح بالذكر في مدح الصحابة رضي الله عنهم لعظيم ما اشتملت عليه من المعاني البديعة والمآثر الرفيعة والمزايا العظيمة والمناقب الجسيمة ، فوصفهم الله بالشدة على الكفار والرحمة على المؤمنين ثم أثنى عليهم بكثرة الأعمال مع الإخلاص ، حتى ظهرت في وجوههم ، حتى أنّ من نظر إليهم بهره حسن سمتهم وهديهم .
3- وقد وردت آيات أخرى في فضلهم منها : قال تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)(آل عمران: 110) ، وقال تعالى : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) (البقرة:143) ، وقال تعالى : ( يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ)(التحريم: 8) .
4- أخرج الترمزي عن عبدالله بن مغفل رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( ليبلغ الحاضر الغائب ، الله الله في أصحابي ، لا تتخذوهم غرضاً بعدي ، فمن أحبهم فبحبي أحبهم ، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ، ومن آذاهم فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ، ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه ، ومن أخذه فيوشك أن لا يفلته ) ، ولما رواه أحمد وغيره عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : ( من كان متأسياً فليتأسى بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنهم كانوا أبرَ هذه الأمة قلوباً وأعمقها علماً وأقلها تكلفاً وأقومها هدياً ، وأحسنها حالاً ، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه ، فاعرفوا لهم فضلهم واتبعوا آثارهم فإنهم كانوا على الهدى المستقيم ) ، وروى أبو داود الطيالسي عنه أيضاً قال : ( إنّ الله تعالى نظر في قلوب العباد ، فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد فبعثه برسالته ، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد صلى الله عليه وسلم  فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد فاختارهم لصحبة نبيه ونصرة دينه ، فما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن ، وما رآه المسلمون قبيحاً فهو عند الله قبيح ) .
5- إذا علمت ذلك فيجب حب كل الصحابة رضوان الله عليهم والكف عما جرى بينهم كتابة وقراءة وإقراء وسماعاً وتسميعاً ، ويجب ذكر محاسنهم والترضي عنهم والمحبة لهم وترك التحامل على أحد منهم ، وإعتقاد العذر لهم ، وإنما فعلوا ما فعلوا بإجتهاد صائغ لا يوجب كفراً ولا فسقاً ، بل ربما يثابون عليه لأنه إجتهاد صائغ ، والمصيب أمير المؤمنين علي ومن قاتله فخطأوه معفو عنه ، وكان الإمام أحمد رحمه الله ينكر على من خاض ، ويسلم أحاديث الفضائل ، وقد تبرأ رحمه الله ممن ضللهم أو كفرهم ، وقال : " السكوت عما جرى بينهم أولى وأحرى " .
[21] 1- وسبطي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهما الحسن والحسين رضي الله عنهما  وابني خديجة ، وفاطمة بنت خديجة ، وفاطمةُ ذات النقاء والطهر وشرف الأصل وجلالة النسب ، فهي بضعة من النبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك اختصاص لم يشركها فيه غير أخواتها ، وهي وأمها وعائشة ومريم بنت عمران وآسيا بنت مزاحم زوجة فرعون ، أفضل نساء العالم .
2- والسِّبْطُ هو ابنُ البنتِ ، والحفيدُ هو ابن الابن ، فالحسن والحسين رضي الله عنهما  أبناء علي وفاطمة ، هما سبطا رسول الله صلى الله عليه وسلم أي ابنا بنته فاطمة ،وهما ( سيِّدا شبابِ أهلِ الجنة ) كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، رواه الترمزي وأحمد وغيرهما من حديث أبي سعيد الخضري ، عن أبي بكرة رضي الله عنه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر والحسن بن علي إلى جنبه وهو يقبل على الناس مرة وعليه أخرى ويقول : ( إن ابني هذا سيد ، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين ) رواه البخاري وغيره .
3- أولاد الرسول صلى الله عليه وسلم كلُّهم من خديجة ، ما عدا إبراهيم فهو من مارية القبطية ، وله صلى الله عليه وسلم من خديجة ابنان ماتا في حياته عليه الصلاة والسلام في مكة .
4- فاطمة بنت الرسول صلى الله عليه وسلم ، كان النبي صلى الله عليه وسلم يحبها ، وكانت إذا أقبلت قام إليها وقَبَّلها ، وأجلسها إلى جنبه .
[22]  1- وعائشة أم المؤمنين في جنة الخلد ، وحذفت هاء التأنيث لضروة النظم ، ولكثرة ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يخاطبها ، وقد تواترت تسمية أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بأمهات المؤمنين ، لقوله تعالى : ( النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ )(الأحزاب: 6) ، وخالنا معاوية ابن أبي سفيان رضي الله عنه ، وسمي بذلك لأنه أخو أم المؤمنين أم حبيبة رملة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم ،  الصحابي الجليل كاتبُ الوحي ، كان يكتب القرآن للرسول صلى الله عليه وسلم ، ما أكرمه من خليفة وإمام وملك ، ثم امنح به ، من المنحة وهي العطية والهبة .
2- عائشة أم المؤمنين ، كانت أحب النساء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأحبُّ الرجال إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أبوها أبوبكر الصديق  رضي الله عنه ، عقد النبي صلى الله عليه وسلم على أم المؤمنين عائشة الصديقة رضي الله عنها وهي بنت ست سنين ، وبنى عليها وهي بنت تسع سنين ، ومات عنها وهي بنت ثمان عشرة ، وتوفيت بالمدينة سنة ثمان وخمسين ، وصلى عليها أبوهريرة .
3- في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أريتك في المنام ثلاث ليال جاءني بك الملك في سرقة من حرير فيقول هذه امرأتك فاكشف عن وجهك فإذا أنت هي ، فأقول إن يكن هذا من عند الله يمضه ) .
4- قال ابن القيم : " وقد اختلف في تفضيل خديجة على عائشة على ثلاثة أقوال ثالثها الوقف " ، قال ابن تيمية : " اختصت كل واحدة منهما بخاصية ، خديجة كان تأثيرها في أول الإسلام وموازرة الرسول صلى الله عليه وسلم وتثبيته وتبذل دونه مالها ، واحتملت الأذى في الله ورسوله ، وكانت نصرتها للرسول صلى الله عليه وسلم في أعظم أوقات الحاجة ، فلها من النصرة وبذل المال ما ليس لغيرها ، وعائشة كان تأثيرها في آخر الإسلام ، فلها من التفقه في الدين وحمل العلم وتبليغه للأمة والإنتفاع به ما ليس لغيرها " ، حتى الأكبار من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا أشكل عليهم أمر استفتوها ، وهي أحد المكثرين لرواية الحديث ونشرها لسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم لها ، وتفضيلها على سائر نسائه ، وأنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يتزوج بكراً غيرها ، وأنها كان ينزل الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في لحافها ، وأنّ الله برأها مما رماها به أهل الإفك وجعل في برائتها قرآناً يتلى .
5- وروى البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة قال : أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( يا رسول الله : هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب ، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها تبارك وتعالى ومنيّ ، وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولانصب ) ، وهذه لعمر الله خاصية لم تكن لسواها ، في الصحيحين وسنن أبي داود والترمزي وغيرهم عن عائشة قالت : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً يا عائش : ( هذه جبريل يقرئك السلام ) ، فقلت : وعليه السلام ورحمة الله وبركاته ، قالت : وهو يرى ما لا أرى ) ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام ) رواه البخاري ومسلم .
6- تولى معاوية رضي الله عنه إمارة الشام بعد موت أخيه يزيد ، حيث استخلفه قبل موته ، فأقره عمر بن الخطاب ثم عثمان ، ولما أفضت الخلافة إلى أمير المؤمنين على رضي الله عنه بمبايعة المهاجرين والأنصار ، لم يزل معاوية رضي الله عنه متولياً إلى أن مات ، وذلك أربعون سنة ، منها أربعة في أيام عمر ، ومدة خلافة عثمان ، وخلافة علي وابنه الحسن وذلك تمام عشرين سنة ، ثم خلص له الأمر فكان له عشرين سنة أخرى ،  وتحقيق القول عند أهل الحق أنّ معاوية رضي الله عنه لم يكن في أيام علي خليفة ، وإنما كان من الملوك ، وغاية ما هناك أنه كان مجتهداً ، فله أجر الإحتهاد دون الإصابة ، وأما بعد موت علي رضي الله عنه ، وبعد تسليم الحسن رضي الله عنه الأمر له ، فقد صحت خلافته لنزول الحسن له عنها ، فهو خليفة حق عند أهل الحق ، وهو من الموصوفين بالدهاء والحلم ، ولما دخل عمر بن الخطاب رضي الله عنه الشام ورآه قال : ( هذا كسرى العرب ) ، وكان معاوية نفسه يقول : ( أنا أول ملوك ) .
[23]  1- وأنصار النبي صلى الله عليه وسلم  والمهاجرون الذي تركوا ديارهم وأموالهم وأهليهم حباً لله ورسوله ولإعلاء كلمة الله ، وبنصرهم لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وبذلهم نفوسهم النفيسة لإظهار دين الله ، ففتح الله به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً ، فهم بِصُحبتِهم للرسول صلى الله عليه وسلم ، زحزحوا وأبعدوا من النار ، وأنقذهم الله منها ومن غضب المليك الجبار ،  قال تعالى : ( فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ )(آل عمران: 185) .
2- والأنصار وهم الأوس والخزرج وكانوا يعرفون بابني قَيلة ، وهي الأم التي تجمع القبيلتين ، فسماهم النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار فصار علماً عليهم ، وفازوا بهذه المنقبة العظيمة بسبب إيوائهم للنبي صلى الله عليه وسلم ومن معه ، ومواساتهم بأنفسهم وأموالهم ، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : ( لا يحبهم إلا مؤمن ، ولا يبغضهم إلا منافق ، فمن أحبهم أحبه الله ومن أبغضهم أبغضه الله ) رواه الشيخان من حديث البراء بن عازب رضي الله عنهما ، وأخرجا أيضاً وغيرهما من حديث أنس قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : آية الإيمان حب الأنصار وآية النفاق بغض الأنصار ) ، وفي الصحيحين وغيرهما من حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اللهم اغفر للأنصار ولأبناء الأنصار ولأبناء أبناء الأنصار ) .
3- أخر الناظم ذكر المهاجرين ، وإن كانوا مقدمين على الأنصار في الأفضلية لضرورة النظم ، وقد قال الله تعالى في فضل المهاجرين والأنصار : ( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْه)(التوبة: 100) ، وقال تعالى : ( لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) (الحشر:8-10) .
4- والهجرة وقعت في الإسلام على وجهين : الأول الإنتقال عن دار الخوف إلى دار الأمن كما في هجرتي الحبشة والمدينة ، والثاني : الهجرة من دار الكفر إلى دار الإيمان ، وكذا من ديار أهل البدع المضلة ، وكل أرض يعجز فيها عن إظهار دين الإسلام ، والهجرة التي وعد الله عليها الجنة في قوله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ )(التوبة: 111) ، فهذه الآية عامة في كل مجاهد في سبيل الله من أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة .  
[24] 1- والذين بعد الصحابة الكرام وهم التابعون للصحابة رضي الله عنهم بإحسان ، هم أحق وأجدر بعد الصحابة بالفضل والإتقان ، والتقديم على غيرهم  ، لأنهم بحسن حذوهم للصحابة وباقتفاء سنتهم وتتبع آثارهم ، وفعلوا فعلهم قولاً باللسان وفعلاً بالجوارح والأركان ، وإعتقاداً بالجنان ، فأفلحوا وفازوا وظفروا بمقصودهم ونجوا ، وتنعموا في جنات الخلد .
2-.اسم التابعي عموماً يشمل كُلَّ من اتَّبع وسار على نهج صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأولين الذين بعد الصحابة ، والآخرين ، وتبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، ولكن إذا أطلق التَّابعيُّ فالمراد به من تتلمذَ على الصحابي وأخذ عنه ،  والدليل على أفضلية التابعين على غيرهم بعد الصحابة رضي الله عنهم ، قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( خير الناس قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ) رواه الشيخان من حديث عمران .
3- ولهذا قال الله عزّ وجل لما ذكر المهاجرين والأنصار : ( وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) (الحشر:10) ، وهذا هو منهج التابعين لهم بإحسان سلامة القلوب والألسنة لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
[25]  ذكر المؤلف فضائل الأئمة من التابعين ومنهم : مالكُ بنُ أنسٍ إمامُ دارِ الهجرةِ ، وسفيان الثوريُّ ، والأوزاعيُّ إمامُ أهلِ الشام .
[26] والإمامُ محمد بن إدريس الشافعي ، والإمام أحمدُ بنُ حنبلٍ .
[27]  1- ومن علامة الإيمان أن تحب السَّلف الصالحَ ، وإئمةَ الإسلامِ .
2- ولم يذكر المصنف أبا حنيفة ، لأن أبا حنيفة قيل إنه من التابعين لأنه أدرك جماعة من الصحابة ، والصحيح أنه من أتباع التابعين ، وأنه لم يدرك الصحابة ، وإنّما أدرك التابعين ، فهو من القرن الثالث  من القرون المفضلة وهو أول الأئمة الأربعة المتبوعين في الزمان .
[28] 1- وبالقدر وهو الأمر الذي قضاه الله وحكم به من الأمور ، المقدور من الله تعالى ، آمن به واعتقد ، فإنه دعامة ، أي ركن ، والإيمان به هو الركنُ السادسُ من أركان الإيمان ، فهو عمود عقد الدين الذي ينبني عليه ، وشرطه الذي يعول عليه ،  لأنّ مراتب الدين ثلاثُ مراتب : مرتبةُ الإسلام بأركانه الخمسةِ ، ومرتبةُ الإيمانِ ، بأركانهِ الستةِ ، ومرتبةُ الإحسانِ ، وهو ركنٌ واحدٌ ، وأنّ الدين وهو دين الإسلام ، واسعٌ لا حرج فيه ، ولله الحمد وشاملٌ .
2-معنى القضاء والقدر :
أ-  اعلم أنّ القدر عند السلف ما سبق به العلم وجرى به القلم العظيم مما هو كائن إلى الأبد ، وأنه عز وجل قدر مقادير الخلائق وما يكون من الأشياء قبل أن تكون في الأزل ، وعلم تعالى أنها ستقع في أوقات معلومة عنده ، وعلى صفات مخصوصة ، فهي تقع حسب ما قدرها .
ب- والإيمان بالقضاء والقدر هو الإيمان بعلم الله وتقديره الأشياءَ قبل كونها ، وبأفعال الله جل وعلا وإرادته ومشيئته وخلْقِه وإيجاده ، قال تعالى : ( وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً)(الفرقان: 2) ، ( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) (القمر:49) ، فكل شيء مقدر لا يزيد ولا ينقص ، قال تعالى : ( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) (الحجر:21) ، فالمطر معلوم الكمية ، معلوم مكان النزول ، ووقت النزول ، فهو معلومٌ لله تعالى من جميع الجهات .
ج- قال شيخ الإسلام بن تيمية : " علمُ الله السابق محيط بالأشياء على ما هي عليه ، ولا محو فيه ولا تغيير ، ولا زيادة ولا نقص ، فإنه تعالى يعلم ما كان وما يكون وما لا يكون لو كان كيف كان يكون " .
د- وغالباً يأتي التعبير بالقضاء والقدر ، ولا فرق بينهما ، إلا أنّ القضاء أعمُّ من القدر ، لأنّ القضاء يأتي بمعنى القدر ، بمعنى أنّ الله قدّر الأشياء وقضاها ، ويأتي بمعنى الفصل بين الناس والحكم بينهم فيما اختلفوا فيه ، قال تعالى : ( إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ)(الجاثـية: 17) .
3- حكم الإيمان بالقضاء والقدر :
أ- الإيمان بالقضاء والقدر واجبٌ وفرضٌ على المؤمن ، لأنه ركن من أركان الإيمان الستة ، في الحديث أتى جبريل عليه السلامُ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أخبرني عن الإيمان ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( الإيمانُ أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وتُؤمنَ بالقدر خيرِه وشرِه ) رواه مسلم من حديث عمر بن الخطاب ، فجعل الإيمان بالقدر سادس أركان الإيمان .
ب- ولأنه إيمان بقدرة الله جل وعلا ، ولهذا قالوا : ( القدَرُ قُدرةُ الله ، فمنْ جحدهُ فقد جحد قُدرة الله جل وعلا ) ، وفي بعض العبارات : ( القدرُ سرُّ الله في خلْقِه ) ،  ولذلك فالبحث في القدر لا يجوز أن يُتعدَّى فيه ما جاء في النصوص من الكتاب والسنة ، والتعمُّقُ فيه يفضي إلى الضلال والحيرة .
4- الإيمان بالقضاء والقدر يتضمن أربعَ مراتبَ :
أ- المرتبة الأولى العلم : الإيمان بأن الله علم ما كان وما يكون ، فما من شيء إلا ويعلمُه الله جلّ وعلا ، والإيمان أن الله تعالى سبق في علمه ما يعمله العباد من خير وشر وطاعة ومعصية قبل خلقهم وإيجادهم ومن هو منهم من أهل الجنة ومن أهل النار ،  قال تعالى : ( وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) (الأنعام:59) ، وقال تعالى : ( أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ) (البقرة:77) ، ( وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)(آل عمران: 154) ، ( إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ) (آل عمران:5) .
ب- المرتبة الثانية الكتابة :أن تؤمن وتعتقد أنّ الله كتب في اللوح المحفوظ كل شيء وأحصاه ، في الحديث : ( أول ما خلقَ اللهُ تبارك وتعالى القلمَ ، ثم قال له : اكتب ، قال : وما أكتُبُ ؟ قال : اكتبْ ما يكونُ وما هو كائنٌ إلى أن تقومَ السَّاعةٌ ) أخرجه أبوداود أحمد وغيره من حديث عبادة بن الصامت ، وفي الحديث ( كَتَبَ اللهُ مقاديرَ الخلائقِ قبلَ أنْ يَخْلُقَ السماواتِ والأرضَ بخمسينَ ألفَ سنةٍ ، وعرْشُهُ على الماء ِ ) أخرجه مسلم من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما .
ويدل على هاتين المرتبتين ، قوله تعالى : ( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا ) (الحديد: من الآية22) ، ( أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) (الحج:70)  .
ج- المرتبة الثالثة المشيئة والإرادة : أن تؤمن أن كل شيء يقع فهو بمشيئةِ الله وإرادتِه ، فلا يكون في ملكه سبحانه وتعالى ما لا يَشاؤُه ولا يُريدُه ، قال تعالى : ( فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ) (البروج:16)  ، (  إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ)(الحج: 18) ، ( وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (التكوير:29) ، فكل شيءٍ يَحدُثُ قد شاءَه الله وأراده وأوجده ، بعدما علمه وكتبه في اللوحِ المحفوظِ .
د- المرتبة الرابعة : الخَلْقُ والإيجادُ ، الإيمان بأنّ الله تعالى خلق أفعال العباد كلها  من الكفر والإيمان والطاعة والعصيان قال تعالى : ( اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) (الزمر:62) ، ( وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) (الصافات:96) . فهذه مراتبُ القضاء والقدر ، من جحد واحدةً منها لم يكن مؤمناً بالقضاء والقدر .
5- المخالفون في القضاء والقدر : خالفَ في القضاء والقدرِ طائفتانِ مُتناقضتان : القَدَرِيَّةُ والجَبْرِيَّة :
أولاً : القَدَرِيُّةٌ : هم الذين ينفون القدر ، وغلوا في إثبات مشئة العبدِ وإرادته ، ونفوا مشيئة الله عز وجل :
أ-  وأوّل من قال ذلك : عمروُ بنُ عبيدٍ ، وواضِلُ بنُ عطاءٍ ، واعتزلا مجلس الحسن البصريِّ ، فسُمّوا بالمعتزلة .
ب- وقالوا : " إنّ العبدَ يخلقُ فعلَ نفسهِ ، وإنّ الأمرَ أُنُفٌ ، لم يُقدِّرْهُ اللهُ ! فأفعال العباد هم الذين يُوجِدونها استقلالاً ، ليس لله فيها إرادة ولا مشيئةٌ " .
ج- ومعنى هذا " أنّ العبدَ يخلقُ فِعْلَ نفسهِ " ، فيكونُ أثبتَ خالِقينَ مع الله ، والله هو الخالق جلّ وعلا ، وما سواه فهو مخلوق .
د- وهذا شركٌ في الربوبية ، ولذلك سمّاهم النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَجُوسُ هذهِ الأمَّةِ ) رواه أبوداود وغيره من حديث ابن عمر ، فالمجوس قالوا : " هذا الكون له خالقان ، النُّورُ يخلُقُ الخيرَ ، والظُّلمةُ تَخْلُقُ الشرَّ " ، أما القدرية فقالوا : " كُلٌّ يَخلُقُ فِعْلَ نفسهِ " ، فأثبتوا خالِقين مُتعدِّين مع الله عز وجل .
ثانياً : الجَبْرِيَّةُ : غلوا في إثبات إرادةِ الله ومشيئتِه ، ونفوا مشيئة العبدِ وإرادته :
أ-  هم أتباع الحهم بن صفوان .
ب- قالوا إنّ العبدُ ليسَ له اختيارٌ ولا مَشيئةٌ ، وإنما هو مجبور على أفعاله وتصرفاته وعلى ما يحصُلُ منهُ بدون اختيارِه ، فهو كالآلة بيدِ مَنْ يُحرِّكُها ، وكالرِّيشة في الهواء ، وهو كالميتِ بين يدي الغاسل ، وكالجنازةِ على النَّعشِ
6- أما أهل السنة والجماعة توسّطوا :
أ- فقالوا : كُلُّ شيءٍ فهو بقضاء الله وقدره ، ومنها أفعال العباد ، فهي مخلوقة لله ، وهي فعل العبد باختياره ومشيئته ، لأن العبد له مشئة وله اختبار ، ولكنّه لا يستقِلُّ عن الله ، كما تقولُه القَدريَّةُ ، وليسَ مُجبراً ، كما تقولُه الجبريَّة ، بل هو يفعل الأشياء باختياره ومحضِ إرادته ، ولذلك يثاب على فعل الخير ، ويعاقب على فعل الشر ، لأن فعله بإرادته ومشيئته ، ولو كان مجبراً فإنه لا يعاقبُ ، كيف يعاقب على شيء ليس له فيه اختيار ولا مشيئة أو إرادة .
ب- ولذلك اللهُ جلّ وعلا لا يؤاخذُ المجنونَ الذي ليست له إرادة ، ولا يؤاخِذُ المُكرَه الذي ليس له اختيارٌ ، ولا يؤاخذُ النائمَ الذي ليس عندَه فكرٌ وعقلٌ ، وكذلك الصبي ، قال صلى الله عليه وسلم : ( رُفِعَ القلَمُ عنْ ثلاثةٍ : الصغيرُ حتّى يحتلمَ ، والمجنونُ حتى يُفيقَ ، والنائمُ حتى يَستيقظَ ) رواه ابن ماجه وغيره من حديث ابن عباس .
ج-أما من كانت عنده إرادةٌ وعنده مشيئةٌ واختيارٌ فإنه يثابُ على فِعلِ الطاعاتِ ويُعاقبُ على فعلِ المعاصي ، قال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ)(الكهف: 107) ، فأسند العمل إليهم ، وقال تعالى  ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا)(البقرة: 6) ، فأسند الكفر إليهم ،  ( وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ )(النساء: 14) ، فأسند المعصية إليهم ، لأنها من فعلهم ، فهذا من ناحية الفعل ، أفعال العباد ، ومن ناحية القدر : مقدرةٌ من الله جلّ وعلا ، فهي قدر الله وهي فعلُ العبد جمعاً بين النصوص ، ويدل عليه قوله تعالى : ( لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (التكوير:28-29) .
د- فقوله تعالى : ( لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ ) ، هذا ردٌ على الجبرية الذين ينفون مشيئة العبد ، فدل على أنّ العبد يستقيم بمشيئته ، ثم قال : ( وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) ، هذا ردّ على القدرية الذين يقولون : إنّ مشيئة العبد مستقلةٌ ، والعبدُ يفعل إستقلالاً ، فالآية ردٌّ على الطائفتين ، وفي الآية إثبات مذهب أهل السنة والجماعة أن الطاعات والمعاصي هي فِعْلُ العباد ، وهي قضاء الله وقدره ، قدّرها الله عليهم ، وفعلوها باختيارهم ومشيئتهم وإرادتهم ، ولذلك فإن الإنسان العاقل يستطيع أن يفعل الشيء ويستطيع أن يتركه ، يستطيع أن يتصدق ، ويستطيع أن يترك الصلاة ، فلا تنافي بين الإيمان بالقضاء والقدر وفِعلِ الأسباب ، ولكنَّ الأسباب لا تستقلُّ بإيجاد النتيجةِ ، إنّما المسببُ هو الله جلّ وعلا ، رداً على القدرية ، فلا نغلو في إثبات الأسباب كالقدرية ، ولا نغلو في نَفي تأثيرها كما تقولُه الجَبْرية ، فإتخاذ الأسبابِ أمر مطلوب .
7- من فوائد الإيمان بالقضاء والقدر استكمال أركان الإيمان ، وأنّ الإيمان بالقضاء والقدر يَبَعثُ على القوة والشجاعة والإقدام في سبيل الخير ، وأنّ الإيمان بالقضاء والقدر يهون على المسلم المصائب ، أما الذي لا يؤمن بالقضاء والقدر فإنه يجزع ويتَسَخَّطُ ، بل البعض منهم إذا تضايق نحَرَ نفسه ، والعياذ بالله .
8- يترتب على مذهب الفرق الضالة أمور خطيرة منها :
أ- يلزَمُ على مذهب القَدَرِية : إثبات خالقِينَ مع الله ، وهذا شرك في الربوبية ، ولهذا سُمُّوا " مَجُوس هذهِ الأمةِ "  
ب- يلزم على مذهب الجَبْرِيةِ : وصف الله بالظلم ، وأنّه يعذب العباد على أفعاله هو ، وهم لم  يفعلوا شيئاً ، وهُم يُحرَّكُون بغير اختيارهم وبغير إرادتهم ، كالآلة والريشة في الهواء ، ولا يخفى فساد هذا المذهب الباطل ، قال تعالى : ( فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (يّـس:54) ، ( إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً) (النساء:40) ، ويلزم من مذهبهم تعطيل الأسباب ، وأنْ يُقالَ : ما دام إنَّه قضاءٌ وقدرٌ ، فأنا أجلس والْمُقَّدرُ سيكونُ
ج- ويلزم على مذهبِ الْمُعتزلة الشِّركُ في الرُّبوبية ، وتعجير الله وأنه يكون في مُلكه ما لا يُريد ولا يشاء .
9- أما مذهب أهل السنة والجماعة فهو الوسَطُ ، وهو العدلُ في كلِّ شيءٍ ، وسطٌ بين الفرقِ الضالة ، فهم يثبتون لله أفعالهُ وإرادتَهُ ومشيئتَهُ وقضاءَهُ وقدَرَهُ ، ويُثبِتُون للعبادِ أعمالهم ومشيئتهم وإرادتهم ، وأنّ الله تعالى خلق قدرة العبد وإرادته وفعله وأنّ العبد فاعل لفعله حقيقة ، ومحدث لفعله ، والله تعالى هو الذي جعله فاعلاً محدثاً له ، قال تعالى : ( وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ )(الانسان: 30) ، فأثبت مشيئة العبد ، وأخبر أنها لا تكون إلا بمشئة الله تعالى . فلا ينفون القضاءَ والقَدَر كما تقولُه الْمُعتزلةُ ، ولا يَغلُون في إثبات القضاء والقدر ويسلِبونَ العبادَ مشيئتهم وإرادتهم كما تقولهُ الجَبْرِيَّة
10- هل الذين يَنفون القضاءَ والقَدَرَ يحكم عليهم بالكفر ؟ ، العلماء فصلوا في ذلك وقالوا :
أ- من أنكر المرتبة الأولى وهي العلم ، وقال : إنّ الله لا يعلم الأشياء قبل وجودها ، وهم غلاة القدرية كمعبد الجهني وعمرو بن عبيد ، الذي سُئل ابن عمر رضي الله عنهما عن مقالته : وهي أنْ لا قدر وأنّ الأمر أُنُف – أي مستأنف لم يسبق به قدر ولا علم من الله تعالى ، وإنما يعلمه بعد وقوعه ، فقال ابن عمر : ( إذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم ، وأنهم براء مني ، والذي يحلف به عبدالله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أحد ذهباً فأنفقه ما قبل منه حتى يؤمن بالقدر ) رواه مسلم ، من قال هذا كفر ، لأنه نفى علم الله ، قال شيخ الإسلام بن تيمية : " إنّ الذين يقولون بنفي العلم انقرضوا " .
ب-  من أثبتوا الدرجة الأولى علم الله الأزلي ، والكتابة في اللوح المحفوظ ، ولكن نفوا الدرجة الثانية المشيئة والإرادة ، وغلوا في أفعال العباد ، وقالوا إنما تقع بغير إرادة الله ومشيئته ، وهم بقية المعتزلة ، فهم أهل ضلال ، ولا يصلون إلى حدّ الكفر . وأهل السنة والجماعة أثبتوا الدرجتين .
11- قال كثير من السلف : " ناظروا القدرية بالعلم ، فإن أقروا به خصموا ، وإن جحدوا به كفروا " ، يريدون أنّ من أنكر العلم القديم السابق بأفعال العباد ، وأنّ الله تعالى قسمهم قبل خلقهم إلى شقي وسعيد ، وكتب ذلك عنده في كتاب حفيظ ، فقد كذب بالقرآن ، فيكفر بذلك وقد نص الإمامان الشافعي وأحمد وغيرهما على تكفيرهم ، أما إن أقروا بذلك ، وأنكروا أنّ الله خلق أفعال عباده وشاءها وأرادها منهم إرادة كونية قدرية ، فقد خصموا لأن ما أقروا به حجة عليهم فيما أنكروه وفي تكفير هؤلاء نزاع مشهور بين العلماء .
12- قال العلماء : " يُحتجَّ بالقضاءِ والقدرِ على المصائب ، ولا يُحتجُ بهِ على الْمَعَائِبِ " ، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : " وإنْ أصابك شيءٌ فلا تقلْ لو أنِّي فعلتُ كذا لكان كذا وكذا ، ولكنْ قل قدرَ الله وما شاء فعل ) ،  فآدمُ احتجَّ على موسى عليهما السلامُ بالقضاء والقدر على المصيبة ، لأنه ليس له فيها اختيار ، وإنّما هي فعل الله ، أما المعصية فإنها فِعل العبد ، فلا يحتج بالقضاء والقدر بها ، فموسى لم يقل لآدم : " لماذا قدر الله لك ذلك "  ، فلم يلمه على الذنب ، لم يقل له : لماذا أكلت من الشجرة ،  ، لأن آدم تاب منه  إنما قال له : " لماذا أخرجتنا ونفسك من الجنة ؟ قال : آدم " أنت موسى كليم الله ، بكم وجدتَ  هذا مكتوباً عليَّ في اللوح المحفوظ " ، فقال موسى : " إنّ الله قد كتب ذلك عليك في اللوح المحفوظ " .
[29] 1- هذا البيتُ وما بعدَه في الإيمان باليوم الآخِر ، وقد ذكر فيه عدة مسائل : الأولى سؤالُ الملَكين ، والثانية عذاب القبر ونعيمه ، والثالثة وزنُ الأعمال ، والرابعةُ حوض النبي صلى الله عليه وسلم ، والخامسة مسألةُ أهلِ الكبائرِ من أهل القبلة ، والسادسة مسألةُ الشفاعة .
2- واليوم الآخر هو اليومُ الذي يكونُ بعد الدنيا ، وهو يومُ الجزاء والحِسابِ ويومُ الدينِ .
والإيمان باليوم الآخِر أحدُ أركانِ الإيمان الستة ، في الحديث : ( الإيمانُ أن تؤمنَ باللهِ وملائكتِه وكُتُبِهِ ورُسُلِه واليومِ الآخِر ، وتؤمِنَ بالقدرِ خيرهِ وشرِه ) ، قال تعالى : ( وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ )(البقرة: 177) ، فمن أنكره فقد كفر ، قال تعالى : ( زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) (التغابن:7 ) .
3-  فلا تنكرن لأجل الجهل وقلة العلم والفضل ، الملكين المسمين " نكيراً ومنكراً " وهما الملكان اللذان ينزلان على الميت في قبره يسألانه عن ربه ومعتقده ، ولا تنكرن أيضاً جهلاً وعناداً وسفهاً وإلحاداً حوض النبي صلى الله عليه وسلم ، والميزان التي توزن به الحسنات والسيئات ، لأنه حق بالكتاب والسنة وإجماع أهل الحق ، أنا أنصحك أيها المسلم أن لا تُنكر هذه الأشياء التي ثبتت بالكتاب والسنة ، كما أنكرتها المعتزلةُ وأهل الضلالِ الذين يعتمدون على عقولهم وأفكارِهم فلْتحذرْ من طريقتهم  ، والدين النصيحةُ ، كما قال صلى الله عليه وسلم : ( الدِّينُ النصيحةُ ، قلْنا : لِمنْ قال : لله ولكتابِه ولرسولِه ولأَئمةِ المسلمين وعامتهم ) رواه مسلم عن تميم الداري رضي الله عنه  .
4- الشيءُ الذي تَجهلُه لا تُنكرهُ ، فليس كلُّ شيءٍ تَحهلُه تُنكرُهُ ، بل تُؤمن بما صح وبما ثبتَ  عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وإن لم تعرفْهُ ولم تُدرِكُهُ ، فلا نعتمد على عقولنا ، وإنما نعتمدُ في أمور الغيب على الوحي الْمُنزَّلِ ، وأمورُ البَرزخِ من أمورِ الآخرةِ ، ولو كشفنا عن العبدِ بعدَ وضعِهِ في قبرِه لوجدناه كما وضعناه ، ولكنْ هو في حكمِ عالمٍ آخَرَ ، وما يجري عليه لا نراه ولا نُحِسُ به .
5- نَكيراً ومُنكراً اسمانِ للملكين الذيْنِ يأتيان للميتِ فورَ دفنِه ، فتعادُ روحُه ويُجلسانِه حياً ، حياة برزخيه ليست مثلَ حياتِه على الأرض ،ويسألانه : من ربكُ ، وما دينكُ ومن نبيكُ ، فيقول المؤمن : ربي الله ، وديني الإسلام ، ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم ، وأما المنافق أو الكافر ، فإذا سألها وقالا : من ربك ، ما دينك ، ما نبيك ؟ قال : لا أدري . وتسمِيةُ الملكين بالمُنكر والنَّكير ، كما ورد في الحديث ، فهي تسميةٌ ثابتةٌ ، لأن رؤية هذين الملكين مُفزعةٌ يستنكرها الإنسان ويفزع منها ، وليس هذا سبّاً للملائكة .
6- فالإيمان باليوم الآخر يشتملُ على الإيمان بكل ما يكونُ بعد الموت : من عذاب القبر ونعيمه وفتنته وسؤال منكر ونكير ، وأنّ القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران ، ومن القيام من القبور للبعث للحشرِ والوقوف في المحشر وما يجري بعد ذلك .
7- أن تؤمن أنّ العذاب والنعيم واقع على الروح والبدن معاً بعد أن ترد الروح إليه  ،  واجب شرعاً لثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم في عدة أخبار ، قال تعالى : ( يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ) (ابراهيم:27) ، وأخرج الشيخان من حديث البراء بن عازب رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنها نزلت في عذاب القبر ، وزاد مسلم : ( يقال له من ربك ؟ فيقول : الله ربي ونبي محمد ) .
8- من الأدلة على عذاب القبر ، قال تعالى : ( النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) (غافر:46) ، فذكر عذاب الدارين صريحاً لا يحتمل غيره ، وروي عن ابن عباس في قوله تعالى : ( وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (السجدة:21) ، عذاب القبر ) ، وكذا قال قتادة والربيع بن أنس في قوله تعالى : ( سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ )(التوبة: 101) ، إحداهما في الدنيا والأخرى في عذاب القبر ) ، انظر أهوال القبور لابن رجب ، ففي الصحيحين من حديث عائشة قالت : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عذاب القبر ، قال : ( نعم ، عذاب القبر حق ) .
9- حوض النبي صلى الله عليه وسلم حق ثابت بإجماع أهل الحق ، قال تعالى : ( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ) (الكوثر:1)  ، وقد أخرج الشيخان وغيرهما من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( حوضي مسيرة شهرة ، ماؤه أبيض من اللبن وريحه أطيب من المسك ، وكيزانه كنجوم السماء ، من شرب منه لا يظمأ أبداً ) ، وفي سنن الترمزي عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الكوثر نهر في الجنة ، حفاتاه من ذهب ومجراه على الدر والياقوت ، تربته أطيب من المسك ، وماؤه أحلى من العسل وأبيض من الثلج ) حديث حسن صحيح .
10- أخرج الترمزي من حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنّ لكل نبي حوضاً ترده أمته وإنهم يتباهون أيهم أكثر واردة ، وإني أرجو أن أكون أكثرهم واردة ) .
11- وفي صحيح مسلم من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ليردن على الحوض أقوام فيختلجون دوني ، فأقول ربي أصحابي ربي أصحابي فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ) ، فأهل البدع كالمعتزلة والخوراج والشيعة وسائر الطوائف الضالة الذين أحدثوا في الدين ، مطرودون عن حوض النبي صلى الله عليه وسلم ، ومردودون عن الشرب منه ، وهم أشد ما يكونون حاجةً إلى الماء ، أما الذين تمسكوا بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وعملوا بها ، يَرِدُون على حوضه صلى الله عليه وسلم يومَ القيامة ويشربُون منه .
12- الميزان حق ، وهو ثابت بالكتاب والسنة ، وإجماع الأمة ، وهو ميزان حقيقيٌّ لجميع الأمم ، وأنّ له لسان ، وكفتان كأطباق السموات والأرض توزن به صحائف الأعمال ، توضَع الحسناتُ في كِفةٍ ، والسيئاتُ في كفةٍ ، فأيهما رجحَ فإنه يؤخذُ جزاءه بموجب ذلك ، وهو من عدل الله سبحانه وتعالى فلا يظلم ربُك أحداً ، بل يجازي الإنسان بعلمه ، قال تعالى : ( وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) (الانبياء:47) ، وقال تعالى : ( فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ) (القارعة:6-11)  ، وقال تعالى : ( وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآياتِنَا يَظْلِمُونَ) (الأعراف:8-9) ، فأخرج الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة ) ثم قرأ : ( فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً)(الكهف: 105) ، وأخرج البيهقي في البعث عن ابن عمر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما في حديث سؤال جبريل عن الإيمان قال : ( يا محمد ، ما الإيمان ؟ قال : أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ، وتؤمن بالجنة والنار والميزان ، وتؤمن بالبعث بعد الموت ، وتؤمن بالقدر خيره وشره ، قال : فإذا فعلت هذا فأنا مؤمن ، قال : نعم ، قال : صدقت ) .
13- والمعتزلة لا ينكرون لفظ الميزان ، فإنه ثابت في القرآن ، ولكنهم يقولون : إنه ميزان غير حقيقي ، وإنما معناه إقامة العدل ، فهو ميزان معنوي ، والميزان يحتاج إليه البقال والفوال ، تعالى الله عما يزعمون ، فهم يؤولون ويحرفون الميزان عن معناه الصحيح ، أما أهل الحق فإنهم يؤمنون به على حقيقته ويكلِون كيفيتها إلى الله عز وجل .
14- لم يذكر الناظم الصحف ونشرها وأخذها باليمين والشمال ولا ذكر الصراط ولا الحساب ، وذلك لأنه يشير إلى بعض أمهات المسائل التي اشتهر فيها الخلاف بين أهل البدع وأهل السنة ، والأدلة قال تعالى : ( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً * وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً * وَيَصْلَى سَعِيراً) (الانشقاق:7-12) ، وقال تعالى : ( وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ) (التكوير:10) ، والذي يأخذ كتابه بشماله إما كافر ، وإما فاسق ، فإن كان كافراً أعطي كتابه بشماله من وراء ظهره ، وإن كان مؤمناً عاصياً يعطى كتابه بشماله من أمامه ، وأما المؤمن الطائع  فيعطى كتابه بيمينه .
15- وأما الصراط فهو حق ثابت بلا شطاط ، وهو جسر ممدود على متن جهنم يرده الأولون والآخرون ، فهو قنطرة بين الجنة والنار ، وخلق من حين خلقت جهنم ، وهو أدق من الشعرة وأحدّ من السيف ، وأحمى من الجمرة ، لما أخرجه أحمد من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لجهنم جسر أدق من الشعر وأحدّ من السيف عليه كلاليب وحسك  تأخذ من شاء ، والناس عليه كالطرف ، وكالبرق ، وكالريح ، وكأجاويد الخيل ، والركاب ، والملائكة يقولون : رب سلم سلم ، فناج مُسلّم ، ومخدوش مَسلّم ، ومكور في النار على وجهه ) . كلاليب :  حديدة معوجة الرأس ، حسك : شوكة حديد صلبة .
16- والحشر الجسماني حق ، والحشر المراد به جمع أجزاء الإنسان بعد التفرق ، ثم إحياء الأبدان بعد موتها ، ويسوقهم الله إلى محشرهم لفصل القضاء ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ( جاء العاص بن وائل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعظم حائل ففته بيده ، فقال : يا محمد يحيي الله هذا بعد ما أرم ؟ قال : نعم يبعث الله هذا ثم يميتك يم يحييك ثم يدخلك نار جهنم ) ، فنزلت الآيات من آخر سورة يس : ( أَوَلَمْ يَرَ الْأِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) ( يس : 77 إلى آخر  السورة) ، وقال تعالى : ( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ) (يّـس:51) ، في رواية لمسلم : ( إنّ في الإنسان عظماً لا تأكله الأرض أبداً ، فيه يركب الخلق يوم القيامة ، قالوا : أي عظم هو يا رسول الله ؟ ، قال : عجب الذنب ) رواه مالك وأبوداود والنسائي .
17- ثم يقع الحساب والفصل بين العباد بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم ، وهي الشفاعة العظمى لفصل القضاء ، والذي يتدافعها ذوو العزم من الأنبياء من آدم إلى نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام إلى أن تنتهي إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، فيقول : أنا لها ، وهي المقام المحمود الذي يحمده عليه الأولون والآخرون ، وهي تعم جميع أهل الموقف لأجل إراحتهم من ألم الوقوف والشروع في الحساب ، وأحاديثها بلغت التواتر ، ثم الحساب وهو توقيف الله عباده قبل الإنصراف من المحشر على أعمالهم خيراً  أو شراً تفصيلاً ، قال تعالى : ( يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ)(المجادلة: 6) .
18- والنصيحة لكتاب الله تعالى هو التصديق به والعمل بما فيه ، ونصيحة الرسول صلى الله عليه وسلم هو التصديق بنبوته ورسالته ، والانقياد لما أمر به ، والإنكفاف عما نهى عنه ، ونصيحة الأئمة أن يطاعوا في الحق ، ولا يرى الخروج عليهم ولو جاروا ، ونصحية عامة المسلمين إرشادهم إلى مصالحهم وبيان ما يجب عليهم ، وإيضاح معتقدهم على نهج السلف .
[30]  هذه مسألة العصاة من الْمُوحِدينَ الذين عندهم كبائرُ ولكنها دونَ الشرك ، فإيمانهم ناقص ، فهم تحت المشيئة إن شاء الله غفر لهم ، وإن شاء عذبهم ثم أدخلهم الجنة ، وقل أيها المؤمن بالقرآن وبالنبي المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وبما جاء به من الشريعة الواضحة ، مفصحاً بلسانك ومعتقداً بجنانك ، منقاداً بسائر جوارحك وأركانك ، يخرج الله العظيم بفضله العميم وكرمه الجسيم وعفوه الفخيم ، من النار المعهودة التي هي نار جهنم الموقودة ، أجساداً بعد دخولها فيها وإصابتها من عذابها ما تستحقه منها ، بعد ما صاروا فحماً وهو الجمر الطافئ .
[31]  1- تحيا تلك الأجساد بعدما صارت فحماً وطرحت على النهر الذي هو جنة الفردوس ، والفردوس هو أعلى الجنة ، بإصابة ماء ذلك النهر لتلك الأجساد ، وتنبت تلك الأجساد بسيلان ماء أنهار الجنة عليها كما تنبت الحبة التي يحملها السيل ، فتُصبحُ شجراً حياً .
كَحبِّ حَمِيْلِ السَّيْلِ : يعني الحَبَّ الذي يحمله السيلُ ، فالسيل وقت مجيئه ، يطفح أي يفيض ، ثم يستقر في الأرض ، وحميل السيل هو الزبد وما يقبله على شاطئه ومثله الغثاء .
2- في صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يدخل قوم النار من هذه الأمة فتحرقهم النار إلا دارت وجوههم ثم يجرجون منها ) ، وأخرج مسلم عن أبي سعيد الخضري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون ، ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم فأماتهم إماتة حتى إذا كانوا فحماً إذن بالشفاعة فجيء بهم ضبائرَ ضبائرَ - أي جماعات - فَبُثُّوا في أنهارِ الجنة ، ثم قيل يا أهلَ الجنةِ أفِيضُوا عليهم ، فَيَنْبُتُونَ نَباتَ الْحِبَّةِ  في حَمِيلِ السَّيْلِ ) ، يعني فيلقون جماعات محترقين في نهرٍ من أنهار الجنة يُسمَّى نهرَ الحياة ، فتنبتُ أجسامهم ، فيحيون كما يحيا الحبُ  الذي يحمله السيلُ ، ثم بعد ذلك يدخلون الجنة ، فالسيل إذا جَرى في الأودية يَحمل معه البذورَ فيطرحُها في الأرض فتنبتُ ، كذلك هؤلاء .
3- والحاصل أنّ من الواجب اعتقاده أنّ الله تعالى يخرج من النار بفضله وبشفاعة أنبيائه وأهل القرب منه كل موحد وإن كان فاسقاً ولو لم يتب من الكبائر ، فعند الخوارج والمعتزلة أن مرتكب الكبيرة إذا لم يتب منه فإنه مخلد في النار ، لقوله تعالى : ( وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ )(البقرة: 48) ، وقوله تعالى : (  مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ)(غافر: 18) ، ولكن هذه الآية مخصوصة بالكفار .
[32]  1- وقل بلسانك معتقداً بجنانك إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم للخلق جميعاً شافعاً ، وهي الشفاعة العامة التي هي لفصل القضاء ، التي يشفع فيها لأهل الموقف حتى يقضى بينهم بعد أن يتدافعها الأنبياء أصحاب الشرائع آدم إلى نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام ، وقل بلسانك معتقداً بجنانك إن عذاب القبر ونعيمه حق لا خفاء فيه ولا شك يعتريه .
2- الرسول إنسان أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه ، فإن لم يؤمر بتبليغه فهو نبي فقط ، فإذاً كل رسول نبي بلا عكس ، ورسل الله صلوات الله عليهم على ما في حديث أبي ذر رضي الله عنه عند ابن حبان في صحيحه : " ثلاثمائة وثلاثة عشر أولهم آدم عليه السلام وخاتمهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وأما الأنبياء فمائة ألف نبي وأربعة وعشرون ألفاً " ، وقد اعترض جماعة من الحفاظ على ابن حبان لإدخاله هذا الحديث في صحيحه ،والله أعلم .
3- فالشفاعة عند أهل السنة والجماعة تنقسم إلى شفاعتين : الأولى : الشفاعة المثبتة : فالشفاعة المثبتة عند الله لا تكون إلا بشرطين : أ- إذن الله للشافع أن يشفع . ب- أن يكون المشفوع فيه من عصاة التوحيد ، قال تعالى : ( يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً) (طـه:109) ، وقال تعالى : ( مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ )(البقرة: 255) . الثانية : الشفاعة المنفية ، وهي الشفاعة في الكفار ، أو الشفاعة التي تكون بغير إذن الله ، قال تعالى : ( فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ) (المدثر:48) ، ( مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ)(غافر: 18)
4- أحاديث الشفاعة ، فقد تضمنت هذه الأحاديث خمسة أنواع من الشفاعة ، منها ما هو خاصٌ بالنبي صلى الله عليه وسلم ، ومنها ما هومشترك بينه وبين غيره من الملائكة والأولياء والصالحين والأفراط :
أ- الشفاعة العظمى يوم القيامة  التي يرغب فيها الناس إلى الأنبياء نبياً بعد نبي ، حينما يطول الموقف والحشرُ على الناس ، وهم وقوف على أقدامهم ، حُفاةٌ عُراةٌ ، تدنو منهم الشمس ، ويأخذُ منهم العرق ، قال تعالى : ( فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ)(المعارج: 4) ، فيأتون إلى آدم ثم إلى نوح ثم إلى إبراهيم ثم إلى موسى ثم إلى عيسى عليهم السلام ، فكلهم يعتذرون ، فيأتون إلى محمد صلى الله عليه وسلم ، فيقول : " أنا لها " ، فيسجد بين يدي الله ، ويدعوه حتى يقال له : " يا محمدُ ، ارْفَعْ رأسَكَ ، وسَلْ تُعطَهْ ، واشفَعْ تُشَفَّعْ " ، فيشفعُ في أهل الموقف ، فيقبلُ الله شفاعتَه .
ب- الشفاعة في فتح أبواب الجنة لأهلها ، لأنهم إذا جاءوا إلى الجنة لا يُفتحُ لهم على الفور ، فيستشفعون بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم في فتحِ باب الجنة ، قال تعالى : ( وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا)(الزمر: 73) ، لم يقلْ : : حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا ، كما في النار ، بل قال : (وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا) ، فالمجيء شيءٌ ، وفتحُ الأبوابِ شيءٌ آخر ، وذلك بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم .
ج- الشفاعة في دخول من لا حساب عليهم الجنة ، وشفاعته صلى الله عليه وسلم لأناس من أهل الجنة في رفعةِ منازِلهم في الجنة ، وقد روى حديث هذه الشفاعة مسلم في صحيحه ، في قوله صلى الله عليه وسلم : ( أمتي أمتي ، أدخل أمتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن من أبواب الجنة ، وهم شركاء فيما سوى ذلك من الأبواب ) .
د-  الشفاعة في تحفيف العذاب عن بعض أهل النار ، كشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في عمه أبي طالب ، وهي خاصة به ، فالنبي صلى الله عليه وسلم لا يشفعُ في أخراجه من النار ، لأنه مخلد في النار كغيره من الكفار ، قال تعالى : ( فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ) (المدثر:48) ، ولكنه يشفع له في أنْ يُخففُ عنه العذاب ، ويُجعلُ في ضحْضَاحٍ من نار ، وفي أخمص قدميه جمرتان من النارِ ، يَغلي منهما دِماغُه ، عن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه وفيه : ( لعلّهُ تَنْفَعُهُ شَفاعتيِ يومَ القيامةِ فُيجعلُ في ضَحْضاحٍ منَ النارِ يبلُغُ كَعْبَيْهِ يَغْليِ منهُ دِمَاغُه ) رواه البخاري ومسلم .
هـ - الشفاعة في إخراج قوم من أهل التوحيد من النار ، فهذه شفاعة عامة تكون للملائكة والأنبياء والأولياء والمؤمنين وتكون للأفراط يشفعون للآبائهم ، وأخرج أبوداود والترمزي والحاكم والبيهقي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي ) ، وأخرج البخاري ومسلم من حديث جابر رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن الله يخرج قوم من النار بالشفاعة فيدخلهم الجنة ) .
4- فيشفع يوم القيامة سائر الرسل والأنبياء والملائكة عليهم السلام ، والصحابة والشهداء والصديقون وهم العلماء والأولياء على إختلاف مراتبهم ومقاماتهم عند ربهم يشفعون ، لثبوت الأخبار وترادف الآثار وهو أمر جائز فوجب تصديقه والقول بموجبه ، أخرج البيهقي عن شبيب بن فضالة المكي قال : ذكروا عند عمران بن حصين الشفاعة ، فقال رجل يا أبا نجيد إنكم تحدثوننا أحاديث لم نجد لها أصلاً في القرآن ، فغضب عمران ، وقال للرجل : أقرأت القرآن ؟ قال : نعم ، قال : فهل وجدت صلاة العشاء أربعاً ، وصلاة المغرب ثلاثاً ، والغداة ركعتين والظهر أربعاً والعصر أربعاً ، قال : لا ، فقال : فعمن أخذتم هذا ، ألستم عنّا أخذتموه ، وأخذناه عن نبي الله صلى الله عليه وسلم ، وفي كل أربعين دهماً درهم ، وفي كل كذا شاة ، وفي كل كذا بعير ، أوجدتم في القرآن هذا ؟ قال : لا ، قال : وجدتم في القرآن : ( وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ)(الحج: 29) ، أوجدتم طوفوا سبعاً ، واركعوا ركعتين خلف المقام ، أوجدتم هذا في القرآن ، قالوا : لا ، قال : فإن الله تعالى قال في كتابه : ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا )(الحشر: 7) ، وإنا قد أخذنا من نبي الله صلى الله عليه وسلم أشياء لم يكن لكم بها علم ) وأخرجه أبوداود في سننه وقال الألباني إسناده ضعيف .
5- قال تعالى : ( ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ) (عبس:21) ، أي جعل له قبراً يواي فيه إكراماً له ، ولم يجعله مما يلقى في الأرض تأكله الطير ، وأنّ مذهب سلف الأمة وأئمتها أن الميت إذا مات يكون في نعيم أو عذاب ، وأن ذلك يحصل لروحه وبدنه وأنّ الروح تبقى بعد مفارقة البدن منعمة أو معذبة ، وأنها تتصل بالبدن أحياناً يحصل له معها النعيم والعذاب .
[33]  1- هذه مسألة تكفير أهل الكبائر دون الشرك ، فأهل السنة لا يكفرون صاحب الكبيرة ، فلا تعتقد تكفير أهل الصلاة المعهودة التي هي أحد أركان الإسلام ومباني الدين ، وإن عصوا بارتكاب الذنوب كبيرها وصغيرها ولو كانت تلك الذنوب والمعاصي قتل النفوس تعمداً ، ما دامت معصيتهم دونَ الكفرِ والشركِ ، فكل العباد إلا من عصمه الله من الأنبياء أو حفظه من خواص الأولياء ، يعصي من العصيان خلاف الطاعة ، والمعصية تشمل الكبائر والصغائر ، قال صلى الله عليه وسلم : ( كُلُّ ابنِ آدمَ خطَّاءٌ ، وخيرُ الخطَّائين التَّوابُون ) ، أخرجه الترمزي وغيره ، والله عز وجل صاحب العرش العظيم الذي هو أعظم المخلوقات ، وهو العالي عليها من جميع الجوانب ، يصفح أي يغفرُ ، قال تعالى : ( وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ )(النساء: 48) ، وفي الحديث القُدسيِّ : ( لَوْ أتيتني بِقُرابِ الأرضِ خَطايا ، ثُمَّ لَقِيتَنِي لا تُشركُ بيِ شيئاً ، لأتيتُك بِقُرابِها مَغفرةً ) ، وقال تعالى : ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الزمر:53) .
2- والكبيرة هي ما فيها حد في الدنيا أو وعيد في الآخرة ، أو وعيد بنفي إيمان أو لعن ، وأهل السنة والجماعة  يقولون في مرتكب الكبيرة ، أنه مؤمن بإيمانه ، فاسق بكبيرته ، وهو في مشيئة الله تعالى ، وقد ورد في الكتاب والسنة ما يؤيد ذلك ، قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ ) (البقرة:178) ، فأثبت له أخوة الإيمان ، وقال تعالى : ( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا )(الحجرات: 9) ، إلى قوله تعالى : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ )(الحجرات: 10) ، وقال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تعالى : ( ابن آدم لو لقيتني بقراب الأرض خطايا ثم أتيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة ) أخرجه الترمزي ، فدل الكتاب والسنة وإتفاق الفرقة الناجية على أنه لا يخلد في النار أحد من أهل التوحيد .
3- أما قوله تعالى : ( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا )(النساء: 93) ، وقوله تعالى : ( وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً)(الجـن: 23) ، وقوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) (النساء:10) ، وكذا في السنة كقوله صلى الله عليه وسلم : ( من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها خالداً مخلداً في نار جهنم ) رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة ، ويتوجأ : يضرب بها نفسه ، ونظائره كثيرة ، فحمله قوم على المستحل فيكون كافراً ، وأما من فعل هذه الأفعال من غير استحلال لم يلحقه وعيد الخلود ، وإنما لحقه وعيد الدخول ، وقد أنكر الإمام أحمد هذا القول وقال : " لو استحل ذلك ولم يفعله كان كافراً ، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما قال من فعل كذا وكذا " ، وقال طائفة : " هذه وعيد ، وإخلاف الوعيد لا يذم بل يمدح ، فيجوز على الله إخلاف الوعيد لا إخلاف الوعد " ، والفرق بينهما أنّ الوعيد حقه ، فإخلافه عفو وهبة وإسقاط ذلك منه من موجبات كرمه وجوده وإحسانه وامتنانه ، والوعد أوجبه على نفسه بوعده والله لا يخلف الميعاد .
مسألة صاحب الكبيرة إذا مات ولم يتب منها هل يخلد في النار ، تناظر فيها أبوعمرو بن العلاء أحد القراء السبعة وعمرو بن عبيد المعتزلي ، فقال المعتزلي : يا أبا عمرو لا يخلف الله وعده وقد قال تعالى : ( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ )(النساء: 93)  ، فقال أبو عمرو : ويحك يا عمرو من العجمة أتيت ، إن العرب لا تعد إخلاف الوعيد ذماً ، بل جوداً وكرماً ، أما سمعت قول الشاعر :
ولا يرهب ابن العم ما عشت صولتي          ***     ولا أختتي  من  صولة  المتهددِ
وإني    إن    أوعدته    أو   وعدته ***     لمخلف إيعادي ومنجز موعدي
وعلى كل حال فقد قام الدليل على ذكر الموانع من إنفاذ الوعيد بعضها بالإجماع وبعضها بالنص ، فالتوبة مانعة بالإجماع ، والتوحيد مانع بالنصوص المتواترة التي لا مدفع لها ، والحسنات العظيمة الماحية مانعة ، والمصائب المكفرة مانعة ، وإقامة الحدود في الدنيا من الموانع بالنص فلا تعطل هذه النصوص وأضعاف أضعافها ، فلا بدّ من إعمال النصوص من الجانبين .
قال النووي في تفسير الآية (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً ) ، وأيده ابن كثير وابن حجر رحمهم الله : " فالصواب في معناها أن القاتل العمد جزاءه جهنم وقد يجازى به وقد يجازى بغيره ، وقد لا يجازى بل يعفى عنه ، فإن قتله عمداً مستحلاً له بغير حق ولا تأويل فهو كافر مرتد يخلد في جهنم بالإجماع ، وإن كان غير مستحل ، بل معتقداً تحريمه فهو فاسق عاص مرتكب كبيرة جزاؤه جهنم خالداً فيها ، لكن تفضل الله تعالى وأخبره أنه لا يخلد من مات موحداً فيها ، فلا يخلد هذا ، ولكن قد يعفى عنه فلا يدخل النار أصلاً ، وقد لا يعفى عنه بل يعذب كسائر العصاة الموحدين ثم يخرج معهم إلى الجنة ولا يخلد في النار " .
4- ومسألةُ تكفيرِ أصحابِ الكبائر التي دون الشِّرك ، وقد حصل فيها اختلافٌ طويلٌ ما بين الخوارج والمعتزلة وما بين المرجئة وما بين أهل السنة والجماعة ، فالخوارج يكفرونَ بالكبائر التي دونَ الشِّرك ، ويُخَلِدونَ أصحابها في النار ، ويستحِلونَّ دِماءَهم وأموالهم على أنَّهم كفارٌ ، ويستدلون بالآيات التي وردت في الوعيد على الذُّنوب والمعاصي ، ويحملونها على كُفر أصحابِ تلك المعاصي ، والمعتزلة يقولون : ليس بكافر ولا مؤمنٍ ، بل هو في المنزلةِ بين المنزلتين ، ويوم القيامة يخلد في النار ، والمرجئةُ على النقيضِ من مذهب الخوارج ، فهم أخذوا بآيات الوعد والرجاء ، وتركوا آيات الوعيد ، فالكبائر عندهم لا تَضرُّ الإيمان ولا تَنْقُصه ، فالعاصي صاحبُ الكبيرةِ عندهم مُؤمنٌ كاملُ الإيمان ، يقولونَ : لا يَضرُّ مع الإيمان معصيةٌ ولا يَنفعُ من الكُفرِ طاعةٌ ، فهم لا يدخلون الأعمالَ في الإيمان ، فمن ترك واجباً أو فعل محرماً أو ارتكب كبيرةً أو صغيرةً دون الشرك ، فهذا كامل الإيمان ، ولا تَنْقُصُهُ المعاصي ولا تزيدُه الطاعاتُ عندهم ، لأن الإيمان عندهم في القلب ، وهو شيء واحد لا يزيد ولا ينقص ، أما أهل السنة والجماعة فلا يكفرون صاحب الكبيرة ، ولا يقولون أنه كامل الإيمان ، بل يقولون إنه مؤمن ناقص الإيمان ، فهو مؤمن بإيمانه وفاسِقٌ بكبيرته ، وهو تحت المشيئة إن شاء الله غفرَ له ، وإن شاء عذبه ، ولكنه لا يُخلدُ في النار ، فجمعوا بين أياتِ الوعدِ وآياتُ الوعيد ، فهم على الحقِّ والاعتدال .
[34] 1- ولا تعتقد بجنانك ولا تقل بلسانك رأي الخوارج في مذاهبهم الباطلة فإنه مقال شنيع ورأي فظيع لكل إنسان يهواه ويميل إليه ويُحبُّه ويتَّبعُه ، يُهلك من قال به ، لأنه رأيٌ خطيرٌ ، فيه تكفيرُ المسلمين ، واستحلالُ دمائِهم وأموالهم ، والخروج على وُلاةِ الأمورِ ، بل اعتبره مذهباً باطلاً ، وهذا في الذي يرى رأيهم ولو لم يفعلْ مثلَ فعلِهم ، فكيف بالذي يرأى رأيهم ويُنفِّذُه ،  فلا ينفعه ما قدّم وما أعطى في هذه الحياة الدنيا إذا كان على خلاف ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم .
2- والخوارج جمع خارج ، وهو الذي خلع طاعة الإمام الحق وأعلى عصيانه وألبّ عليه ، فهي فِرقةٌ من فرق الضلال ، سُمّوا بالخوارج ، لأنهم خرجوا عن طاعة ولاةِ الأمورِ ،  وهم الذين خرجوا على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وفارقوه بسبب التحكيم ، وقالوا : " لماذا تُحكِّم الرجال ، والله عز وجل يقول : ( إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ )(يوسف: 40) وكانوا اثنتي عشر ألفاً فأرسل إليهم ابن عباس رضي الله عنهما فجادلهم ووعظهم ، فقال : " أليس اللهُ قد حكَّم الرجال في الأرنبِ يَصيدُها الْمُحرِمُ ، فقال في الصيد : ( يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ)(المائدة: 95) ، أليس اللهُ حكَّمَ الرجالَ في قضيةِ النُّشوزُ في قوله تعالى : ( وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا)(النساء: 35) ، وتحكيمُ عليٍّ رضي الله عنه للرجال هو من هذا القبيل ، فرجع بعضهم وأصر على المخالفة آخرون .
3- وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( تمرق مارقة على حين فرقة من المسلمين يقتلها أولى الطائفتين بالحق ) ، فقتلهم أمير المؤمنين علي رضي الله عنه وطائفته ، وقال صلى الله عليه وسلم في حق الخوارج المارقين : ( يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم ، وصيامه مع صيامهم ، وقراءته مع قراءتهم ، يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم ، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية أينما لقيتموهم فاقتلوهم ، فإن في قتلهم أجراً عند الله تعالى لمن قتلهم يوم القيامة ) رواه البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخضري .
4- كانت للخوارج آراء ومذاهب دانو بها منها أنهم كفروا علياً رضي الله عنه ، وأن من لم يقل برأيهم كفروه ، وأجمعوا على تكفير أصحاب الكبائر وتخليدهم في النار ، ويرون الخروج على الإمام إذا خالف السنة حقاً واجباً .
[35]  1- ولا تكن مرجئاً ، وهم الذين يؤخرون الأعمال عن مسمى الإيمان ، فلذلك سموا المرجئة من الإرجاء وهو التأخير ، لعوباً بدينه أي كثير اللعب ضد الجد ، ألا إنما المرجي بالدين القويم المستقيم يمزج ويلعب ، لأن مذهب الإرجاء تلاعُبٌ بالدين ، يكونُ العبدُ مؤمناً عندهم ولو لم يعمل شيئاً ولو ترك الصلاة والصيامَ والزكاة والحج ، ولو فعل كل المحرمات ، لأن غلاة المرجئة يقولون : أنه كما لا ينفع مع الكفر طاعة ، لا يضر مع الإيمان معصية ،  لأن الإيمان عندهم هو التصديق والقول ، وهذا قول خبيث ينقض عرى الإسلام وهو سُلَّمٌ لترك الصلاة ومنع الزكاة وترك الصيام وذريعة لمعاطاة الزنا وسائر الفواحش ، ولا يرتاب ذو لب أنّ هذا مزاح بالدين ولعب ، لأنهم يعطلون الأوامر والنواهي ، ولذلك فالفُسَّاقُ وأصحابُ المعاصي يفرحون بهذا المذهب ويؤيدونه ، فهم يعملون ما يشاؤون ، وهم على إيمانهم عند المرجئة ، ومن نهج هذا المنهج فهو على شفا جرف هار وهو لسيرة أهل الكفر والإلحاد أقرب من لسيرة الأبرار .
2- قال في القاموس : " أرجأ الأمر أخره " ، وقال تعالى : ( وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ )(التوبة : 106) ، أي مؤخرون حتى ينزل الله فيهم ما يريد ، والإرجاء في اللغة التاخير ، وسمّوا مرجئة لأنهم أخروا العمل عن الإيمان وهم فرق :
أ- مرجئة الجهمية يقولون الإيمان  مجرد المعرفة بالقلب ، فلا تضر مع الإيمان معصية كما لا تنفع مع الكفر طاعة ، فليزمُ هذا المذهب الحبيث أن يكون فرعونُ مؤمناً ، لأنه يعترف بقلبه بما جاء به موسى عليه السلام ، قال تعالى : ( قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ)(الاسراء: 102) ، ولكنه أنكر بلسانه كبراً واستكباراً ، وكذلك المشركون يعترفون أنَّ محمداً رسولُ الله ، وأنَّه على الحق ، قال تعالى : ( قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ) (الأنعام:33) ، فهم لا يكذبون الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولكن حملهم على مخالفته الجحود والكبر والاستكبار والعصبية للباطل ، كما حمل أبا طالبٍ عمَّ الرسول صلى الله عليه وسلم حيث اعترف بأنَّ الرسول على الحق ، وما منعه من اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم إلا الحميَّةُ لدينِ آبائِه وأجداده ،  فقال :
                   وَلَقَدْ عَلِمْتُ بِأَنَّ دِينَ مُحَمَّدٍ          ***     مِنْ خَيرِ أَدْيانِ الْبَرِيَّةِ دِيناً
                   لَو لا الْمَلامَةُ أوْ حَذَارُ مَسَبَّةٍ        ***     لَرَأَيْتَنِي سَمْحاً بِذاكَ مُبِيناً
فمات على ملةِ عبدِ الْمُطَّلبِ على الشرك صار من أهل النار ، وهو يعترف أنّ دين محمدٍ صلى الله عليه وسلم حقٌّ ، فعلى مذهب الأشاعرة يلزمُ أن يكون مؤمناً .
ب- منهم من يقول الإيمان القول باللسان وهو قول الكرامية .
ج- مرجئة الفقهاء يقولون الإيمان التصديق بالقلب والنطق باللسان وليست الأعمال من مسمى الإيمان ، وهو قول الأحناف .
3- عظم القول في ذم المرجئة ، حتى قال إبراهيم النخعي : " لفتنتهم يعني المرجئة أخوف على هذه الأمة من فتنة الخوارج " ، وقال الزهري : " ما ابتدع في الإسلام بدعة أضر على أصله من الإرجاء " ، وقال شريك القاضي : " المرجئة أخبث قوم حسبك بالرافضة خبثاً ، ولكن المرجئة يكذبون على الله " ، وقال سفيان الثوري : " تركت المرجئة الإسلام أرق من ثوب سابري " ، والمعنى أن المرجئة لما أخرجوا الأعمال من الإيمان أضعفوه حتى صار كالثوب الرقيق الذي يستشف ما وراءه ، والثياب السابرية هي ثياب رقيقة جداً منسوبة إلى سابور من ملوك الفرس ، ولهذا قرن الناظم الطائفتين وعطف المرجئة على الخوارج .
4- وحاصل ما لأهل الإسلام في الإيمان خمسة أقوال :
الأول : مذهب أهل السنة والجماعة أنه عقد بالجنان وقول باللسان وعمل بالأركان ، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ، فهو مركب من الثلاثة ، كما جاء في حديث شُعبِ الإيمان وغيره .
الثاني والثالث والرابع : أنّ الإيمان بسيط لا مركب ، فهذه الثلاثة مذاهب :
الثاني : التصديق وهو قول جهم بن صفوان ومن وافقه من الأشاعرة وغيرهم .
الثالث : القول وحده أي الإقرار باللسان وهو النطق بالشهادتين ، دون القلب وهو مذهب الكرامية ، لأن هذا القول يكونُ المنافقون مؤمنين ، لأنهم يعترفون بألسنتهم ، ولكنهم ينكرون في قلوبهم ، وقد حكم الله عليهم في الدَّرْكِ الأسفلِ من النار تحتَ المشركين ، قال تعالى : ( يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ )(آل عمران: 167) ) ، ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) (البقرة:8) ، فالنطق باللسان لا يكفي ، حتى ولو قاتل وجاهد مع المسلمين ، ولو صلى وصام ، فلا يكفي حتى يعتقد بقلبه ما نطق به لسانه .
الرابع : العمل وحده ، وهو قول لبعض المعتزلة .
الخامس : قول فقهاء المرجئة وهو مركب ثنائي من التصديق بالجنان والقول باللسان ، وهذا قول باطل ، لأنه لو كان كذلك لما صار للأوامر والنواهي فائدةٌ ، فيكفي في زعمهم أنّ الإنسان  يعتقدُ بقلبه وينطق بلسانه ، ولو لم يصلِّ ولم يصم ، ففيه تعطيل للأعمال كلها ، فالله عز وجل قرن العمل بالإيمان في كثير من الآيات ، قال تعالى : ( وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ)(البقرة: 25) ، ولم يقل "آمنوا " فحسب ، أو علموا الصالحات فحسب ، فلا بدّ من الاثنين معاً ، فلا يكفي العمل بدون إيمان ، ولا يكفي الإيمان بدون عمل .
تتمة : والفرق بين المعتزلة وبين أهل السنة : أنّ المعتزلة جعلوا الأعمال شرطاً في صحة الإيمان ، وقالوا أن مرتكب الكبيرة لا مؤمن ولا كافر ، منزلة بين المنزلتين وهو مخلد في النار ،  والسلف جعلوا الأعمال شرطاً في كماله ، ومن هنا نشأ عنهم القول بزيادة الإيمان ونقصه .
5- ومذهب السلف ومن وافقهم من الأشعرية جواز الإستثناء في الإيمان ، يقول الإنسان : أنا مؤمن إن شاء الله ، لأن الإيمان يتضمن فعل جميع الواجبات ، فلا يشهدون لأنفسهم بذلك ، كما لا يشهدون لها البر والتقوى ، من غير شك في إيمانهم ، قال شارح العقيدة الطحاوية : " مسألة الاستثناء في الإيمان وهو أن يقول أي الرجل أنا مؤمن إن شاء الله ، فالناس فيه على ثلاثة أقوال ، طرفان ووسط ، منهم من يوجبه ، ومنهم من يحرمه ، ومنهم من يجيزه بإعتبار ويمنعه بإعتبار ، وهذا أصح الأقوال .. ، إلى أن قال : وأما من يجوز الإستثناء وتركه فهم أسعد بالدليلين من الفريقين وخير الأمور أوسطها ، فإن أراد المستثني الشاك في أصل إيمانه منع من الاستثناء ، وهذا مما لا خلاف فيه ، وإن أراد أنه مؤمن من المؤمنين الذي وصفهم الله في قوله : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ .... ) (لأنفال:2-4) ، فالاستثناء حينئذ جائز .
[36] 1- هذا هو القول الثالث ، اترك رأيَ الخوارجِ ، واتركْ رأيَ الْمُرجئةِ ، وقُلْ قولَ أهل السنةِ والجماعةِ ، قل بلسانك معتقداً بجنانك مذعناً بأركانك إنما الإيمان قول باللسان واعتقادٌ بالقلب وعملٌ بالجوارح ، يزيدُ بالطاعة وينقصُ بالمعصية ، وما يدل على ذلك حديث الرسول صلى الله عليه وسلم : ( الإيمانُ بِضْعٌ وسبعونَ شُعْبةٌ ، أعلاها قولُ : لا إله إلا اللهُ ، وأدناها إماطةُ الأذى عن الطريقِ ، والحياءُ شُعْبَةٌ مِن الإيمانِ ) أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، فقول : " لا إله إلا اللهُ " هذا قولٌ باللسان ، وقول : " والحياءُ شُعْبَةٌ مِن الإيمانِ " هذا من أعمال القلب ، وقول : " إماطةُ الأذى عن الطريقِ " هذا من أعمال الجوارج ، فدلّ على الإيمان قولٌ واعتقادٌ وعمل .
2- الإيمان هو تصديق الرسول فيما جاء به عن ربه ، ويكون قولاً باللسان فمن لم يقر وينطق بلسانه مع القدرة لا يسمى مؤمناً ، ويكون نية والنية هي القصد أي عقد بالجنان ، فمن تكلم بكلمة التوحيد غير جازم  بها بقلبه إما مع الشك أو مع إعتقاد خلاف ما شهد به فهو منافق ، قال تعالى : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) (البقرة:8) ، ويكون الإيمان فعلاً بالأركان .
3- قال الحافظ بن رجب : " المشهور عن السلف وأهل الحديث أنّ الإيمان قول وعمل ونية وأنّ الأعمال كلها داخلة في مسمى الإيمان " ، وقال الشافعي : " الإيمان قول وعمل ونية ولا يجزئ واحد من الثلاثة إلا بالآخر " ، وقال مالك ومعظم أئمة السلف : " الإيمان معرفة بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالأركان " ، وقال سهل التستري : " الإيمان قول وعمل ونية وسنة ، لأن الإيمان إن كان قولاً بلا عمل فهو كفر ، وإن كان قولاً وعملاً بلا نية فهو نفاق ، وإذا كان قولاً وعملاً ونية بلا سنة فهو بدعة " ، وأنّ الإيمان يتفاضل يزيد وينقص .
4- وقد دلّ على دخول الأعمال في الإيمان قوله تعالى : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ *  أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً)(الأنفال: 2-4) ، وفي الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لوفد عبدالقيس : ( آمركم بأربع : الإيمان بالله ، وهل تدرون ما الإيمان بالله ؟ شهادة أن لا إله إلا الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وأن تعطوا من المغانم الخمس ) .
5- وقد اتفق الصحابة والتابعون وسائر أئمة الدين على أنه لا يخلد في النار ممن في قلبه مثقال ذرة من إيمان ، واتفقوا على أن نبينا صلى الله عليه وسلم يشفع فيمن يأذن الله له بالشفاعة فيهم من عصاة الموحدين ، وأهل الكبائر من أمته ، وأن مرتكب الكبيرة مؤمن بإيمانه فاسق بمعصيته ، فلا يعطى الاسم المطلق من الإيمان ولا يسلب مطلق الاسم ، وأن الإيمان يفاضل فيزيد وينقص
6- أما مذهب المبتدعة في مرتكب الكبيرة فعند الخوارج كافر مخلد في النار ، والمعتزلة عندهم ليس بمسلم ولا كافر ، لأن عندهم الإيمان هو مجموع ما أمر الله به ورسوله ، وهو الإيمان المطلق ، فإذا ذهب شيء منه لم يبق مع صاحبه شيء فيخلد في النار ،  وأما المرجئة  فعندهم لا يذهب من الإيمان شيء لا بارتكاب الكبائر ولا بترك الواجبات الظاهرة ، إذ لو ذهب منه شيء لم يبق منه شيء ، فيكون شيئاً واحداً يستوي فيه عندهم البر والفاجر .
[37]  1- وأنّ إيمان العبد المؤمن ينقص مرة بالمعاصي وهي ما يذم مرتكبها من كبيرة وصغيرة ، ومرة أخرى يزيد بالطاعات ، فيثقل ميزانه ، وقال تعالى : ( وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً )(المدثر: 31)،  وهذا ردٌّ على المرجئة الذين يقولون : الإيمانُ لا يزيد ولا ينقص ، وإنما هو شيء واحدٌ ، وأهله في أصلهِ سواء ، والناس لا يتفاضلون في الإيمان ، فإيمان أبي بكر مثل إيمان أفسق الناس  وهذا قول باطلٌ ، بل الإيمان يزيدُ بالطاعات وينقصُ بالمعاصي ، والناس يتفاضلون ، قال صلى الله عليه وسلم : ( الْمُؤمنُ القويُّ خيرٌ وأحّبُّ إلى الله من المؤمنِ الضعيفِ ، وفي كُلٍّ خير ) رواه مسلم من حديث أبي هريرة .
2- ولذلك كان ما عليه سلف الأمة وجل الأئمة أن الإيمان قول وعمل ونية يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ، وأما كونه يزيد قال تعالى : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً)(الأنفال: 2-4 ) فجعل الصلاة والإنفاق من الإيمان ، وهذه أعمال جوارح ، وذِكْرُ الله ، هذا قول باللسان ، (زَادَتْهُمْ إِيمَاناً ) هذا دليل على أنَّ الإيمان يزيد وقال تعالى : ( وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً)(التوبة: 124) ، وقال تعالى : ( وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ) (محمد:17) ، وقال تعالى : ( إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً)(الكهف: 13) ، وعن عمير بن حبيب الخطمي رضي الله عنه أنه قال : ( الإيمان يزيد وينقص ، قيل وما زيادته ونقصانه ؟ قال : إذا ذكرنا الله تعالى ووحدناه وسبحناه فتلك زيادته وإذ غفلنا ونسينا فذاك نقصانه ) رواه عبدالله بن أحمد وغيره ، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لأصحابه :" ( هلموا نزداد إيماناً فيذكرون الله ) رواه أحمد ، وكذلك ينقص بالمعاصي ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ رَأى مِنْكُم مُنْكراً فَلْيُغَيِّرْهُ بِيدِه ، فإنْ لم يستَطِعْ فَبِلسانِه ، فإنْ لم يستطِعْ فبقلْبِه وذلك أضعفُ الإيمان ) ، فدلّ على الإيمان يضعف ، أما لا يُنكرُ المنكرَ لا بيده ولا بلسانه ولا بقلبه ، فهذا ليس فيه إيمان أصلاً ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( وليسَ وراءَ ذلكَ حَبَّةُ خَرْدلٍ ) ، وكما في الحديث : ( إنَّ الله يخرجُ منَ النار مَنْ كانَ في قلبِه أدنى أدنى مثقالِ حبَّةٍ من خردلٍ من إيمانٍ ) هذا دليل على أنّ الإيمان يضعفُ ويكونُ بقدْرِ وزنِ حبة الخردل أو أدنى من ذلك .
[38]  1- واترك عنك غير مهتم به ، آراء الرجال وتأويلاتهم الباطلة ولا تهتم بقولهم ولا تجعله لك مذهباً لأنه عرضة للخطأ ولكن إذا كنت تبتغي النجاة والفوز بالدرجات العالية والنعيم المقيم ، فاتبع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم المعصوم من الزلل والخطأ ، لأنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ،  وهو الذي أمُرنا باتِّباعه ، ولم نؤمر بِاتِّباع الآراء والأقوال ، فالمعتبر قول الرسول صلى الله عليه وسلم فهو أزكى وأطهر وأخلص لك من جميع أقوال الناس وآراءهم ، وأبين وأوضح وأوسع من آراء المتعمقين وتأويلات المتنطعين فإنهم حرفوا النصوص عن مواضعها ، بالرأي المجرد الذي حقيقته زبالة الأذهان ووساوس الصدور  ، فكل من له مسكة من علم ودرية من فهم يعلم أن فساد العالم وخرابه إنما نشأ من تقديم الآراء على الوحي والهوى عن النقل ، وما استحكم هذان الأصلان الفاسدان في قلب إلا استحكم هلاكه ، ولا في أمة إلا وفسد أمرها أتم فساد ، والعلماءُ والأئمةُ يُحذِّرون من اتباع الآراء الرجال غايةَ التحذيرُ .
2- لا بُدَّ أن يكون هناك خلافٌ بين العلماء في المسائل : هذا حلال وهذا حرام ، وهكذا الخلاف في المسائل الاعتقادية والفقهية ، والمعاملات ، وهذه طبيعة البشر ، قال تعالى : ( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ )(هود: 118 - 119) ، ولكن لا يجوزُ أن نأخذَ ما نريدُ من الأقوال وما يوافق رغبتنا وشهوتنا ، وإنما نأخذُ من الأقوال ما قام الدليلُ من كتابِ الله وسنةِ رسوله صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) (النساء:59) ، وقال صلى الله عليه وسلم : ( فإنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنكُم فسيرَى اختلافاً كثيراً ، فعليكمْ بِسُنتي وسُنَّةِ الخلفاءِ الراشدين ) ، والاختلاف ليس برحمة ، إنما الاجتماع والاتفاق رحمة ، قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه : " الخِلافُ شرٌّ ) أخرجه أبو داود وأصله في الصحيحين ، فالاختلاف موجود ، والدين ليس في أقوال العلماء ، إنما الدينُ بالدليل ، وهذا هو الميزان الذي بين أيدينا ، لم يلكنا الله إلى الخلاف أو إلى رأي فلانٍ وقولِ فلان ، بل أمرنا بأنْ نرجعَ إلى الميزانِ وهو الكتاب والسنة .
3- فمن كان من أهل العلمِ ويستطيع أن يعرف الراجحَ من المرجوحِ ، فإنه لا يسعه أن يأخذ القول على عِلاته حتى يعرضه على كتاب الله وسُنَّة رسولهِ صلى الله عليه وسلم ، وأمّا إن كان من العَوامِّ أو من المبتدئين من طلبة العلم ، فهذا يسألُ أهلَ العلم ، قال تعالى : ( فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)(النحل: 43) ، ولهذا يقولون : " مذهبُ العاميِّ مذهبُ من أفتاه ".
4- والأئمة يحذرون من أخذِ أقولهم بدونِ معرفةِ الدليل ، قال الإمام مالك : " كُلَّنا رادٌّ ومردودٌ عليه ، إلا صاحبَ هذا القبرِ ) يعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويقول : ( أوَ كُلِّما جاءَنا رجلٌ أجْدَلُ من رجُلٍ ، تركنا ما نزل به جبريلُ على محمدٍ صلى الله عليه وسلم لجَدَل هؤلاء ) ، وقال الإمام الشافعي : " إذا صحَّ الحديثُ فهو مذهبي " ، وقال : " إذا خالف قولي قولَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاضربُوا بقولي عُرْضَ الحائطِ ، وخُذوا بقولِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ) ، وقال الإمام أحمد رحمه الله : " رأي فلان ورأي فلان ورأي فلان عندي سواء ، وإنما الحجة في الآثار " ، وقال الأوزاعي : " عليك بالأثر وإن رفضك الناس وإياك وآراء الرجال وإن زخرفوه لك بالقول ، فإن الأمر ينجلي وأنت على صراط مستقيم " ، انظر قواعد التحديث للقاسمي .
3- المذموم من الرأي هو الذي مستنده الحس والتخمين والخرص والتفكير ، وهو الذي لا دليل عليه من كتاب ولا سنة ولا قياس جلي ، فهذا هو الذي ذمه السلف وحذروا منه وأنبّوه ، بخلاف الرأي المستند إلى إستدلال واستنباط من النص ، وكل ما ورد عن السلف مما يشعر بمدح الرأي وقبوله فالمراد به هذا ، وما يشعر بالذم والتحذير فالمراد به الأول والله أعلم .
[39] 1- لا تَتَّخِذِ الدِّينَ مهزلةً وملعبةً ، فإنّ هذا فعل المنافقين والفساق ، ويعني أهل البدع من الصوفية والمعتزلة والرافضة وأهل الكلام الذين اكتفوا بالمعقول عن المنقول ومالوا إلى ما أصَّله الفلاسفة ونحوهم عما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، تلّهوا وتلاعبوا بدينهم الذي أمروا به من ربهم وجاء به نبيهم ، فتطعن في أهل الحديث أي رواته وناقليه بالأسانيد المقبولة والروايات المنقوله ، وتقدح في عدالتهم وتنسبهم إلى ما هم بريئون منه من الغلط وعدم الضبط والكذب والتخليط وعدم الحفظ ، مع كونهم حفاظاً عدولاً مقبولي الرواية معلومي العدالة ، بل عليك احترامَ الدِّينِ وتعظيمَ أمرِ الدِّين وأهله ، واحترام أهل الحديث ، قال تعالى : ( وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا)(الأنعام: 70) .
2- فالصوفية مثلاً يجعلون الرقص والدُّفوفَ والأغاني من الدين ، وينشدونها ويتقربون بها إلى الله ، وهي من الأغاني والطرب المحرم ، ويدخل في ذلك إلى الذين يميلون إلى الشهوات وما تهواه أنفسهم ، وكذلك يدخل فيه العُبّادُ من الصوفية الذين أدخلوا في العبادة ما ليس منها ، كل هذا من اتخاذ الدين لهواً ولعباً .
3- وتلاعب مثل هؤلاء بدينهم أن يحدثوا له أصولاً ويرتبوا له أبواباً وفصولاً معتمدين على قواعد وآراء اعتمدوها زاعمين أنهم يهتدون إلى الصواب بالعقول لا بالمنقول ، وبابتداع الأصول لا بقول الرسول .
4- قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ( إنّ أصحاب الرأي أعداء السنن أعيتهم الأحاديث أن يعوها وتفلتت منهم أن يحفظوها فقالوا في الدين برأيهم فضلوا وأضلوا ) ، وقال أيضاً : " أيها الناس اتهموا الرأي في الدين ، فلقد رأيتني وإني لأرد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برأي فاجتهد ولا آلو وذلك يوم أبي جندل ) يعني في قصة الحديبية وما كان في مراجعته للنبي صلى الله عليه وسلم لما رأى ما تضمنه من شروط رآها مجحفة بالمسلمين وعلى تعسف سهيل بن عمرو حين كتابة الكتاب وامتناعه أن يكتب بسم الله الرحمن الرحيم ، ومحمد رسول الله ، فهذا هو الذي أثار عمر رضي الله عنه فجرى منه ما جرى ، ثم إنه ندم بعد ذلك فكان يقول : " ما زلت أصوم وأتصدق وأصلي وأعتق من الذي صنعت يومئذ مخافة كلامي الذي تكلمته يومئذ حتى رجوت أن يكون خيراً " .
5- وأضل كل رأي وأبطلة وأفسده وأعطله الرأي المتضمن لتعطيل أسماء الله وصفاته وأفعاله أو تأويلها ، فاستعملوا قياساتهم الفاسدة في رد النصوص وتكذيب رواتها وتخطئتهم ، في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يكون المؤمن طعاناً ) رواه أحمد والبخاري والترمزي .
6- فأهل الحديث همْ أفضلُ الأمةِ ، وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم لأصحاب الحديث بقوله : ( نَضَّرَ اللهُ امْرَءاً سَمِعَ مِنَّا شيئاً فَبَلَّغَهُ كَمَا سَمِعَهُ ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ ) رواه أصحاب السنن إلا النسائي من حديث ابن مسعود وحسنه الترمزي ، وهم الذين اعتنوا بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وحافظوا عليها حتى بلغوها للناس كما جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونفوا عنها كلَّ دخيل ، وهم على قسمين : أهل رواية فحسب ، وأهل رواية ودراية أي فقهاء الحديث الذين يروون الحديث ويستبطوا منه الأحكام كالبخاري ومسلم ومالك وأحمد ، قال الإمام أحمد رحمه الله : " إنْ لم تكنْ الفرقةُ الناجيةُ أصحابُ الحديثِ فلا أدري مَنْ هم " ، فأصحاب الحديث هم الفرقةُ الناجيةُ ، وكذلك من اتَّبعهم وسارَ على نهجِهم فهو يَلحقُ بهم .
6- وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً لهؤلاء وهؤلاء ، فقال : ( مَثَلُ مَا بَعثَنِي اللهُ بهِ مِنَ الْهُدى والعلمِ كَمَثَلِ الْغيثِ الكثيرِ أصابَ أرضاً : فكانَ منها نَقيَّةٌ ، قَبِلَتِ الماءَ ، فأنْبَتَتِ الكلأَ والعُشْبَ الكثيرَ ، وكانتْ منها أجَادِبُ : أمْسَكَتِ الماءَ ، فنفعَ اللهُ بها الناسَ ، فَشَربُوا وَسَقَوْا ، وَزَرَعوا ، وأصابتْ منها طائفةً أخرى ، إنِّما هي قِيعانٌ لا تُمْسِكُ ماءً ولا تُنْبِتُ كَلأً ، فذلكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ في دينِ الله ، ونفَعَهُ ما بعَثَني اللهُ بهِ فَعَلِمَ وعلَّمَ ، ومَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعُ بذلكَ رأْساً ، ولَمْ يَقبلْ هُدَى اللهِ الذي أُرْسِلْتُ به ) أخرجه البخاري ومسلم .
فالناسُ كالأراضي ثلاثةُ أقسام :
فالطائفةُ الأولى : أجَادِبُ ، لا تُنبِتُ ، ولكنها أمْسَكَتِ الماءَ ، هذا مثالٌ للحفاظِ الذين أمسكوا الحديث ورَوَوهُ وحفظوه .
والطائفةُ الثانية : أرضٌ خِصْبةٌ ،  أمْسَكَتِ الماءَ ، وأنْبَتَتِ الكلأَ ، وهذا مثالٌ لفقهاء الحديث ، الذين حفظوا الحديث ، وأمسكوه واستبطوا منه الأحكام ، وهذا إنبات الكلأ ، فنفعَ اللهُ بها الناسَ ، فَشَربُوا وَسَقَوْا ، وَزَرَعوا ، وهؤلاء أحسن من الطائفة التي قبلها ، لأنهم أهل رواية وأهل دراية .
الطائفةُ الثالثةُ : ليس فيها خيرٌ ،  " إنِّما هي قِيعانٌ لا تُمْسِكُ ماءً ولا تُنْبِتُ كَلأً " ، هذا مثلُ المنافقين ، الذين لا خير فيهم ، الذين لم يقبلوا هُدى الله ، ولم يرفعونَ بسنةِ الرسول صلىالله عليه وسلم رأساً .
[40] إذا ما اعتقدت الدهر وهو مدّ الزمان الطويل يا صاحب هذه الأصول المذكورة في هذه المنظومة فإنه ضمنها جملة صالحة من المسائل الإعتقادية السلفية التي قد خالف فيها أكثر الناس من المعتزلة والقدرية والجبرية والخوارج والروافض والمرجئة والجهمية والصوفية والأشاعرة والفلاسفة والملاحدة ومن نحا نحوهم ، فأنت على خير ومستمر على هدى لتمسكك بالمأثور واعتقادك ما كان عليه السلف الصالح من الصحابة والتابعين لهم بإحسان وأئمة الدين دون رأي فلان ونظر فلان ، تبيت في خير وأمن مطمئن القلب سالم من شكوك المتكلمة وخواطر الملحدة وأفكار النظار ، قد اتبعت المأثور ، وتصبح في أمن وأمان وطمأنينة ، وجعلت معولك على الكتاب والسنة وما كان عليه السلف الصالح والتابعون لهم بإحسان ، واعتقدت أن النجاة كل النجاة في اقتفاء آثارهم ، دون ما اعتمده كل متحذلق وملحد وزنديق ، فإنّ لم يُسلّم لم يَسلم ، ومن لم يقتف السلف لم يربح ولم يغنم ، والله سبحانه وتعالى أعلم .
جَزى الله النَّاظِمَ عنِ الإسلامِ والمسلمين خيراً ، ونفعنا بما ذكرهُ ، وثَّبَتنا وإياكم والمسلمين على قولِ الحقِّ ، والعملِ به إلى يومِ نلْقاهُ ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمدٍ وعلى آله وصحبِه وسلَّم ، تمَّتْ في 24/1/1429هـ ، تلخيص الطالب / عبدالله أبوبكر عبد الرحمن باوارث .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق