المبحث الثاني عشر
حَمْلُ الجِنَازَةِ وَاتِّبَاعُهَا
1- حكم حمل الجنازة واتباعها واجب :
أ- وذلك من حَقِّ الميتِ المسلم على المسلمين ، وفي ذلك أحاديث ، منها حديث أبي هريرة قال : قال رسول صلى الله عليه وسلم : ( حقُّ المسلمِ على المسلمِ خمسٌ : ردُّ السلامِ ، وعيادةُ المريضِ ، واتِّباعُ الجَنائزِ ، وإجابةُ الدعوةِ ، وتشميتُ العاطس ) أخرجه البخاري وغيره .
ب- وحديث أبي سعيد الخُدْري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( عُودُوا المريضَ واتَّبِعوا الجنائز تُذَكِّرْكُم الآخرةَ ) أخرجه البخاري وابن حبان والبغوي .
2- اتِّباعُ الجنازة على مرتبتين :
الأولى : اتِّباعها من عند أهلِها حتى الصلاةِ عليها .
الثانية- اتِّباعها من عند أهلِها حتى يُفْرَغَ من دفنها.
أ- وكلُّ منهما فعلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ، ولا شك أن المرتبة الثانية أفضل من الأولى .
ب- لحديث أبي هريرة عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( مَنْ شَهِدَ الجِنازَةَ حتى يُصَلّى عليها فله قيراطٌ ، ومن شَهِدَها حتى تُدفن فله قيراطانِ ، قيل وما القيراطانِ ؟ قال : مثلُ الجبليِن العظيمينِ ) متفق عليه ، وفي رواية أخرى ( كُّل قيراطٍ مثلُ أحد ) رواه البخاري وأحمد .
ج- ولمّا رواه أبو هريرة لعبدالله بن عمر ، سأل ابنُ عمر عائشة رضي الله عنها : " هل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك ، فقالت : صَدَقَ أبو هريرة ، فقال ابن عمر : " لقد فرطنا في قراريط كثيرة "
د- ولأبي هُريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ أصبح منكم اليومَ صائماً ؟ قال أبوبكر : أنا ، قال : مَنْ عاد منكم اليومَ مريضاً ؟ قال أبوبكرٍ : أنا ، قال : من شَهِد منكم اليوم جِنازةً ؟ قال أبوبكر : أنا قال : من أطعم اليوم مِسْكيناً ؟ قال : أبوبكرٍ : أنا ، قال صلى الله عليه وسلم : ما اجتمعَتْ هذه الخِصَالُ في رجلٍ في يومٍ إلاّ دَخَل الجنَة ) أخرجه مسلم والبخاري .
هـ سئل الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله : " عن من تبع جنازة ثم صلى عليها بعد الدفن هل يحصل له قيراطان ، فأجاب : نعم ، واستدل بحديث أبي هريرة رضي الله عنه السابق " .
3- قال الشيخ عبدالله البسام : " وقال بعضهم اتباع الجنازة على ثلاثة أضرب :
أ- أن يصلي عليها . ب- حتى دفنها .
ج- إلى يقف بعد الدفن على القبر ويدعو للميت بالمغفرة والرحمة " .
4- قال ابن تيمية : " لو قدر أن الميت لا يستحق التشييع ، تبعه لأجل أهله إحساناً إليهم ، وتأليفا
لقلوبهم ، أو مكافأة لهم وغير ذلك ، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عبدالله بن أُبَيِّ بن سلول " .
5- وهذا الفضلُ في اتِّباع الجنائز إنما هو للرجالِ دون النساءِ :
أ- لنهي النبيِّ صلى الله عليه وسلم لهنّ عن اتباعها ، وهو نهيُ تنزيهٍ .
ب- فقد قالت أمُّ عطيةَ رضي الله عنها : ( كنَّا نُنهى "وفي روايةٍ : نهانا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم " عن اتِّباع الجنائز ولم يَعْزِم علينا ) أخرجه البخاري ومسلم .
6- خلاف العلماء في حكم اتباع النساء للجنائز :
القول الأول : ذهب الجمهور ومنهم الشافعية والحنابلة إلى كراهة اتباع النساء للجنائز :
أ- لحديث أُمِّ عطِيَّةَ رضي الله عنها ، قالت : ( نُهِينَا عن اتِّباعِ الجَنَائِزَ ولم يُعْزَمْ علينا ) متفق عليه ، أي لم يعزم علينا في النهي .
القول الثاني : ذهب الحنفية إلى أنَّ النهي هنا للتحريم :
أ- لحديث عبدالله بن عمرو بن العاص قال : ( بينَما نحنُ نَمْشِي مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم إذ أبصر بامرَأةٍ لا نَظُنُّ أنَّهُ عرفَها ، فلمَّا توجهنا إلى الطريقِ وقفَ حتى انتهتْ إليه ، فإذا فاطمةُ رضي الله عنها ، فقال : ما أخرجَكِ من بيتكِ يا فاطمةُ ؟ ، قالت : أتيتُ أهلَ هذا البيتِ ، فرَحَّمْتُ إليهم مَيِّتَهُم ، وعَزَّيْتُهُم ، فقال : لَعَلَّكِ بَلغْتِ معهم الكُدَى ؟ ، قالتْ : معاذَ الله أن أكونَ قد بلغْتُها معهم وقدْ سمعْتُك تَذْكُرُ في ذلك ما تَذْكُرُ ، قال : لوْ بلَغْتِهَا ما رأيتِ الجنَّةَ حتى يراها جَدُّ أبيكِ ) رواه أحمد وغيره ، وقد طعن العلماء في الحديث .
ب- لما روى ابن ماجة والحاكم عن علي رضي الله عنه : ( أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم خرج فإذا نسوةٌ جُلُوسٌ فقال : ما يُجْلِسُكُنَّ ؟ قلن : ننتظرُ الجنازةَ ، فقال : هل تُغَسِّلْنَ : قلنَ : لا ، قال : هلْ تَحْمِلْنَ ، قلنَ : لا ، قال : هل تُدْلِينَ فيمَنْ يُدْلي ، قُلْنَ : لا ، قال : فارْجِعْنَ مَأْزُورَاتٍ غَيرَ مَأْجُورَاتٍ ) وسنده ضعيف .
ج- قال ابن دقيق العيد : " وقد ورد أحاديث تدل على التشديد في اتباع الجنائز للنساء .."
القول الثالث : ذهب المالكية إلى جواز اتباع النساء للجنائز ، إلا على المرأة الشابة الفاتنة :
أ- فلا يجوز للمرأة الشابة الفاتنة إتباع الجنائز قولا واحدا .
ب- لا يكرهُ خُرُوجُ عَجُوزٍ لِجنازةٍ مُطلقاً .
ج- ولا يكره خُرُوجُ شابَّةٍ في جنازةٍ من عظُمَتْ مُصيبتُه عليها بشرط أن تكون مُسْتَتِرةٌ ، ولا يترتبُ على خُروجها فتنةٌ .
القول الرابع : ذهب ابن حزم إلى جواز اتباع النساء للجنائز :
أ- قال ابن حزم : " أنّ ما استدلَّ به الجمهور غير صحيح ، وأنَّه يَصِحُّ للنِساء اتِّباعُ الجنازة ، ولا نَكْرَهُ اتِّباعَ النِّساءِ الجنازةَ ولا نَمْنَعُهُنَّ من ذلك ، جاءتْ في النَّهْي عن ذلك آثارٌ ليس شئٌ منها يَصِحُّ ، لأنها إما مُرْسلةٌ ، وإمّا عن مجهولٍ ، وإمّا عمَّنْ لا يُحْتَجُ به " .
ب- أمّا حديث أم عطيةَ ، لو صحَّ مُسْنداً ، لم يكن فيه حجةٌ ، بل يكونُ كراهةٌ فقط .
ج- بل قد صحّ خِلافُهُ فقد أخرج النسائي وابن ماجة عن أبي هريرة : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في جنازةٍ فرأى عمرُ بن الخطاب امرأةٌ ، فصاحَ بِها ، فقال : دعها يا عمر ، فإنَّ العينَ دامعةٌ والنَّفسَ مُصابةٌ والعهد قريب ) .
د – وقد صحّ عن ابن عباس أنه لم يَكْرَهُ ذلك .
القول الراجح : قال الشيخ عبدالله البسام : " فالأحوط أنَّ النهي للتحريم " .
أ- لأن النساء لا يطقن مثل هذه المشاهد المحزنة والمواقف المؤثرة ، فربما ظهر منهن من التسخط والجزع ما ينافي الصبر والواجب ، وهو ما ذهب إليه الحنفية .
ب- وأما قول عطية رضي الله عنها " ولم يعزم علينا " فهو رأي لها ، ظنت أنه ليس نهي تحريم ، وهو اجتهاد منها في فهم النص ، والحجة قول الشارع ، ولحديث ( لعن الله زائرات القبور ) أخرجه أحمد وغيره ، وهو حديث صحيح بشواهده ، فمتبع الجنازة سيزور القبور ، واتباع الجنازة في معنى الزيارة ..
ج- قال الشيخ صالح الفوزان : " يحرم خروج النساء مع الجنائز ، لحديث أم عطية ، ولم تكن النساء يخرجن مع الجنائز على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتشييع الجنائز خاص بالرجال " .
7- أمّا إذا ماتت المرأة بين النساء ، فيجوز للنساء الصلاة عليها وتشييعها ودفنها .
8- لا يجوزُ أنْ تُتَّبَعَ الجنائزُ ، بما يخالفُ الشريعةَ :
أ- وقد جاء النصُّ فيها على أمرين ، رفع الصوت بالبكاء ، واتبِّاعها بالبَخُور .
ب- وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا تُتَّبَع الجنازةُ بصوتٍ ولا نارٍ ) أخرجه أبو داود وأحمد من حديث أبي هريرة .
ج- ولا يلحق بذلك الإضاءة مثل الفانوس ، لأن هذا لا بدّ منه ، والمقصود بالنار هو البخور .
د- ويلحق بذلك النياحة عند نقل الجنازة وحملها ، فمن الآثارُ ، قال عَمْرو بن العاص أنه قال في وصيّته : " فإذا مِتُّ فلا تَصْحَبْني نائحةٌ ولا نارٌ " أخرجه مسلم .
هـ ويلحق بذلك رفعُ الصوتِ بالذِّكْرِ أمام الجنازةِ وخلفها ، لأن ذلك بدعة ، قال النووي : " واعلم أنَّ الصواب والمختارَ ما كان عليه السلفُ رضي الله عنهم السُّكوت في حال السير مع الجنازة ، فلا يرفع صوت بقراءةٍ ولا ذكرٍ ولا غير ذلك ، والحكمةُ فيه ظاهرةٌ ، وهي أنّه أسكنُ لخاطرِه ، وأجمع لفكرهِ فيما يتعلقُ بالجنازةِ " .
و- ولقول قَيس بن عُبَاد : " كان أصحابُ النبِّي صلى الله عليه وسلم يَكْرَهُون رفعَ الصوتِ عند الجنائز " أخرجه البيهقي ، ولأن فيه تَشَبُّهاً بالنصارى فإنهم يَرْفعُون أصواتَهم بشيء من أناجيلهم وأذكارِهم مع التمطيطِ والتلحينِ والتحزين .
ل- وأقبح من ذلك تَشْييعُها بالعَزْفِ على الآلات الموسيقّيةِ أمامَها عزفاً حزيناً كما يُفعَلُ في بعض البلاد الإسلاميةِ تقليداً للكُفَّار ، والله المستعان .
9- الأفضل أن يتناوب الناس في حمل الجنازة لحصول الأجر .
10- يسن التربيع في حمل الجنازة ويباح بين العمودين :
أ- لحديث ابن مسعود رضي الله عنه وفيه : ( من اتبع جنازة فليحمل من جوانب السرير كلها فإنه من السنة ) أخرجه ابن ماجة موقوفاً ، وضعفه البوصيري لانقطاع سنده .
ب- ولأن الإنسان إذا ربع حمل الميت من جميع الجهات ، فيحمله من الجهة الأمامية ثم يرجع للوراء ثم يتقدم فيحمله من الجهة يسار الميت ، ثم يرجع إلى الخلف ، وبعد ذلك يحمل بما شاء .
ج- وقال بعضهم : " بل يحمله بين العمودين " ، أي يكون أحد العمودين على كتفه الأيمن والآخر على كتفه الأيسر، ( لأنه صلى الله عليه وسلم حمل جنازة سعد بن معاذ بين العمودين ) أخرجه بن سعد
القول الراجح في المسألة : قال الشيخ محمد بن عثيمين : " أن الأمر واسع ، وأنه ينبغي أن يفعل ما هو أسهل ولا يكلف نفسه " هذا إذا كان الميت محمولاً على نعش ، وإن كان صغيراً ، فيحمل بين الأيدي.
11- يُسْتَحَبُ الإسراعُ في السَّيرِ بها ، سيراً دون الرَّمَلِ :
أ- قال الموفق : " هذا الأمر للاستحباب بلا خلاف بين العلماء ، وشذَّ ابن حزم فأوجبه " .
ب- لحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم : ( أسْرِعُوا بالجنازةِ ، فإن تكُ صالحةً فخيرٌ تُقَدِّمُونها عليه ، وإن تَكُن غيرَ ذلك فشَرٌّ تضعُونه عن رقابِكم ) أخرجه الشيخان وغيرهما .
ج-ولحديث أبي سعيد الخُدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا وُضِعَت الجِنازةُ ، واحْتَملَها الرجالُ على أعناقهِم ، فإن كانت صالحةً قالت : قَدمِّوني ، وإن كانت غيرَ صالحةٍ قالت : يَا ويلها أين يذْهبُون بها ، يسمعُ صوتَها كلُّ شيءٍ إلا الإنسانُ ولو سَمِعه لصُعِقَ ) أخرجه البخاري وغيره
د- قال الشيخ عبدالله البسام : " الإسراع بالجنازة هنا يشمل الإسراع في تجهيزها ودفنها ، فهو أعم من أن يكون الإسراع في حملها إلى القبر ، لما روى أبو داود أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال : ( لا ينبغي لجيفة مسلم تبقى بين ظهرانَيْ أهله ) ، هذا ما لم يكن في تأخيرها مصلحة من حضور الأقارب ونحوهم ، أو الموت فجأة حتى يتحقق من الموت وسببه ، أو يكون في حادث جنائي يتطلب بقاء جثة الميت للتحقق في أمرها ، فإنْ حَقَّقَ التأخير مصلحة ظاهرة فلا بأس ببقائها ، لا سيمَّا مع وجود الأماكن المبردة التي تحفظ الجسد من الفساد " .
12- يجوز المشي أمامها وخلفها وعن يمينها ويسارها :
أ- فكله وراد في السنة ، على أن يكون قرييا منها ، إلا الراكب فيسير خلفها لقوله صلى الله عليه وسلم : ( الراكب يسير خلف الجنازة والماشي حيث شاء منها خلفها وأمامها وعن يمينها وعن يسارها قريبا منها ، والطفل يصلى عليه ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة ) أخرجه أصحاب السنن ، من حديث المغيرة
ب- وكل من المشي أمامها وخلفها ، ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فعلاً ، كما قال أنس بن مالك رضي الله عنه : ( أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وأبابكر وعُمَر كانوا يمشون أمامَ الجِنازةِ وخلفَها ) أخرجه بن ماجة .
ج- ولكن الأفضل المشي خلفها ، لأنه مقتضى قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( واتِّبعوا الجنائز ) ، ويُؤَيِّده قول علي رضي الله عنه " المشيُ خَلْفَها أفضلُ من المشي أمامَها ، كفضلِ صلاةِ الرجلِ في جماعةٍ على صلاتِه فَذّاً " أخرجه أحمد وغيره ، وحتى يحصل الحكمة من ذلك وهو الاتعاظ .
13- ويجوزُ الركوبُ :
أ- لقوله صلى الله عليه وسلم : ( الراكبُ يسير خلفَ الجنازةِ ) .
ب- قال الشيخ محمد بن عثيمين : " وأما السيارات فإن الأولى تكون أمام الجنازة ، لأنها إذا كانت خلف الناس أزعجتهم ، فإذا كانت أمامها لم يحصل إزعاج منها ، لأن ذلك أكثر طمأنينة للمشيعين ، وأسهل لأهل السيارات في الإسراع وعدمه " .
ج- ولكن الأفضل المشيُ ، لأنه المعهود عنه صلى الله عليه وسلم .
د- وأما الركوب بعد الإنصراف عنها فجائزٌ بدون كراهةٍ .
14- لا يشرع حملُ الجنازة على عربةٍ :أو سيارةٍ مُخَصصةٍ للجنائزِ وتشييع المُشَيِّعين لها وهم في السيارات وذلك لأمور:
أ- أنها من عادات الكفار ، وقد تقرر في الشريعة أنه لا يجوز تقليدهم في عباداتِهم وأزيائهم وعاداتِهم ، والحض على مخالفتهم في ذلك .
ب- أنها تُفَوِّتُ الغاية من حملها وتشييعها ، وهي تَذَكُّرُ الآخرة ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( واتَّبعوا الجنائزَ تُذَكِّركُم الآخرةُ ) .
ج- أنها بدعةٌ في عبادةٍ ، مع معارضتها للسُّنَّةِ العمليةِ في حملِ الجنازةِ .
د- أنها سببٌ قويٌّ لتقليلِ المُشَيِّعينَ لها والراغبين في الحصول على الأجر .
هـ أنَّ هذه الصورة لا تتفقُ مع عُرف الشريعة السمحة من البعدِ عن الشكليات والرسميَّات .
15- ولكن في هذا الزمان ، فلا بأس بنقلها على السيارة بشروط :
أ- ولأنه عادة تكون المقابر خارج المدينة ، وهي بعيدة عن مكان الجنازة .
ب- ولأنه حملت جنازة محمد بن أبي بكر ومعه آخر على جمل .
ج- قال الشيخ محمد بن عثيمين : " حمل الجنازة بالسيارة لا ينبغي إلا لعذر كبعد المقبرة ، أو وجود رياح ، أو أمطار أو خوف ، ونحو ذلك ، لأن الحمل على الأعناق هو الذي جاءت به السنة ، ولأنه أدعى للاتعاظ والخشوع " .
16- والقيام للجنازة ، وهو على نوعين :
النوع الأول : قيامُ الجالس إذا مَرَّت به :
أ- ذهب جمهور العلماء ومنهم الأئمة الأربعة إلى عدم استحباب القيام للجنازة ، و أنَّ القيام منسوخ.
ب- بما رواه الإمام أحمد وأبو داود عن علي رضي الله عنه قال : ( كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أَمَرَنا بالقيامِ في الجنازةِ ، ثم جلس بعد ذلك ، وأمرنا بالجُلوس ) .
ج- قال الإمام أحمد : " إنْ قام لم أعِبْه ، وإن قعد فلا بأس " .
د- وقال النووي : " المختار في القيام للجنازة أنه مستحب ، واختار القيام الشيخ تقي الدين ".
النوع الثاني : وقيامُ المُشَيِّع لها عند انتهائها إلى القبر حتى تُوضْعَ على الأرض :
أ- قال النووي : " مذهب جمهور العلماء استحبابه ، وقد صحت الأحاديث باستحباب القيام إلى أن توضع "
ب- قال في شرح الزاد والحاشية : " ويكره جلوس تابع الجنازة حتى توضع بالأرض للدفن ، إلا لمن بَعُدَ لما في انتظاره قائما حتى تَصِلَ إليه وتوضع من المشقة "
ب- لما روى أبو داود عن البراء قال : " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة فانتهينا إلى القبر ولم يُلْحَد ، فجلس وجلسنا معاً " .
القول الراجح : ما ذهب إليه الألباني : " والقيام للجنازة منسوخٌ ، بنوعيه " :
أ- لما رواه مالك والشافعي وأبو داود : ( كان يقومُ في الجنائز ، ثم جلسَ بعد ) .
ب- ولما رواه البيهقي : ( قام رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الجنائز حتى تُوضَعَ ، وقام الناسُ معه ، ثم قعدَ بعد ذلك ، وأمرهم بالقُعُود ) .
المبحث الثالث عشر
الصلاة على الجنازة
الفصل الأول _ بعض الأحكام المتعلقة بالصلاة على الجنازة
1- حكم الصلاة على الجنازة :
أ- صلاة الجنازة من خصائص هذه الأمة زيادة في أجر المصلين وشفاعة في حق الميتين .
ب- وهي فرض كفاية ، بإجماع العلماء ، قال شيخ الإسلام بن تيمية : " وفروض الكفايات إذا قام بها رجل سقط الإثم عن الباقين ، ثم إذا فعل الكل ذلك كان الكل فرضاً " ، ولأمره صلى الله عليه وسلم بها
ج- قال في شرح الزاد : " ويسقط هذا الفرض بواحد ولو امرأة " .
د- لحديث زيدِ بن خالد الجُهني : ( أنَّ رجلاً من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم تُوُفِّي يوم خيبرَ ، فَذَكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : صَلُّوا على صاحبكم ، فتغيَّرَتْ وجوه الناس لذلك ، فقال : إنَّ صاحِبَكم غلَّ في سبيل الله ، فَفَتَّشْنا متاعه فوجدنا خَرَزاً من خَرَزِ اليهودِ لا يُساوي درهمين ) أخرجه مالك وأبوداود والنسائي وغيرهما .
2- ويستثنى من ذلك شخصان فلا تجب عليهما الصلاة :
أ- الطفل الذي لم يبلغ :
أ- لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُصَلِّ على ابنه إبراهيم عليه السلامُ ، قالت : عائشة رضي الله عنها : ( مات إبراهيم ابنُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وهو ابنُ عشرَ شهراً ، فلم يُصَلِّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ) أخرجه أبو داود .
ب- الشهيدُ :
أ- لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يُصَلَّ على شُهداء أُحُد وغيرِهم .
ب- ولكن ذلك لا ينفي مشروعية الصلاة الطفل والشهيد بدون وجوب .
3- قال العلماء : " الصلاة على الأموات شريعة ثابتة ثبوتاً أوضح من شمس النهار ، فلم يترك الصلاة في أيام النبوة ولا في غيرها على فرد من أفراد المسلمين " .
4- مذاهب الأئمة الأربعة أنه يصلى على الفاسق :
أ- و ترك النبيّ صلى الله عليه وسلم الصلاة على الغال وقاتل نفسه زجراً للناس وصلى عليهما الصحابة
ب- انظر مسألة 1 صفحة 95 ، خلاف العلماء .
5- وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : " من كان مظهراً لإسلام فإنه يجري عليه أحكام الإسلام الظاهرة من تغسيله والصلاة عليه ودفنه في مقابر المسلمين ونحو ذلك ، أما من عُلِمَ منه النفاق والزندقة ، فإنّه لا
يجوز من علم ذلك منه الصلاة عليه وإن كان مظهراً لإسلام " .
6- سئل شيخ الإسلام بن تيمية : عن رجل يصلي وقتاً ، ويترك الصلاة كثيراً ، أو لا يصلي ، هل يصلى عليه ؟
فأجاب : مثل هذا ما زال المسلمون يصلون عليه ، بل المنافقون الذين يكتمون النفاق يصلي المسلمون عليهم ، ويغسلون ، وتجري عليهم أحكام الإسلام ، كما كان المنافقون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإن علم نفاق شخص لم يجز له أن يصلى عليه ، أما من شك فتجوز الصلاة عليه ، وتارك الصلاة أحياناً وأمثاله من المتظاهرين بالفسق ، فأهل العلم والدين إذا كان في هجر هذا ، وترك الصلاة عليه منفعة للمسلمين بحيث يكون ذلك باعثاً لهم على المحافظة على الصلاة عليه " هجروه ولم يصلوا عليه " كما ترك النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة على
قاتل نفسه والغال والمدين الذي لا وفاء له ، وهذا شرٌ منهم " .
7-وتجب الجماعةُ في صلاة الجنازةِ :
أ- كما تجبُ في الصلوات المكتوبة ، لمداومةُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم عليها .
ب- ولقوله صلى الله عليه وسلم : ( صلُّوا كما رأيتُموني أُصلي ) أخرجه البخاري .
ج- فإن صَلَّواْ عليها فرادى سَقَطَ الفرضُ ، وأَثِموا بترك الجماعة .
د- قال النووي في المجموع : " تجوز صلاةُ الجنازةِ فرادى بلا خلاف ، والسنةُ أنْ تُصلى جماعة للأحاديث المشهورة في الصحيح في ذلك مع إجماع المسلمين ".
هـ وإذا لم يجد بعض المأمومين مكاناً ، فإنهم يصفون عن يمين ويسار الإمام .
و- قال الشيخ محمد بن عثيمين : " السنة أن يتقدم الإمام ، وأما الذين قدّموا الجنازة إلى الإمام ، فإن كان لهم محل في الصف الأول صفوا في الصف الأول ، وإن لم يكن لهم محل صفوا بين الإمام والصف الأول من أجل أن يتميز الإمام بمكانه ، وإن كان المكان ضيقاً ، فإنهم يصفون عن يمينه وشماله ، وليس عن اليمين فقط " .
8- وأقلُّ ما ورد في انعقاد الجماعة فيها ثلاثة ، وجواز صلاة النساء على الجنازة :
أ- وإذا لم يوجد مع الإمام غيُر رجلٍ واحدٍ ، فإنه لا يقفُ حِذاءَه كما هو السنةُ في سائر الصلواتِ ، بل يقفُ خلفَ الإمام .
ب- وللنساء حق في الصلاة على الجنازة كما للرجال ، سواء أصلتْ منفردةً أو صلت مع الجماعة .
ج- والدليل على ذلك كله حديث عبدالله بن أبي طلحةَ : ( أنّ أبا طلحة دعا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم إلى عُمير بن أبي طلحةَ حينَ تُوُفِّي ، فأتاه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فصلى عليه في منزلهم ،
فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أبو طلحة وراءَه وأم سُلُيم وراءَ أبي طلحةَ ولم يكن معهم
غيرُهم ) أخرجه الحاكم والبيهقي .
د- فقد انتظر عمرُ أمِّ عبدالله حتى صلَّتْ على عُتبةَ .
هـ وأمرتْ عائشةُ أنْ يُؤتى بسعد بنِ أبي وقاصٍ لتُصَلِّي عليه .
و- قال مالك : " يُصلين فُرادى " .
ل- والصحيح ما قاله النووي : " وينبغي أن تُسنُّ لهنَّ الجماعةُ كما في غيرها " وبه قال أحمدٌ والأحناف
، وهو الذي جرى عليه العمل في المملكة ، حيث خصص مكان لصلاة النساء على الجنائز ، في مؤخرة المسجد ، فينبغي لهن الحرص على صلاة الجنائز ، فقد فرّطنْ في قراريط كثيرة .
9- كلما كثر الجمعُ ، كان أفضل للميّتِ وأنفع :
أ- لقوله صلى الله عليه وسلم : ( ما مِنْ مَيٍِّت تُصَلِّى عليه أمةٌ من المسلمين يبلغون مائةً كلهم يشفعون له ، إلا شُفِّعوا فيه ) ، وفي حديث آخر ( غُفر له ) . أخرجه مسلم والنسائي والترمزي وأحمد .
10- وقد يُغْفَرُ للميت ولو كان العددُ أقلَّ من مائةٍ إذا كانوا مسلمين لم يشركوا بالله شيئاً :
أ- لحديث ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما من رجلٍ مسلمٍ يموتُ ، فيقومُ على جنازتِه أربعونَ رَجُلاً لا يُشْركونَ بالله شيئاً إلا شَفَّعَهُم الله فيه ) أخرجه مسلم وغيره
11- استحباب الصفوفِ الثلاثةِ فصاعدا وتسويتها :
أ- عن أبي أُمامة قال : ( صلى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على جِنازةٍ ومعه سبعةُ نفرٍ ، فجعل ثلاثةً صفاً واثنين صفاً واثنين صفاً ) رواه الطبراني .
ب- ولما روى مالك بن هُبيرة قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : ( ما من مُسلمٍ يموتُ فيُصَلِّي عليه ثلاثةُ صفوفٍ من المسلمين إلا أَوْجَبَ ، وفي لفظ : إلا غَفَر له ) أخرجه أبوداود وغيره .
12- والوالي أو نائبهُ أحقُّ بالإمامةِ فيها من الوليِّ :
أ- فإن لم يَحْضُر الوالي أو نائبهُ فالأحق بالإمامة أقرؤُهم لكتابِ الله ثم على الترتيب المذكور في الحديث
ب- في قوله صلى الله عليه وسلم : ( يؤمُّ القومَ أقرؤُهُم لكتاب الله ، فإن كانوا في القراءةِ سواءً ، فأعلمُهم بالسُّنَّةِ ، فإن كانون في السُّنَّةِ سواءً فأقدمُهُم هجرةً ، فإن كانوا في الهجرة سواءً ، فأقدمهم سلماً ، ولا يَؤُمَّنَّ الرجلُ الرجلَ في سُلطانهِ ، ولا يقعدُ في بيته على تَكْرِمَتِهِ إلا بإذنهِ ) أخرجه مسلم وغيره من حديث أبي مسعود الأنصاري.
13- تكون الجنائز كلها أمام الإمام ، وإذا ضاق المكان يصلى أكثر من صلاة .
14- إذا اجتمعت جنائزٌ عديدةٌ من الرجال والنساء ، فيكفيهنّ صلاة واحدة :
أ- وجُعلت صفاً واحدا ، فإن كانوا نوعاً واحداً ، قدم إلى الإمام أفضلهم بعلم أو تقىً أو سن ، وإن كانوا ذكوراً وإناثاً ، قدِّم الذكورُ ولو كانوا صغارا مما يلي الإمامَ ، والإناثُ مما يلي القبلة ، ويجعل الأقرب للإمام أكثرهم صلاحا .
ب- لحديث نافع عن ابن بطة عن أبي أمامة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( شهد جنازة وهو سابع سبعة ، فأمرهم أن يصفوا ثلاثة صفوف خلفه ، فصف ثلاثة ، واثنان وواحد خلف الصف ، فصلى على الميت وانصرف ) .
ج- ولحديث ابن عمر ( أنّه صلى على تسعِ جنائزَ ، فجعلَ الرجالَ يَلُونَ الإمام ، والنساء يلينَ القبلة ، فَصَفَّهُنَّ صفَّاً واحداً ) أخرجه البيهقي وغيره .
15- يجوزُ أن يُصَلِّى على كُلِّ جنازة صلاةٌ لوحدها :
أ- لأنه الأصلُ وهو الثابت ، كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم في شهداء أحد .
ب- لحديث عبدالله بن الزبير وقد سبق ذكره في شهداء أحد ، وحديث ابن عباس قال : ( لمّا وقف رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على حمزةَ .. أمر فَهُيِّئَ إلى القِبلةِ ، ثم كبر عليه تسعاً ، ثم جمع إليه الشهداءَ ، كُلّما أُتي بشهيدٍ وُضع إلى حمزةَ ، فصلى عليه ، وعلى الشهداء معه حتى صلى عليه ، وعلى الشهداءِ اثنين وسبعينَ صلاةً ) أخرجه الطبراني .
ج- قال النوويُّ في المجموع : " واتَّفقوا على أنّ الأفضل أن يُفْرَدَ كُلُّ واحدٍ بصلاة ، إلا صاحبَ "التتّمة" فَجَزَمَ بأنّ الأفضل أن يُصلى عليهم دفعةً واحدةً ، لأن فيه تعجيلَ الدفنِ وهو مأمور به ، والمذهب الأولُ ، لأنه أكثرُ عملاً ، وأرجى للقَبول ، وليس هو تأخيراً كثيراً " والله أعلم .
د- والذي عليه العمل هنا في المملكة الصلاةُ عليهم دفعة واحدة ، لكثرة المصلين ولله الحمد ، وفيه تعجيل بالدفن ، حيث عادةً يصلى في الجامع على أكثر من خمس جنائز ما بين رجل وامرأة وطفل .
16- وتجُوزُ الصلاةُ على الجنازةِ في المسجدِ :
أ- لحديث عائشة رضي الله عنها : قالت : ( لمِّا تُوُفِّي سعدُ بن أبي وقاص أرسلَ أزواجُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أن يَمُرُّوا بجنازتِهِ في المسجد فيُصلِّين عليه ففَعَلوا ، ... ، فبَلَغَهُنَّ أنّ الناسَ عابُوا ذلك ، وقالوا هذه بدعة ، ما كانت الجنائزُ يُدخلُ بها إلى المسجد ،فبلغ ذلك عائشةَ ، فقالت : ما أسرعَ الناس إلى أن يعيشوا ما لا علم لهم به ، عابُوا علينا أن يُمَرَّ بجنازةٍ في المسجد ، والله ما صلى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على سُهيل بن بيضاءَ وأخيه إلا في جوف المسجدِ ) أخرجه مسلم وأصحاب السنن .
17- وكما تجوز الصلاةُ عليها خارجَ المسجدِ في مكانٍ مُعَدٍّ للصلاة على الجنائز :
أ- كما كان الأمرُ على عهد النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، وهو الغالبُ على هدْيهِ فيها .
ب- لحديث أبي هريرة رضي الله عنه : ( أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى النجاشيِّ في اليوم
الذي مات فيه ، خرجَ إلى المُصَلّى ، فصفَّ بهم وكبَّر أربعاً ) أخرجهما الشيخان وغيرهما .
ج- ولحديث جابر قال : ( مات رجلٌ منا ، فغَسَلْناه .. ووضَعْناهُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم حيثُ تُوضعُ الجنائزُ عند مقام جبريلَ ، ثم آذنّا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة عليه ،فجاء معنا .. فصلى عليه ..) أخرجه الحاكم وغيره ، أنظر مسألة 6 ، صفحة 100 ، خلاف العلماء .
18- تحرمُ الصلاةُ والاستغفارُ والترحُّمُ على الكفارِ والمنافقين:
أ- لقول الله تعالى :â wur Èe@|Áè? #n?tã 7tnr& Nåk÷]ÏiB |N$¨B #Yt/r& wur öNà)s? 4n?tã ÿ¾ÍnÎö9s% ( öNåk¨XÎ) (#rãxÿx. «!$$Î/ ¾Ï&Î!qßuur (#qè?$tBur öNèdur cqà)Å¡»sù á (84 : التوبة ) .
ب- قد نزلت هذه الآية بعد موت زعيم المنافقين قال تعالى â öÏÿøótGó$# öNçlm; ÷rr& w öÏÿøótGó¡n@ öNçlm; bÎ) öÏÿøótGó¡n@ öNçlm; tûüÏèö7y Zo§sD `n=sù tÏÿøót ª!$# öNçlm; 4 y7Ï9ºs öNåk¨Xr'Î/ (#rãxÿ2 «!$$Î/ ¾Ï&Î!qßuur 3 ª!$#ur w Ïöku tPöqs)ø9$# tûüÉ)Å¡»xÿø9$# á(80 التوبة) .
ج- ولحديث عليّ رضي الله عنه قال : ( سمعت رجلاً يستغفرُ لأبويه وهما مشركان ، فقلت تستغفرُ لأبويك وهما مُشركان ! فقال : أليس قد استغفر إبراهيم لأبيه وهو مشركٌ ؟ فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزلت : â $tB c%x. ÄcÓÉ<¨Z=Ï9 úïÏ%©!$#ur (#þqãZtB#uä br& (#rãÏÿøótGó¡o tûüÅ2Îô³ßJù=Ï9 öqs9ur (#þqçR%2 Í<'ré& 2n1öè% .`ÏB Ï÷èt/ $tB ú¨üt7s? öNçlm; öNåk¨Xr& Ü=»ysô¹r& ÉOÅspgø:$# * $tBur c%x. â$xÿøóÏGó$# zOÏdºtö/Î) ÏmÎ/L{ wÎ) `tã ;oyÏãöq¨B !$ydytãur çn$Î) $£Jn=sù tû¨üt7s? ÿ¼ã&s! ¼çm¯Rr& Arßtã °! r&§y9s? çm÷ZÏB 4 ¨bÎ) zOÏdºtö/Î) înº¨rV{ ÒOÎ=ym á ( 113-114 التوبة ) النسائي والترمزي .
د- وعندما مات أبو طالب على ملة عبد المطلب ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أما والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنه ) فأخذ المسلمون يستغفرون لموتاهم المشركين ، فنزلت الآية السابقة .
هـ قال النووي في المجموع : " الصلاةُ على الكافر ، والدعاءُ له بالمغفرة حرامٌ ن بنص القرآن والإجماع " . وقال الألباني : " ومن ذلك تعلم خطأ بعض المسلمين اليوم من الترحم والترضِّي على بعض الكفار وخاصة من رؤساء العرب ومن بعض الدعاة الإسلاميين فإلى الله المشتكى والمستعان " .
19- صلاة الجنازة بعد الفجر والعصر :
أ- صلاة الجنازة من ذوات الأسباب ، وهي الصلاة الذي لها سبب متقدم عليه مثل سنة الوضوء وسببها الوضوء وهو متقدم على السنة أو مقارن لها مثل صلاة الكسوف فتشرع الصلاة مع بدء الكسوف .
ب- وذوات الأسباب تشرع في وقت النهي ، فعن أبي ذر قال : ( قال لي رسول الله صلى الله عليه
وسلم : كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها ، أو يميتون الصلاة عن وقتها ، قال : قلت فما تأمرني ، قال : صلِّ الصلاة لوقتها فإن أدركتها معهم فصلِ فإنها لك نافلة ) رواه مسلم
ج- وهذا يتناول صلاة العصر ، فكان الأمراء يؤخرونها أحياناً إلى قبيل المغرب ، وحينئذ فقد أمره صلى
الله عليه وسلم أن يصلي الصلاة لوقتها ، ثم يصليها معهم بعد أنّ صلاها ويجعلها نافلة ، وهو في وقت نهي ، لأنه قد صلى العصر ، ففيه الأمر بالإعادة في وقت النهي ويدخل فيه أيضاً إعادة صلاة الفجر .
د- وعن يزيد بن الأسود رضي الله عنه قال : شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجته قال : " فصليت معه صلاة الفجر في مسجد الخَيْف ، فلمّا قضى صلاته إذا هو برجلين في آخر المسجد لم يصليا معه ، فقال عليَ بهما ، فأتي بهما تَرْعَد فرائصهما ، قال : ما منعكما أن تصليا معنا ، قالا : يا رسول الله قد كنّا صلينا في رحالنا ، قال : فلا تفعلا ، إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم ، فإنَّها لكما نافلة ) رواه أحمد وغيره ، فأمرهما صلى الله عليه وسلم أن يصليا مع الإمام وأعلمهما أنَّ صلاتهما مع الإمام نافلة ، فلو كان النهي عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس نهياً عاماً لا نهياً خاصاً ، لم يجز لمن صلى الفجر في الرحل أن يصلي مع الإمام فيجعلها تطوعاً .
و- وفي حديث أم سلمة رضي الله عنها في صلاته ركعتين بعد العصر ، فقال لها : ( إنّه أتاني ناس من عبد القيس فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر فهما هاتان ) رواه البخاري ، فقضاهما صلى الله عليه وسلم وقت النهي مع إمكان قضائهما في غير ذلك الوقت .
20-ويستثنى من ذلك فلا تجوزُ صلاة الجنازة في الأوقات الثلاثةِ التي تحْرُمُ الصلاةُ فيها إلا لضرورةٍ
أ- لحديث عُقبة بن عامرٍ الجهني رضي الله عنه قال : ( ثلاثُ ساعاتٍ كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نُصَلِّي فيهنَّ أو أن نَقْبِرَ فيهنَّ موتانا ، حين تَطْلُع الشمسُ بازغةً حتى ترتفعَ ، وحينَ يقومُ قائُمُ الظهيرةِ حتى تميلَ الشمسُ ، وحينَ تَضَيَّفُ الشمسُ للغروبِ حتى تَغْرُبَ ) أخرجه مسلم وغيره
ب- وكل وقت من هذه الأوقات يستغرق عشر دقائق تقريباً ، وروى مالكٌ عن ابن عمر قال : ( يُصَلِّي على الجنازة بعد العصر وبعد الصبح إذا صُلِّيتا لوقتهما ) .
ج- واختلف الناسُ في جواز الصلاة على الجنازة والدفن في هذه الساعات الثلاث إلا لضرورة ، فذهب أكثرُ أهل العلم إلى الكراهة ، وهو قول أحمد وأصحاب الرأي ، وذهب الشافعي على جواز الصلاة والدفن في أي ساعة من ليل أو نهار .
د- القول الراجح : قال الألباني : " قول الجماعة أولى لموافقته للحديث ، ودعوى النووي في جواز هذه الصلاة بالإجماع وهمٌ منه " .
الفصل الثاني - تُشْرَعُ الصلاةُ على الجنازة على ما يأتي ذكرهم
1- الطِّفْلُ ولو كان سِقْطاً :
أ- لحديث : ( والطفلُ " وفي رواية : السِّقْطُ " يُصلى عليه ، ويُدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة ) .
ب- والسِّقْطُ : هو الذي يسقط من بطن أمه قبل تمامِه ، وإنما يُصَلَّى إذا نُفخت فيه الروحُ ، وذلك إذا اسْتَكْمَلَ أربعةَ أشهر ثم مات .
ج- فإذا سَقَطَ قبل ذلك فلا ، لأنه ليس بِمَيّتٍ كما لا يخفى .
د- وأصل ذلك حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه مرفوعاً : ( إن خَلْقَ أحدِكم يُجْمَعُ في بَطْنِ أُمّهِ أربعين يوماً ، ثم يكون عَلَقَةً مثل ذلك ، ثم يكون مُضْغَةً مثل ذلك ، ثم يبْعَثُ إليه ملكاً ... ينفُخُ فيه الرُّوحَ ) متفق عليه .
هـ واشترط بعضهم أن يَسْقَطَ حَيّاً ، لحديث ( إذا استهلَّ السِّقْطُ صُلِّي عليه وَوُرِّث ) ، قال الألباني :" ولكنه حديثٌ ضعيفٌ لا يُحْتَجُّ به ، كما بينّه العلماءُ ، انظر " نصب الراية " ، وإنما صحَّ الحديثُ بدون ذكرِ الصلاة فيه ، كما حققته في إرواء الغليل " .
2- شهيدُ المعركة :
أ- لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه : ( أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بحمزة وقد مُثَّل به ، ولم يُصَلِّ على أحدٍ غيره ، يعني شهداء أحد ) أخرجه أبو داود .
ب- ولحديث عُقْبة بن عامرالجُهني : ( أنَّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم خَرَج يوماً فصلّى على أحُد صلاتَه على المَيّت ، بعد ثمان سنين ، كالمُوَدَّع للأحياء والأموات ) أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما .
ج- ولحديث عبدالله بن الزبير ( أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر يوم أُحُد بحمزةَ فَسُجِّي بِبُرْدَةٍ ثم صلى عليه فكبر تسعَ تكبيرات ثم أُتي بالقتلى يُصَفُّون ، ويُصَلِّي عليهم ، وعليه مَعَهُم ) أخرجه الطحاوي
د- قال الألباني : " قد يقول قائل : لقد ثبت في هذه الأحاديث ِ مشروعية الصلاة على الشهداءِ ، والأصلُ أنَّها واجبةٌ ، فلماذا لا يُقال بالوجوبِ ؟ " .
هـ لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه : ( أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بحمزة وقد مُثَّل به ، ولم يُصَلِّ على أحدٍ غيره ، يعني شهداء أحد ) أخرجه أبو داود .
و- ولأنه قد استشهدَ كثيرٌ من الصحابةِ في غزوةِ بدرٍ وغيرها ، ولم ينقل أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ، صلّى عليهم ، ولو فَعَل لنقلوه عنه ، فدلَّ ذلك أن الصلاة عليهم غيرُ واجبة .
ل- ولذلك قال ابن القَيِّم : " والصواب في المسألةِ أنه مُخَيَّرٌ بين الصلاةِ عليهم وتَرْكها لمجئ الآثارِ بكُلِّ
واحدٍ من الأمرين ، وهذا إحدى الرواياتِ عن الإمام أحمدَ ، وهي الألْيَقُ بأصولهِ ومذهبهِ ".
ك- وقال الألباني : " ولا شك أن الصلاة عليهم أفضلُ من التركِ إذا تَيَسَّرتْ لأنَّها دعاءٌ وعبادةٌ " ، فالصلاة على الشهيد ليست على سبيل الوجوب ، والقول بالتخيير بين الصلاة وتركها رواية عن الإمام أحمد ، واختاره ابن حزم وبعض الشافعية وشيخ الإسلام بن تيمية وابن القيم والألباني .
3- من قُتِل في حَدٍّ من حُدودِ الله :
أ- ودليل ذلك حديث عِمران بن حُصَين : ( أنَّ امرأةً من جُهينة أَتَتْ نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم وهي حُبلى من الزُنى ، فقالت : يا نبيَّ الله أصَبْتُ حَداً فأقِمْهُ عَلَيَّ ، فدعا نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم وليَّها ، فقال : أَحْسن إليها ، فإذا وَضَعَتْ فأتِني بها ، ففعل ، فأمر بها نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم فَشَكَّتْ عليها ثيابَها ، ثم أمر بها فَرُجِمَت ، ثم صلَّى عليها ، فقال له عمر : تُصَلَّي عليها يا نبيَّ الله وقد زَنَت ؟ فقال : لقد تابت توبةً لو قُسِمَت بين سبعين من أهل المدينةِ لَوَسِعتْهُم ، وهل وجدت توبةً أفضلَ من أنْ جادت بنفسها لله تعالى ؟ ) أخرجه مسلم وأبوداود وغيرهما .
ب- ولحديث بُرَيْدةَ رضي الله عنه في قصَّةِ الغامِديَّةِ التي : ( أَمَرَ النبيّ صلى الله عليه وسلم بِرَجْمِهَا في الزِّنَا قال : ثمَّ أَمَرَ بها فَصُلِّي عليها وَدُفِنَتْ ) رواه مسلم .
4- الفاجرُ المنبعثُ في المعاصي والمَحَارم :
أ- مثلُ تاركِ الصلاةِ والزَّكاةِ مع اعترافهِ بوجوبهما ، والزَّاني ومُدْمِن الخَمْرِ ، ونحوِهم من الفُسَّاق فإنه يُصلَّى عليهم ، إلاّ أنّه ينبغي لأهل العلمِ والدينِ أن يدَعُوا الصلاةَ عليهم عقوبةً وتأديباً لأمثالِهم .
ب- كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم لحديث أبي قتَادةَ قال : ( كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا دُعِيَ لِجِنَازةٍ سَأَلَ عنها ، فإنْ أُثْني عليها خيرٌ قام فصَلّى عليها ، وإنْ أُثني عليها غيرُ ذلك ، قال لأهلها : " شأنَكم بها " ولم يُصَلَّ عليها ) أخرجه أحمد والحاكم .
ج- وقد اختلفَ أهلُ العلم في هذا ،فقال بعضُهم : " يُصَلَّي على كُلِّ منْ صلّى للقبلةِ ، وعلى قاتلِ النفسِ "، وهو قولُ سُفيان الثوريِّ وإسحاقَ .
د- وقال أحمد : " لا يُصّلَّي الإمامُ على قاتلِ النفسِ ، ويُصَلِّي عليه غيرُ الإمام " .
هـ وقال شيخ الإسلام بن تيمية : " ومَنِ امتنعَ من الصلاة ِ على أحدِهِم ، يعني القاتلَ والغالَّ والمَدِينَ الذي ليس له وفاءٌ ، زجراً لأمثالهِ عن مثلِ فعلهِ كان حَسَناً ، ولو امتنع في الظاهرِ ، ودعَا له في الباطنِ ، لِيَجْمَعَ بين المصلحَتَيْنِ كان أولى من تفويت إحداهما " .
5- المدين الذي عليه الدين :
أ- ولم يَتْرُكْ من المالِ ما يَقْضي به دَيْنَه به ، فإنه يصلى عليه ، وإنّما تَرَك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم
الصلاةَ عليه في أوّلِ الأمر .
ب- لحديث سلمة بن الأكْوَع قال : ( كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أُتي بجنازةٍ فقالوا : صلِّ عليها ، فقال : هل عليه دَينٌ ؟ قالوا لا ، قال : فهل ترك شيئا ؟ قالوا لا ، فصلى عليه . ثم أُتي بجنازةٍ أخرى فقالوا يا رسولَ الله صلِّ عليها ، قال : هل عليه دَينٌ ؟ قيل نعم ، قال : فهل ترك شيئا ؟ قالوا : ثلاثةَ دنانير ، ( قال : فقال بأصابعه ثلاثَ كَيَّاتٍ ) فصلى عليها . ثم أُتي بالثالثة فقالوا صلِ عليه ، قال : هل ترك شيئا ؟ قالوا : لا ، قال : هل عليه دين ؟ قالوا ثلاثة دنانير ، قال : صلوا على صاحبكم ، قال رجل من الأنصار
يقال له أبو قتادة ، صلِّ عليه يا رسول الله وعليّ ديْنُه ) أخرجه البخاري وأحمد والنسائي .
ج- ولحديث جابر رضي الله عنه : ( فلمّا فتح الله على رسوله صلى الله عليه وسلم قال : أنا أَولى بكُلِّ مؤمن من نفسِه ، فمن تَرَكَ دَيْناً فعلي قَضَاؤهُ ، ومَنْ ترك مالاً فَلِوَرَثَتِهِ ) رواه أبو داود والنسائي .
د- وبهذا نَسَخَ تلك الأحاديث التي جاءت على الذي عليه الدَّيْنُ .
6- مَنْ دُفِن قبل أن يُصَلّى عليه أو صلّى عليه بعضُهم دون بعض :
أ- فَيُصَلُّون عليه في قبرهِ ، على أن يكونَ الإمامُ في الصورةِ الثانيةِ ممَّن لم يكن صلى عليه .
ب- لحديث عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال : ( ماتَ رَجُلٌ وكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يعودُه فدفنَوُه بالليل ، فلما أصبح أَعْلَمُوه فقال : ما مَنَعَكُم أن تُعلموني ؟ قالوا : كان الليلُ وكانت الظُّلْمَةُ ، فكرِهنا أن نشقَّ عليك ، فأتى قبرَه فصلَّى عليه ، قال : فَأَمَّنَا ، وصَّفنا خلفه ، وأنا فيهم ، وكبَّر أربعاً ) أخرجه البخاري وابن ماجة والنسائي والترمزي ومسلم .
ج- أنظر مسألة 2 ، صفحة 96 ، خلاف العلماء .
7- من مات في بلدٍ ليس فيه من يُصَلِّى عليه صلاةَ الحاضرِ :
أ- فهذا يُصلى عليه طائفةٌ من المسلمين صلاةَ الغائب ، لصلاة النبيِّ صلى الله عليه وسلم على النَّجَاشيِّ
ب- لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : ( نَعَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم النَّجَاشِيَّ في اليوم الذي
ماتَ فيه وَخرج إلى المُصلَّى فَصَفَّ بِهم وكَبَّرَ أرْبعاً ) رواه البخاري ومسلم ، ووصفه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله : ( مات اليومَ عبدٌ للهِ صالح ٌ ، بغير أرضِكم ، فقُوموا فصلُّوا عليه ).
ج- وفي الحديث دليلٌ على أنَّ النجاشي أصحمةَ كان مسلماً ، ويؤيِّد ذلك أنه جاء النصُّ الصريح عنه بتصديقهِ بنبوتهِ صلى الله عليه وسلم في حديث أبو موسى الأشعري رضي الله عنه : ( أمرَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننطلق إلى أرضِ النجاشي ، فذكر القصة ، وقال النجاشيُّ ، أشهدُ أنهُ رسولُ الله ، وأنه الذي بَشَّر به عيسى ابنُ مريم ولولا ما أنا فيه من المُلكِ لأتيتُه حتى أحملَ نعليه ) أبو داود والبيهقي
د- أنظر مسألة 4 ، صحفة 98 ، خلاف العلماء .
الفصل الثالث – خلاف العلماء في مسائل في صلاة الجنازة
مسألة 1 : خلاف العلماء في الصلاة على أصحاب معاصٍ معينة :
القول الأول : ذهب الحنفية إلى أربعة لا يُصلى عليهم وهم :
أ- البغاة الذين خرجوا عن طاعة الإمام بغير حق .
ب- وقطاع الطرق الذين يسلبون المارة أموالهم .
ج- والعصبة المتعاونة على ظلم العباد بقهرهم .
د- والمكابرون بالسلاح فهم من الحرابة وقطع الطرق .
فهؤلاء لا يُغسَّلون ولا يُصلى عليهم إهانة لهم وزجراً لغيرهم .
القول الثاني : وذهب المالكية إلى أنَّ الإمام لا يصلي على من قُتِل في حدٍ أو قصاص :
أ- ودليلهم أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يُصّلِّ على ماعز ولم ينه عن الصلاة عليه .
القول الثالث : وذهب الشافعية إلى الصلاة على كل مسلم مهما كان عصيانه وفسقه :
أ- قال النووي : " المرجوم في الزنا والمقتول قصاصاً والصائل وولد الزنا والغال من الغنيمة يغسلون ويصلى عليهم بلا خلاف عندنا " .
ب- ودليلهم ما ثبت في مسلم ( أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم صلى على المرجوم في الزنا ) ، وفي البخاري من رواية جابر : ( أنَّه صلى الله عليه وسلم صلى على ماعز بعد أن رجمه ) .
القول الرابع : وذهب الحنابلة إلى الصلاة على كل مسلم عاصِ إلا الغال من الغنيمة وقاتل نفسه :
أ- فلا يصلى عليهما الإمام ونائبه عقوبة لهما وزجراً لغيرهما ، ويصلى عليهما غير الإمام .
ب- أمّا دليلهم فقاتل نفسه ، لحديث جابرِ بن سَمُرَةَ رضي الله عنه قال : ( أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِرَجُلٍ قَتَلَ نفسَهُ بِمَشَاقِصَ فلمْ يُصَلِّ عليه ) رواه مسلم .
مَشَاقِصَ : نصل عريض ، والنصل هو حديدة الرمح والسهم والسكين .
ج- وأمّا الغال فما رواه الخمسة عن زَيْد بن خالد : ( أنَّ رجلاً من جهينة قتل يوم خيبر ، فقال النبيِّ صلى الله عليه وسلم: ( صَلُّوا على صاحِبِكم فإنَّه غَلَّ في سبيل الله ) .
د- قال الإمام أحمد:" ما نعلم أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ترك الصلاة على أحد إلا الغال وعلى قاتل نفسه "
هـ وقال ابن القيم :"وكان هديه صلى الله عليه وسلم أنّه لا يصلي على من قتل نفسه ولا على الغال "
و- قال الشيخ عبدالله البسام : " ومذهب الحنابلة هو أرجح هذه الأقوال وأحقها دليلاً ، فالعصاة على
اختلافهم هم أحق بالصلاة وشفاعة المسلمين ، ولكن خصّ هذان بالدليل ، وما عداهما فعلى أصل
عموم الحكم في صلاة الجنازة " والله أعلم .
القول الراجح : هو ما ذهب إليه الشافعية من الصلاة على كل مسلم مهما كان عصيانه وفسقه :
أ- قال البيهقي : " في الصلاة على كل بَرّ وفاجر ، وعلى كل من قال لا إله إلا الله ، وكل من خالف ذلك ، فأحاديثه ضعيفة " .
ب- قالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء : " من أقدم على قتل نفسه فهو مرتكب لكبيرة من الكبائر ومتعرض لعذاب الله ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة ) رواه الشيخان وغيرهما ، ولكن يجوز أن يترحم عليه ، وأن يدعى له ، كما يجوز تعزية أهله وأقاربه لأنه لم يكفر بقتل نفسه " .
ج- قال سيد سابق : " ذهب جمهور العلماء إلى أنه يصلي على الغال وقاتل نفسه وسائر العصاة " .
د- وقال أيضاً : " وما روي أنَّه صلى الله عليه وسلم لم يُصَلِّ على الغال وقاتِلِ نفسِه ، فلعله للزجر على هذا الفعل كما امتنع على المدين وأمرهم بالصلاة عليه " .
هـ قال الشيخ محمد بن عثيمين : " الغال وقاتل نفسه وقطاع الطرق لا يصلي عليهم الإمام ، ولا تسقط الصلاة عن بقية المسلمين ، فيجب عليهم أن يصلوا عليهم ، لأنه مسلمين " .
مسألة 2 : خلاف العلماء في استحباب الصلاة على القبر لمن فاتته الصلاة على الميت ؟
القول الأول : ذهب الشافعية والحنابلة إلى جواز الصلاة على الميت بعد دفنه عند قرب العهد :
أ- سواء صلوا عليه غيرهم أم لم يصلوا .
ب- فعن ابن جرير قال : ( قلت لنافع أكان ابن عمر يكره أن يصلي وسط القبور ، قال : لقد صلينا على عائشة وأم سلمة رضي الله عنها وسط البقيع والإمام يوم صلينا على عائشة رضي الله عنها أبو هريرة رضي الله عنه وحضر ذلك ابن عمر ) رواه ابن المنذر .
القول الثاني : ذهب المالكية والحنفية إلى عدم الجواز :
أ- وقال المالكية يجوز إذا لم يصلى عليه أحد .
ب- والحنفية يجوز إذا كان الوالي ممن لم يصلي عليه .
ج- وحجتهم أنّ هذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم .
د- للحديث الذي رواه مسلم : ( إِنَّ هذه القبُورَ مَمْلُوءَةٌ ظُلْمَةً على أهْلِهَا ، وإِنَّ الله يُنَوِّرُهَا لهم بِصَلاتِي عليهم ) ، فلصلاته صلى الله عليه وسلم ميزة وفضيلة .
هـ وكذلك أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك إلا في صور مخصوصة ، وكان يسافر في الغزوات وتوفي جمعاً من أصحابه ولم يصلي عليهم .
و- قال الشيخ محمد المختار الشنقيطي : " إذا احتاط المسلم في ذلك فهو الأفضل لوجود النهي من الصلاة في المقابر " ، لحديث أنس : ( أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بين القبور ) رواه البزار ، ورواه الطبراني وزاد : ( على الجنائز ) ، ولحديث عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لعنَ الله اليهودَ والنصارى اتَّخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) متفق عليه ، وإذا لم يصلى على الميت ، يذهب به في مكان خارج المقبرة ويصلى عليه خروجاً من الخلاف " .
ل- قال الألباني : " وصلاة الجنازة في المقبرة خِلافُ السُّنَّةِ التي لم تَأْتِ إلا بصلاتها في المُصلَّى وفي المسجد ، وقد جاء النهي الصريحُ عن الصلاة عليها بين القبور لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه : ( أنّ النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يُصلى على الجنائز بين القبور ) ، ويشهد للحديث ما تواتر عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم : ( من النهي عن اتِّخاذ القبور مساجدَ ) .
ك : قال ابن تيمية : " ولا تصح الصلاةُ في المقبرة ولا إليها ، والنهيُ عن ذلك إنمّا هو سدٌّ لذريعةِ الشرك " .
القول الراجح : استحباب الصلاة على القبر لمن فاتته الصلاة على الميت :
أ- قال الشيخ عبدالله البسام " واستحبابه لا نزاع فيه بين العلماء ، فإن النبيّ صلى الله عليه وسلم صلى على المرأة في قبرها ، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه في قصةِ المرأةِ التي كانتْ تَقُمُّ المسْجِدَ : ( فسأل عنها النبيُّ صلى الله عليه وسلم فقالوا : ماتت ، فقال : أفلا كُنتم آذَنْتُمُونِي ؟ فَكَأَنَّهُم صَغَّرُوا أمْرَها ، فقال : دُلُّونِي على قَبْرِهَا ، فَدَلُّوهُ ، فصلّى عليها ) متفق عليه ، وزاد مسلم ، ثم قال : " إِنَّ هذه القبُورَ مَمْلُوءَةٌ ظُلْمَةً على أهْلِهَا ، وإِنَّ الله يُنَوِّرُهَا لهم بِصَلاتِي عليهم ) . تَقُمُّ المسْجِدَ : تكنس المسجد .
ب- قال الإمام أحمد : " ومن يشك في الصلاة على القبر فهي شريعة ثابتة لا ينبغي أنكارها " .
ج- قال في سبل السلام : " ويدل له أحاديث وردت في الباب عن تسعة من الصحابة ، وأما القول بأنَّ
الصلاة على القبر من خصائصه صلى الله عليه وسلم فلا تنهض لأن دعوى الخصوصية خلاف الأصل ، والأصل في أحكامه صلى الله عليه وسلم تشريع للأمة ، وثبت عنه أنه قال : ( صلوا كما رأيتموني أصلى ) ، فالصحابة نقلوا عنه صلاته على القبر بعد دفنه ، فهذا يدل على المشروعية " .
د- قال الشيخ عبدالله البسام : " الصلاة على القبر وعلى الجنازة مستثناة من الصلاة في المقبرة والصلاة إليها " ، حيث النهي المقصود هو الصلاة الفريضة والنافلة ذات الركوع والسجود .
هـ والصلاة على الجنازة في المقابر على صورتين ، أن يصلى عليها وهي تحت الأرض بعد دفنها ، وأن يصلى عليها وهي على السرير قبل دفنها ، فإذا جاز الصلاة عليها وهي تحت الأرض ، فمن باب أولى الجواز على الصلاة عليها وهي في السرير .
مسألة 3 : خلاف العلماء في المدة التي تجوز فيها الصلاة على القبر لمن فاتته الصلاة على الميت :
القول الأول : ذهب الحنفية والمالكية إلى جواز الصلاة ما لم يتغير الميت ويتفسخ ، والمعتبر في ذلك أهل الخبرة
القول الثاني : ذهب الشافعية إلى جوازها ما لم يَبْل الميت .
القول الثالث : وذهب الحنابلة إلى تقدير المدة بشهر واحد وتحرم الصلاة بعده ، وقال الإمام أحمد : " أكثر ما سمعت هذا " .
القول الرابع : وقال ابن القيم في الهدي : صلى النبيّ صلى الله عليه وسلم على القبر بعد ليلة ، ومرة بعد ثلاث ، ومرة بعد شهر ، ولم يوقت في ذلك وقتاً ، ففي حديث عقبة بن عامر قال : ( صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتلى أحد بعد ثماني سنين ) .
القول الراجح : هذا التفصيل :
أ- قال الشيخ عبدالله البسام : " والراجح أنه يصلى على القبر من كان أهلاً للصلاة وقت موت صاحب القبر فيدخل فيه المميز ، أمّا من مات قبل ذلك فلا يصلى عليه ، وإلا صحَّ أن يصلى الإنسان على من ماتوا قبله بقرون " .
ب- قال الشيخ محمد بن عثيمين : " فمثلا رجل مات قبل عشرين سنة ، فصلى على قبره إنسان له ثلاثون سنة ، فصلاته مشروعة لأنّه حين مات كان له عشر سنين فهو أهل للصلاة لأنَّ السلف لم يصلوا على قبره صلى الله عليه وسلم ولا على قبر الصحابة رضي الله عنهم " .
ج- وقال أيضاً : " رجل مات قبل ثلاثين سنة ، فخرج إنسان وله عشرون سنة ليصلي عليه ، فلا يصح ، لأن المصلي كان معدوماً عندما مات الرجل ، فليس من أهل الصلاة عليه " .
د- قال ابن قدامة : " قبر النبيّ صلى الله عليه وسلم فإنّه لا يصلى عليه الآن اتفاقاً ، وهذا القول وجه في
مذهب الشافعية واختاره الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله " .
مسألة 4 : خلاف العلماء في صلاة الغائب :
قال ابن القيم في زاد المعاد : "ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم وسُنَّته الصلاةُ على كُلِّ ميت غائب ، فقد مات خَلْقٌ كثير من المسلمين وهم غُيَّبٌ ، فلم يصلِّ عليهم ، وصحَّ عنه أنه صلى على النجاشيِّ صلاته على الميت ، فاختلف في صلاة الغائب على ثلاث أقوال :
القول الأول : قال الشافعي وأحمد : " أنَّ هذا تشريعٌ وسُنَّةٌ للأمةِ الصلاةُ على كُلِّ غائبٍ " ، والخصوصية تحتاج إلى دليل ، وليس هناك دليل عليها .
القول الثاني : قال أبو حنيفة ومالك : " هذا خاص بالرسول وليس ذلك لغيره " ، فلا تشرع .
القول الثالث : قال شيخ الإسلام بن تيمية : " والصوابُ أنَّ الغائب إن مات ببلدٍ لم يُصَلَّ عليه فيه ، صُلِّى عليه صلاةُ الغائبِ ، كما صلى النبيُّ صلى الله عليه وسلم على النجاشيِّ ، لأنه ماتَ بين الكُفَّار ولم يُصَلِّ عليه ، وإن صُلِّي عليه حيث مات ، لم يُصَلَّ عليه صلاةَ الغائب لأن الفرض سقط بصلاة المسلمين عليه ، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم صلّى على الغائبِ وتَرَكَه ، وفِعْلُه وتَرْكُهُ سُنَّةٌ ، وهذا له موضع ، والأقوالُ ثلاثةٌ في مذهب أحمدَ ، وأصحُّها هذا التفصيل " .
القول الراجح : ما ذهب إليه ابن تيمية :
أ- وما اختاره بعض المحققين من الشافعية مثل الخطابي : " أنه إذا مات المسلمُ ببلدِ من البلدان ، وقد قضى حقه في الصلاة عليه ، فإنه لا يُصلى عليه من كان في بلدٍ آخرَ غائباً عنه ، ومما يُؤيِّدُ عدم مشروعية الصلاة على كُلِّ غائب ، أنه لما مات الخُلفاء الراشدون وغيرهم لم يُصلِّ أحدٌ من المسلمين عليهم صلاةَ الغائب ، ولو فعلوا لتواتر النقلُ بذلك عنهم ، فإن علم أنه لم يُصلَّ عليه لعائق أو مانعِ عُذْرٍ ، كان السنةُ أن يصلى عليه ولا يُتْرُكُ ذلك لبُعدِ المسافةِ " .
ب- قال الأمين الحاج " والحق أن الصلاة على الميت الغائب جائزة لفعله صلى الله عليه وسلم ، ولعدم وجود الخصوصية في هذا الأمر ، ولا داعي للتحمل وصرف الأخبار الصحيحة عن مقاصدها الفعلية " .
ج- قال سيد سابق : " تجوز الصلاة على الغائب ، وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على النجاشي وصلى معه أصحابه ، وهذا إجماعٌ منهم لا يجوزُ تعَدّيِه ، وخالف في ذلك أبو حنيفةَ ومالكٌ ، وليس لهما حُجَّةٌ يُمكِنُ أنْ يُعْتَدَّ بها " .
مسألة 5 : خلاف العلماء في إذا مات رجل صالح هل يصلى عليه صلاة الغائب :
القول الأول : ونقل شيخ الإسلام عن الإمام أحمد أنه قال : " إذا مات رجل صالح صلي عليه صلاة
الغائب ، واحتجّ بقصة النجاشي " .
القول الثاني : هو اختيار شيخ الإسلام بن تيمية : " لا يصلى على الغائب إلا على من لم يصلَّ عليه ، حتى ولو كان كبيراً في علمه ، أو ماله ، أوجاهه ، أو غير ذلك ، لأن الصلاة عبادة ، والعبادة لا تشرع إلا من الكتاب والسنة " .
القول الراجح : هو القول الأول :
أ- ورجح هذا القول الشيخ عبدالرحمن بن سعدي رحمه الله ، وعليه العمل في نجد ، فإنهم يصلون على من له فضل وسابقة على المسلمين ، ويتركون من عداه ، والصلاة هنا مستحبة .
ب- وقال ابن القيم : " أصح الأقوال هذا التفصيل " .
ج- قال الألباني : " وأمَا ما عليه كثير من المسلمين اليوم من الصلاة على كلِّ غائب ، لا سيّما إذا كان له ذكر وصِيتٌ ، ولو من الناحية السياسية فقط ، ولا يُعْرَفُ له بصلاحٍ أو خدمةٍ للإسلام ، فهذا من البدع ، ومخالف لمذهب السلف " .
مسألة 6 : خلاف العلماء في جواز الصلاة على الميت في المسجد :
القول الأول : ذهب الشافعي وأحمد وجمهور العلماء أنه يجوز الصلاة على الميت في المسجد إنْ أمن تلويثه :
أ- لأن عائشة قالت لما توفى سعد بن أبي وقاص : " ادخلوا به المسجد حتى أصلي عليه ، فأنكروا لها ذلك ، فقالت : ( والله لقدْ صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابْنَيْ بَيْضَاءَ في المسجدِ ) رواه مسلم . وهمّا سهل وسهيل أبناء وهب بن ربيعة ، وأمهما تلقب بالبيضاء .
ب- وقد روي عن ابن أبي شيبة بلفظ : ( إنَّ عمر صلى على أبي بكر في المسجد ، وإنَّ صهيباً صلى على عمر في المسجد ) .
ج- قال في شرح الزاد وفقه السنة : " ولا بأس بالصلاةِ عليه في المسجد " ، إذا لم يخش تلوثه .
د- قال الخطابي : " ومعلوم أنَّ عامة المهاجرين والأنصار شهدوا ذلك " .
القول الثاني : ذهب أبو حنيفة ومالك إلى كراهة الصلاة على الميت في المسجد :
أ- ودليلهم : " ما رواه أبو داود وابن ماجة من حديث أبي هريرة مرفوعاً : " من صلّى على ميت في المسجد فلا شيء عليه ) وحسّنه ابن القيم في الهدي .
ب- ولأنَّ المسجد جُعِل لأداء المكتوبات ، ولأنه يحتمل تلويت المسجد .
القول الراجح : مذهب جمهور العلماء من الشافعية والحنابلة ، من الجواز على الجنازة في المسجد :
أ- قال الألباني : " والحق ما ذكرنا من السنية بالصلاة على الجنازة خارجَ المسجد في مكان مُعَدٍّ لها ، مع القول بجواز الصلاة عليه في المسجد ، لحديث عائشة ..، ولما طلبن أمهات المؤمنين إدخال الجنازة إلى
المسجد بدون عذر " .
ب- قال الشيخ عبدالله البسام : " وأنَّ حديث أبو هريرة الذي استدل به المالكية والحنفية لا تقوم به حجة كما نقل ذلك صاحب نصب الراية عن النووي وغيره ، والمسجد معدّ للعبادة ومنها الصلاة على الجنازة ، أمّا التلويث فإنْ تحقق فالمنع مذهب الجمهور ، وإن لم يتحقق فالاحتمال لا يمنع جواز الصلاة "
ج- قال سيد سابق : " ما استدل به مالك وأبي حنيفة بالحديث ، معارض لفعل الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه من جهة ، ولضعف الحديث من جهة أخرى ، وقال أحمد : هذا حديث ضعيف ،
وصَحَّحَ العلماء لفظه وقالوا أنّ الذي في سنن أبي داود بلفظ : ( فلا شيء عليه ) أي من الوِزْرِ . " .
د- قال الإمام أحمد : " لا ينبغي أن يكره شيء مما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم " .
هـ قال ابن القيم : " لم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم على الصلاة على الجنائز في المسجد ، وإنّما كان خارجه ، وربما صلى عليها فيه وكلاهما جائز " .
و- " قال الشيخ عبدالله الجبرين : " الصلاة على الميت في المسجد الآن أولى لكثرة المصلين ، خلاف المشيعين للميت فعددهم أقل " .
ل- قال الشيخ الأمين الحاج : " أرى من الأفضل والأحسن أن يصلى على الجنائز في المساجد ، خاصة عقب الصلوات ، ما أمكن ذلك ، كما يفعل في الحرمين الشريفين دائماً ، لأن كل الموجودين بالمسجد والمشيعين للجنازة يكونون مستعدين للصلاة عليها ، وفي هذا فضل كبير ينبغي ألا يفوت على الميت فهو في حاجة ماسة لدعاء واستغفار إخوانه المسلمين " .
م- وقال أيضاً : " ومن العجب أن يمنع بعض الناس دخول الجنازة للمسجد بحجة النجاسة ، وقد غُسل الميت وحُنط وكُفن وأدرج في أكفانه ، مع علمنا أنَّ الإنسان لا ينجس حياً وميتاً " .
ط- والآن ولله الحمد قد بنيت غرف في مقدمة المساجد ، توضع فيها الجنائز ، ولها باب خارج المسجد ، وعليها ستار متحرك ، يرفع عندما يصلى عليها ، فنكون قد جمعنا بين الصلاة على الجنائز في المسجد وشهود المصلين عليها ، وبين منعها من الدخول في المسجد ولله الحمد والمنِّه .
الفصل الرابع – أركان وشروط وسنن الصلاة على الجنازة
أولا : أركان صلاة الجنازة سبعة أشياء :
1- القيام من قادر في فرضها ، فلا تصح من قاعد إلا لعذر : وهو ركن عند جمهور العلماء ، قال في المغني : " لا يجوز أنْ يُصلي على الجنائز وهو راكب ، لأنه يفوت القيام الواجب " .
2- التكبيرات الأربع ، لما رواه البخاري ومسلم عن جابر ( أنَّ النبيَ صلى الله عليه وسلم صلى على النجاشي فكبر أربعاً )
3- قراءة الفاتحة ، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ) ، ( وصلى ابن عباس على جنازة فقرأ بأم الكتاب ، وقال إنه من السنة ) رواه البخاري .
4- الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كالتشهد الأخير في الصلاة ، لما رواه الشافعي عن أبي أمامة بن سهلٍ أنَّهُ أخبرهُ رجُلٌ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : ( أنَّ السنة في الصلاة على الجنازة أنْ يُكبرُ الإمام ثم يقرأُ بفاتحة الكتابِ بعد التكبيرة الأولى سراً في نفسه ، ثم يصلي على النبيَ صلى الله عليه وسلم ، ويُخلصُ الدعاءً في الجنازة في التكبيرات ، ولا يقرأ في شئ منهن ثم يُسلِّمُ سراً في نفسه ) .
5- الدعاء للميت ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( فإذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء ) .
6- السلام ، لعموم حديث : ( وتحليلها السلام ) ، ويجزئ تسلمية واحدة ، ولا بأس بتسليمتين .
7- الترتيب لأركانها : قراءة الفاتحة بعد التكبيرة الأولى ، والصلاة على النبيّ بعد التكبيرة الثانية ، والدعاء بعد الثالثة ، ويجوز بعد الرابعة .
ثانياً : شروط صلاة الجنازة التي تتعلق بالميت أربعة :
1- أن يكون مسلماً .
2- تطهير الميت بالغسل أو التيمم .
3- حضور الميت بين يدي المصلي إن كان بالبلد .
4- أن لا يكون شهيد معركة .
ثالثاً : شروط صلاة الجنازة التي تتعلق بالمُصَلِّي سبعة:
1- أن يكون مسلماً. 2- أن يكون مكلفاً . 3- أن يكون متطهراً .
4- النية : لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إنّما الأعمال بالنيات ، وإنِّما لكل امرئ ما نوى ) ، والنية محلها القلب ، وأنَّ التلفظ بها غير مشروع .
5- استقبال القبلة .
6- ستر العورة
7- اجتناب النجاسة في ثوب المصلي وبدنه وبقعته :
أ- قال سيد سابق : " صلاة الجنازة يتناولها لفظ الصلاة ، فيُشْترط فيها الشروط التي تُفرضُ في سائر الصلوات المكتوبة من الطهارة واستقبال القبلة وستر العورة .
ب- روى مالك عن ابن عمر رضي الله عنهما كان يقول ( لا يُصلي الرجُلُ على الجنازةِ إلا وهو طاهر)
ج- وتختلف عن سائر الصلوات المفروضة ، في أنه لا يشترط فيها الوقتُ ، بل تُؤدَّى في جميع الأوقات متى حضرت ، ولو في أوقات النهي عن الأحناف والشافعية ، وكره أحمد وقت الطلوع والاستواء والغروب إلا إن خيف عليها التغَيُّر ، وهو القول الراجح ، انظر خلاف العلماء .
رابعاً : سنن صلاة الجنازة إحدى عشر :
1- فعل الصلاة جماعة .
2- أن لا تنقص الصفوف عن ثلاثة .
3- أن يقف الإمام والمنفرد عند رأس الذكر ووسط الأنثى .
4- التعوذ قبل قراءة الفاتحة ، أما الاستفتاح فليس بمشروع .
5- أن يسر المصلي بالقراءة ولو ليلاً ، وكذا الدعاء .
6- أن يزيد الإمام والمأموم " ورحمة الله " بعد قولهما " السلام عليكم " .
7- رفع اليدين مع كل تكبيرة .
8- أن يضع يمينه على شماله على صدره .
9- وقوف الإمام بعد السلام حتى ترفع الجنازة .
10- دعاء المصلي لنفسه ولوالديه وللمسلمين .
11- أن يقف المصلي بعد التكبيرة الرابعة قليلاً يدعو ثم يسلم .
12- الإلتفات على يمينه في التسليم .
الفصل الخامس – كيفية الصلاة على الجنازة
1- موقفُ الإمام من الرَّجُلِ والمرأةِ :
أ- يسن أن يقف الإمام عند رأسِ الرجلِ ، ويقف الإمام عند وَسْطِ المرأةِ ، هذا هو المستحب ، وإلا فالواجب استقبال جزء من الميت رجلا كان أو امرأة ، ويقف المأمومون خلف الإمام .
ب- قال الشيخ محمد بن عثيمين : " لا يشترط أن يكون رأس الميت عن يمين الإمام ، فيجوز أن يكون عن يسار الإمام أو عن يمينه ، خلافاً لما يعتقد بعض العامة من أنه لا بدّ أن يكون عن يمين الإمام " .
ب- لحديث أبي غالب الخَيَّاط قال : ( شهدتُ أنسَ بن مالك صلّى على جنازةِ رجلٍ ، فقام عند رأسه ، فلمّا رفع أُتيَ بجنازة امرأة ، فقام وسطها ) أخرجه أبو داود .
ج-ولحديث سَمُرَةَ بن جُنْدُب رضي الله عنه قال : ( صَلَّيْتُ خلفَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، وصلّى على أُمِّ كعبٍ ماتت وهي نُفساءُ ، فقام رسولُ الله صلى الله عليه وسلم للصلاة عليها وَسْطها ) أخرجه الشيخان وغيرهما .
2- خلاف العلماء في موقف الإمام في الصلاة على الميت :
القول الأول : ذهب الشافعي وأحمد إلى استحباب أن يقف الإمام من المرأة عند الصلاة عليها في وسطها أمام عجيزتها ، وأن يقف أمام رأس الرجل .
القول الثاني : وذهب مالك إلى أنه يستحب الإمام أن يقف حذاء كتف المرأة ووسط الرجل :
أ- وهو رواية عن ابن مسعود .
ب- وقالوا : " إنَّ الوقوف على وسط المرأة لا يشرع سداً للذريعة ومظنة الفتنة ، وأمّا وقوفه صلى الله عليه وسلم على أم كعب ، فهذا خاص بها " .
القول الثالث : ذهب أبو حنيفة إلى أنه يستحب للإمام أن يقف حذاء صدر الرجل والمرأة :
أ- لحديث أنس أنه صلى حذاء صدر الرجل ، ونقيس المرأة على الرجل .
القول الراجح : هو مذهب الجمهور من الشافعية والحنابلة ، يسن أن يقف الإمام عند رأسِ الرجلِ ، ووَسْطِ المرأةِ :
أ- لما روى الترمزي أنَّ : ( العلاء بن زياد صلى على رجل فقام عند رأسه ، ثم صلى على امرأة فقام حيال وسط السرير ثم قال : هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على الجنازة مقامي منها )
ب- قال ابن المنذر : " وهو قول جماهير العلماء ".
ج- وكذلك الصلاة على القبر إن كان المقبور ذكراً وقف عند رأس القبر ، وإن كانت أنثى وقف وسط
القبر .
3- يكبر عليها أربعا :
أ- لحديث عبدالله بن أبي أوفى قال : ( إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كانَ يُكَبِّرُ أربعا ) أخرجه البيهقي .
ب- ولحديث أبي أمامة رضي الله عنه قال : ( السُّنَّةُ في الصلاةِ على الجنازةِ أن يقرأَ في التكبيرة الأُولى بأُمِّ القرآن مُخافَتَةً ، ثم يُكَبِّر ثلاثاً ، والتسليمُ عند الآخرةِ ) أخرجه النسائي .
4- ويجوز التكبير على الجنازة خمساً إلى تسع تكبيراتٍ :
أ- كل ذلك ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فأيهما فعل أجزأ .
ب- لحديث زيد بن أرقم رضي الله عنه : ( صلى على جنازة فكبر عليها خمساً ، وأخبر أنّ ذلك من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ) رواه مسلم .
ج- لحديث عَبْدِ خَيْرٍ قال : ( كان عليٌّ يُكَبِّرُ على أهل بدر سِتّاً ، وعلى أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم خمساً ، وعلى سائر الناس أربعاً ) أخرجه الطحاوي والدار قطني .
د- ولحديث عبدالله بن الزُّبير ( أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم صلّى على حمزةَ فكّبّر عليه تسع تكبيرات )
هـ فيدعو للميت في التكبيرات من الثالثة إلى قبل الأخيرة .
5- خلاف العلماء في عدد التكبيرات في صلاة الجنازة :
القول الأول : يكبر عليها أربعاً :
أ- قال الشيخ عبدالله البسام : " كان النبي صلى الله عليه وسلم يكبر على الجنائز أربع تكبيرات ، وأنه قد يزيد إلى ثمان تكبيرات ، حتى جاء نعي النجاشي فكبر عليه أربعاً ، ثم ثبت على أربع حتى توفاه الله "
ب- وقال ابن عبد البر : " انعقد الإجماع على أربع ، وأجمع الفقهاء وأهل الفتوى بالأمصار على أربع على ما جاء في الأحاديث الصحاح ، وما سوى ذلك عندهم شذوذ لا يلتفت إليه " .
ج- قال النووي : " قد كان لبعض الصحابة خلاف في التكبير المشروع ، ثم انقرض ذلك الخلاف ، وأجمعت الأمة الآن على أنه أربع تكبيرات بلا زيادة ولا نقص " .
د- وكذلك ورد في الصحيحين وغيرهما عن ابن عباس وجابر وأبي هريرة وغيرهم أنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يكبر في صلاة الجنازة أربعاً ، وجمع عمر رضي الله عنه الناس على أربع تكبيرات .
هـ وقال الحنفي :" اجتمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت ابن مسعود فأجمعوا على أربع".
القول الثاني : الأولى التنويعُ :
أ- قال الألباني : " والأولى التنويعُ ، فيفعلُ هذا تارةً ، وهذا تارةً ، كما هو الشأن في أمثالهِ مثل أدعية
الإستفتاح وصيغ التشهد والصلوات الإبراهيميةِ ونحوها ، وإن كان لا بُدَّ من التزام واحدٍ منها ، فهو الأربعُ لأن الأحاديثَ فيها أكثرُ " .
ب- قال الألباني : " هذه آثار صحيحةٌ ، فلا موجب للمنع منها ، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم لم يمنعْ ممّا زاد على الأربع ، بل فعله هو وأصحابُه من بعده ، وقد استدل المانعون من الزيادة بأمرين : الإجماع وقد تبين خطأه ، وما جاء في بعض الأحاديث ( كان آخر ما كبَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجنازة أربعا ) ، وهو حديث ضعيف " .
ج- قال الشيخ محمد بن عثيمين : " وله الزيادة على خمس وإلى ست وإلى سبع وإلى ثمانٍ وإلى تسعٍ ، كل هذا ورد ، لكن الثابت في صحيح مسلم من حديث زيد بن الأرقم إلى خمس ، ولهذا ينبغي للأئمة أحياناً أن يكبروا على الجنازة خمس مرات إحياءً للسنة ، وسيقول بعض الناس : إن إمامنا نسى فزاد خامسة ، لكن إذا فعلها مرة بعد مرة ، وبين للناس أنّ هذا من السنة فذلك حسن " .
القول الراجح : هو الإقتصار على أربع تكبيرات :
أ- لما سبق من أدلة ، ولمداومته صلى الله عليه وسلم على ذلك .
ب- قال الشيخ محمد مختار الشنقيطي : " وهي التي دلت عليه السنة ، وهو البقاء على أربعة تكبيرات ، أسلم وأحكم وأقوى ، واتفق عليه جماهير العلماء ، أما الزيادة تحتمل الخصوصية ، فمحفوظ عن علي رضي الله عنه كان يكبر على أهل بدر ستاً أوسبعاً " والله أعلم .
6- ويُشْرَعُ له أن يرفعَ يديه في التكبيرة الأولى فقط :
أ- لحديث أبي هريرة : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كبَّر على جنازةٍ فرفع يديه في أوَّلِ تكبيرة ، ووضعَ يده اليُمنى على اليسرى ) أخرجه الترمزي وغيره .
7- خلاف العلماء : هل يشرع رفع اليدين في التكبيرات في صلاة الجنازة :
قال ابن المنذر : " أجمعوا على أنه يرفعُ في أول تكبيرة ، واختلفوا في سائرها " كما يلي :
القول الأول : قال الحنفية والمالكية أن المصلى لا يرفع إلا في التكبيرة الأولى :
أ- لأنه لم يحفظ من النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه رفع في باقي التكبيرات ، ولأن الأصل عدم الحركة حتى يثبت الدليل الصحيح .
ب- وأدلتهم حديث أبي هريرة المتقدم .
ج- ولحديث بن عباس : ( أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يرفعُ يديهِ على الجنازة في أولِ تكبيرةٍ ثم لا يعودُ ) أخرجه الدار قطني .
د- قال سيد سابق : " والسنَّةُ عدمُ رفعِ اليدين في صلاة الجنازةِ إلا في أول تكبيرةٍ فقط " .
هـ وقال الألباني : " ولم نجد في السُّنةِ ما يدلُّ على مشروعية الرفع في غير التكبيرة الأولى ، فلا نرى مشروعية ذلك ، وأختاره الشوكاني وإليه ذهب ابن حزم " .
و- قال الشيخ محمد مختار الشنقيطي : " هو عدم الرفع إلا في التكبيرة الأولى ، حتى يثبت الدليل عن الرسول صلى الله عليه وسلم " .
القول الثاني : قال الشافعي وأحمد : يرفع المصلي يديه مع كل تكبيرة :
أ- وهو قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .
ب- وقال في شرح الزاد : " وَيَرْفَعُ مع كُلِّ تكبيرةٍ "
ج- وقال الترمزي " : واختلف أهل العلم في هذا ، فرأى أكثر أهل العلم من الصحابة وغيرهم أن يرفع الرجل يديه في كل تكبيرة على الجنازة " .
د- وأخرج البخاري والبيهقي عن ابن عمر ( أنه كان يرفعُ يديه على كل تكبيرة من تكبيرات الجنازة )
هـ قال ابن المنذر " أقول إتباعاً بقول ابن عمر ، ولأنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم لمّا بين رفع اليدين في كل تكبيرة يكبرها المرء وهو قائم ، وكانت تكبيرات العيدين والجنائز في موضع القيام ، ثبت رفع اليدين فيها قياساً على رفع اليدين في التكبير في موضع القيام ، وما أجمعوا أنَّ الأيدي ترفع في أول تكبيرة ، واختلفوا فيما سواها ، كان حكم ما اختلفوا فيه حكم ما أجمعوا عليه " .
القول الراجح : هو القول الثاني ، ما ذهب إليه الشافعي وأحمد :
أ- يرفع المصلى يديه مع كل تكبيرة .
ب- قال الشيخ محمد بن عثيمين : " القول الصحيح هو رفع اليدين في كل تكبيرة ، لحديث ابن عمر موقوفاً وله حكم الرفع لأنّ مثله لا يثبت بالإجتهاد ، ولأنه إذا حرك يديه اجتمع في الانتقال من التكبيرة الأولى قول وفعل ، كسائر الصلوات ، فإن الصلوات يكون مع القول فعل إما ركوع أو سجود أو قيام أو قعود ، فكان من المناسب رفع اليدين لأن الركوع والسجود متعذران " .
ج- وقال الشيخ محمد مختار الشنقيطي : " وهذه مسألة خلافيه ، لا إنكار فيها ، لاحتمال السنة في كلا الوجهين ، فمن كان يظن أن ابن عمر لا يفعل ذلك إلا بتوقيفٍ من النبي صلى الله عليه وسلم فله أن يرفع ، ومن كان يعتقد أن هذا اجتهاد من ابن عمر ، فلا يرفع " والله أعلم .
8- ثم يضع يده اليمنى على ظهر كفِّه اليسرى والرُّسغِ والساعِد ، ثم يشدُّ بهما على صدرهِ :
أ- لحديث أبي هريرة مرفوعاً : ( ... وَوَضَع اليمنى على اليسرى ) .
ب- ولحديث سهل بن سعد قال : ( كان الناس يُؤْمَرُون أن يضع الرجلُ اليدَ اليُمنى على ذراعهِ اليسرى في الصلاة ) أخرجه مالك في الموطأ وغيره .
ج- ولحديث ابن عباس رضي الله عنه قال : سمعتُ نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إنَّا معشرَ الأنبياءِ أُمرنا بتعجيل فطرِنا ، وتأخيرِ سُحورنا ، وأنْ نضعَ أيمانَنا على شمائِلنا في الصلاة ) أخرجه ابن حبان والطبراني .
9- قراءة الفاتحة :
أ- يكبر الإمام التكبيرة الأولى ويقول الإستعاذة والبسملة ويقرأ سورة الفاتحة سراً .
10- خلاف العلماء في قراءة الفاتحة والتعوذ والبسملة والسورة ودعاء الإستفتاح :
القول الأول : قراءة الفاتحة واجبة :
أ- ذهب جمهور العلماء من السلف والخلف والشافعي وأحمد على مشروعية التعوذ والبسملة فقد أجمعوا على الإتيان بها .
ب- وأمّا الاستفتاح فالأكثر أنه لا يستفتح بها ولا تقرأ سورة بعد الفاتحة .
ج- قال أبوبكر بن المنذر : " لم نجد في الأخبار التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال بعد أن افتتح الصلاة على الجنازة كما قال بعد أنْ افتتح الصلاة المكتوبة قولاً ولا وجدنا عن أصحابه ولا عن التابعين " ، وسنّة النبيّ صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع فلا يُدعَ بدعاء الاستفتاح .
د- وذهبوا على وجوب قراءة الفاتحة بعد التكبيرة الأولى وهي تكبيرة الإحرام .
هـ لما جاء في سنن النسائي وغيره عن أبي أمامة قال : ( السنة في الصلاة على الجنازة أن يقرأ بعد التكبيرة الأولى بأم القرآن مخافتة ) .
و- ولحديث طلحةَ بن عبدالله بن عوف قال : ( صلَّيْتُ خلفَ ابن عباسٍ رضي الله عنه على جنازةٍ ، فقرأ بفاتحة الكتابِ ، فقال : لتعلموا أنَّها سُنَّةٌ ) رواه البخاري .
القول االثاني : قراءة الفاتحة سنة :
أ- ذهب الإمامان أبو حنيفة ومالك وإحدى الروايتين عن أحمد وشيخ الإسلام بن تيمية ، إلى أنَّ قراءة الفاتحة سنةٌ لا واجبة .
ب- ومذهب الحنفية أنه يقرأ دعاء الثناء وجاز قراءة الفاتحة .
ج- قال ابن القيم : " قال شيخنا ابن تيمية : ولا تجب قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة ، بل هي سنةٌ " .
القول الراجح : هو أنَّ قراءة الفاتحة واجبة :
أ- قال الشيخ عبدالله البسام : " والقول الأول أحوط فأدلته قوية ".
ب- وفي رواية أخرى لحديث طلحة : ( فقرأ بفاتحة الكتاب ، وسورة ، وجهر بها حتى أسمعنا ، فلما فرغ أخذتُ بيده ، فسألتُه ؟ فقال : إنما جهَرْتُ لتعلمُوا أنها سنةٌ ) أخرجه وأبو داود والنسائي وغيرهم .
ج- قال الألباني : " واستدل النووي بهذه الزيادة التي وردت في الحديث على استحباب سورة قصيرة ، وليس في الحديث ما يدل على كونها قصيرةً ، فلعل الدليل على ذلك ما تقدّم من طلب الاستعجالِ بالجنازةِ إلى قبرها ، والله أعلم " .
د- قال الشيخ محمد بن عثيمين : " وإذا انتهى المأموم من قراءة الفاتحة قبل تكبير الإمام للثانية ، فإنه يقرأ سورة أخرى ، لأن ذلك قد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم " .
11- ويقرأُ سراً :
أ- لحديث أبي أمامة بن سهل قال : ( السنةُ في الصلاة على الجنازةِ أن يقرأ في التكبيرة الأولى بأمِّ القرآن مخافتةً ثم يكبر ثلاثاً ، والتسليم عند الآخرة ) أخره النسائي وغيره .
12- ثم يكبر الإمام التكبيرة الثانية ويصلى على النبي صلى الله عليه وسلم :
أ- لحديث أبي أُمامة المذكور أنه أخبره رجلٌ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : ( أن السنةَ على الجنازةِ أن يُكَبِّرَ الإمام ، ويقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى سرَّاً في نفسه ، ثم يُصلَّي على النبي صلى الله عليه وسلم ، ويخلص الدعاء للجنازة في التكبيرات ، الثلاث ، لا يقرأ في شيء منهنّ ، ثم يسلم سراً في نفسه ، حين ينصرف عن يمينه ، والسنة أن يفعل من وراءُه مثلما فعل إمامه ) أخرجه الشافعي والبيهقي .
13- صيغة الصلاة والسلام على النبيَّ صلى الله عليه وسلم في الجنازة :
أ- وهو أن يأتي فيها بصيغة من الصيغ الثابتة في التشهُّدِ في المكتوبة ، نحو : ( اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد )
ب- قال سيد سابق : " فليس لها صيغة خاصة ، ولو قال : اللهمَّ صلِّ على محمدٍ ، لكفى ، واتِّبَاعِ المأثورِ أفضل" .
ج- قال الشيخ محمد بن عثيمين : " يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التكبيرة الثانية كما يصلي عليه في التشهد ، وإن اقتصر على قوله : اللهم صلى على محمد " كفى كما يكفي ذلك في التشهد "
14- يكبر الإمام التكبيرة الثالثة ويُخْلِص الدعاء فيها للميت :
أ- لحديث أبي أمامة المتقدم .
ب- ولحديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا صليتم على الميت ، فَأْخْلِصوا له الدعاء ) أخرجه أبو داود وابن ماجة وغيرهما .
ج- فأخلصوا له الدعاء : أي خُصُوه بالدعاء ، وادعوا له بإخلاص وحضور قلب ، لأن المقصود بصلاة
الجنازة هو الاستغفار والشفاعة للميت ، ولهذا شرع في الصلاة عليه من الدعاء ما لم يُشْرَع مثله في الدُّعاء للحي ، وهذا يبطل قول من زعم أن الميت لا ينتفع بالدعاء .
15- ويدعو فيها ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من الأدعية ، منها :
أ- عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا صلّى على جنازةٍ يقول : ( اللهمّ اغْفِرْ لحينِّا وميِّتنا وشاهدِنا وغائبِنا وصغيرِنا وكبيرِنا وذَكَرِنا وأُنْثَانَا ، إنَّكَ تعلمُ مُنْقَلَبَنَا ومَثْوانا ، وأنتَ على كلِ شيٍ قدير ، اللهمَّ مَنْ أَحْيَيْتَه منِّا فأحْيهِ على الإسلامِ والسنَّةِ ، ومن تَوَفَّيْتَهُ منا فَتَوفَّهُ على عليهِما ، اللهمَّ لا تَحْرِمْنا أجرَه ولا تُضِلَّنا بعدَه ) رواه أبو داود والترمزي وغيرهما ، وفي رواية ( ولا تفتنَّا بعده ) .
ب- عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال : ( صلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم على جَنازةٍ فحفظتُ من دعائه وهو يقول : " اللهمَّ اغْفِرْ له وارْحَمْهُ ، وعافِه واعْفُ عنه ، وَأَكرمْ نُزُلَه ، وَوَسِّع مُدْخَلَه ، واغسِلْه بالماء والثَّلْج والبَردٍ ، وَنَقِّهِ من الذُّنُوب والخطايا كما يُنَقِيَّ الثوبُ الأبيضُ من الدّنس ، وأبدِلْه داراً خيراً من داره ، وأهلاً خيراً من أهلهِ ، وَزوجاً خيراً من زوجِه ، وأدخلْه الجنةَ ، وأعِذْهُ من عذاب القبرِ وعذابِ النار ، وافسحْ له في قبرِه ، ونَوِّر لهُ فيه ) ، قال : " فتمنيت أن أكونَ أنا ذلك الميت " أخرجه مسلم وغيره
د- وإن كان الميت طفلا ، فليس فيه دعاء مؤقت عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فيدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة ، وبأن يكون الطفل شفيعا لهما ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( والسقط ، وفي رواية : الطفل ، يصلى عليه ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة ) رواه أبو داود .
هـ ولما رواه البيهقي عن أبي هريرة مرفوعاً : ( اللهم اجعله سَلَفاً وفَرَطاً وذُخْراً وعظة واعتباراً ) ، ( اللهم اجعَلْهُ ذُخْراً لوالديْهِ وَفَرطاً وأجراً وشفيعاً مُجَاباً ، اللَّهُمَّ ثقِّلْ به موازِينَهُما وأَعْظِمْ به أُجُورَهُمَا وأَلحِقْهُ بصالِحِ سَلَفِ المؤمنينَ ، واجْعَلْهُ في كفالةَ إبراهيمَ ، وَقِهِ بِرَحْمَتِكَ عذابَ الجحيمِ " .
و- قال بعضهم : " هذا دعاء لائق بالمحل ، مناسب للطفل ، فإن الدعاء لوالديه أولى من الدعاء له ، لأنه شافع غير مشفوع فيه " .
هـ وقوله : " وقِهِ فتنة القبر " واستثنى بعضهم غير المكلفين من الصغار ، ومن بلغ مجنوناً واستمر جنونه حتى مات .
هـ قوله : " وأبدِلْه زوجاً خيراً من زوجه " : قال الشيخ عبدالله البسام : " الإبدال نوعان : الأول : إبدال أعيان ، وهذا يكون بالحور العين بدل زوجة الحياة الدنيا ، والثاني : إبدال أوصاف ، وذلك بأن تكون زوجة الدنيا هي زوجة الآخرة ، إلاّ أنّ الله تعالى أبدل أخلاقها السيئة بأخلاق حسنة ، وصفاتها الخَلْقية بالجمال والحسن التام ، فإنَّ الله تعالى أبدل لزكريّا صفات أكمل منها ، فقال تعالى : â $oYósn=ô¹r&ur ¼çms9 ÿ¼çmy_÷ry á ( 90 : الأنبياء ) ، قال ابن عباس وعطاء : " كانت سيئة الخلق طويلة اللسان ، فأصلحها فجعلها حسنة الخلق " .
هـ قوله : " وأبدِلْه زوجاً خيراً من زوجه " : قال الشيخ محمد بن عثيمين " سواء كان المصلى عليه رجلاً أم امرأة ، وهناك إشكال : لأنه إن كان المصلى عليه رجلاً ، فهذا يقتضي أن الحور خير من نساء الدنيا ، وإن كان المصلى عليه امرأة ، فإننا نسأل أن يفرق الله بينها وبين زوجها ، فالمراد هنا خيراً من زوجه في الأخلاق ، لا في الخيرية عند الله ، وخيرية الزوج هنا ليست خيرية في العين ، بل خيرية في الوصف ، وإن كان الميت لم يتزوج ، فالمراد زوجاً خيراً من زوجه لو تزوج " .
16- قال بعض العلماء : " إختلافُ الأحاديثِ في الدعاء على الجنازةِ محمولٌ على أنّه كان يدعو على ميت بدعاء ، وعلى آخر بغيره ، والذي أَمَرَ به أصلُ الدعاء "
أ- فلذلك يدعو الإنسان بما استطاع من الدعاء الصالح للميت .
ب- وهناك فرق بين الصلاة على الكبير والصلاة على الصغير ، فالصلاة على الكبير دعاء له ، والصلاة على الصغير دعاء لوالديه بالمغفرة والرحمة .
ج- والدعاء في الأحاديث السابقة للمفرد المذكر ، فيغير ما يلزم تغييره في حال التثنية والجمع .
د- قال الشيخ محمد بن عثيمين : " الأدعية وردت لميت ذكر ، فنؤوله على ما يناسب الحال ، فإن كان الميت اثنين : تقول اللهم اغفر لهما ، وإن كانوا جماعة تقول : اللهم اغفر لهم ، وإن كن جماعة إناث تقول : اللهم اغفر لهن ، وإن كانوا ذكوراً وإناثاً ، فيغلب جانب الذكورية فتقول : اللهم اغفر لهم ،
وإن كان لا يدري هل المقدم ذكر أو أنثى ، يجوز أن يؤنث الضمير أو يذكِّره باعتبار القصد ، فإن قلت اللهم اغفر له : أي لهذا الشخص ، أو للميت ، وإن قلت : اللهم اغفر لها : أي لهذه الجنازة " .
17- ذهب الشافعية إلى وجوب مطلق الدعاء للميت :
أ- لحديث أبي هريرة المتقدم : ( .. فأخْلِصُوا له الدعاءَ ) .
ب- وقال الألباني : " ولكن إيثار ما تقدَّم من أدعيته صلى الله عليه وسلم على ما اسْتَحْسَنَه بعضُ الناس ، مّما لا يَنْبغي أن يتردد به مسلمٌ ، فإنَّ خيرَ الهدى هدي محمد صلى الله عليه وسلم " .
ج- ولذا قال الشوكاني : " واعْلَمْ أنّه قد وقع في كتب الفقهِ ذِكْرُ أدعيةٍ غيرِ المأثورةِ عنه صلى الله عليه وسلم ، والتمسُّك بالثابت منه أولى " .
د- وقال الألباني : " بل واجبٌ على من كان على علم بما ورد عنه صلى الله عليه وسلم ، فالعدولُ عنه
حينئذٍ يُخشى أن يحقَّ فيه قول الله تعالى : â tA$s% cqä9Ïö7tGó¡n@r& Ï%©!$# uqèd 4oT÷r& Ï%©!$$Î/ uqèd îöyz á (61 :البقرة) ؟ ".
18- لا يجهر الإمام إلا بالتكبير :
أ- أما الدعاء والقراءة فلا يجهر بها .
ب- قال سيد سابق : " رأي الجمهور أنَّ القراءة والصلاة على النبي والدعاء والسلام يسن الإسرار بهما ، إلا بالنسبة للإمام فإنه يسن له الجهر بالتكبير والتسليم للإعلام " .
19- يكبر الإمام التكبيرة الرابعة وينتظر قليلا يدعو ، ثم يسلم .
20- خلاف العلماء في الدعاء بعد التكبيرة الرابعة وقبل السلام :
القول الأول : المشهور من مذهب الإمام أحمد عدم الدعاء بعد التكبيرة الرابعة :
أ- قال في الروض والحاشية : " ويقف بعد التكبيرة الرابعة قليلاً ولا يدعو في المشهور من أحمد " ، قال الشيخ محمد بن عثيمين : " وذلك ليتميز التكبير من السلام ، أو من أجل أن يتراد إليه نفسه " .
ب- قال في شرح الزاد : " ويَقِفُ بعدَ الرابعةِ قليلاً ويُسَلِّمُ واحدةً عن يمينِه " .
القول الثاني : قول جمهور العلماء ورواية عن أحمد أختاره المجد ، وقول بعض الأحناف وبعض المالكية ونص عليه الشافعي وأحمد واسحاق بن راهويه ، وابن المنذر ، أنه يدعو .
أ- وقال ابن أبي هريرة : كان المُتقدِمونَ يقولونَ بعد الرابعة : " اللهمَّ ربنا آتنا في الدُنيا حسنة وفي الآخرة حسنةً وقنا عذابِ النارِ " ، وصحّ أنه كان لا يدعو بدعاء إلا ختمه بهذا الدعاء .
ب- وقال الشافعي يقول بعد التكبيرة الرابعة : " اللهمَّ لا تحرمنا أجره ولا تفْتِنَّا بعده " .
ج- قال الألباني : " والدعاء بين التكبيرة الأخيرة والتسليم مشروع " .
د- وقال سيد سابق : " يُسْتَحَبُّ الدُّعاءُ بعدَ التكبيرةِ الرابعةِ ، وإن كان المُصلِّي دعا بعد التكبيرة الثالثة "
ج- لحديث أبي يعْفُور عن عبدالله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال : ( شهدتُه وكبَّر على جنازةٍ أربعاً ثم قام ساعةً ، يعني يدعو ، ثم قال : أتَرَونِي كنتُ اُكَبِّر خمساً ؟ قالوا : لا ، قال : إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُكَبِّرُ أربعاً ، ثم يمكُثُ ساعةً فيقول ما شاء الله أن يقول : ثم سلّم ) أخرجه البيهقي والحاكم وأحمد .
القول الراجح : هو مشروعية الدعاء بعد التكبيرة الرابعة :
أ- لثبوت الدليل ، وكذلك لو كبرّ خمساً فيدعو بعد الخامسة وقبل التسليم .
ب- قال الشيخ محمد بن عثيمين : " واختار بعض الأصحاب أن يدعو بقوله : " اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده ، واغفر لنا وله " ، وقال بعضهم يدعو بقوله : ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة
، وقنا عذاب النار " .
ج- وقال أيضاً : " والقول بأنه يدعو بما تيسر أولى من السكوت ، لأن الصلاة عبادة ليس فيها سكوت أبداً إلا لسبب كالاستماع لقراءة الإمام ، ونحو ذلك " .
21- ويجوز الإقتصار على التسليمة الأولى فقط عن اليمين :
أ- قال في شرح الزاد : " ويُسَلِّمَ واحدةً عن يمينِه " وهو قول مالك والشافعي وأحمد وأكثر العلماء .
ب- قال في كتاب منار السبيل : " وتُجزئ واحدة عن يمينه ، ولو لم يَقُل ورَحمة الله ، لما روى الخلاّل وحرب عن عليّ رضي الله عنه ( أنَّه صلّى على زيد بن الملفق ، فسلم واحدة عن يمينه السلام عليكم ) "
ج- قال ابن مسعود : " التسليم على الجنازة مثل التسليم في الصلاة ، وأقله : السّلامُ عليكم " .
د- وذهب أحمد إلى أنّ التسلمية الواحدة هي السنة ، سلَّم عن يمينه .
هـ لحديث أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال : ( السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر ثم يقرأ بأم القرآن ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يخلص في الدعاء للميت ، ولا يقرأ إلا في التكبيرة الأولى ثم يسلم في نفسه عن يمينه ) رواه النسائي وغيره .
و- لحديث أبي هُريرة رضي الله تعالى عنه : ( أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم صلّى على جنازةٍ ، فكبر أربعاً ، وسّلم تسليمةً واحدة ) أخرجه الدار قطني والحاكم ، ويشهد له مرسلُ عطاء بن السائب : ( أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سلّم على الجنازةِ تسليمة واحدة ) أخرجه البيهقي مُعَلَّقاً .
ل- ويقويه عمل جماعة من الصحابة به ، فقد قال الحاكم : " وقد صحّت الرواية فيه عن علي وعبدالله بن عمر وعبدالله بن عباس وجابر بن عبدالله وعبدالله بن أبي أوفى وأبي هريرة أنهم كانوا يسلمون على الجنازة تسلمية واحدةً " .
م- قال الألباني : " ووافقه الذهي ، وأسند البيهقي غالب هذه الآثار " .
ك- قال الشيخ محمد بن عثيمين : " والذين قالوا يسلم تسليمة واحدة استدلوا بحديث أبي هريرة وفي صحته نظر ، وبالمعنى فإن هذه الصلاة مبنية على التخفيف ، والتسلمية الواحدة أخف " .
22- ثم يسلم تسليمتين :
أ- ويجوز أن يسلم تسليمتين ، وبه قال أبو حنيفة ، واستحبّه الشافعي ، وقال ابن حزم : " والتسلميةُ الثانية ذكرٌ وفعلُ خيرٍ " .
ب- قال الألباني : " ثم يسلم تسليمتين مثل تسليمهِ في الصلاة المكتوبة ، إحداهما عن يمينه ، والأخرى عن يساره
ج- لحديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال : ( ثلاثُ خِلالٍ كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم
يَفْعَلُهُنَّ ، تَرَكَهُنَّ الناسُ ، إحداهُنَّ التسليم على الجنازةِ مثل التسليم في الصلاة ) أخرجه البيهقي ، أي التسليمتين المعهودتين .
د- وقد ثبت في صحيح مسلم وغيره عن ابن مسعود : ( أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يُسّلِّم تسليمتين في الصلاة ) .
هـ وقد ذهب إلى التسليمتين الحنفية ورواية عن أحمد ، والشافعية .
و- قال الشيخ محمد بن عثيمين : " والصحيح أنه لا بأس أن يسلم مرة ثانية ، لورود ذلك في بعض الأحاديث ، ولا ينكر عليه ، وإذا سلم الإمام تسلمية واحدة ، فللمأموم أن يسلم تسلم تسليمتين ، لأنه لا يتحقق به المخالفة " .
23- صيغة السلام :
أ- قال أبو داود : ( سمعت أحمدَ سُئل عن التسليم على الجنازة ؟ قال : " هكذا ، ولوى عُنُقه عن يمينه ، وقال : السلام عليكم ورحمة الله " ) .
ب- قال الألباني : " وزيادة ُ ( وبركاتُه ) في هذه التسلمية مشروعةٌ خلافا لبعضهم ، لثبوتها في بعض طرق حديث ابن مسعود المُتَقدِّم " .
24- قال الألباني : " والسنةُ أن يُسلّم في الجنازة سِرّاً ، والإمام ومَن وراءه في ذلك سواء " :
أ- لحديث أبي أمامة : ( ثم يُسَلّم سراً في نفسه ، حين ينصرفُ ، والسنةُ أن يفعلَ مَن ورءاه مثلما فعل إمامه )
ب- وله شاهد أخرجه البيهقي عن ابن عباس أنه : ( كان يُسلِّم في الجنازةِ تسلميةً خفيَّةً ) .
ج- وروي عن عبدالله بن عمر أنه : ( كان إذا صلّى على الجنائز يُسلِّم حتى يُسْمِعَ من يليه ) .
د- قال سيد سابق : " رأي الجمهور أنَّ القراءة والصلاة على النبي والدعاء والسلام يسن الإسرار بهما ، إلا بالنسبة للإمام فإنه يسن له الجهر بالتكبير والتسليم للإعلام " ، وهو القول الصحيح .
25- المسبوق في صلاة الجنازة :
أ- قال في شرح الزاد : " ومنْ فاتَهُ شئٌ من التكبيرِ قضاه على صِفته " .
ب- فيكبر المسبوق ويقرأ الفاتحة ، لأنّ ما أدركه أول صلاته ، وإذا سلم الإمام ، تدارك المسبوق باقي التكبيرات ، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : ( فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتمّوا ) رواه الشيخان من حديث أبي قتادة .
ج- وقال الشيخ محمد بن عثيمين : " إذا دخل مع الإمام في التكبيرة الثالثة هل يقرأ الفاتحة ، أو يدعو للميت ، لأن هذا مكان الدعاء ؟ والجواب : الظاهر لي : أنه يدعو للميت ، حتى على القول بأنّ أول ما يدركه المسبوق أول صلاته ، فينبغي في صلاة الجنازة أن يتابع الإمام فيما هو فيه ، لأننا لو قلنا لهذا الذي أدرك الإمام في التكبيرة الثالثة : إقرأ الفاتحة ، ثم كبر الإمام للرابعة ، وقلنا : صلِّ على النبي صلى الله عليه وسلم ثم حملت الجنازة ، فاته الدعاء له " .
د- وإن خشي رفع الجنازة تابع التكبير دون ذكر فاصل ثم يسلم ، رفعت الجنازة أم لا .
هـ قال الشيخ الأمين الحاج : " من فاتته تكبيرة من تكبيرات صلاة الجنازة افتتح ولم ينتظر تكبيرة الإمام عند الشافعي ورواية عن مالك ، وعند أحمد وأبو حنيفة والرواية الأخرى عن مالك ينتظر الإمام ، ثم يكمل ما فاته بعد سلام الإمام " .
و- قال سيد سابق : " من سُبِقَ في صلاة الجنازة بشئ من التكبير ، اسْتُحِبَ له أن يقْضِيه مُتَتَابِعاً ، فإنْ لم يقضِ فلا بأس " ، أي وإن سلم مع الإمام ولم يقضه ، صحت صلاته .
ل- وقال أحمد : " إذا لمْ يَقْضِ لم يبالِ " ، وقال ابن عمر : " لا يقضي ما فاتَ من تكبيرِ الجنازةِ ، ويُسلِمُ مع الإمامِ .
م- ورجحَّ صاحب المغني هذا المذهب فقال : " ولنا قول ابن عمر ، ولمْ يُعرفَ له في الصحابةِ مُخَالفٌ " ، وقد روي عن عائشةَ أنَّها قالت : ( يا رسولَ الله إنِّي أُصلي على الجنازةِ ويخْفَى عليَّ بعضُ التكبير ، قال : ما سمعتِ فكبري ، وما فاتَكِ فلا قضاءَ عليكِ ) وهذا صريحٌ ، ولأنَّها تكبيراتٌ متوالياتٌ لا يَجِبُ ما فاتَهُ منها كتكبيرات العيدين .
ك- قال الشيخ محمد بن عثيمين : " أحوال المسبوق في صلاة الجنازة ثلاث أحوال :
الأولى : أن يمكنه قضاء ما فات قبل أن تحمل الجنازة ، فهنا يقضي ، ولا إشكال فيه ، لعموم قوله عليه الصلاة والسلام : ( ما فاتكم فأتموا ) .
الثانية : أن يخشى من رفعها فيتابع التكبير ، وإن لم يدع إلا دعاء قليلاً للميت ، والغالب في جنائزنا أنها ترفع ولا يتأخرون فيها حتى يقضي الناس ، وعلى هذا فيتابع التكبير ويسلم .
الثالثة : أن يسلم مع الإمام ، ويسقط عنه ما بقي من التكبير ، وعلته أنّ الفرض سقط بصلاة الإمام ، فكان ما بقي مخيراً .
ومع هذا فليس هناك نص صحيح صريح في الموضوع ، أعني سلاَمَهُ معَ الإمام ، أو متابعته التكبير بدون دعاء ، لكنه إجتهاد من أهل العلم رحمهم الله " أنتهى كلامه رحمه الله .
المبحث الرابع عشر
الدَّفْنُ وَتَوابِعُهُ
1- حكم الدفن :
أ- أجمع أهل العلم على وجوب الدفن ، ولو كان الميت كافرا ، ولم يوجد من يواريه من الكفار ، فهو من فروض الكفايات ، لفعله صلى الله عليه وسلم ، ولأنَّ في تركه على وجه الأرض هتكاً لحرمته ويتأذى الناس برائحته ، ففي الدفن بِرّ بالميت وطاعة للرب ، وهو فعل المسلمين منذ زمن الصحابة .
ب- وهو مشروع بالكتاب ، قال تعالى : â óOs9r& È@yèøgwU uÚöF{$# $·?$xÿÏ. ÇËÎÈ [ä!$uômr& $Y?ºuqøBr&ur á (25-26 : المرسلات ) ، وقال تعالى : ( â §NèO ¼çms?$tBr& ¼çnuy9ø%r'sù á ( 21 : عبس ) ، أكرمه بدفنه ، قال الخازن : " وهذه تكرمة لبني آدم على سائر الحيوانات ".
ج- قال الشيخ صالح الفوزان : " والأحاديث في دفن الميت مستفيضة ، وهو بر وطاعة وإكرام للميت واعتناء به " .
د- ما رواه أبو داود أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا ينبغي لجيفة مسلم أن تُحْبَس بين ظهراني أهله ) .
هـ ولحديث أبو طلحة الأنصاري :( أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر يومَ بدرٍ بأربعةٍ وعشرين رجُلاً من صناديدِ قُريشَ فجُرُّوا بأرجُلِهِم فقُذِفُوا في طُوىً من أطواءِ بدرٍ خبيثٍ مُخَبَّثٍ بعضُهم على بعضٍ ، إلا ما كان من أُمَيَّة بن خَلَف فإنّه انتفخَ في دَرْعِه فملأها فذهبوا يُحَرِّكوه فتزايَلَ فأقرُّوه وأَلْقَوا عليه ما غَيَّبه من الترابِ والحجارةِ ) أخرجه البخاري ومسلم والنسائي .
فتزايَل : أي تفسّخَ وتفرّقت أجزاؤه .
و- ولحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، قال : ( لمَّا تُوُفِّي أبو طالب ، أتيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقُلتُ : إنَّ عمَّك الشيخَ الضالَّ قد مات ، فمن يُواريهِ ، قال : اذهَبْ فَوَاره..) أخرجه أحمد وغيره .
ل- قال الألباني : " ومن الملاحظ في هذا الحديث أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يُعَزِّ عليَّاً بوفاة أبيه المشرك ، فلعله يصلح دليلاً لعدم شرعيّة تعزية المسلم بوفاة قريبه الكافر ، فهو من باب أولى دليلٌ على عدم جواز تعزيّة الكُفار بأمواتهم أصلاً " .
2- من السُّنَّةِ دفن المسلمين في المقبرة :
لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدفنُ الموتى في مقبرةِ البقيع ، كما تواتَرت الأخبارُ بذلك ، ولم يُنْقَلْ عن أحَدٍ من السَّلفِ أنه دُفِن في غير المقبرة .
3- ويستثنى من الدفن في مقابر المسلمين ما يلي :
أولاً : الأنبياء :
أ- يدفنون في مكان ما يقبضون ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم دُفن في حجرته وذلك خصوصية من خصوصياته عليه الصلاةُ والسلامُ .
ب- لحديث عائشة رضي الله عنها قالت : لمَّا قُبِضَ رسول الله صلى الله عليه وسلم اخْتَلَفوا في دَفْنِهِ ، فقال : أبوبكر رضي الله عنه : سمعتُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً ما نسيتُه ، قال : ( ما قَبَضَ الله نَبياً إلا في الموضعِ الذي يُحِبُّ أنْ يُدْفَنَ فيه ) ، فدَفَنُوه في موضعِ فراشه ، أخرجه الترمزي .
ج- قال الحافظُ ابن حَجَر : " وإذا حُمل دَفْنُه في بيتِهِ على الاختصاصِ ، لم يَبْعُد نهيُ غيره عن ذلك ، بل هو مُتَّجِهٌ ، لأنّ استمرارَ الدفنِ في البيوت ربّما صَيَّرها مقابرَ ، فتصيرُ الصلاةُ فيها مكْرُوهةً " .
د- وقد استنبطَ البخاريُّ الكراهةَ من حديث ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اجعَلوا في بيوتِكم من صلاتِكم ، ولا تَتَّخِذُوها قُبوراً ) ، ولحديث أبي هريرة عند مسلم في قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا تَجْعَلُوا بيوتَكم مقابرَ ) فإنّ ظاهره يقتضي النهي عن الدفنِ في البيوت مطلقاً .
ثانياً: شهداء المعركة:
أ- فإنهم يُدْفَنُون في مواطنِ استشهادِهم ، ولا يُنْقَلون إلى المقابِر ، لحديث جابر : ( وكان أبوه وخاله من شهداء أحد ، قال فبينما أنا في النِّظَارين إذ جاءت عمتي بأبي وخالي عادَلْتُهما على ناضِحٍ ، فدَخَلتْ بهما المدينةَ لِتَدْفِنَهما في مقابِرِنا ، إذ لَحِقَ رجلٌ يُنادي : ألا إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرُكُم أن تَرْجِعُوا بالقتلى فَتَدْفِنُوها في مصارِعِها حيث قُتِلت ، فرجعنا بهما فدفَنَّاهُما حيثُ قُتِلا ) أخرجه أحمد .
ثالثاً : الكافر :
أ- لا يُدفن مسلمٌ مع كافرٍ ، ولا كافر مع مسلم ، بل يُدفن المسلمُ في مقابر المسلمين والكافرُ في مقابر المشركين أو في أرض فلاة حتى لا تأكله السباع فتهوي لحم البشر وتسعر ، كذلك كان الأمرُ على عهد النبيِّ صلى الله عليه وسلم واستمر إلى عصرنا هذا .
ب- لحديث بشير بن الخصَاصِيَةِ : ( بَيْنَا أُماشي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ... ، فذكر : فأتى على قُبورِ المشركين فقال : لقد سَبَق هؤلاء بخيرٍ كثيرٍ ، ثلاثَ مراتٍ ، ثم أتى على قُبورِ المسلمين فقال : لقد أدركَ هؤلاء خيراً كثيراً ، ثلاث مرات ...) أخرجه أبو داود وغيره .
ج- قالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء : " لا يجوز أن يدفن الكفار في مقابر المسلمين ، ولا في أرض الجزيرة العربية ، ولكن تسلم الجثة لوليها لينقله إلى ما شاء خارج الجزيرة العربية ، وإن تعذر يدفن في أرض مجهولة تحقيقاً لموارته ، وحرصاً على السلامة من أذاها ، ولا يجوز تكليف بيت المسلمين "
رابعاً : السِقْطُ تحت أربعة أشهر :
أ- إذا كان السقط تحت أربعة أشهر ، فهذا لم تنفخ فيه الروح ، فمثله مثل اللحمة الميتة أو خارج الختان ، فهذا لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ، بل يلف في خرقة ويدفن في أرض طيبة .
4- لا يجوز الدفن في الأحوال الآتية إلا لضرورة :
أولاً : الدفن في الأوقات الثلاثةِ التي ورد النهي عن الصلاة فيها :
أ- لحديث عقبة بن عامر المتقدم في المبحث السابق .
ب- والأقرب أن الحديث يميل إلى قول أحمد وغيره ، أنَّ الدفن مكروهٌ في هذه الأوقات .
ج- قال الألباني : " والحديث مطلق يشملُ المتعمِّدَ وغيرَه ، فالحقُ عدم جواز الدفنِ ولو لغير المتعمدِ ، فمن أَدْرَكَتْه فيها فليتريّث حتى يخرج وقت الكراهةِ " .
ثانياً : الدفن في الليل : لا يجوز الدفن في الليل إلا للضرورة .
5- خلاف العلماء في حكم الدفن ليلاً :
القول الأول : ذهب بعض الفقهاء ، ورواية عن الإمام أحمد ، إلى كراهية الدفن بالليل :
أ- إلا عند الحاجة كخشية تغيره ، فيدفن ليلاً بلا كراهة ، قال أحمد : " لا يفعلهُ إلا لضرورةٍ " .
ب- لحديث جابر ( أن النبي صلى الله عليه وسلم ذَكَر رجلاً من أصحابِه قُبض فكُفِّن في كَفَنٍ غير طائل وقُبِرَ ليلاً فَزَجَر النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن يُقْبَرَ الرجلُ بالليل حتى يُصَلَّى عليه إلا أن يَضْطَرَّ إنسانٌ إلى ذلك ) أخرجه مسلم وغيره .
القول الثاني : ذهب جمهور العلماء من الحنفية والشافعية والحنابلة ومن السلف والخلف إلى جواز الدفن ليلاً بدون كراهة :
أ- لحديث عن ابن عباس ( أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أدخلَ رجلاً قَبرهُ ليلاً وأَسْرَجَ في قبره ) أخرجه ابن ماجه والترمزي .
ب- وقد سئل عقبة بن أبي عامر : " هل يجوز الدفن ليلاً ، قال نعم ، قد دفن أبوبكر بليل " ، ودفن عليّ فاطمة رضي الله عنها ليلاً .
ج- وقال جماهير من السَّلفِ والخَلَفِ لا يُكره ، واستدلوا بأنَّ أبابكر الصديق رضي الله عنه وجماعة من السَّلفِ دُفِنوا ليلاً من غير إنكارٍ ، وبحديث المرأة السوداء ، والرجُل الذي كان يَقُمُّ المسجد فَتَوفَّى بالليل فدفنوه ليلاً ، فلم ينه النبي صلى الله عليه وسلم عن مُجردِّ الدفن ، لقلةِ المُصلين ، أو عن إساءة الكفنِ .
د- والآن توفرت تلك الأمور ليلاً فتيسرت الإضاءة في المغاسل ، فيتم بسهولة إحسان الغسل والتكفين وكثرة المصلين واستعمالِ المصباحِ والنزول به في القبر ، لتسهيل عمليةِ الدفنِ ، فزالت العلة ولله الحمد .
القول الراجح : أنه يجوز الدفن في الليل أو النهار حسب التيسير :
أ- إذا انتفت العلة ، وتوافرت تلك الأمور ليلاً زالت الكراهة ، ورجعنا إلى أصل الحكم ، وهو الإسراع بالجنازة ، وخشية شدة الحر أو خوف تغيُّرٍ .
ب- ومن أقوى الأحاديث التي تقوي ذلك هو حديث ابن عباس ، ويستثنى الأوقات الثلاثة الماضية .
ج- ويُرد على عدم الجواز المأخوذ من حديث جابر :
1) أنَّ الدفنَ في الليل مَظِنَّةُ قِلّة المُصَلِّين على الميت ، فنهى عن الدفنِ ليلاً حتى يُصَلّّى عليه نهاراً ، لأن كثرة المُصَلين من مقاصد الشريعة وأرجى لِقَبولِ شَفَاعتِهم في الميت .
2) عدم إحسان الغسل ، وعدم إجادة الكفن والتكفين ، ولأن الإضاءة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم لم تكن كافية في الليل ، فزجر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق