الأحد، 19 فبراير 2012

تابع أحكام الطهارة 4

(5) باب المسح على الخفين

58- عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رَضِي الله عنه قال: ( كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَتَوَضَّأَ فَأَهْوَيْتُ ِلأَنْزِعَ خُفَّيْهِ فَقَالَ: دَعْهُمَا فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ ، فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا )  مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [1]. 
59- وَلِلأَرْبَعَةِ عَنْهُ  إِلا النَّسَائِيَّ: ( أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَسَحَ أَعْلَى الْخُفِّ وَأَسْفَلَهُ ) وَفي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ [2].
60- وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ:  ( لَوْ كَانَ الدِّيْنُ بِالرَّأْيِ لَكَانَ أَسْفَلُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ أَعْلاهُ, وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُ عَلَى ظَاهِرِ خُفَّيْهِ )  أَخْرجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِإسْنَادٍ حَسَنٍ  [3]. 
61- وَعَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ رضي الله عنه قَالَ: ( كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُنَا إِذَا كُنَّا سَفْراً أَنْ لا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ, إَلا مَنْ جَنَابَةٍ ، وَلكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنْومٍ  ) أَخْرَجَهَ النَّسَائِّيُ, وَالتِّرْمِذيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ, وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَصَحَّحَاهُ [4] . 
62- وَعَنْ عَلِيٍّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: ( جَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثَلاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيالِيَهُنَّ لِلمُسَافِرِ , وَيَوْمَاً وَلَيْلَةً لِلْمُقيمِ ) ، يَعْنِي في الْمَسْحِ عَلى الْخُفَّيْنِ ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [5] . 
63- وَعَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: ( بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عليه وسلم سَرِيَّةً, فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَمْسَحُوا عَلَى الْعَصَائِبِ ، يَعْنِي العَمَائِمَ ، وَالتَّسَاخِينَ ، يَعْنِي الْخِفَافَ ) رَوَاهُ أَحْمَدَ وَأَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الحاكِمُ [6].
64- وَعَنْ عُمَرَ رضي الله عنهُ مَوْقُوفاً وَعَنْ أَنَسَ مَرْفُوعاً : ( إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلَبِسَ خُفَّيْهِ فَلْيَمْسَحْ عَلَيْهِمَا , وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا وَلا يَخْلَعْهُمِا إِنْ شَاءَ إِلا مِنْ جَنَابَةٍ ) أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ  والْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ [7]. 
65- وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم  ( أَنَّهُ رَخَّصَ لِلْمُسَافِرِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ وَلِلْمُقِيمِ يَوماً وَلَيْلَةً إِذَا تَطَهَّرَ فَلَبِسَ خُفَّيْهِ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِمَا ) أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ [8]. 
66- وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ عِمَارَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: ( يَا رَسُولَ اللهِ ! أَمْسَحُ عَلى الْخُفَّيْنِ? قَالَ: "نَعَمْ" قَالَ: يَوماً? قَالَ: "نَعَمْ", قَالَ: وَيَوْمَيْنِ? قَالَ: "نَعَمْ", قَالَ: وَثَلاثَةَ? قَالَ: "نَعَمْ, وَمَا شِئْتَ" ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَقَالَ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ [9]. 
(6) باب نواقض الوضوء [10]
67- حديث أنس بن مالك ، انظر الأحاديث 80-82
68- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالتْ : ( جَاءتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ إِلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالتْ: يَا رَسُولَ الله! إِنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فَلا أَطْهُرُ, أَفَأَدَعُ الصَّلاةَ? قَالَ: "لا ، إِنِّمَا ذَلكِ عِرْقٌ, وَلَيْسَ بِحَيْضٍ, فَإذَا أَقْبَلَتْ حَيْضَتُكِ فَدَعِيَ الصَّلاةَ, وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ, ثُمَّ صَلِّي" )  متفق عليه   .
وَلِلْبُخَارِيِّ:  ( ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلاةٍ  ) وَأَشَارَ مُسْلِمٌ إِلى أَنَّهُ حَذَفَها عَمْداً [11]. 
69- وَعَنْ عَلِيٍّ بْنِ أَبِي طَالبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ:  ( كُنْتُ رَجُلاً مَذَّاءً, فَأَمْرتُ الْمِقْدَادَ بنَ الأسودِ أَنْ يَسَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهُ ? فَقَالَ: "فِيهِ الوُضُوءُ"  )  مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ, واللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ [12]. 
70- وَعَنْ عَائِشَةَ  رَضِيَ اللهُ عَنْهَا;  ( أَنَّ النَّبِيَّ صَلى الله عليه وسلم قَبَّلَ بَعْضَ نِسِائِهِ, ثُمَّ خَرَجَ إِلى الصَّلاةِ ، وَلَمْ يَتَوضَّأْ  )  أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ, وَضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ [13]. 
71- انظر الحديث 82 وما بعده [14]
72 - وَعَنْ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ:  ( قَالَ رَجُلٌ: مَسِسْتَ ذَكَرِيِ -أَوْ قَالَ- : الرَّجُلُ يَمَسُّ ذَكَرَهُ فِي الصَّلاةِ, أَعَلَيْهِ الوُضُوءُ ? فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم "لا، إِنَّمَا هُو بَضْعَةٌ مِنْكَ"  )  أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ, وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ ،  وَقاَلَ ابْنُ الْمَدِيِني: هُو أَحْسَنُ مِنْ حَدِيثِ بُسْرَةَ [15].
73- وَعَنْ بُسْرَةَ بِنْتَ صَفْوَانَ رِضَي اللهُ عَنْهَا;  ( أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأُ" )  أَخْرَجَهُ الخَمْسَةُ, وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: هُو أَصَحُّ شَيءٍ في هَذا البَابِ [16]. 
74- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللهُ عَنْهَا; أَنَّ رَسُولُ اللهِ صَلى عَليه وسلم قال:  ( مَنْ أَصَابَهُ قَيْءٌ أَوْ رُعَافٌ, أَوْ قَلَسٌ, أَوْ مَذْيٌ فَلْيَنْصَرِفْ فَلْيَتَوَضَّأْ, ثُمَّ لْيَبْنِ عَلى صَلاتِهِ, وَهُو فِي ذَلكَ لا يَتَكَلَّمُ  )  أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ ، وَضَعَّفَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ [17]. 
75- وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرةَ رضي الله عنها ;  ( أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم : أَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الغَنَمِ? قَالَ: "إِنْ شِئْتَ" قَالَ: أَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الإبِلِ ? قَالَ: "نَعَمْ"  )  أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ  [18]  . 
76- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ:قَالَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ( مَنْ غَسَّلَ مَيِّتَاً فَلْيَغْتَسِلْ وَمَنْ حَمَلَهُ فَلْيَتَوَضَّأُ )  أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَقَالَ أَحْمَدُ: " لا يَصِحُّ فِي هَذَا البابُ شَيْءٌ " [19].
77- وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْن أَبِي بَكْرٍ رحمه الله : ( أَنَّ فِي الكِتَابِ الذِي كَتَبَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِعَمْرُو بِنْ حَزْمٍ : " أَنْ لا يَمَسَّ الْقُرْآنَ إِلا طَاهِرٌ" )  رَوَاهُ مَالِكٌ مُرْسَلاً, وَوَصَلَهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ, وَهُوَ مَعْلُولٌ [20]. 
78- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالتْ:  ( كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وسلمَ يَذْكُرُ اللهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ )  رَوَاهُ مُسْلِمٌ, وَعَلَّقَهُ البُخَارِيُّ [21]. 
79- وَعَنْ أَنَسَ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ  : ( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَى اللهُ عَليه وسلم احْتَجَمَ وَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ  )  أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَلَيَّنَهُ [22].
61-  وحديث صفوان بن عسال المتقدم قال:  (ولكن من غائط, وبول, ونوم  )  .
67- عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: ( كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم -عَلى عَهْدِهِ- يَنْتَظِرُونَ العِشَاءَ حَتَّى تَخْفِقَ رُؤُوسُهُمْ, ثُمَّ يُصَلُّونَ وَلا يَتَوَضَّؤُونَ )  أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ ، وَأَصْلُهُ في مُسْلِمٍ [23] .
80- وَعَنْ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عليه وسلم  : ( الْعَيْنُ وِكَاءُ السَّهِ, فَإذَا نَامَتِ العَيْنَانِ اسْتَطَلَقَ الوِكَاءُ ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَزَادَ  ( وَمَنْ ناَمَ فَلْيَتَوَضَّأُ  ) . وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَبي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ دُونَ قَولِهِ:  ( اسْتَطْلَقَ الْوِكَاءُ  )  وَفِي كِلا الإسْنَادَيْنِ ضَعْفٌ .
81- و        َلأبِي دَاوُدَ أَيْضَاً عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما مَرْفُوعاً (إِنَّمَا الْوُضُوءُ عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعاً ) وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ أيضاً [24].
71- وَعَنْ أَبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم  ( إِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ فِي بَطْنِهِ شَيْئاً, فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ ، أَخَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ أَمْ لا? فَلا يُخْرُجَنَّ مِنَ الْمَسْجِدِ حَتَّى يَسْمَعَ صَوتَاً, أَوْ يَجِدَ رِيحاً  )  أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [25] . 
82- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما; أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلى الله عليه وسلم قَالَ:  ( يَأْتِيِ أَحَدَكُمُ الشَّيْطَانُ فِي صَلاتِهِ, فَيَنْفُخُ فِي مَقْعَدَتِهِ فَيُخَيِّلُ إِليهِ أَنَّهُ أَحْدَثَ, وَلَمْ يُحْدِثْ, فَإِذَا وَجَدَ ذَلكِ فَلا يَنْصَرِفْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتَاً ، أَوْ يَجِدَ رِيحَاً  )  أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ [26].
83-84  وَأَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدٍ ، وَلِمُسْلِمٍ : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه نَحْوُهُ [27].
85- وَلِلْحَاكِمِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعَاً: ( إَذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الشَّيْطَانَ, فَقَالَ: إَنَّكَ أَحْدَثْتَ, فَلْيَقُلْ: كَذَبْتَ ) .  وَأَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ بِلَفْظٍ:  ( فَلْيَقُلْ فِي نَفْسِهِ  ) [28]. 


[1] 1- مقدمة : لما فرغ المؤلف من باب الوضوء وكان من جملة الوضوء غسل الرجلين ، أردف ذلك باب المسح على الخفين ، لأنه قد يكون على الرجلين ملبوسٌ يشقُّ نزْعُه ، ففي هذه الحالة يُمسح على هذا الحائل بدلاً من غسل الرجلين .
المسح : لغة إمرار اليد على الشيء ، وشرعاً : إمرار اليد مبلولة بالماء لحائل مخصوص في زمن مخصوص . الخف : واحد الخفاف التي تلبس على الرجل ، سمِّي بذلك لخفته ، وشرعاً : الساتر للكعبين فأكثر من جلد ونحوه .
2- المسح على الخفين رخصةٌ من رخص الشرع ، والرخصة كما عرفها الأصوليون لغة : السهولة ، وشرعاً : ما ثبت على خلاف دليل شرعي لمعارض راجح ، فغسل الرجلين ثبت بالدليل الشرعي ، وهو الأصل ، ولكنه ثبت أيضاً المسح على الخفين ، فهو معارض للأصل ، وهذا التعارض راجح فيعمل به ، والحكمة في تشريع الرخص التيسير على الأمة ورفع الحرج عنها والله سبحانه وتعالى يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته ، فالأخذ بالرخصة أولى وأفضل ، ومن ذلك المسح على الخفين ، قال تعالى : ( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ )(الحج: 78)
3- ذكر المسح على الخفين بعد الوضوء لأنه بدل عن غسل ما تحته ، والمسح دلت عليه الأحاديث المتواترة ، فجاء المسحُ على الخفين من سبعينَ طريقاً من قولهِ وفعلِه عليه الصلاة والسلامُ  نقل ابن المنذر الإجماع على جوازه ، واتفق عليه أهل السنة والجماعة ، فهو جائز في الحضر والسفر ، للرجال والنساء تيسراً للمسلمين ، روي عن مالك وبعض الصحابة إنكار المسح على الخفين ، لكن قال شيخ الإسلام بن تيمية : " إنّ الرواية عنهم بإنكارهم ضعيفة ، وأما مالك فالرواية الثابتة عنه ، القول به ، وأطبق أصحابه من بعده على الجواز " .
4- شذت الشيعة في إنكار المسح على الخفين ، قال ابن دقيق العيد : " إنّ المسح على الخفين اشتهر جوازه حتى صار شعار أهل السنة ، وإنكاره شعار أهل البدعة " ، ولذا يذكرُه العلماء في كتبِ العقائدِ للردِّ على المبتدعة من الشيعةِ والرافضةِ والخوارج الذين يُوجِبونَ خلعَ الخفِّينِ ومسحَ ظهور القدمين ، فهم الذين خالفوا الإجماع مستمسكين بقراءة الجر ، من " ( وَأَرْجُلِكُمْ )  لأن الآية ناسخة لأحاديث عندهم ، وذهبت الأمة جمعاء إلى جواز المسح واعتقاده ، محتجين بالسنة والقرآ ن ، وإليك بيان شبهات الشيعة والرد عليها :
 أ-  إنّ آية المائدة من آخر ما نزل ، وفيها غسل الرجلين ، فيكون الحكم قد تقرر بغسل الرجلين في آخر الأمر ، ولا يحتجون بالأحاديث ويعتبرونها منسوخة بالآية ، والجواب : إن المسح على الخفين هو المتأخر ، بدليل حديث المغيرة هذا كان في عزوة تبوك ، وهي آخر غزوة غزاها الرسول صلى الله عليه وسلم وكانت في السنة التاسعة أو العاشرة ، أما نزول آية المائدة فكانت في غزوة المريسيع المسماة بغزوة بني المصطلق ،وكانت متقدمة على غزوة تبوك . ب- وما يدل على أنّ المسح هو الأخير ، لما قيلَ لجريرٍ بن عبدالله وهو من رواة أحاديث المسح على الخفين ، هل مسحَ النبيً صلى الله عليه وسلم على الخفين قبل المائدةِ أو بعدها ؟ قال : ما أسلمتُ إلا بعدَ المائدةِ ، التي فيها آية الوضوء . ج- حتى ولو ثبت أنّ آية المائدة متأخرة ، فإنه لا تعارض بينها وبين الأحاديث ، بل يجمع بينهما ، لأنه لا يصار إلى النسخ إلا إذا تعذر الجمع ، والجمع هنا ممكن ، بأن تُحمل قراءة حفص ( وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ)(المائدة: 6) ، بالنصب عطفاً على المغسولات ، على ما إذا كانت الرجلان مشكوفتين فيجب غسلها ، وقراءة شعبة ( وَأَرْجُلِكُمْ )  بالكسر ، وأحاديث المسح على الخفين في حالة ما إذا كانت الرجلان مغطاتين بالخفاف فيمسح عليهما ، فلا تعارض بين الآية والسنة .
5- ومن أدلة المشح على الخفين ما رواه البخاري ومسلم  عن حُذَيْفَةَ بنِ اليَمانِ قال : ( كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فبَالَ وَتَوَضَّأَ ومَسَحَ على خُفَّيْهِ ) مختصر .
6- مفردات الحديث : فأهويت لأنزع خفيه : مددت يدي لأقلع خفيه من رجليه تشرفاً بخدمة الرسول صلى الله عليه وسلم ،  يقال هذا إن كان عن قرب ، فإن كان عن بُعد قيل : هوى إليه بغير ألف . دعهما : أترك الحفين في مكانهما ولا تنزعهما . طاهرتين : أي لبست الخفين وأنا على وضوء .
7- مناسبة الحديث : قال المغيرة : كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم  في غزوة تبوك عند صلاة الفجر ، " فيال فقضى حاجته ثم صببت عليه الماء ، فأهويت ..." الحديث ، وفيه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم تأخرَ عن الصحابة فلما أصبحوا قدّموا عبدالرَّحمن بن عوفٍ فصلى بهم ، قجاء النبي صلى الله عليه وسلم والمغيرةُ وقد صلى عبدالرحمن واحدةً فصلوا خلفه واحدةً ، ثم لما سلّم قضوا فَكَبُرَ ذلك عليهم ، فقال : " أحسنتم أو أصبتم " .
8- هذا الحديث أحد أدلة جواز المسح على الخفين ، والمسح لمن عليه الخفان أفضل من الغسل ، وأما مع عدم اللبس فالأفضل الغسل ، ولا يلبس ليمسح ، لأن الغسل هو الأصل ، قال شيخ الإسلام بن تيمية : " الأفضل لِلابس الخف أن يسمح عليه ، والأفضل لمن قدماه مكشوفتان غسلهما اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه " ، وقال ابن القيم : " لم يكن صلى الله عليه وسلم يتكلف ضد حاله التي عليها قدماه ، فإن كانتا في الخف مسح عليهما ، وإن كانتا مكشوفتين غسل القدمين " وقال أيصاَ : " وهذا أعدل الأقوال " .
9- ويشترط كمال الطهارة لجواز المسح على الخفين ، فلا يصح المسح على الخفين إلا إذا كان قد لبسهما متوضئاً ، ففي رواية أبي داود : ( فإني أدخلت القدمين الخفين ، وهما طاهرتان " ، وأنه لو غسل رجلاً ثم لبس الخفَّ قبل أنْ يغسل الأخرى ، ثم لبس الأخرى فإنه لا يمسح ، لأنه لبسهما قبل كمال الطهارة ، وكذلك إن لبس محدثاً لا يجوز المسح عليهما إجماعاً ، كما يشترط أن يكون الخف ساتراً لمحل العضو المفروض ، لأن لفظ الخف إنما يطلق على ما كان ساتراً للرجل، فإن كان الخف نازلاً عن الكعبين أو يظهر شيء من الرجل من ورائه ، أو لم يستر العضو لخرق فيه وشق ونحوهما ، فإنه لا يمسح عليه .
10- لا يشترط لجواز المسح أن تكون الطهارة التي لبس بعدها الخفين هي طهارة بالماء ، فالتيمم بدل الماء وقائم مقامه في كل شيء حتى في رفع الحدث ، فهو رافع للحدث إلى أن يوجد الماء ، ولذا فإنه يجوز أن يمسح ولو كانت الطهارة طهارة تيمم .
11- جواز خدمة الفاضل بتقديم حذائه أو خلعهما أو حملهما ، إذا كانت الخدمة لدينه وعلمه أو لحقّه من أبوّة أو ولاية عامة ، وجواز إعانة المتوضيء على وضوئه بتقريب الماء أو الصب عليه ، لقوله تعالى : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى )(المائدة: 2) ، ولا سيما إذا كان من تعينه محتاجاً إلى الإعانة ، أو كان من أهل الفضل ففي إعانته توقيراً له ، أما غسل أعضائه فلا يكون إلا من حاجة .
12- وفيه من الفوائد أنّ الإمام إذا تأخرَ ووجد المأمومين قدَّموا واحداً فإنه يصلي خلف النائب ولا يتقدمُ لئلا يُشوِّشَ على الناس صلاتهم ، أما إذا كان النائبُ في أول الصلاة ولم يُصِّلِ شيئاً فلا بأسَ ، كما في قصةِ حَبسِ النبي صلى الله عليه وسلم في بني عوفٍ لْمّا ذهبَ يُصلحُ بينهم وتأخَّر ، فقال بلالٌ لأبي بكر : " إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حُبِس وحانَتْ الصلاةُ ، فهل لك أن تُصليَ بالناس ؟ ، قال : نعم إن شئتَ ، فتقدّم أبوبكر ٍ وكبَّر ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم .. " أخرجه البخاري ومسلم من حديث سهل بن سعد الساعدي .
13- سؤال : عللّ : يذكر العلماء باب المسح على الخفين في كتب العقائد ؟ .
[2] 1- درجة الحديث : زيادة الأربعة إلا النسائي : قال المؤلف إسنادها ضعيف ، وقال الصنعاني : إن أئمة الحديث ضعَّفوها بكاتب المغيرة ، وهو متكلم فيه ، وفيه ثور بن يزيد عن رجاء بن حيوة ، قال أبو داود : " ولم يسمعه ثور من رجاء " ، وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود ، وأنها تخالف حديث علي  الذي هو أصح منه ، ولذلك أردفه المؤلف بحديث عليّ رضي الله عنه .
2- هذا الزيادة يدل أنّ المسح يكون على أعلى الخف وأسفله ، فلا عبرةَ لما دلَ عليه من مسحِ أسفلِ الخُفّ ، لأن أئمة  الحديث ضعفوا هذه الزيادة ، فالصحيح على أنّ المسح يكون على أعلى الخف فقط ، قال ابن القيم : " لم يصح عنه أنه مسح أسفلهما ، وإنما جاء في حديث منقطع ، والأحاديث الصحيحة على خلافه " .
[3] 1- درجة الحديث : الحديث صحيح ، حيث قال المصنف ابن حجر في التلخيص بإسناد صحيح ، وصححه الألباني في صحيح أبي داود ، قال المؤلف : وفي الباب حديث على إسناده صحيح .
2- في الحديث دليل وجوب مسبخ أعلى الخف ، فلا يجزي مسح غيره ، ولا يشرع مسح غيره معه سواء الأسفل أو الجوانب ، وحديث المغيرة مجمل ، وهذا الحديث بيّن صفة المسح وكيفيته ، فيكون المسح على ظاهر الخف والراجح تقديم اليمنى على اليسرى ، لأن الرجلين مستقلتان ، وليستا كالأذنين تابعتين  للرأس ، ولأن مسحهما فرع غسلهما ، والغسل فيه استحباب التيامن ، ولأن حديث عائشة صريح في استحباب تيامنه في طهوره ، ومسح الخفين من الطهور ، فيسن أن يضع يديه مبلولتين بالماء وفيمسح بهما على ظهور قدميه اليمنى باليمنى ، واليسرى باليسرى ، ويفرج أصابعه ، وكيف ما مسح أجزأ ، وأجمعوا على أنّ المسح مرة واحدة ، وأنه لا يسن تكريره .
3- أنّ الدين مبناه على النقل عن الله سبحانه وتعالى وعن رسوله صلى الله عليه وسلم ، وأما العقول فلا دخل لها في إثبات الأحكام الشرعية ، فهذا ردّ على العقلانيين الذين يُقدِّمون العقل على نصوص الشرع ، فالواجب هو الإتباع لا الابتداع ، وقد قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه :" يا أيها الناس اتهموا الرأي في الدين ، ولو رأيتني يوم أبي جندل – يعني يوم صلح الحديبية ، أن أردّ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجتهد ولا آلو " ، فإنه شق عليه صلح الحديبية ، ولكن تبين الأمر بخلاف ذلك ، وأنّ فيه نصراً للإسلام والمسلمين ، وسمّاه الله فتحاً ، قال تعالى : ( إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) (الفتح:1) .  والذي يتبادر إلى الذهن هو أنّ الأوْلى بالمسح هو أسفل الخف لا أعلاه ، لأن الأسفل هو الذي يباشر الأرض وتصيبه النجاسة فكان أولى بالإزلة من ناحية العقل ، ولكن الشرع جاء بخلاف ذلك  ، والواجب تقديم النقل الصحيح على الرأي ، لأن الله عز وجل حكيم في تشريعه ، ولا يُشرِّع شيئاً إلا  لحكمة ، والعقل السليم الصحيح الذي لم يغلبه الهوى والشهوات يقبل أحكام الشرع ويخضع لأوامر الله وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم وهذا هو غاية العبادة وكمال الإنقياد والتسليم ، وعند التأمل والتدقيق يتبينُ أنّ ما جاءت به الشريعة يوافق الفعل الصريح ، فإن مسح أسفل الخف يزيدها أذى ويعلق فيها الأذى ، فكان الأولى تركه والإكتفاء بمسح ظاهر الخف ، لأن المقصود من المسح الطاعة والامتثال بإكمال الوضوء بالمسح .
[4] 1- درجة الحديث : الحديث حسن صحيح ، ورواه ابن ماجه ، وصححه ابن حبان ، وقال الترمزي : حسن صحيح ، ونقل الترمزي عن البخاري أنه قال : " حديث حسن ، ليس في التوقيت شيء أصحّ منه "  ، وقال النووي : " جاء بأسانيد صحيحة " ، وحسنه الألباني في صحيح الترمزي .
2- ترجمة راوي الحديث : صفوان بن عسَّال المرادي الجملي ، صحابي معروف ، غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثنتي عشرة غزوة ، سكن الكوفة ، يقال روى عنه من الصحابة عبدالله بن مسعود .
3- مفردات الحديث : سَفْراً : أي مسافرين ، جمع مسافر ، مثل راكب ورَكْب ، وصاحب وصَحْب ، سمي المسافر سافراً  من السُّفور وهو البروز ، لأن المسافر يبرز من البلد ، ومنه سمِّي تكشُّفُ المرأة سُفوراً ، لأنها تبين بدنها أو شيء منه ، فالسفور لغة : البروز والوضوح. إلا من جنابة : إستثناء من النفي في قوله " أن لا ننزع " فيلزم نزعها للجنابة ولو قبل مرور الثلاث . الجنابة : الحدث الأكبر ، سمِّيت جنابة لأن ماء الرجل والمرأة ينزل ويجنب عن مكانه  ومستقره الأصلي .  ولكن من غائط وبول ونوم : فلا يلزم نزعها لأجل هذه الأحداث إلا إذا مرت مدة الثلاث . غائط : أصله المكان المنخفض الواسع من الأرض ، وهو المكان الذي يتغوط فيه وتقضى فيه الحاجة ، فكان من أراد أن يتبرز يستتر به عن الناظرين ، وكثر استعماله حتى سمي الخارج من الإنسان نفسه غائطاً ، من باب الكناية ، ومن إطلاق المحلِّ على الحالِّ كما يقولون ، وجمعه غوط وغياط .
4- المسافر هو الذي خرج عن محل إقامته إلىجهة تبلغ مسافة القصر ، وهي يومان قاصدان للراحلة ، لأنهم كانوا يسيرون على الرواحل مرحلتين ، كل مرحلة تسير فيه الراحلة أربعين كيلو متراً ثم يستريحون  ، فمجموع المرحلتين ثمانون كيلومتراً ، سواء قطعها على الأقدام أو على دابة أو على سيارة أو على طائرة ، لأن العبرة بالمسافة لا بالزمان ، لأن الزمان قد يطول أو يقصر حسب وسيلة النقل ، ويرخص في السفر قصر الرباعية والإفطار في رمضان ومسح الخف ثلاثة أيام بلياليهن ، وما كان دون المسافة التي ذكرناها فإنه في حكم المقيم لا يترخص بالرخص الآنفة الذكر . 
5- حديث صفوان وحديث عليٍ يدلان على توقيتِ المسح للمسافر ِ وللمقيم وهو مذهب الجمهور ، ففي الحديث دليل على جواز المسح على الخفين في السفر ، كما كان في الحضر ، بل الحاجة إليه في السفر أشد ، وإن مدة المسح على الخفين في السفر ثلاثة أيام بلياليهن ، وأنه بعد الثلاثة يجب خلعهما وغسل ما تحتهما من القدمين في الوضوء ، وأن المسح على الخفين يكون من الحدث الأصغر كالريح والبول والغائطِ ، أما الحدث الأكبر  كالجنابة والحيض والنفاس فليس فيها مسح على الخفين ، فيجب خلعهما وغسل ما تحتهما ، وهو حكم مُجمع عليه بين العلماء .
6- ذهب الإمام أحمد والأئمة الثلاثة فيما استقرت عليه مذاهبهم أخيراً  إلى جواز المسح على الجوربين ونحوهما ، مما له حكم الخفين بستر محل الفرض ، وهو ما يصنع على هيئة الخف من غير الجلد ، من أي شيء يكون الجورب من صوف أو وبر أو قطن أو غيرهما ، بشرط أن يكون ثقيلاً غير واصف للبشرة وساتر لمحل الفرض ، وشرع ذلك للحاجة إلى لبسه والمشقة في نزعه ، قال ابن المنذر : " تروى إباحة المسح على الجوربين عن تسعة من الصحابة ، ولما روى الإمام أحمد وأبو داود والترمزي عن المغيرة بن شعبة : ( أنّ النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الجوربين والنعلين ) ، قال الترمزي حسن صحيح وقال الألباني رجاله كلهم ثقات ، فإنهم رجال البخاري في صحيحه محتجاً بهم
7- في الحديث دليل على نقض الوضوء من الخارج من السبيلين ، وأهمه البول والغائط ، ونقض الوضوء من النوم المستغرق ، ومثل النوم المستغرق كل ما أزال العقل وغطّاه من إغماء وبنج ومسكر وغيرها .
[5] 1- درجة الحديث : صحيح رواه مسلم ، من طريق شريح بن هانيء قال : أتيت عائشة أسألها عن المسح على الخفين ؟ فقالت : عليك بابن أبي طالب فسله ، فإنه كان يسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسألناه فقال : فذكره دون قوله " يعني في المسح على الخفين " فإنّ هذه الجملة من صياغة الحافظ .
 2- في الحديث دليل على مدة مسح المقيم يوم وليلة ، ويكون من ابتداء المسح بعد الحدث إلى مثل مدته من اليوم التالي ، فإذا توضأ لصلاة الظهر ثم لبس الخفين على طهارة ، ثم انتقض وضوءه بعد اللبس قبل صلاة العصر ، ثم توضأ لصلاة العصر فإنه يمسح ، فإذا مسح من هنا تبدأ المدة على الراجح ، إلى تمام أربع وعشرين ساعة ، ومدة مسح المسافر ثلاثة أيام ولياليهن ، وهو ابتداء المسح بعد الحدث إلى مثل مدته من اليوم الرابع وهو تمام اثنتين وسبعين ساعة .
3- في الحديث دليل على حكمة الشرع وتنزيل الأمور منازلها ، فإنّ النبي صلى الله عليه وسلم فرّق بين المسافر والمقيم ، فجعل للمسافر مدة أطول مراعاة بحال المسافر ومشقته وإحتياجه إلى زيادة المدة ، بخلاف المقيم المستقر المرتاح والله حكيم عليم .
[6] 1- درجة الحديث : الحديث صحيح ، صححه الحاكم ، ووافقه الذهبي في تلخيصه .
2- ترجمة راوي الحديث : ثَوبَان بن بُجْدُد بن جُحْدَر ، يكنى أبا عبدالله ، كان من أهل السراة موضع بين مكة والمدينة ، وقيل من حمير ، لازم الرسول صلى الله عليه وسلم طوال حياته ، ثم نزل بالشام ، ثم انتقل إلى حمص ، وتوفي سنة 54 هـ .
2- سَرِيَّةً : قطعة من الجيش تبعث إلى أرض العدو ، وكل جيش لم يكن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمّى سَرِّية ، وكل ما حضر فيه صلى الله عليه وسلم يسمى غزوة . العصابة : هي العمامة هي التي تلف على الرأس وتشد عليه ، سميت عصابة لأنه يعصب بها الرأس ، أي تدار على الرأس ، وكل شيء أدير فهو عصابة . التساخين : الخفاف، جمع تَسخانٍ ، وهو الخُفُّ .
3- في الحديث دليل على جواز المسح على العمامة والخفاف في السفر ، وكما يجوز في السفر يجوز في الحضر ، فالرخصة عامة ، وصفة مسح العمامة ، هو أن يمسح بيده المبتلة بالماء أكثر ظاهرها دون وسطها ، لأن أعلاها يشبه ظاهر الخف ، ولا يجب أن يمسح مع العمامة ما جرت العادة بكشفه من الرأس ، ويشترط في العمامة أن تكون لها دائرة تحت الحنك ، وهي ما تسمى بالمحنكة ، من أجل أن تثبت على الرأس ، أما إذا كانت ليست محنكة فإنها لا تكون ثابة ، وهي ما تسمى بالعمامة الصماء ، فهذه لا يمسح عليها ، فإنها تنزعُ لأنه لا يَشُقُ نَزِعُها ومسح ما تحتها كالطاقية .
4- وهذا الحديث مطلقٌ لمْ يُبَيَّن فيه مدةُ المسحِ ، فهو وغيرُه من الأحاديثِ المطلقةِ يُحمَل على المُقيَّد ، كما هو مقررٌ في الأصول ، ومثل الخفين في المدة العمامة وخمر النساء  عند من يقول بجواز المسح عليها ففيها خلاف ، والراجح جواز ذلك .
5- فيه تعليم الجيش والغزاة والمسافرين ما يحتاجون إليه من الأحكام الشرعية .
6- سؤال : ما معنى العصائب والتساخين ، وما حكم المسح عليهما ؟ .
[7] 1- درجة الحديث : رواه الدار قطني عن عمر موقوفاً وإسناده قوي ، وأخرجه الدار قطني والحاكم عن أنس مرفوعاً وهو شاذ . فالحديث شاذ ، والشذوذ في الحديث لا ينافي صحة السند وقبول رواته ، ولكن مخالفته لمن هو أوثق منه توجب ردّه ، وإعتباره من قسم الضعيف في الحديث ، والمحفوظ في المسح على الخفين ونحوهما هو التوقيت ، للمقيم يوم وليلة ، وللمسافر ثلاثة أيام .
2- مفردات الحديث : الموقوف : هو ما كان من كلام الصحابي . المرفوع : هو ما كان من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم .  ولا يخلعهما : لا ينزع الخفين ولا يخرجهما من الرِّجلين ، من أجل غسل الرجلين ، والنهي هنا ليس لتتحريم ، وإنما هو للأخذ بالرخصة فقط .
3- في الحديث دليل على إشتراط الوضوء قبل اللبس للمسح على الخفين ، وأنه لا يجوز المسح عليهما إلا إذا لُبسا بعد كمال الطهارة ، كما تقدم في حديث المغيرة ، وأن المسح رخصه فهو جائز وليس بواجب ، بل يجوز الخلع لتقييده بالمشيئة ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : " إن شاء " ، فلو أنه قال : أنا لا أريد المسح وأريد أن أخلع وأغسل الرجلين ، فله ذلك ، إلا إذا إعتقد أنّ المسح على الخفين غير مشروع ، كما تقول الرافضة ، فهذا يكون مبتدعاً وفعله محرم ، والحديث مطلق عن التوقيت ، ولكنه مقيد بالأحاديث الأُخر من أنّ للمسح مدة محدودة ، مثل حديث علي وحديث صفوان وحديث أبي بكرة ، ولذلك أورد المصنف حديث أبي بكرة بعد هذا الحديث من أجل أن يُحمل إطلاق هذا على تقييد هذا ، وهذه طريقة أهل العلم أنهم يعملون بالأحاديث كلها ، فيردون بعضهم إلى بعض ، والمسح على الخفين ونحوهما خاص بالحدث الأصغر ، أما الحدث الأكبر فلا يجوز المسح معه ، بل لا بدّ من خلع الخفين وغسل الرجلين ، لقوله " إلا من جنابة " لأن حدث الجنابة أشد وأغلظ.
4- فيه مشروعية الصلاة في الخفين ونحوهما لقوله : " وليصل فيهما " كما صحّ أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلّي في نعليه .
[8] 1-  درجة الحديث : الحديث حسن صحيح ، ونقل البيهقي أن الشافعي صححه ورواه بن حبان وابن ماجه وابن أبي شيبة والترمزي .
2- ترجمة الرواي : أبي بكرة اسمه نفيع بن الخارث أو ابن المسروح نزل من حصن الطائف متدلياً ببكرة في جماعة من الغلمان وأسلم فأعتقه النبي صلى الله عليه وسلم ، كان من فضلاء الصحابة ، توفي بالبصرة سن 51هـ أو 52هـ .
3- مفردات الحديث : رخّص : الرخصة لغة السهولة ، وعند الأصوليين : ما ثتب على خلاف دليل شرعي لمعارض راجح .  إذا تظهر : المراد بالتطهير  هنا الوضوء الكامل .
4- مدة مسح المسافر ثلاثة أيام ولياليهن ، ومسح المقيم يوم وليلة ، وأن يكون المسح بعد طهارة كاملة ولبس الخفين بعدها .
5- المسح على الخفين رخصة لا عزيمة ، والرخصة ليست بواجبه ، والأخذ بالرخصة أفضل من الأخذ بالعزيمة ، قال تعالى : ( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ )(الحج: 78) ، وأن الشرع ينزل المكلفين على موجَب أحوالهم ،  فكلما اشتدت الحاجة حصلة الرخصة والتيسير ، فالمسافر في مظنة الحاجة إلى طول المدة والبرد وتوفير الوقت ، بخلاف المقيم فهو في راحة من هذا كله .
[9] 1- درجة الحديث : الحديث ضعيف ، وهو مضطرب سنداً ومَتناً ، ففي المَتنِ في بعض رواياته : وسبعة أيام ، وأما السند فضعفه البخاري وقال لا يصح ، وقال أحمد : رجاله لا يعرفون ، ونقل النووي في شرح المهذب إتفاق الأئمة على ضعفه ، وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود .
2- رواي الحديث : أُبَيِّ بن عِمارةَ ، بكسر العين ، وما عداه فهو بضمِّ العين كالحسن بن عُمارة ، أُبي بن عِمارة صحابي أنصاري مدني ، سكن مصر ، قال ابن حبان : صلى القبلتين ، غير أني لست أعتمد على إسناد خبره .
3- مفردات الحديث : نعم : أي امسح على الخفين .
4- في الحديث دليل على عدم توقيت المسح على الخفين ، وأنّ المتوضيء يمسح عليهما اليوم واليومين والثلاثة ، وما شاء بعدها من الأيام ، ما دام لابساً لهما ولو طالت المدة ، فذهب بعض العلماء إلى عدم التوقيت وهو قول مرجوح ، لأن الحديث ضعيف ، فلا تقوم به حجةٌ عند أهل الحديثِ في المسح بدون تحديد ، وبناءً عليه فلا يقاوم أحاديث التوقيت الصحيحة ، ولا يعمل به ، وإنْ عمل به ، قُيِّد بأحاديث التوقيت ، فيكون من باب حمل المطلق على المقيد ، ويكون ما شئت يُرجَّع إلى الأحاديث الأخرى ، باليوم والليلة للمقيم وثلاثة أيام للمسافر ، أو يحمل على حالة عذر المسافر وإنشغاله ، قال شيخ الإسلام بن تيمية : " من أنه لا توقيت في حق المسافر الذي يشق عليه اشتغاله بالخلع واللبس ، بل يمسح حتى تنفك أزمته وانشغاله " .
5- استنبط خمس فوائد من شرح أحاديث باب المسح على الخفين ؟ مع الإستعانة بالمفردات التالية ( أيهما أفضل المسح أو الغسل ، شروط المسح : الطهارة وأن يكون ساتر لمحل العضو المفروض ، مكان المسح ، متى يبدأ المسح ومتى ينتهي للمقيم والمسافر ، الجنابة ) ؟

(6) باب نواقض الوضوء
[10] نواقض الوضوء : مبطلات الوضوء ، ومن النواقض : الغائط والبول والمذي ودم الإستحاضة والنوم المستغرق ، ومس الذكر .
[11] 1- فاطمة بنت أبي حبيش صحابية قرشية أسدية ، مهاجرة جليلة ، واسم أبيها قيس بن المطلب بن أسد بن عبدالعزى بن قصي ، كانت تحت عبدالله بن جحش .
2-  مفردات الحديث : أُسْتَحاضُ : من الإستحاضة وهو سيلان الدم من فرج المرأة في غير أوقاته المعتادة ، وهو دم ناتج عن مرض أو نزيف بسبب إنفجار عرق العاذل ، فيخرج الدم من أدنى الرحم ، وهو دم أحمر خفيف ليس له رائحة . الحيض : خروج الدم من قعر الرحم في أوقات محددة تسمى بالدورة الشهرية ، أو تسمى بالعادة الشهرية ، وهو ليس نتيجة مرض ، وإنما هو دم طبيعة وجِبِلَّة وهو أسود ثخين له رائحة منتنه . أفأدع : أي فهل أترك الصلاة . إنّما ذلكِ : بكسر الكاف لأن المخاطب مؤنث .  عرق : يسمى العاذل ، أي جريان دمك بسبب إنفجار من عرق . فإذا أقبلت حيضتك :  فإذا ابتدأ خروج دم الخيص أيام عادتها . فدعي : فاتركي . وإذا أدبرت : انتهت العادة وانقطع الدم . ثم توضئي لكل صلاة : فيجب عليها أن تتوضأ لكل صلاة لوجود الناقض وهو خروج دم الاستحاضة ، وهذا هو الغرض من إيراد الحديث في هذا الباب .
3- أَخذَ العلماءُ من هذا الحديثِ أن دم الإستحاضة الخارج من أحد السبيلين هو حدث ينقض الوضوء ولا يمنعُ الصلاةَ ، ولا الجماع ، ولا يمنع شيئاً من العبادات ، ولا الأمور التي يتوقف فعلها على طهارة المرأة من الحيض  ، وإنّما يمنعُها دمُ الحيضِ ، وأنّ دمَ العرق الكثير ينقضً الوُضوءَ ، وإذا كان من الفَرْجِ فهو بالإجماع ، وأنه يعفى عن الدّم اليسير من الأسنانِ أو الرُّعافِ أو غيرهِ ، ورُويَ عن بعض السَّلفِ أنَّه بَزقَ دماً ثم صلى ، وعصر بعضهم بثرة ثم صلى ولم يتوضأ .
4- في الحديث دليل على أنّ المستحاضة ترجع إلى عادتها  وذلك بأن تجلس ولا تصلي أيام عادتها ، فإن لم تعلم عادتها عملت بالتمييز بين الدمين ، فدم الحيض أسود ثخين منتن ، ودم الإستحاضة خلاف ذلك ، وإن لم يكن لها عادة ولا تمييز وهي المتحيرة فإنها ترجع غالب الحيض من كل شهر ستة أيام أو سبعة أيام ، ثم تغتسل بعد إنتهاء دم الحيض ، لما ورد في بعض طرق هذا الحديث عند البخاري " فاغسلي عنك الدم واغتسلي " والمراد به الإغتسال من الحيض إذا أدبرت حيضتها ، وأن المستحاضة تتوضأ لكلِّ صلاة وتُصلي ولو مع جريان الدم ولا تُعيدُ الوضوءَ ولو خرج منها شيء ، لكن عليها أن تتَلجَّم بأن تعصبَ فرْجها بما يمنع الخارج ،  ومثلها كل من به حدث دائم من سلس بول أو جرح لا يرقى دمه ، أو خروج الريح ، يتوضأ لكل صلاة ولو خرج منه شيءٌ فلا يعيد الوضوء ولا الصلاة ، لأنه لا يستطيع أكثر من ذلك .
5- قوله ( ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلاةٍ ) زيادة رواها البخاري وحذفها مسلم عمداً ، يعني أنها من أفراد البخاري ، فحذفها مسلم لاعتقاده أنها زيادة غير محفوظة ، وإنما تفرد بها بعض الرواة ، إذ قال : " وفي حديث حماد بن زيد زيادة حرف تركنا ذكره "  لكن البخاري نظر إلى أنّ هذه الرواية لم يتفرد بها راوٍ واحد ، بل جاءت من عدة طرق ، وعن رواة كثيرين ، ولذلك أثبتها في صحيحه ، قال الحافظ في فتح الباري : " إنها زيادة ثابتة من طرق ينتفي معها تفرد من ذكرهم مسلم " ،  فزال المحذور الذي ظنه مسلم على هذه الرواية ، والمؤلف أورد هذا الحديث في باب نواقض الوضوء لأجل هذه الزيادة ، على أنّ الإستحاضة حدث ينقض الوضوء ، فتتوضأ لكل صلاة ، ،  وإلا فمناسبة الحديث – باب الحيض – وقد أعاده هناك ، أما ما ورد في بعض الروايات " واغتسلي لكل صلاة " فإنّ هذه الرواية لم تثبت .
6- في الحديث دليل على أنّ الحائض تدع الصلاة ولا تقضيها ، وكذلك تدع الصوم في رمضان لكنها تقضيه ، لأن الصوم لا يتكرر فقضاؤه سهل ، بخلاف الصلاة فإنها تتكرر ، خلافاً للخوارج الذين يرون بأن الحائض تقضي الصلاة ، وهذا يدل على جهلهم وتعنتهم ، ففي الحديث عنْ مُعاذَةَ قالتْ : ( سألتُ عائشةَ رضي الله عنها فقلتُ : ما بالُ الخَائِضِ تَقْضِي الصَّومَ  ولا تَقْضِي الصلاةَ ؟ قالت لها عائشة : أَحَرُورِيَّةٌ أنتِ ؟ - يعني هل أنت من الخوارج ، لأن الخوارج يسمون بالحرورية - فقلتُ : لستُ بِحَرُوريَّةٍ ، ولكني أسالُ ، فقالت : كنا نحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّومِ ، وَلا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلاةِ ) رواه البخاري ومسلم .
7- في الحديث دليل على ما كانت عليه الصحابيات من السؤال عن أمور دينهن ، ولا يمنعهن الجياء ، لأن هذا ليس من الحياء المحمود ، وإنما هو حياء مذموم ، وذلك لقوة إيمانهن رضي الله عنهن ، وفيه دليل على سؤال أهل العلم عند المشكلات .
8-  سؤال : ما الذي أخذه العلماء من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : ( جاءت فاطمة بنت حبيش ... ) إلخ ؟
[12] 1- درجة الحديث : متفق عليه ، ولفظ مسلم : " منه " بدل " فيه " ،  وللبخاري : ( اغْسِلْ ذَكَرَكَ وَتَوَضَّأ ) ، ولمسلم : ( تَوَضَّأْ وَانْضَحْ فَرْجَكَ ) ، " ، ولما جاء في رواية أبي داود " يغسل ذكره وأنثييه ويتوضأ " .
2- المِقداد بن عمرو بن ثعلبة البهراني الكندي ، يعرف بالمقداد بن الأسود ، نسبة إلى الأسود بن عبد يغوث الزهري ، لأنه كان قد تبناه وحالفه في الجاهلية ، كان من خيار الصحابة ، سادساً في الإسلام ، هاجر الهجرتين ، شهد المشاهد كلها ، وكان فارساً يوم بدر ، شهد فتح مصر ، مات سنة 33 هـ بالجوف على ثلاثة أميال من المدينة فحمل إليها وصلى عليه عثمان ودفن بالبقيع وعمره سبعون سنة .
 3- مفردات الحديث : مذَّاءً : من صيغ المبالغة أي كنت كثير المذي ، والمذي ماء أبيض لزج رقيق ، يخرج عند المداعبة وهيجان الشهوة وذكر الجماع وإرادته ، ويخرج بلا دفق ولا لذة ، ولا يعقبه فتور ، وقد لا يحس بخروجه ، ويخرج من الرجل والمرأة ، وخروجه من مجرى البول  . فأمرت المقداد : أي أمرته بالسؤال ، ولم يسأل مشافهة لكون فاطمة رضي الله عنها تحته . انضح : يراد بالنضح الرشُ وهو الأكثر ، وقد يراد به الغسل ، وهو المراد هنا ، ليوافق الرواية الأخرى المصرحة بالغسل .
4- في الحديث دليل على أنّ خروج المذي من نواقض الوضوء وهذا هو السبب الذي ساق المصنف الحديث من أجله  فدلّ على أنّ خروج المذي يوجب الوضوء ولا يوجب الغسل ، وعلى وجوب غسل الذكر والأنثيين ، والوضوء بعد ذلك وهذا يدل على نجاسة المذي ، ولكن يعفى عن يسيره لمشقة التحرز منه ، وأنه لا يكفي في الطهارة منه بالاستجمار ، بل لا بد من الماء لأنه ليس من الخارج المعتاد كالبول ، ولعلّ الحكمةَ من غَسلِ الأُنثيينِ "الخصيَتينِ"  أن المذي أشبه بجنابة صغرى يقتصر فيه عن غسل البدن كله على غسل الفرج كله ، و أنه قد يتسرب إليهما شيءٌ من المذي ، أو أنه يتسرب من حرارة الشهوة فغسله كله مناسب لعلَّه يَتَقَلَّصُ الخارجُ فيَنْقَطعُ خُروجُهُ بتبريده
5- فالخارج من السبيلين أقسام : البولُ والغائطُ والمذيُ ، فهذه فيها الاستنجاء والوضوء ، والمنيُّ يُوجبُ الغُسلَ ، والرِّيحُ إن كان لصوتٍ فهو ضُراطٌ ، وبدونِه فُساء يوجب الوضوء ، لأنه خارج لا رطوبةَ فيه ، وأكل لحمِ الإبلِ فيه الوضوءُ فقط . 
6- الحياء هو الذي منع علياً رضي الله عنه أن يشافه النبي صلى الله عليه وسلم بهذا السؤال ، حيث ورد في بعض ألفاظ الحديث عند البخاري : " فاستحييت أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم " ، وفي لفظ مسلم " لمكان فاطمة " ، وفيه قبول حبر الواحد والعمل به في مثل هذه الأمور .
7- في الحديث دليل على سؤال أهل العلم عند الإشكال في أمور الدين ، قال تعالى : ( فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)(النحل: 43) ، وفيه جواز الإنابة في الاستنابة في السؤال والاستفتاء ، لأن علياً استناب المقداد رضي الله تعالى عنهما .
8- سؤال : ماذا يوجب إذا خرج المذي ، وكيف يتطهر منه ؟ .
[13] 1- درجة الحديث : ضعيف ، وضعفه البخاري ووجه تضعيفه عنده أنه من رواية حبيب بن أبي ثابت عن عروة بن الزبير ، وهو لم يسمع منه ، فقد انجبر ضعفه بتعدد الطرق ، وأخرجه أحمد بسندٍ جيد متصل ،ومنهم من قواه وصححه ، منهم الألباني .
2- مفردات الحديث : بعض نسائه : هي عائشة راوية الحديث ، حيث ورد في بعض الروايات فقد أخرج إسحاق في مسنده عن عروة عن عائشة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( قبلها وقال إن القبلة لا تنقض الوضوء ) .
3- في الحديث دليل على أن تقبيل المرأة ولمسها لا ينقض الوضوء ، والحديث مقرر للأصل من عدم الوجوب .
4- اختلف العلماء في لمس المرأة هل ينقض الوضوء أم لا ؟ ذهب مالك وأحمد أنّ لمس المرأة ينقض لشهوة لأنه مظنة خروج الخارج ، وإن كان بغير شهوة لا ينقض ، والمظنة تنزل منزلة الحقيقة ، مثل النوم ، وهو قول قوي ، وهو أعدل الأقوال ، وذهب الشافعي إلى أن مجرد اللمس ينقض الوضوء  مُستدلينَ بقوله تعالى : (ِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ)(النساء: 43) ، وفي قراءة (أَوْ لَمَسْتُمُ النِّسَاءَ) قالوا المراد اللمس باليد ، وزعموا أن الحديث ضعيف ، وذهب الحنفية إلى عدم النقض مطلقاً ، مستدلين بحديث الباب ، وحديث اعتراض عائشة رضي الله عنها في مصلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وغمزه لها واستمراره في الصلاة ، وأنّ المراد بالآية بالجماع ، قال ابن عباس : " المرادُ بالمُلامسة الجماعُ ، لأنّ الله يكنّي عنهُ بالمسيس والمُلامسة ، وهذا هو الصواب في الآية ، وأنّ لمس اليد لا ينقضُ مطلقاً بشهوةٍ أو بغيرها وهو الذي تدل عليه النصوص وهو القول الراجح .
5- سؤال : أذكر القول الراجح في مس المرأة هل ينقض الوضوء ؟
[14] انظر الحديث 82 وما بعده
[15] 1- درجة الحديث : الحديث صحيح ، وصححه الألباني في صحيح أبي داود ، وقال الطحاوي : " إسناده مستقيم غير مطرب ، بخلاف حديث بسر ة ".
2- ترجمة راوي الحديث : طَلْق بْنِ عَلِيّ بن طلق بن عمرو الحنفي السحيمي اليمامي ، وفد على النبي صلى الله عليه وسلم أول ما قدم المدينة ، وعمل معه في بناء المسجد النبوي .
3- مفردات الحديث : مَسِسْتُ : بكسر السٍّينِ الأولى وإسكانِ الثانية أصلها مَسِسَ يَمسَسُ من باب تَعِبَ يَتعَب . مَسِسْتُ ذكري : أفضيت يدي من غير حائل . إنما هو بضعة منك : تعليل لعدم وجوب الوضوء من مسّ ذكره . بضعة : هي القطع من اللحم وغيره . منك : أي من جسدك ، مثل اليد والرجل وغيرهما .
4- حديث طلق يدل على أن مسّ الذكر لا ينقض الوضوء ، وقد علله بقوله : " إنما هو بضعة منك " ، والبضعة القطعة من أي عضو من أعضائك ، وقد علم أنه لا وضوء من مس الرجل يده أو رجله ، فكذا لا وضوء من مس الذكر ، وهو قول مرجوح ، ومن تأمل في هذا الكلام علم أنّ هذا الجواب خرج مخرج القياس والإجتهاد ، وهو ينبيء أن حكم مس الذكر لم يكن استقر إذ ذاك نفياً ولا إثباتاً .
[16] 1- درجة الحديث : الحديث صحيح ، صححه الألباني في صحيح أبي داود ، ورواه مالك والشافعي والدار قطني والحاكم .
2- ترجمة راوي الحديث : بُسْرَةَ بِنْتَ صَفْوَانَ بن نوفل بن أسد بن عبدالعزى القرشية الأسدية ، صحابية لها سابقة وهجرة قديمة ، عاشت إلى ولاية معاوية .
3- مفردات الحديث : من مسّ ذكره : أي بيده من غير حائل . فليتوضأ : وضوءه للصلاة .
4- خديث بسرة يدل على أنّ مس الذكر ينقض الوضوء ، وهو القول الراجح ، لأن الكلام ورد مورد الحكم المستقر المتقرر دون مورد الإجتهاد ، وهذا يشمل أيضاً من مس ذكر غيره ، فالمرأة التي تغسل طفلها وتنظفه من الغائط والبول يجب عليها الوضوء .
5- الحديثان يتعارضان في الظاهر ، لأن حديث طلق يدل على أنّ مسّ الذكر لا ينقض الوضوء ، وحديث بُسرة يدل على أنّ مس الذكر ينقض الوضوء ، وبناءً على ذلك اختلف العلماء  في مس الذكر هل ينقض الوضوء ، هذه المسألة فيها أقول أربعة :
الأول : أنه ينقض وهو القول الراجح .  الثاني : لا ينقض ، الثالث : الجمع بين حديث بسرة وحديث طلق ، بأن يحمل حديث بسرة وما شابهه على ما إذا كان لشهوة ، وحديث طلق على ما إذا كان لغير شهوة ، الرابع : الوضوء مستحب مطلقاً ولو بشهوة ، قال ابن عثمين : " مس الذكر ليس بناقض للوضوء ، وإنما يستحب له الوضوء ، وهو اختيار شيخ الإسلام بن تيمية ، لا سيما إذا كان عن غير عمد ، لكن الوضوء أحوط " .
6- تحقيق مسألة انتقاض الوضوء بمس الذكر ، كما يلي :
أ- الترجيح : حديث بسرة وهو " أنّ مس الذكر ينقض الوضوء " مرجح من أربعة وجوه :
الأول : أنّ حديثَ بُسرةَ صحيحٌ سنده ، وحديثُ طَلقٍ مطعونٌ في سنده ، فحديث بُسرة  أصح إسناداً ، قال البخاري : " هُو أَصَحُّ شَيءٍ في هَذا البَابِ " وهو أولى من قول شيخِهِ ابن المديني " أنّ حديثَ طلقٍ أحسنُ من حديثِ بُسرة " ، فقد يصيبُ التلميذُ ويُخطيءُ الشيخُ مع طول باعِ ابن المديني وإتقانه ، فقول البخاري أولى بالأخذِ من قول شيخه ،  قال البيهقي : " يكفي في ترجيح حديث بسرة على حديث طلق ، أنّ حديث طلق لم يخرجه الشيخان ، ولم يحتجّا بأحد من رواته ، وحديث بسرة  قد احتجا بجميع رواته إلا أنهما لم يجرخاه "
الثاني : قد روي من نحو ثمانية عشر صحابياً ما يؤيد حديث بسرة ، وأخرجه من الأئمة أكثرُ ممن أخرجَ حديث طلقٍ كالترمزي
الثالث : حديث بسرة ناقلٌ عن الأصل ، وحديثُ طلقٍ مُبقٍ على الأصل ، والشريعةُ ناقلةٌ عن الأصل ، والبراءة الأصلية قبل ورود الشرع في حديث طلق أي من مس ذكره ليس عليه شي ، لكن حديث بسرة أفاد أنّ عليه الوضوء ناقلاً عن البراءة الأصلية ، والقاعدة عند الأصوليين أنّ الحديث الناقل عن البراءة الأصلية مقدم على الحديث المبقي على البراءة الأصلية ، والتعليل أن مع الناقل زيادة علم .
الرابع : العمل بحديث بسرة أحوط وأبرأ للذمة .
ب- النسخ : النسخ :إنّ حديث بُسرة متأخرٌ عن حديث طلق ، لأن حديث طلق في أول الإسلام عند تأسيس مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فهو منسوخٌ بحديثِ بُسرةَ ، وحديث بُسرة متأخر عنه ، وممن روى انتقاض الوضوء بمس الذكر أبو هريرة ، وهو أسلم بعد قدوم طلق بست سنين أو أكثر ، وإذا تعارض حديثان وكلاهما صحيح ولم يمكن الجمع ، فإن المتأخر يسنخ المتقدم ، فيكون حديث بسرة ناسخاً لحديث طلق .
ج- الجمع بين الحديثين : الحديثان صحيحان ، حديث طَلْق ، وحديث بُسْرَة ،  ومهما أمكن الجمع بينهما وإعمالهما ، فهو أولى من إسقاط أحدهما بالآخر ، وأفضل ما يجمع بين الحديثين بما يلي :
أولاً : أنه ينقض الوضوء إذا مسه بلا حائل ، فإن مسّه بحائل لم ينقض ، ويؤيد هذا القول رواية : ( الرجل يمس ذكره في الصلاة ) فالصلاة ليست محل لمس الفرج بلا حائل ، والرواية الأخرى : ( من أفضى بيده إلى ذكره فليتوضأ ) أفضى يعني مسه بدون حائل .
ثانياً : أنّ مسه بشهوة ينقض الوضوء لأنه مظنة خروج المذي وهو ناقض عملاً بحديث بسرة ، ومسه بدون شهوة لا ينقض ، عملاً بحديث طلق ، قال الألباني : " قوله صلى الله عليه وسلم : " إنما هو بضعة منك " فيه إشارة لطيفة إلى أنّ المس الذي لا يوجب الوضوء إنما هو الذي لا يقترن معه شهوة ، لأنه في هذه الحالة يمكن تشبيه مس العضو بمس عضو آخر من الجسم ، بخلاف ما إذا مسّه بشهوة ، فحينئذ لا يشبه  مسه مس العضو الآخر ، لأنه لا يقترن عادة بشهوة ، وهذا أمر بين كما ترى ، وبهذا يجمع بين الحديثين وهو اختيار شيخ الإسلام بن تيمية " .
7- سؤال : أذكر القول الراجح في منْ مس ذكره هل ينقض الوضوء ؟ .
[17] 1- درجة الحديث : الحديث ضعيف مرسل ومعارض للأحاديث الصحيحة فلا تقوم به حجه ، وفيه إسناده إسماعيل بن عياش وهو ضعيف في روايته عن غير أهل بلده ، وضعفه الألباني و الشافعي والدار قطني ، والصحيح أنه موقوف .
2- مفردات الحديث : قَيء : هو تفريغ محتويات المعدة من طريق الفم . رُعاف : هو نزيف من داخل تجويف الأنف . قلس : هو القيء القليل الذي يخرج من الفم  . المذي : هو ماء رقيق لزج يخرج عند المداعبة أو تذكر الجماع . ليبن على صلاته : أن يحسب ما كان قد صلى قبل انتقاض الوضوء من ركعة أو أكثر ، ويصلي بعد الوضوء  ما كان باقياً من صلاته ، ولا يعيد ما كان قد صلى من قبل . وهو ذلك لا يتكلم : يعني أثناء الإنصراف والرجوع إلى الصلاة لا يتكلم ، وهذا هو الشرط في إستئناف الصلاة .
3- يدل الحديث بظاهره على أنّ من أصابه قيء أو رعاف أو قلس أو مذي وهو في الصلاة ، فعليه أن ينصرف عنها ثم يتوضأ ، ثم ليبن على صلاته ويتمها ، فهي لم تبطل ، وشرط ذلك أن لا يتكلم فيما بين انصرافه من الصلاة بعد الحدث وبين دخوله فيها بعد التوضؤ ، وأخذ بهذا وهو جواز البناء الخنفية ومالك وأحد قولي الشافعي ، وذهب الجمهور إلى بطلان الصلاة إذا حصل ناقض للوضوء وعدم جواز البناء عليها ، وهو القول الراجح ، لأن الحديث ضعيف ، وهو يعارض أحاديث صحيحة التي تدل انّ من انتقض وضوءه وخرج من الصلاة لا يبني عليها ، وإنما يبدأ صلاة جديدة ، منها ما رواه أبو داود من حديث علي بن طلق قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا قاء أحدكم في الصلاة فلينصرف وليتوضأ وليعد الصلاة ) قال الترمزي حسن صحيح .
4- ووجه الشذوذ في الحديث هو جواز البناء  على الصلاة في مثل هذه الحال ، أما المعدودات في الحديث فإن بطلان الوضوء فيها موضع نزاع قوي بين العلماء ، عدا المذي فهو ناقض بالإجماع لأنه خارج من أحد السبيلين .
5- اختلف العلماء في الخارج النجس من غير السبيلين غير البول والعائط ، وذلك كالقيء والدم والصديد ونحوها ، هل خروجها ينقض الوضوء أم لا ؟ ذهب الإمامان أبو حنيفة وأحمد إلى أنّ خروج هذه الأمور وأمثالها ينقض إذا كان كثيراً ، ولا ينقض اليسير منه ، واستدلوا على ذلك ما رواه أحمد والترمزي من حديث أبي الدرداء : ( أنه صلى الله عليه وسلم قاء فتوضأ ) ، قال الألباني صحيح ورجاله ثقات .
 وذهب الإمامان مالك والشافعي إلى أنّ خروج هذه الأمور لا ينقض الوضوء ولو كثر ، ما لم يخرج من أحد السبيلين سواء أكان قيئاً أو قلساً أو رعافاً أو دماً من جراحة تنزف ، وهذا هو القول الراجح ، فهذا الحديث ضعيف ، وهو يعارض ما كان عليه الصحابة ،  قال النووي : " لم يثبت قط أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أوجب الوضوء من ذلك " ، وقال شيخ الإسلام : " الدم والقيء وغيرهما من النجاسات الخارجة من غير المخرج المعتاد لا تنقض الوضوء ولو كثرت " ، واستدلوا بذلك بالبراءة الأصلية ، ويروون في ذلك آثاراً منها : صلاة عمر بن الخطاب وجرحه يثغب دماً ، وكان ابن عمر يعصر الدم من عينه ، ويصلي ولم يتوضأ ، وقال الحسن البصري : " ما زال المسلمون يصلون في جراحاتهم " .
6- في الحديث دليل على الكلام في الصلاة يبطلها إذا كان متعمداً ولغير مصلحة الصلاة ، أما لو تكلم ناسياً أو جاهلاً  فالصحيح أنه لا تبطل صلاته ، بدليل حديث معاوية بن الحكم الذي جاء والناس يصلون فسلم عليهم فلم يردوا السلام ، أو لمصلحة الصلاة  ، لحديث ذو اليدين ، قال : يا رسول الله : أقصرت الصلاةُ أم نسيت ؟ ، فالرسول تكلم والصحابة تكلموا والصلاة لم تتم بعد ، فصلاتهم صحيحة .
7- سؤال : أذكر القول الراجح فيمن أصابه قيء أو رعاف أو مذي في الصلاة ، هل ينقض الصلاة ، وهل يبني على صلاته ؟ .
[18] 1- الأصل في الوجوب حديثان صحيحان وكلاهما في صحيح مسلم ، حديث جابر بن سمرة وذكره الحافظ ، وحديث البراء بن عازب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( سئل أنتوضأ من لحوم الإبل ؟ قال : نعم ، قال : أنتوضأ من لحوم الغنم ؟ قال : لا ) رواه أحمد ومسلم وأبوداود والترمزي وابن ماجه .
2- ترجمة الراوي : جابر بن سمرة بن جنادة صحابي ، ابن أخت سعد بن أبي وقاص ، وأبوه سمرة صحابي أيضاً ، نزل الكوفة وابتنى بها داراً ، وتوفى بها سنة 74 هـ ، وقيل 66 هـ
2- مفردات الحديث : الغنم : القطيع من المعز والضأن ، اسم جنس مؤنثة لا واحد لها من لفظها ، جمعه أغنام ، لأنه ليس لها آلة دفاع فكانت غنيمة لكل طالب . الإبِل : الجمال والنوق ، لا واحد له من لفظه ، مؤنث جمعه آبال . أتوضأ : بتقدير همزة الاستفهام المحذوفة ، والأصل أأتوضأ . من لحوم الغنم : أي لأجل أكلها .
3- في الحديث دليل على إباحة الوضوء بعد أكل لحوم الغنم ، ولا يجب لأن لحمها غير ناقض للوضوء .
4- إن أكل لحوم الإبل ينقض الوضوء ويوجبه عند فعل الصلاة ونحوها مما يشترط له الطهارة ، وهو مذهب أحمد وطائفة ، وأن الناقض من أجزاء الإبل جميعها اللحم الأخمر والكبد والمصران والإمعاء والكرش والقلب ، والتفريق بين أجزائها ليس له دليل ولا تعليل ، ولا يدخل في ذلك الحليب واللبن واالشحم ، لأنه ليس لحماً ولا يشمل مسماه .
5- وأما عدم معرفة حكمته  وعلته فلا يضر في كونه ناقضاً ، لأن هذا الحكم تعبدي غير معقول المعنى  ، وقد تلمس العلماء معرفة السر والحكمة في أنّ أكل لحم الجزور "الإبل" ناقض للوضوء ، فقالوا : إنّ الإيل فيها قوة شيطانية ، أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : " إنها من الجن " ، فأكلها يورث قوة شيطانية تزول بالوضوء ، ويؤيد ذلك أن رعاة الإبل عندهم كِبْرٌ وزهو وترفع ، اكتسبوها بطول معاشرتهم للإبل ، بخلاف أهل الغنم فعليهم السكينة والهدوء ولين القلب ، ولعل هذا هو السرّ في أنه ما من نبي إلا وقد رعى الغنم .
6- ذهب الإمام أحمد إلى نقض الوضوء من أكل لحم الإبل ، وهو القول الراجح ودليل النقض هذان الحديثان الصحيحان حديث جابر بن سمرة وحديث البراء بن عازب ، وذهب الأئمة الثلاثة أبو حنيفة ومالك والشافعي إلى عدم نقض الوضوء من أكل لحم الجزور ، واحتجوا بما رواه أبو داود والنسائي عن جابر قال : ( كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مسّت النار ) ، وأجيب بأنّ هذا عام وحديث النقض خاصٌّ ، والخاص يقضي على العام كما هو مقررٌ في الأصول ،  فيستثنى من ذلك لحم الإبل ، وهذا هو الصواب ، قال النووي : " احتج أصحابنا بأنباء ضعيفة في مقابلة هذين الحديثين ، وكأن الحديثين لم يصحا عند الإمام الشافعي ، ولذا قال : " إن صح الحديث في لحوم الإبل قلت به " .
7- ما الحكم مع ذكر الدليل : أكل لحم الإبل ؟ ، وكيف يجمع بين الحديثين  عن جابر قال : ( كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مسّت النار ) ، وحديث جَابِرِ بْنِ سَمُرةَ :  قَالَ: أَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الإبِلِ ? قَالَ: "نَعَمْ"  )  ؟ .
[19] 1- درجة الحديث :  لم يخرجه النسائي ، رجَّح أكثر الأئمة وقفه ، وهو حسن بكثرة مراقه ، قال البيهقي والبخاري : الأشبه أنه موقوف ، وصححه الألباني في صحيح الترمزي .
2- مفردات الحديث : ميتاً : بالتثقيل للحي كقوله تعالى : ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) (الزمر:30) أي ستموتون ، وأما الإنسان الذي فارق الحياة فبالتحفيف ، قال تعالى : ( أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ )(الأنعام: 122) ، والموت مفارقة الروح للجسد ، وأول ما يحدث في الموت وقف التنفس .
3- ظاهر الحديث يدل على وجوب الغسل على من غسَّل ميتاً ، والغاسل هو من يقلبه لا من يصب الماء ، ولا من ييممه ، ويدخل في ذلك الوضوء ، ولذلك ساقه المصنف في باب نواقض الوضوء ، ليستدل به على أن تغسيل الميت من نواقض الضوء ، ولكن الأمر هنا ليس على ظاهره ، وقد عارض هذا الحديث ما رواه البيهقي عن ابن عباس أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ليس عليكم في غسل ميتكم غسل إذا غسلتموه ، إنّ ميتكم يموت طاهراً وليس بنجس ، فحسبكم أن تغسلوا أيديكم ) قال الحافظ بن حجر حديث حسن ، والجمع بين الحديثين أنّ الأمر في حديث أبي هريرة يحمل على الاستحباب  ، وأنه يلزم من مشروعية الإغتسال مشروعية الوضوء ، فمن غسل ميت فإنه بتوضأ من باب أولى ، ويؤيد هذا الجمع ما روي عبدالله بن الإمام أحمد عن ابن عمر : ( كنّا نغسل الميت ، فمنا من يغتسل ومنا من لا يغتسل ) ، قال الحافظ إسناده صحيح ، وهو أحسن  ما جمع بين هذين الحديثين ، وورد ما يدل على الوضوء من تغسيل الميت .
4- يؤيد هذا الجمع قاعدة ذكرها ابن مفلح في الفروع هي : " أنّ الحديث الضعيف إذا كان دالاً على الوجوب بصيغته ، أو دالاً على التحريم بصيغته ، فإنه يحمل على الاستحباب في الأمر وعلى الكراهة في النهي احتياطاً ، ولا يلزم المسلمون بحكمه وجوباً أو تحريماً .
5- أما قوله " وَمَنْ حَمَلَهُ فَلْيَتَوَضَّأُ " ، لم يذهب أحد في الظاهر من أهل العلم إلى مشروعية الوضوء لمن حمل الميت ، فالمراد بالوضوء هنا  الوضوء اللغوي وهو غسل اليدين ،قال الصنعاني : "لا أعلم قائلاً بالوضوء مِن حَمْل الميت ، والوضوء يُفسَّر بغسل اليدين فقط ، فيكون غسل اليدين مندوباً مِنْ حَمْل الميت ، وهو يناسب نظافة الإسلام "، ويدل على ندب غسل اليدين ما تقدّم من حديث ابن عباس : " حسبكم أن تغسلوا أيديكم " ، والسبب في حمل الحديث على غسل اليدين  " لحديث ابن عباس ، وعدم وحود قائل بالوضوء من حمله ، وضعف ظاهر في حديث الأصل " .
6- سؤال : ما القول الراجح في من غسل ميتاً ، ومن حمل ميتاً ؟
[20] 1- درجة الحديث : الحديث صحيح ، قال ابن عبدالبر : " إنه أشبه بالتواتر لتلقي الناس له بالقبول " ، أما علة الحديث التي أشار إليها المصنف ، وهي أن الحديث من رواية سليمان بن داود اليماني ، وهو متفق على تركه ، فقد وهم ، فإن الحديث من رواية سليمان بن داود الخولاني ، وهو ثقة ، وبهذا أصبح الحديث صحيحاً وزالت علته ، وقيل الحديث حسن بشواهده .
2- ترجمة الراوي : هو عبدالله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري المدني القاضي ، تابعي من الخامسة يعني من أحفاد عمرو بن حزم ، مات سنة 135 هـ ، وله 70 سنة .
3- عمرو بن حزم هو الخزرجي الأنصاري من بني النجار يكنى أبا الضحاك ، أول مشاهده الخندق ، استعمله النبي صلى الله عليه وسلم على نجران ، وكتب لهم كتاباً فيه القرائض والسنن والصدقات والديات ، وكان عمره لا يتجاوز السابعة عشر ، توفي بالمدينة بعد الخمسين
4- أصل هذا الحديث كتاب طويل كتبه النبي صلى الله عليه وسلم وزوَّد به عمرو بن حزم الأنصاري حينما بعثه إلى نجران ليفقههم في الدين ، ويأخذ صدقاتهم ، وكتب له كتاباً مطولاً فيه الفرائض والسنن والصدقات والديات ، وهو كتاب مشهور عند أهل العلم ، وتلقته الأمة بالقبول ، قال الشافعي : " لم يأخذ العلماء بهذا الحديث إلا أنه قد ثبت عندهم " ، وقال الإمام أحمد : " أرجو أن يكون صحيحاً ، وحسّنه الحازمي وله شواهد عن عدد من الصحابة " ، والحديث يعتبر من قواعد الإسلام ، ومن معالم السنن فقد اعتمد في كثير من أحكام دين الله .
5- مفردات الحديث : إلا طاهر : المراد الطاهر من الحدث الأصغر ، ومن الحدث الأكبر من باب أولى .
6- في الحديث دليل على تعظيم القرآن ويجب إحترامه ، فلا يجعل في مكان لا يليق ،  وفيه إشتراط الوضوء لمسِّ المصحف ، ولا يمس القرآن إلا طاهر ، وروي مُرسلاً وموصولاً ، والمراد بالطاهر المتوضيء ، لما في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ " ، وصاحب الحدث الأكبر من باب أولى ، وظاهر الحديث التحريم ، قال شيخ الإسلام بن تيمية : " مذهب الأئمة الأربعة أنه لا يمس المصحف إلا طاهر " .
7- أما مس المصحف بواسطة حائل كعود أو مسطرة ونحوهما فلا بأس بذلك ، لأن الممنوع هو مسّه مباشرة .
8- هذا لا يعطي المسألة دليلاً قاطعاً على تحريم مس المصحف للمحدث ، لأن الشك في صحته موجود ، ولكن الإحتياط والأولى هو ذاك ، والسبب في اختلافهم تردد مفهوم قوله تعالى : ( لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) (الواقعة:79) ، بين أن يكون المطهرون هم بنو آدم ، وبين أن يكونوا الملائكة ، وبين أن يكون هذا الخبر مفهومه النهي ، وبين أن يكون خبراً لا نهياً ، فمن فهم من "المطهرون" بني آدم ، وفهم من الخبر النهي ، قال لا يجوز أن يمس المصحف إلا طاهر ، فمن فهم منه الخبر فقط ، وفهم من لفظ المطهرون الملائكة ، قال إنه ليس في الآية دليل على إشتراط هذه الطهارة لمس المصحف ، ولكن المشهور عن المفسرين أن المراد بالكتاب المكنون اللوح المحفوظ وليس المصحف ، وأن المراد بالمطهرين بالملائكة ، يعني لا يقرب اللوح المحفوظ إلا الملائكة ، فلا تقربه الشياطين ، لأنه محفوظ منها ، فليس في الآية دلالة على أنه لا يمس المصحف إلا طاهر ، إلا ما قاله ابن القيم أنه من باب دلالة الإشارة ، فإذا كان القرآن في اللوح المحفوظ لا يمسه إلا المطهرون من الملائكة ، فكذلك المصحف لا يمسه إلا المطهرون من بني آدم .
9- للصغير في مس المصحف وجهان ، أحدهما المنع اعتباراً للكبار ، والثاني الجواز للضرورة فلو لم يمكن منه لم يحفظه ، وهو الصحيح .
10- ما الحكم مع ذكر الدليل : مس المصحف لغير المتوضئ ؟ .
[21] 1- درجة الحديث : صحيح علّقه البخاري ، ووصله مسلم . التعليق عند البخاري معناه : ذِكْرُ الحديث من دون سند ، وهو عنده نوعين : معلق بصيغة الجزم كأن يقول عن النبي صلى الله عليه وسلم أو قال النبي صلى الله عليه وسلم كذا وكذا ، ، ومعلق بغير صيغة الجزم : كأن يقول روي أو يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم ، والمعلق بصيغة الجزم أقوى من المعلق بغير صيغة الجزم .
2- مفردات الحديث : أحيانه : جمع حين ، والحين الزمان قلَّ أو كثر ، والمراد بكل أحيانه معظمها .
3- في الحديث دليل على مشروعية ذكر الله تعالى على كل حال من الأحوال ، قائماً وقاعداً ومُضطجعاً ومتوضئاً أو محدثاً أو عليه جنابة ، والذكر  بالتسبيح والتهليل والتكبير والتحميد ، ويدخل في الذكر تلاوة القرآن عن ظهر قلب ، ويستسنى من ذلك الذي عليه  الجنابة فإنهُ ممنوعٌ من قراءة القرآن  ، لأن التلاوة مخصصة بحديث علي رضي الله عنه قال : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم بقرئنا القرآن ما لم يكن جنباً ) رواه أحمد وأصحاب السنن الأربعة ، وصححه الترمزي  ، وقد ورد عند أحمد عن علي موقوفاً عليه : ( وأمّا الجنبُ فلا ولا آية ) ، ويستثنى من ذلك أيضاً قراءة القرآن في المواطن التي لا تليق بعظمة القرآن كالحمام ودورات المياه حال قضاء الحاجة من البول والغائط وحال الجماع ، فلا يذكر الله بلسانه ، أما الذكر بالقلب فلا مانع منه في هذه الأحوال ، والراجح أن مراد عائشة باللسان .
4- المصنف أورد هذا الحديث من أجل بيان حكم قراءة القرآن ، فلما ذكر مس المصحف بالنسبة لغير المتطهر ، ناسب أن يذكر حكم التلاوة عن ظهر قلب لغير المتطهر ، هل تجوز أم لا ، فبين أنّ المحدث حدثاً أصغر لا بأس عليه في ذلك ، وأما المحدث حدثاً أكبر فلا يجوز له حتى يتطهر .
5- وأما الحائض والنفساءُ فاختلفُ العلماء في قراءتهما للقرآن ، فمنعَ بعضهم وهم الجمهور قياساً على الجُنُبِ ، وهو قياس مع الفارق ، والحديث الذي أخرجه الترمزي " لا يقرأ الجُنُب والحائضُ القرآن " فهو حديث ضعيف ، وأجازه بعضهم لا سيما إذا خافت نسيانه ، أو أنها تقرأ القرآن لأنها مدرسة أو طالبة تحضيراً لاختبار خشية أن تتضرر بالرسوب ، لأن مدة الحائض والنُّفساء تطولُ وليس بيدها الطهر ، بخلافِ الجُنُبِ لأن مدته لا تطول وبيده أن يغتسلَ أو يتيممَ ثم يقرأ ، وهو مذهب مالك وأختاره شيخ الإسلام بن تيمية ، والأظهر هو هذا
6- وفي حديث رقم " 148 " عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالتْ:  ( لَمَّا جِئْنَا سَرِفَ حِضْتُ , فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم : "افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ  غَيْرَ أَنْ لا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي"  )  مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي حَدِيثٍ طَويِلٍ ، ففيه دليل على أنّ الحائضَ تقرأُ القرآنَ وهو أحدُ قوليِّ العلماء وهو الصواب ، لأن الْمُحرمين يقرأون القرآنَ ، بل هو من أفضل أعمالهم ، وهي لم تُمنع إلا من الطواف ، فدلّ على أنها تقرأ القرآن عن ظهر قلب ولا تمسُّ المصحفَ .
7- ذهب المالكية في الصحيح عندهم إلى جواز مس المصحف للحائض وقراءتها للقرآن في حال التعلم والتعليم ، ولهم في ذلك أدلة ، وفي هذا تيسير على المتعلمات والمعلمات في مدارس تحفيظ القرآن ، وحتى لا ينسى القرآن الكريم ممن حفظته منهن ، وخاصة أيام النفاس ومن يطول حيضها ، وهذا هو مذهب البخاري والطبري وابن المنذر وداود ، ومذهب الشافعي في القديم ، ورواية عن أحمد ، وقد أخذ بهذا القول كثير من علماء العصر ، أقول " ولو مست المصحف من وراء حائل خروجاً من الخلاف فهو أحوط " .
8- هذا الحديث في معنى الآية الكريمة : ( الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ )(آل عمران: 191) .
9- سؤال : ما الحكم مع ذكر الدليل :  قراءة الجنب والحائض القرآن ؟ .
[22] 1- درجة الحديث : الحديث ضعيف ، أخرجه الدار قطني وليّنه ، من التليين أي ضعفه ، لأن في إسناده صالح بن مقاتل وهو ضعيف ، قال الشوكاني : " الواجب البقاء على البراءة الأصلية المستفادة من هذا الحديث ، فلا يصار إلى النقد إلا لدليل ناهض " .
2- مفردات الحديث : احتجم : إخراج الدم من الجسد بالمحجم ، والمحجم أداة سحب الدم من المحجوم .
3- في الحديث دليل على أنّ الحجامة وهي خروج الدم من البدن غير الفرجين لا تنقض الوضوء ، بل تجوز الصلاة بعدها ، والحديث مقرر للأصل وهو أن خروج الدم من البدن غير الفرجين لا ينقض الوضوء ، والأصل عدم النقض حتى يقوم ما يرفع الأصل ، ، لأنه لا نص فيه ولا يصح قياسه على الخارج من السبيلين ، وإنما هو كالبصاق والمخاط ، فهذا يدل على أنّ خروج الدم من البدن لا ينقض الوضوء بحجامة أوبغيرها من حراجة أو سحب بالإبر المعروفة الآن للتحليل أو التبرع بالدم ، أو غيره ذلك .
4- خلاف العلماء هل الحجامة وهو خروج الدم من البدن هل تنقض الوضوء ؟، إذا كان الخارج من بقية البدن نجساً ولكنه يسير فهذا لا يؤثر كنقطة دم ،  أما إذا الخارج من بقية البدن نجساً كثيراً فالمسألة فيها قولان للعلماء : فالأول أنه لا ينقض الوضوء كالدم والقيء والرعاف ، وهو قول مالك والشافعي ، وذهب آخرون إلى أنّ ينقض الوضوء ، قياساً على ما يخرج من السبيلين ، لحديث عائشة السابق في أن الرعاف والقي والقلس ناقص ، ولكن الحديث ضعيف ، قال الشيخ عبدالعزيز الراجحي : " فالحجامة في نقضها للوضوء خلاف ، وفيها أدلة من الجانبين ، ورجّح شيخ الإسلام بن تيمية انتقاضَ الوضوءِ بها ، وهو الأحوط ُ " .
5- الحجامة دواء ، وقد جاء في صحيح البخاري عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( الشفاء في ثلاث ، شربة عسل ، وشرطة محجم ، وكية نار ) ، وفيه استحباب التداوي ، والأخذ بالأسباب وأنه لا ينافي التوكل ، ففي مسلم من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لكل داء دواء ، فإذا أصيب بدواء الداء ، برأ بإذن الله تعالى ) ، وفي مسند الإمام أحمد عن أسامة بن شريك أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يا عباد الله تداووا ، فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء ) ، وفي الحديث يقول صلى الله عليه وسلم : ( إحرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز ) ، احرص على ما ينفعك هذا أخذ بالأسباب ، واستعن بالله ، ولا تعجز ، هذا نهي عن ترك السبب ، وأن ترك السبب ليس توكلاً وإنما هو عجز .
6- سؤال : أذكر القول الراجح هل الحجامة تنقض الوضوء ؟
[23] 1- درجة الحديث :حديث أنس صحيح ، قال البيهقي : رجاله رجال الصحيح ، والحديث أصله في مسلم بلفظ : ( كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون العشاء فينامون ثم يصلون ولا يتوضؤون ) .
2- مفردات الحديث : أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم : جمع صاحب أو صحابي ، والصحابي هو من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على ذلك . عهده : في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، فمن فعل فعلاً على عهده صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليه فهذا يعتبر من الإقرار ، والإقرار أحد وجوه السنة النبوية التي هي عبارة عن قول أو فعل أو تقرير . ينتظرون : يترقبون حضوره لأداء الصلاة . العِشاء : هو أول ظلام الليل ، وسميت الصلاة به لأنها تفعل فيه ، ويقال لها العشاء الآخرة . تَخْفِقُ : تميل من النعاس . رؤوسهم : جمع رأس ، ورأس كل شيء أعلاه ، ومنه سمِّي الرأس في الإنسان .
3- في الحديث دليل على أنّ النوم اليسير وهو النعاس وميل الرأس وخفقانه ، لا ينقض الوضوء ، وإنما ينقضه النوم المستغرق وهو المراد بحديث صفوان بن عسال (ولكن من غائط, وبول, ونوم  )  رقم "61" المتقدم  .
4- استحباب تأخير صلاة العشاء عن أول وقتها ، فقد جاء في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم ( كان يستحب أن يؤخر العشاء ويقول : إنه لوقتها ، لولا أشق على أمتي ) ، وحرص الصحابة رضي الله عنهم على البقاء في المسجد انتظاراً للصلاة ، وفضل انتظارها ، فقد حاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يزال أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه ) ، وفي الحديث دليل على أنّ الإمام يُنتظر حتى يحضر ، إلا إذا تبين عدم مجيئه ، أو أنّه وكَّل من يصلي ، فإنهم حينئذ يصلون .
5-  سؤال : على ماذا يدل حديث أنس رضي الله عنه ( كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في عهده ... ) الخ ؟ .
[24] 1- درجة الحديث : حديث معاوية وحديث علي حسن ، حسنه الألباني في صحيح أبي داود ،  وحسّنه النووي والمنذري وابن الصلاح ، قال ابن حجر كل من الإسنادين ضعف ، حديث على وحديث معاوية ، والسبب وحود بقيه بن الوليد في السندين ، وقد قالوا فيه " ليست أحاديثه نقية ، إلا أنّ هذا الضعف خفيف محتمل " ، وهو صدوق إلا أنه كثير التدليس ، ولكن الألباني بين هذا بقوله : " وبقية لا يخشى من عنعنته ، وقد صرح بالتحديث في رواية أحمد ، فزالت شبهة التدليس " .
حديث ابن عباس : ضعيف ، لأنه من رواية عقيل بن جابر ، ولم يروِ عنه سِوى صدَقَة بنُ يسارٍ ، والحديث ضعفه البخاري وأحمد والمنذري ، وقال أبو داود : " إنه حديث منكر " ، وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود .
2- ترجمة الراوي : معاوية بن أبي سفيان بن صحر بن حرب ، هو وأبوه من مسلمة الفتح ، ولاه عمر الشام ، بعد موت أخيه يزيد ، فلم يزل متولياً حتى خرج علي ، وبويع له بالخلافة  بعد تنازل الحسن سنة 40 هـ ، وتوفي سنة 60 هـ وله 78 سنة .
3- مفردات الحديث : وِكاء : هو الخيط الذي تشد به الصرة أو الكيس أو القربة . السّه : حلقة الدبر . العين وكاء السَّه : اليقظة تحفظ الدبر ، وتمنع خروج الحارج منه ، إلا بإختياره ، كما يحفظ الوكاء الماء في القربة ، ويمنع خروجه . استطلق : انحل الوكاء .
مضطجعاً : أي على جنبه ، أي ليس كل من نام فهو يتوضأ ، وإنما يتوضأ من نام مضطجعاً ، ويؤيد هذا التقييد حديث أنس المتقدم بأنهم كانوا ينتظرون الصلاة حتى تخفق رؤوسهم فيصلون ولا يتوضؤون  ، لأنهم لم يكونوا مضطجعين ، بل كانوا جالسين .
4- معنى حديث معاوية وعلي : أنّ اليقظة تمنع خروج الخارج من الإنسان ، فإذا نام فإنّه لا يُحِسُّ بنفسه ، فربما يخرج من شيء ينقض وضوءه ، فصار النوم مظنة الخروج ، مثل ما أنّه إذا أُطلق وكاء الشيء كقربة أو كيس فإنه يخرج ما بداخله ، كذلك الإنسان وكاؤه اليقظة ، فإذا نام زال الوكاء فيخرج ما بداخله من ريح ، فإذا خرج انتقض وضوءه ، هذا معنى الحديث ففيه تشبيه دبر الإنسان في حالة اليقظة بحالة السقاء الموكي وفي حالة النوم شبه بالشيء الذي حلّ وكاؤه .
5- نقض الوضوء من الريخ الخارجة من الدبر بصوت أو بدونه .
6- الحديث يدل على النوم المستغرق الذي يزولُ معهُ الإحساس  ينقض الوضوءَ ، وأما النعاسُ وخفقانُ الرأسِ فلا ينقض الوضوءَ سواءٌ كان من قائمٍ أو قاعدٍ أو راكعٍ أو ساجدٍ .
7- أنّ النوم ليس ناقضاً بنفسه ، وإنما هو منظة حصول الناقض ، والمظنة تنزل منزلة اليقين في كثير من الأحكام الشرعية ، فقد نزّل صلى الله عليه وسلم مظنة خروج الريح في نقض الوضوء منزلة الحقيقة ، وقال : ( من نام فليتوضأ )، ويقاس على النائم كل ما أزال العقل من جنون أو إغماء أو سُكْر أو تعاطى شيئاً غيب عقله كالبنج يعني المخدر أو غيره ، فكله من نواقض الوضوء ، يجامع زوال الإحساس في الكل ، لأن في ذلك مظنة خروج الريح .
8- خلاف العلماء هل النوم من نواقض الوضوء ؟ فيه ثلاثة أقوال : والجمع بين حديث عسال وأنس ومعاوية وعلي وابن عباس :
أ- أنّ النوم لا ينقض مطلقاً ، بدليل حديث أنس ( كانت تخفق رؤوسهم ، وفي رواية : يسمع لهم غطيط ، ويصلون ولا يتوضؤون ) .
ب- أنّ النوم ينقض مطلقاً ، قليله وكثيره ، بدليل حديث صفوان ( لكن من غائط وبول ونوم ) .
ج- التفصيل ، أنّ النوم اليسير من القاعد المتمكن من نفسه لا ينقض الوضوء بدليل حديث أنس ، وأنّ النوم المستغرق من منكيء أو نائم غير متمكن من نفسه أنه ينقض الوضوء بدليل حديث  صفوان وغيره ، وهذا هو الراجح من الأقوال ، ، وهذا هو المعتمد عند أحمد ومالك ، فيعمل بأحاديث النقض على النوم الكثير ، وبأحاديث عدم النقض على النوم اليسير الذي يضبط الإنسان نفسه فيه ، ولا يزول شعوره بالكلية .
9- سؤال : أذكر القول الراجح هل النوم من نواقض الوضوء ؟ .
[25] 1- مفردات الحديث : إذا وجد : أحس شيئاً كالقرقرة بتردد الريح في بطنه . فأشكل عليه : أي اشتبه.  أخرج : الهمزة للإستفهام ، أي التبس عليه خروج الريح وعدم خروجه . حتى يسمع صوتاً : للضراط . أو يجد ريحاً : أي رائحة الفساء . شُكِي : الشاكي هو الراوي عبدالله بن زيد كما جاء في الصحيح ، والشكوى التوجع من الشيء طلباً لإزالته .
[26] 1- مفردات الحديث : ينفخ : نفخ بفمه نفخاً ، أخرج منه الريح . في مقعدته : المقعدة السافلة من الشخص . فيخيل إليه : يشبه إليه ويخائل خروج ريح من مقعدته بلا يقين . صوتاً :  ريحاً ، يعني يسمع صوتاً من الدبر ، ويجد ريحاً من الدبر .
2- في الأحاديث دليل على أنّ الريح الخارجة من الدبر بصوت أو بغير صوت ناقضة للوضوء ، مفسدة للصلاة ، بشرط التيقن من خروحها ، والمراد بسماع الصوت ووجدان الريح في الحديث التيقن من ذلك ، فلو كان لا يسمع ولا يشم وتيقن بغير هاتين الطريقتين انتقض وضوءه ، وإنهما خصها بالذكر لكونهما الغالب .
3-  وإذا كثرت الشكوك مع الإنسان ، فإنها لا تؤثر ، فلا يلتفت إليها ، ولا أثر للشك بعد الفراع من العبادة ، فلو فرغ من الوضوء وشك هل تمضمض ، أو  فرغ من الصلاة وشك هل قرأ الفاتحة أو لم يسجد إلا مرة واحدة ، فلا يلتفت إلى ذلك ، والأصل صحة العبادة
4- الأحاديث تبين حكم الشك في الحدث إذا كان الإنسان على طهارة ، ففيها دليل لأصل من أصول الشريعة ، و أحد أدلة القاعدة الكلية الكبرى وهي " أنّ اليقين لا يزول بالشك " ، " والأصل بقاء ما كان على ما كان "  وهو العمل بالأًصل والبقاء على ما كانَ حتى يأتي ما يرفعه بيقين ، ، فما دام الإنسان متيقناً للطهارة ثم شك في الحدث فالأصل بقاء طهارته ، ولا يبطل وضوءه ، ولا ينفتل من صلاته ، ولا يخرج من المسجد ، وبالعكس فمن تيقن الحدث وشك في الطهارة فالأصل بقاء الحدث ، ومن هذا الثياب والأمكنة ، فالأصل فيها الطهارة إلا بيقين نجاستها ، ومن ذلك عدد الركعات في الصلاة ، فمن تيقن ثلاثاً مثلاً وشك في الرابعة ، فالأصل عدمها ، ومن شك في طلاق زوجته فالأصل بقاء النكاح .
5- في الحديث دليل على أنّ من دخل في الصلاة فإنه يكملها ، سواء كانت فريضة أو نافلة ولا يقطعها ، قال تعالى : (وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ)(محمد: 33) ، إلا لسبب يقتضي ذلك ، مثل إنقاد معصوم من هلكة ، واختلف فيما لو كان المرء يصلي نافلة وأقيمت الفريضة ، وهي مسألة خلافيه ، والصحيح أنه إذا كان في آخرها أكملها خفيفة ، وإن كان في أولها قطعها ، ومن الأدب أن يتجنب الألفاظ التي يستحيا من ذكرها .
[27] البخاري (137) و مسلم (361-362) ، وفي الصحيحين عن عبَّادٍ بْنِ تَميمٍ عن عبدالله بنِ زيدٍ بن عَاصِمٍ المازِنِّي قال : شُكِيَ إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرَّجُل يُخَيَّلُ إليهِ أنَّه يجِدُ الشيءَ في الصلاةِ ، فقال : ( لا يَنْصَرِفْ حتى يَسْمَعَ صوتاً أوْ يَجِدَ ريحاً ) .
1- سؤال : ما حكم من تيقن الحدث وشك في الطهارة مع ذكر الدليل ؟ .
[28] 1- درجة الحديث : ضعيف ، رواه الحاكم وبن حبان ، قال الفوزان الحديث صحيح لغيره .
 2- والحديث يدل على شدة عداوةِ الشيطانِ للإنسان ،  قال تعالى : ( إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) (فاطر:6) ، فمن تمادى معه أغواه وأضله ، فإذا لم يستطع إغواه بالشهوات ، جاءه من طريق الشبهات ، فالواجب على المسلم مجاهدته وطرده ، وعليه أن يجاهد هذه الخيالات ، فإذا نفخ الشيطان في رُوعه فقال : " إنك أحدثت " ، فليقل : " كذبت " ، في نفسه ، إرغامٌ له وإزالةٌ لوسوستهِ .
3- في الحديث دليل على أنّ الصلاة لا يصلح فيها الكلام ، ولا يضر فيها حديث النفس .
4- سؤال : أذكر حديثاً يبين شدة عداوة الشيطان للإنسان ؟ - أعاذنا الله وإياك منه - ؟ .
انتهى الجزء الأول من كتاب الطهارة ، ويليه الجزء الثاني إن شاء من كتاب الطهارة وأوله باب قضاء الحاجة ، أسأل الله أن ينفع بهذا الشرح الإسلام والمسلمين ، وأي يجعل عملي خالصاً لوجهه الكريم ، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
كتبه الطالب عبدالله أبوبكر عبدالرحمن باوارث
في الرياض 5/5/1428هـ ، وعدلت في 29/6/1428هـ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق