[1] كتاب الطهارة - (1) باب المياه
1- كتاب : استعمل العلماء الكتاب فيما يجمع من الأبواب والفصول والمسائل . الطهارة : لغة النظافة والنزاهة من الأقذار الحسية مثل البول والغائط والدم ، والمعنوية مثل الأخلاف الفاسدة ، وشرعاً : إرتفاع الحدث بالماء أو التراب وزوال الخبث وهي النجاسة .
2- باب : لغة المدخل إلى الشيء ، واصلاحاً : اسم لجملة متناسبة من العلم تحته فصول ومسائل غالباً . المياه : جمع ماء ، والماء اسم جنس يشمل الكثير والقليل ، وقال المؤلف "باب المياه" ولم يقل "باب الماء" مع أنّ أسماء الأجناس لا تجمع لأنها تشمل القليل والكثير ، والسبب نظراً لأنواع الماء ، لأنّ الماء منه الطهور والنجس ، أو نظراً لمصادره وهي الأمطار والينابيع والعيون والبحيرات والأنهار .
3- والحكمة في كون المؤلف بدأ بكتاب الطهارة ، لأن أركان الإسلام خمسة ، فالركن الأول وهو الشهادتين وهذا ما يسمى بالتوحيد ، صار فناً مستقلاً تكفلت به كتب العقائد ، والركن الثاني وهو الصلاة ، ولما كانت الصلاة متوقفة على الطهارة ، وكانت الطهارة من الحدث والخبث شرطاً لصحة الصلاة ، وشرط الشيء يسبقه ، بل إن الطهارة مفتاح الصلاة ، والمفتاح شأنه التقديم على ما جُعل مفتاحاً له ، كما جاء في الحديث الذي رواه الخمسة إلا النسائي أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( مفتاح الصلاة الطهور ) ، فلما كانت الصلاة كذلك ، بدأ المصنف بكتاب الطهارة تقدمةً للصلاة .
4- والأصل أنَ الطهارة تكون بالماء ، روى مسلم عن أبي مالك الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الطهور شطر الإيمان ) ، وقال تعالى : ( وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ )(الأنفال: 11) ، ولهذا بدأ المؤلف بباب المياه .
5- درجة الحديث : صحيح ، وصححه الألباني في صحيح أبي داود . أخرجه الأربعة يعني أصحاب السنن أبو داود والنسائي والترمزي وابن ماجه ، وكلمة "ماجهْ" تكتب وتُقرأُ هاءً ساكنة في جميع أحوالها ، ولا تكتب ولا تقرأ بالتاء . كلمة " في البحر " هي مدرجة من كلام الرواي أو من كلام الحافظ ابن حجر .
6- ترجمة الراوي : أبو هريرة اشتهر بكنيته واسمه عبدالرحمن بن صخر الدوسيِّ من أجلة الصحابة وأكثرهم حديثاً ، أسلم عام خيبر ، ولازم النبي صلى الله عليه وسلم ، ولي المدينة من قبل مروان ، ومات بها سنة 59 هـ ، ودفن بالبقيع .
7- مفردات الحديث : البحر : هو الشِق في الأرض ، والمراد ماء البحر . الطَّهور :اسم للماء الطاهر بذاته المطهِّر لغيره .
8- مناسبة الحديث : الحديث في حكم ماء البحر ، والحديث وقع جواباً عن سؤال : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : (جاء رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إنّنا نركب البحر ، يعني نسافر في البحر ، ومعنا القليل من الماء ، فإن توضأنا به عطشنا ، أفنتوضأ بماء البحر ؟ فقال عليه الصلاة والسلام " هو الطهور ماؤه ، الحل ميتته " ).
9- فالحديث أفاد توضأوا بماء البحر لأنه طهور ، فهو طاهر بذاته مطهر لغيره ، ويرفع الحدث الأصغر والأكبر ويزيل النجاسة ، وأنّ الماء إذا تغير طعمه أو لونه أو ريحه بشيء طاهر فهو باق على طهوريته ما دام ماءً باقياً على حقيقته ولو اشتدت ملوحته .
10- فضيلة الزيادة في الفتوى على السؤال ، إذا ظن المفتي أن السائل قد يجهل هذا الحكم أو أنه قد يحتاج إليه ، فزادهم النبي صلى الله عليه وسلم فائدة في الجواب لم يسألوا عنها : وهي حكم ميتة البحر ، لأن من جهل حكم الماء جهل حكمَ الميتة فيه ، فقال : الحِلُّ ميتته " ، فالميتة حرام ، وهذا عام قال تعالى : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ )(المائدة: 3) ، وهذا الحديث يكون مخصصاً للآية في تحريم الميتة ، أنّ ميتة البحر لا تدخل في الآية ، والمراد بميتة البحر : ما مات فيه من دوابه مما لا يعيش إلا فيه ، لا ما مات فيه مطلقاً . ومعنى "لا ما مات فيه مطلقاً " أي ما مات فيه من دواب الأرض فإنه حرام ، فلو سقطت شاة في البحر فماتت فأكلها حرام .
11- لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم " نعم تطهروا به " بل عدل إلى قوله : " هو الطهور ماؤه " ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يقرن الحكم بعلته ، فالحكم هو صحة الطهارة بماء البحر ، والعلة أنه طهور ، ولو قال : " نعم توضؤوا به " ربما يستفاد أنه يتوضأ به من أجل الضرورة " فأزال الإشكال وهو أن ماء البحر يُتطهر به مطلقاً ، سواء كان معكم ماء قليل أو ماء كثير .
12- خلاف العلماء : ذهب الإمام أحمد إلى إباحة حيوان البحر كله إلا الضفدع والحية والتمساح ، فأما الضفدع والحية فإنها من المستخبثات ، قال تعالى : ( وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ)(لأعراف: 157) ، والتمساح لأنه مفترس وهو سبع ، والنبي صلى الله عليه وسلم " حرّم كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير " ، وقال أبو حنيفة " لا يحل من من حيوان البحر إلا السمك ، والقول الراجح إباحة جميع حيوان البحر من غير استثناء ، وهو قول مالك والشافعي ، لحديث الباب ، ولقوله تعالى : ( أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَكُمْ)(المائدة: 96) .
13- سؤال : عللّ يبدأ الفقهاء رحمهم الله بكتاب الطهارة ؟ و استنبط فائدتين من شرح الحديث ؟
[1] 1- درجة الحديث : الحديث صحيح ، صححه الألباني في صحيح أبي داود ، أخرجه الثلاثة : المراد بهم أصحاب السنن إلا ابن ماجه .
2- ترجمة الراوي : أبو سعيد الخُدْري هو سعد بن مالك بن سنان الخزرجي الأنصاري ، من علماء الصحابة ، أكثر من رواية الحديث ، وأفتى مدة ، مات في أول سنة 74هـ وله 86 سنة .
3- مناسبة الحديث : حديث أبي سعيد أصلَ وقاعدة عامة في المياه ، ويسمى " حديث بئر بضاعة " ، وهي بئر بالمدينة مهجورة ولكن فيها ماء ، وكان الناس يلقون بجوارها القمامات وحياض النساء ولحوم الكلاب الميتة ، فتأتي الرياح فتلقيها في البئر لأنها منخفضة ، فأشكل على الصحابة رضي الله عنهم : هل يصح الوضوء منها أو لا ، عن أبي سعيد الخدري قال : قيل يا رسول الله أنتوضأ من بئر بضاعة ؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إِنَّ الماءَ طَهُورٌ لا يُنَجِّسُهُ شَيءٌ) .
4- في الحديث دليل على أنّ الماء الطهور لا يمكن أن يتنجس بشيء .
[1] 1- درجة الحديث : أول الحديث صحيح ، وقد ثبت في حديث بئر بضاعة ، وعجزه ضعيف ، ضعفه الألباني في ضعيف ابن ماجه ، وفي الضعيفة ، فيه رشيد بن سعد وهو ضعيف .
2- ترجمة رواي الحديث : أُبو أمامة الباهلي هو صدي بن عجلان ، والباهلي نسبة إلى باهلة ، قبيلة معروفة ، من المكثرين في الرواية ، سكن مصر ثم انتقل إلى حمص وتوفى بها سنة 81هـ أو 86 هـ .
[1] 1- درجة الحديث : ضعيف ، رواه البيهقي من حديث أبي أمامة أيضاً وفي إسناده بقية بن الوليد وهو مدلس وقد عنعن .
2- وفائدة رواية البيهقي بعد رواية ابن ماجه : أنّ رواية ابن ماجه بالواو ، وهذه بأو ، فهي تخصص رواية ابن ماجه وأنه ليس المقصود تغير الأوصاف الثلاثة جميعاً ، وإنما المقصود تغير واحد منها يكفي ، ثم إنّ رواية ابن ماجه لم تُبين ما هو المُغيِّر ، ورواية البيهقي بيَّنت ما هو المُغيِّر قال : " بنجاسة تحدث فيه " ، إذاً لو تغير بغير النجاسة فهذا لا يضر كأن تغير بورق الشجر .
3- الحديث بروايتيه ضعيف لا تقوم به الحجة ، لكن حكمه متفق عليه بالإجماع ، فالذي يقيد هذا الإطلاق " إِنَّ الماءَ طَهُورٌ لا يُنَجِّسُهُ شَيءٌ " في حديث أبي سعيد هو إجماع الأمة على أنّ الماء إذا تغير بنجاسة فإنه ينجس ، سواء أكان الماء قليلاً أو كثيراً .
[1] 1- درجة الحديث : حديث القلتين اختلفَ العلماء فيه ، فمِن العلماء من صحَّحَه ، ومنهم من ضعَّفه لشذوذهِ واضطرابِه والصواب أن الحديث صحيح ، صححه الألباني في صحيح أبي داود . والأولى أن يقولَ الحافظ " وصحَّحه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم " ، لأن ابن حبان شيخُ الحاكم ، وكلٌّ من هؤلاء الثلاثة عندهم تساهلٌ في التصحيح ، وأعلاهم ابن خزيمة ثم ابن حبان ثم الحاكم فإنه أشدهم تساهلاً حتى إنه صحح بعض الموضوعات ، وكلٌّ يغفلُ والكمالٌ للهِ والعصمةُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
2- ترجمة راوي الحديث : عبدالله بن عمر بن الخطاب ، من أزهد الصحابة وأوعية العلم ، أسلم صغيراً وهاجر إلى المدينة ، أول مشاهده الخندق ، توفى بمكه سنة 73هـ ، ودفن بذي طوى .
3- مناسبة الحديث : والحديث جواب عن سؤال : " فقد سُئل صلى الله عليه وسلم عن الماء يكون في الفلاة وما ينوبه من السباع ، فقال : " إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث " ، وفي لفظ : " لها ما حملت في بطونها ولنا ما بقي " ، والحديث صريح في الفرق والتحديد بين كثير الماء وقليله .
4- مفردات الحديث : قُلتين : تثنية قُلة ، والجمع قِلال - والقلة سميت بذلك لأن الرجل العظيم يُقِلُّها بيديه أي يرفعها - وهي تَسِعُ قربتين وشيئاً ، ومساحتها ذراع وربع طولاً وعرضاً وعمقاً - و هي الجرة الكبيرة من الفخار ويوضع فيها الماء ، وتسمى في وقتنا الحاضر بالأزيار ، والقُلتان خمسائة رطل عراقي ، ما تعادل مئتي كيلو جرام . لم يحمل الخبث : أي النجاسة .
5- ومعنى منطوق الحديث أنّ الماء إذا بلغ قُلتين فإنه يدفع النجاسة عن نفسه لأنه ماء كثير فتضمحل فيه ولا تؤثر فيه لكثرته ، إما إن تغير أحد أوصافه الثلاثة بالنجاسة فإنه ينجس ، ويفيد بمفهومه أنّ الماء إذا كان دون القُلتين ووقعت فيه نجاسة ، فإنه يحمل الخبث فينجس مطلقاً ولو لم يتغير ، ويسمى مفهوم المخالفة ، ولكن دلالة المفهوم ضعيفةٌ وقد عارضها حديثُ أبي سعيد وهو منطوق وهو أصلٌ وقاعدة عامة في المياه ، فيقدّم على مفهوم حديث القلتين .
6- هذه الأحاديث " حديث أبي سعيد وحديث أبي أمامة بروايته وحديث القلتين " موضوعها بيان الماء الذي تحول عن أصله بنجاسة غيرت أحد أوصافه الثلاثة إما ريحه وإما طعمه وإما لونه ، إنه يكون نجساً بإجماع العلماء ، وكذلك تناولت موضوع الماء الذي يُتطهر به والماء الذي لا يُتطهر به ، و القول الراجح وهو ما ذهب إليه مالك ورواية عن أحمد ورجحه شيخ الإسلام بن تيمية وجماعة من المحققين : " أنّ الماء لا ينجس إلا بالتغير بالنجاسة سواء أكان قليلاً أو كثيراً ، أخذاً بحديث أبي سعيد وأبي أمامة ومنطوق حديث القلتين ، وتركوا مفهوم حديث القلتين ، لأن المنطوق مقدّم على المفهوم ، مع الإجماع أن الماء لا ينجس إلا بالتغير بالنجاسة ، وهذا لا شك أنه أقوى ، والقول الثاني مرجوح وهو أن الماء إذا كان دون القلتين فإنه يتنجس بمجرد ملاقاة النجاسة فيه ، وهو قول أحمد والشافعي وأبو حنيفة ، وهذا القول الثاني فيه احتياط ، لكن من توضأ بالماء القليل وصلى لا نقول له إنّ صلاتك باطلة ، أو من لم يجد غيره لا نقول له : تيمم ، فما دام أنه ماء ، ولم يتغير أحد أوصافه الثلاثة بالنجاسة ، فإنه يتوضأ به ، أما مع القدرة والسعة فالإنسان يحتاط ويتوضأ بالماء الذي لا خلاف فيه ، فالاحتياط شيء ، وعدم الصحة شيء آخر .
7- أذكر القول الراجح ما يؤخذ من الأحاديث الأربعة حديث أبي سعيد وحديث أبي أمامة بروايتيه وحديث القلتين ؟
[1] 1- هذا الحديث موضوعه بيان الماء الذي تحول عن أصله ، وهو الماء الذي استعمل في غُسل الجنابة ، والماء الذي وقع فيه بول آدمي .
2- مفردات الحديث : لا : الناهية ، يغتسل : فعل مضارع مجزوم ، ومعناه أن الرسول صلى الله عليه وسلم منع هذا الشيء ، لأن النهي معناه طلب الكف عن الشيء . الماء الدائم : معناه الماء الساكن الراكد الذي لا يجري كالخزانات والصهاريج والغدران في الفلوات كما فسرّته الرواية الأخرى ، فالماء المجتمع في مكان ولا يطرأ عليه انتقال من هذا المكان يسمى راكداً ويسمى دائماً ، بخلاف الماء الجاري لا يسمى راكداً ولا دائماً ، لأنه يتغير ويتحول ويجري فيتجدد في المكان . وهو جُنُب : على وزن فُعُل : معناه من أصابته الجنابة ، وهي الحدث الحاصل من الجماع أو الإنزال في الإحتلام ، سمِّي جنابة لأن هذا الماء الذي خرج منه جَانَب وباعد محلَّه ومستقره أو لأنه أُمر أن يتجنب مواضع الصلاة ما لم يتطهر ، والجنابة من أجنب ، فهو جُنُب للذكر والأنثى والمفرد والتثنية والجمع ، والجنابة صفة من نزل منيه أو يحصل منه جماع حتى يتطهر . لا يبولن : يشمل إذا بال فيه مباشرة أو بال بإناء وصبه فيه ، فالحكم سواء ، خلافاً للظاهرية ، فإنهم يرون أنه لو بال في قارورة ثم صبها في الماء الدائم أن هذا لا يؤثر فيه ، وهذا لا شك جمود على الظاهر ، فإن العلة وهي تنجيس الماء موجودة في الحالتين سواءً بال فيه مباشرة أو بال فيه بواسطة . ثم يغتسل فيه : النهي عن الإغتسال من أجل رفع الجنابة من هذا الماء الذي بال فيه بالإنغماس فيه . ثم يغتسل منه : النهي عن أن يتناول منه في الإناء ويغتسل به خارجه لرفع للجنابة .
3- يدل الحديث برواياته بتحريم الإغتسال من الجنابة بالماء الدائم الراكد القليل المحدود الذي لا يجري بأن ينغمس فيه ، أما لو اغترف منه وتطهر خارجه ، وانساب الماء المستعمل إلى مكان آخر ، فهذا لا حرج فيه ، لأنّ النهي عنه الإنغماس ، وكذلك الماء الذي يجري لا مانع من أن ينغمس فيه ، لأن الماء الذي يجري باستمرار ، فلا يؤثر في صلاحية استخدامه ، وكذلك الماء الراكد الكثير مثل بحيرة كبيرة اجتمع فيها ماء كثير ، فلا بأس على الإنسان أن ينغمس فيها .
4- يدل الحديث على تحريم البول في الماء الدائم الذي لا يجري ، أما الماء الجاري والماء الكثير الراكد فهذا لا يضره البول وإن كان من الأدب والمروءة ألا يتبول فيه ، ولأن البول والإغتسال فيه مرة بعد مرة ربما يفضي إلى تغير أوصاف الماء الموجب لنجسه ، فالنهي للتحريم إذا كان الماء قليلاً وللتنزيه إذا كان الماء كثيراً . وكذلك في الحديث دليل على تحريم الجمع بين البول في الماء الدائم والاغتسال فيه ، أو الإغتسال منه ، وهذا من باب أولى ، فإذا نُهي عن البول فيه على حده والاغتسال فيه على حده ، فالجمع من باب أولى أنه منهي عنه .
5- لا يدل النهي على أنّ الماء إذا اغتسل فيه أو بال فيه أو غمس فيه يده من نومِ الليل أنه ينجس ، بل يأثم ولا يتنجَّس الماء إلا إذا تغيرَ أحدُ أوصافه عملاً بحديث أبي سعيدٍ ، وقد أخذ به كثير من الأئمة ، وهذا هو اختيار شيخ الإسلام بن تيمية .
6- سؤال : ما يؤخذ من حديث أبي هريرة برواياته ؟ .
[1] 1- درجة الحديث : قال الألباني في صحيح أبي داود : " حسن صحيح " . ودعوى البيهقي أنه في معنى المرسل مردودة ، لأن كون الصحابي مجهولاً لا يضر ، لأن الصحابة كلهم عدول ، مع أنه صرِّح باسمه في روايات أخرى للحديث ، فالحديث ليس بمرسل ، بل هو مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
3- مفردات الحديث : بفضل : أي الماء الذي فضل وبقي في الإناء بعد الإغتسال . وليغترفا : أخذ الماء بجميع اليدين .
4- ما يؤخذ من الحديث : نهي الرجل أن يغتسل بفضل طهور المرأة ، ونهي المرأة أن تغتسل بفضل طهور الرجل ، والمشروع هو أن يغتسلا ويغترفا جميعاً ، وقد جاء في صحيح البخاري عن ابن عمر : ( أن الرجال والنساء كانوا يتوضئون في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم جميعاً ) ، وفي رواية ابن ماجه وأبو داود ( من إناء واحد ) ، وهذا الإطلاق مقيد بأنه ليس المراد به الرجال الأجانب من النساء ، وإنما المراد الزوجات إذا كان في الغسل لأنّ كلا منهما يباح له أن ينظر إلى الآخر بحكم النكاح ، كذلك في الوضوء لا بأس أن يتوضأ الرجل والمرأة من محارمه من إناء واحد .
[1] 1- ترجمة راوي الحديث : ابن عباس : حيث أطلق فهو حبر الأمة وبحرها عبدالله بن عباس بن عبدالمطلب ، غني عن التعريف لشهرة إمامته في العلم ببركات الدعوة النبوية له بالحكمة والفقه والتأويل ، ولد قبل الهجرة بثلاث سنين ، وتوفي بالطائف سنة 67 هـ .
2- ميمونة بنت الحارث الهلالية ، تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم سنة سبع في عمرة القضاء ، توفيت سنة 61 أو 51 أو 66هـ .
[1] 1- درجة الحديث : الحديث صحيح ، صححه الألباني في صحيح أبي داود .
2- مفردات الحديث : بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم : هي ميمونة بنت الحارث . جَفْنة : هي القصعة الكبيرة ، والقصعة إناء كبير يوضع فيه الطعام . إنِّي كنت جُنُباً : أي إغتسلت من هذه الجفنة من الجنابة ، وهذا الماء فضل غسلي . لا يجنب : المعنى أنّ الماء لا تصيبه الجنابة فلا يتنجس بإغتسال الجنب من الإناء الذي فيه الماء وكان الإغتسال خارج هذا الماء ، إنما الممنوع أن ينغمس فيه .
3- ما يؤخذ من الحديثين : جواز اغتسال الرجل بفضل طهور المرأة لو كانت جنباً وإن خلت به ، أي دخلت في غرفة ليس عندها أحد واغتسلت منه ، وبالعكس ، فيجوز للمرأة أن تغتسل بفضل طهور الرجل من باب أولى ، ومعلومٌ أنه إذا اغتسل معها يبقى منه فضلٌ ومنها فضلٌ يغتسلُ به الآخرُ ، وهذا يعني أن إغتسال الجنب أو وضوء المتوضي من الإناء ، لا يؤثر في طهورية الماء ، فيبقى على طهوريته .
4- هذا الحديث يعارض حديث النهي السابق ، وجمع بأن النهي محمول على كراهة التنزيه ، وأحاديث الجواز محمولة على الإباحة ، لأن القاعدة أنّ النهي الأصل فيه التحريم إلا إذا جاء ما يصرفه عن التحريم وهو حديث ابن عباس ، فيكون المراد بالنهي كراهة التنزيه ، والكراهة تزولُ إذا احتاجَ إليه أو قصدَ تعليمَ الناس ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن الشيء ثم يفعلهُ أو يأمرُ الشيءِ ثم يتركه لبيان الجواز ولإرشادِ الأمة ، فإذا اقتدى العالمُ بالنبي صلى الله عليه وسلم كان مأجوراً وزالت الكراهةُ في حقه .
5- سؤال : كيف الجمع بين الأحاديث الثلاثة حديث رجل صحب النبي وحديث ابن عباس وحديث أصحاب السنن ؟
[1] 1- درجة الحديث : الحديث صحيح ولا إضطراب فيه لأن رواية " أولاهنّ " أصح وأقوى فقد رواها الشيخان لذا يؤخذ بها ، وبذلك تزول شبهة الإضطراب ، علماً أنّ الإضطراب لا يكون إلا عند تساوي الروايات . وهناك رواية أخرى للحديث ولمسلم في حديث عبداللهِ بنِ مُغَفَّل : " إذا ولَغَ الكَلْبُ في الإِناءِ فَاغْسِلوهُ سَبْعاً وعَفِّرُوهُ الثَّامِنةَ بِالتُّرَابِ "
2- مفردات الحديث :السؤر : هو البقية من الشراب أو من الأكل الذي يأكل منه الإنسان أو البيهمة . إناء أحدكم : فالإضافة هنا ليس لها مفهوم حتى لو كان الإناء ليس له مالك ، فحكمه حكم الإناء المملوك . ولوغ الكلب : هو أن يدخل لسانه في الماء ثم يحركه ، سواء شرب منه أو لم يشرب . فلْيرقه : وهو إفراغ ما في الإناء من الطعام والشراب على الأرض . عَفِّرُوهُ : العفر لغة : هو وجه الأرض والتراب ، والتعفير هو التمريغ في التراب.
3- هذا الحديث في بيان حكم سؤر الكلب ، وهو يدّل على نجاسة سؤر الكلب فمه ولعابه ، وأن نجاسته مغلظة ، وعلى وجوب التسبيع في غسل ما ولغ فيه الكلب ، ووجوب إستعمال التراب ، وأن يكون في الغسلة الأولى على الصحيح ، فلو غسل أقل من ذلك لم يطهر ، ولو استعمل غير التراب من المطهرات مثل الصابون فإنها لا تغني عن التراب .
4- والصحيح أن جميع أجزاء بدن الكلب نجسة ، وجميع فضلاته نجسه ، وإن نجاسته مغلظة ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإراقته ، فلو لم يكن نجساً لم يأمر بإراقته ، لأنه إتلاف للمال ، ولا يجوز استعماله في الطهارة أو في أشياء أخرى كأن يسقي به دابة أو شجرة ، وهذا محمول على الماء إذا كان قليلاً في الأواني الصغيره ، أما إذا كان الماءُ كثيراً في الأحواض والإناء الكبير فإنه لا يراق ولا ينجس إلا إذا تغير أحدُ أوصافه ، لأنه ماءٌ كثيرٌ يدفعُ عن نفسه ، لحديث القلتين 5-وقاس بعضُ الفقهاء الخنزير وبقية السباع على الكلب ، وليس بوجيه لعدم الدليل ، وهو المختار لأن الأصل عدم الوجوب حتى يرد الشرع ، وتطهير نجاسة غير الكلب مثل الخنزير والسباع وبقية النجاسات كالبول والدم والعذرة فإنها ليس لها حدٌّ ، فلا تتقيد بعدد ، فإنها تغسل حتى تطهر ، بل إذا غلبَ على الظنِّ زوال النجاسة وطهارة المحلِّ بالمكاثرةِ بالماء من غير حدِّ كبول الأعرابي على أرض المسجد صبَّ عليه ماءٌ ، إلا أنه إذا كان للنجاسة جِرمٌ كالعذرةِ وقطع الدم فإنها تنقل من المكان ثم يغسلُ المحلُّ .
6- والحكمة والله أعلم في إستعمال التراب ، قد بين أطباء العصر أن في إمعاء أكثر الكلاب دودة شريطية ، فإذا راث الكلب خرجت البويضات بكثرة في الروث ، فيلصق كثير منها بالشعر الذي حول الدبر ، فإذا نظف ذلك الكلب نفسه بلسانه تلوث لسانه وفمه بها ، فإذا ولغ الكلب في إناء علقت هذه البويضات التي تحوي على جراثيم لا يقتلها إلا مادة موجود في التراب ، فإذا وصلت هذه الجراثيم إلى معدة الإنسان فإنها تحدث أمراضاً خطيرة ، فلذا كان إعتبار الشرع إياه نجساً وغسله سبع مرات أولاهن بالتراب ، وهذه من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولكن إمتثالنا للحديث لا يتوقف على معرفة الحكمة سواء ظهرت أم لم تظهر .
7- في الحديث دليل على تحريم إقتناء الكلاب في البيوت أو استصحابها ، قال صلى الله عليه وسلم : ( لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صورة ) أخرجه البخاري ومسلم ، وكما في الحديث : " ينقص من أجره كل يوم قيراط " ، والقيراط كالجبل العظيم ، فأي فائدة في إغتناء الكلاب ، وأنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يستثْن من الكلاب إلا ثلاثة : " كلب صيد أو الماشية أو لحراسة الزرع " ، ويجوز أيضاً اقتناء الكلاب البوليسية ، لأن الحاجة تدعو إليها ، فإنه يستفاد منها في إكتشاف الجرائم .
8- سؤال : كيف يكون طهور الإناء الذي ولغ فيه الكلب ( يعني أدخل لسانه في الماء ) ؟ .
[1] 1- درجة الحديث : الحديث صحيح ، قال الترمزي : " حديث حسن صحيح " .
2- ترجمة راوي الحديث : أبي قتادة هذه كنيته ، هو الحارث بن رِبعي الأنصاري ، فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، شهد أحداً وما بعدها ، توفى بالمدينة وقيل بالكوفة سنة 54 هـ .
3- مفردات الحديث : الهرة : هي الأنثى من القطط . نَجَس : كلمة يوصف بها الواحد والجمع والمؤنث والمذكر ، يُقال : رجل نَجَس ، ورجال نَجَس ، امرأة نَجَس ، قال تعالى : ( إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ )(التوبة: 28) ، والنَجَس ضد الطاهر . الطوافين : جمع طواف ، وهو المتردد على الناس في بيوتهم مثل الخدم .
4- الحديث له سبب : كانت كبشة بنت كعب بن مالك تحت ابن أبي قتادة ، وأنّ أبا قتادة دخل عليها ، فسكبت له وضوءاً ، فجاءت الهرة لتشرب فأصغى لها الإناء حتى شربت ، قالت كبشة : فرآني أنظر إليه فقال : أتعجبين يا ابنة أخي من هذا ؟ فقلت نعم ، فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : وذكر الحديث ، فأبو قتادة أزال الإشكال الذي حصل من شراب الهرة في الإناء ، بل إنه أصغى لها الإناء وأعانها على ذلك من ماء وضوئه ، وتوضأ منه رضي الله عنه .
5- في الحديث دليل على أنّ الهرة ليست نجسة العينِ في عرقها ولعابِها وسؤرِها ، وجميع أعضائها وبدنها ، وأنه يجوز لمسها ودخولها على الناس ، وما تبقى من شراها فإنه يجوز الوضوء به والتطهر به ، فإذا شربت من إناء أو أكلت من طعام فإن ما تبقى بعدها طاهر لا يجوز إراقته ولا تضييعه ، والعلة في ذلك أنها من الطوافين ، فهي مع الناس في منازلهم وعند أوانيهم فلا يمكنهم التحرز منها ، ففي الحديث دليل على القاعدة الكلية الكبرى " أنّ المشقة تجلب التيسير " ، أما الروث والبولُ فإنه نجس .
6- يقاس على الهرّة كل ما تعم به البلوى من الحيوانات الأليفة والتي تدعو الحاجة إلى استعمالها كالبغل والحمار ، أو لا يمكن التحرز منه كالفأر .
7- سؤال : أذكر نص الحديث ومن أخرجه من المحدثين : أنَّ ريق وعرق الهرة طاهر ، وهذا من سماحة الدين ؟.
[1] 1- ترجمة راوي الحديث : أنس بن مالك خادم رسول صلى الله عليه وسلم منذ قدومه المدينة حتى الوفاة ، يكنى أبا حمزة ، نجراري خزرجي ، سكن البصرة زمن عمر وتوفى بها سنة 91هـ أو 92هـ أو 93هـ ، وله 99 أو 103 سنة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق