- القبر هو حفرة عميقة في الأرض يوارى فيها الميت :
أ- يكون ارتفاعها قدر طول الرجل ، حوالي مترين إن تيسر ذلك .
7- يجب إعماقُ القبر وتوسيعهُ وتحسينهُ :
أ- ليأمن على الميت من السباع ومن خروج رائحته .
ب- لحديث هشام بن عامرٍ قال : ( لما كان يومُ أُحُدٍ أُصيب من أصيب من المسلمين ، وأصابَ الناسَ جراحاتٌ فقلنا : يا رسولَ الله الحَفْرُ علينا لِكُلِّ إنسانٍ شديدٌ فكيف تأمُرنُا ، فقال : " احْفِرُوا وَأَوْسِعُوا وأَعْمِقُوا وَأَحْسِنُوا وادْفِنُوا الاثنين والثلاثة في القبر وقَدِّموا أكثرهم قُرآناً " ، قال فكان أبي ثالثَ ثلاثةٍ وكان أكثرهم قرآنا فَقُدَّم ) أخرجه أصحاب السنن .
ج- قال الألباني : " وظاهر الأمر يفيدُ الوجوب ، والمعروف عن الشافعية وغيرهم استحباب الإعماق" .
د- قال الشيخ محمد بن عثيمين : " التعميق سنة ، والواجب ما يمنع السباع أن تأكله والرائحة أن تخرج منه ، فهذا احتراماً للميت ولئلا يؤذي الأحياء ، ويلوث الأجواء بالرائحة ، وإن زاد في الحفر فهو أفضل ، بلا حد ، وبعضهم حدّه بأن يكون طول القامة وهذا قد يكون شاقاً على الناس ، وإذا اعترضنا ماء ، لا بد من منع الماء عن الميت إما ببناء لبنات أو ما أشبه ذلك " .
8- يجوزُ في القبِر اللَّحْدُ والشَّقُّ :
أ- لِجريانِ العمل عليهما في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن اللحد أفضل .
ب- لحديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( اللَّحْدُ لنا والشَّقُّ لِغَيْرِنا ) أبو داود
ج- ولحديث أنس بن مالك قال : ( لمّا تُوُفيِّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم كان بالمدينةِ رجلٌ يَلْحَدُ ، وآخر يُضَرِّحُ ، فقالوا : نستخيرُ رَبَّنا ونبعثُ إليهما ، فأيُّهما سبق تَرَكْناه ، فأرسِلْ إليهما ، فسَبق صاحبُ
اللَّحْدِ ، فَلَحَدوا للنبيِّ صلى الله عليه وسلم ) أخرجه ابن ماجة وأحمد .
د- ولحديث عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أنه قال : ( أَلحِدوا لي لَحْداً ، وانصُبوا عليَّ اللِّبْن نَصْباً كما صُنِعَ برسول الله صلى الله عليه وسلم ) أخرجه مسلم والنسائي وابن ماجة .
هـ قال النووي في المجموع : " أجمع العلماءُ أنَّ الدفنَ في اللَّحْدِ والشقِّ جائِزانِ لكنْ إن كانت الأرضُ صُلْبةً لا ينهارُ ترابُها فاللَّحدُ أفضلُ لما سبق من الأدلة ، وإن كانتْ رخوةً تنهارُ الشقُ أفضل " .
و- قال محمد بن عثيمين " لكن إذا احتيج إلى الشق فإنه لا بأس به والحاجة إلى الشق إذا كانت الأرض رملية ، فإن اللحد فيها لا يمكن ، لأن الرمل إذا لحدت فيه انهدم ، فتحفر حفرة ، ثم يحفر وسطها ثم يوضع لبن على جانبي الحفرة التي بها الميت ، من أجل أن ينهدّ الرمل ، ثم يوضع الميت بين هذه اللبنات "
9- تعريف اللحد والشق :
أ- واللحد هو أن يحفر للميت في قاع القبر حفرة من جهة القبلة ، ويوضع فيها .
ب- والشق هو أن يحفر له حفرة وسط قاع القبر .
ج- واللحد للمسلمين حيث لم يشرع في الأمم السابقة ، والشق شرع في الأمم السابقة ، ولكنه جائز .
د- والهدف من اللحد والشق هو منع التراب من ملامسة الميت .
10- عند حمل الميت إلى المقبرة :
يُسن أن يتناوب من يمشي مع الجنازة على حمل الجنازة ، وذلك حتى يعم الأجر على الجميع .
11- لا بأسَ أن يُدْفَنَ في القبر اثنانِ أو أكثرُ عند الضرورة ، ويُقَدُّمُ أفضلُهم للقبلة:
أ- قال في شرح الزاد : " ويَحْرُمُ فيه دفنُ اثنينِ فأكثرَ إلا لضرورةٍ وَيُجعلُ بينَ كُلِّ اثنين حاجزٌ من تُرابٍ " ، والضرورة ككثرة الموتى ، وقلة الدافنين أو ضعفهم ، وخوف الفساد عليهم .
ب- قال الشيخ محمد بن عثيمين : " ووضع حاجز من تراب ، ليكونا منفصلين ، وهذا على سبيل الأفضلية ، لا على سبيل الوجوب ، ولا فرق بين أن يكون الدفن في زمن واحد ، أو تدفن إحدى الجنازتين اليوم والثانية غداً " .
ج- وقال أيضاً في حكم جمع أكثر من ميت في قبر واحد : " الراجح عندي والله أعلم القول الوسط ، وهو الكراهة كما اختاره شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله إلا إذا كان الأول قد دفن واستقر في قبره فإنه أحق به ، وحينئذ فلا يدخل عليه ثان ، اللهم إلا للضرورة القصوى " .
د- والدليل حديث جابر قال : ( كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَجْمَعُ بين الرجلين والثلاثةِ من قتلى
أحدٍ في ثوب واحد .. فَدُفن أبي وعمِّي يومئذٍ في قبرٍ واحدٍ ) أخرجه البخاري وغيره .
هـ وكذلك حديث هشام بن عامر السابق حين يكثر الموتى ويقل من يدفنهم ، كما فعل بشهداء أحد
و- قال الشافعي : " ويدفن في موضع الضرورة من الضيق والعجلة الميتان والثلاثة في القبر ، ويكون الذي للقبلة منهم أفضلهم وأسنهم ، ولا أحب أن تدفن المرأة مع الرجل على حال ، وإن كانت ضرورة ولا سبيل إلى غيرها ،كان الرجل أمامها وهي خلفه ويجعل بين الرجل والمرأة في القبر حاجز من تراب "
ل- لما رواه عبدالرزاق عن وائلةَ بن الأَسْقَعِ : ( أنّه كان يُدْفَنُ الرجلُ والمرأةُ في القبرِ الواحدِ ، فيُقَّدمُ الرجلُ وتُجعلُ المرأةُ وراءهُ ) .
12- يتولى إنزالَ الميتِ ولو كان أُنثى الرجالُ دون النساء :
أ- لأنه المعهود في عهد النبيِّ صلى الله عليه وسلم وجرى عليه العلم .
ب- والرجال أقوى على ذلك ، ولو تَولَّتهُ النساء لأنكشف شيء من أبدانهن أمام الرجال .
13- فالوصي أحق بإنزاله ثم أولياء الميت وأقاربه ثم أي مسلم :
أ- لقوله تعالى : â (#qä9'ré&ur ÏQ%tnöF{$# öNåkÝÕ÷èt/ 4n<÷rr& <Ù÷èt7Î/ Îû É=»tFÏ. «!$# 3 ¨bÎ) ©!$# Èe@ä3Î/ >äóÓx« 7LìÎ=tæ á ( 75 : الأنفال )
ب- ولحديث عليٍّ رضي الله عنه قال : ( غّسَّلتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذهبتُ أنظُرُ ما يكونُ من الميتِ فلم أرَ شيئاً وكان طَيِّباً حياً وميتاً ، وَوليَ دفنه وإجْنَانَه دون الناسِ أربعةٌ : عليٌّ والعباسُ والفضْلُ وصالحٌ مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وَلحدَ لرسولِ الله لحداً ونَصَبَ عليه اللِّبْنَ نَصْباً ) رواه الحاكم والبيهقي
14- يجوزُ للزوجِ أن يتولى بنفسهِ دفنَ زوجتِه :
أ- لحديث عائشةَ رضي الله عنها قالت : ( دخل عَلَيَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في اليوم الذي بدئ فيه ، فقلتُ وارَساه ، فقال ودِدْتُ أنَّ ذلك كان وأنا حيٌّ ، فهيَّأْتُكِ ودَفْنتُك .) أخرجه أحمد وغيره
ب- قال الشافعيةُ : " يجوز دفن الرجل لزوجته وهو أحقُّ بذلك من أوليائها " .
ج- ولكن ذلك مشروطٌ بما إذا كان لم يجامع تلك الليلةَ ، وإلا لم يشرع له دفنُها ، وكان غيره هو الأولى بدفنها ولو أجنبياً بالشرط المذكور .
د- لحديث أنسِ بن مالك قال : ( شهِدنا ابنةً لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم ، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم جالسٌ على القبر ، فرأيت عينيه تدمعانِ ، ثم قال : هل منكم من رجلٍ لم يُقارفِ الليلةَ أهله فقال أبو طلحة نعم أنا يا رسولَ الله ، قال : فَنَزَلَ ، قال : فَانْزِلْ في قبرِها فَقَبَرها ) رواه البخاري وغيره
هـ وفي رواية لأنس أيضاً ( أنَّ رُقَيَّةَ رضي الله عنها لما ماتت قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : لا يَدْخُل القبرَ رجلٌ قارَفَ الليلَة أهلَه فلم يَدْخُل عثمانُ بن عفان رضي الله عنه القبرَ ) رواه أحمد والحاكم
15- أجمع العلماء على جواز إدخال الميت القبر على أي صفة تكون :
واختلفوا في أفضل صفات الإدخال إلى ثلاثة أقوال .
16- خلاف العلماء في أفضل صفات إدخال الميت القبر :
القول الأول : ذهب الشافعية والحنابلة ، من إدخال رأس الميت من قِبَل مكان رجليه إذا دفن ، ثم يسل سلاً برفق لحديث أبي إسحاق .
القول الثاني :وذهب الشافعي في أحد قوليه إلى عكس ذلك ، وهو أن يسل من قِبَل مكان رأسه إذا دفن
القول الثالث : وذهب أبو حنيفة إلى أن يسل من قبل القبلة معترضاً إذ هو أيسر ، فقد أدخل علي بن أبي طالب ابن المكفف من قبل القبلة .
القول الراجح : هو القول الأول وهو إدخالُ الميتِ من مُؤَخَّرِ القبرِ :
أ- وذلك بأن يوضع رأس الميت عند موضع الرجلين في القبر ، ثم يسل سلاً إلى اللحد .
ب- ولأنه : ( صلى الله عليه وسلم سُلَّ من قبل رأسه ) رواه الشافعي والبيهقي .
ج- ولحديث أبي إسحاق قال : ( أوصى الحارثُ أن يُصَلِّى عليه عبدُالله بن يزيدَ فصلّى عليه ثم أدخله القبرَ من قَبَلَ رَجْلَي القبرِ ، وقال هذا من السنة ) أخرجه ابنُ أبي شيبة .
د-وعن ابن سيرين قال : ( كنتُ مع أنسَ في جنازةٍ فأمر بالميتِ فَسُلّ من قِبَلِ رِجل القبر ) أخرجه أحمد
هـ قال ابن حزم : " وَيُدْخَلُ الميتُ القبرَ كيفَ أمْكنَ ، إمَّا من القبلةِ ، وإمَّا مِنْ دُبرِ القبلةِ ، وإمَّا من قبل رأسهِ ، وإما من قبلِ رِجليهِ ، إذْ لا نص في شئٌ من ذلكَ " .
و- قال أحمد الزمان : " فإن لم يتيسر ذلك أدخل من جهة القبلة ، وهو أن توضع الجنازة في جانب القبلة من القبر ، ويحمل منه الميت ويوضع في اللحد ، وإن كان الأسهل إدخاله من مقدمة القبر أو من قبل رأسه أدخله ولا حرج فيه فالأمر واسع " ، إذ المقصود الرفق بالميت .
ل- لأنه أحياناً تكون هناك قبور من ناحية اليمين أو القبلة ، ولا يستطيع الشخص إدخال الميت من هذه الناحية ، فيدخل من أي مكان تيسر ، والله أعلم .
17- ويجعلُ الميتُ في قبرهِ على شقه الأيمن مستقبلاً القبلة :
أ- ورأسُه ورِجْلاهُ إلى يمين القبلةِ ويسارِها ، على هذا جرى عملُ أهل الإسلام من عهدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا ، وهكذا كل مقبرة على وجه الأرض .
ب- ولقوله صلى الله عليه وسلم : ( الكعبة قبلتكم أحياءً وأمواتاً ) رواه البيهقي .
ج- قال الشيخ محمد بن عثيمين : " ويضعه في لحده على شقه الأيمن على سبيل الأفضلية ، وعللوا ذلك بأنها سنة النائم ، والنوم والموت كلاهما وفاة ، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم للبراء بن عازب رضي الله عنه : ( إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ، ثم اضطجع على شقك الأيمن ) رواه البخاري ومسلم ، فالموت كذلك "
د- وقال أيضاً : " ويكون مستقبل القبلة وجوباً ، للحديث ( الكعبة قبلتكم أحياءً وأمواتاً ) ، وهذا الحديث ضعيف ، ولكن له شاهد من حديث البراء بن معرور ، ولأن هذا عمل المسلمين الذين أجمعوا عليه ، فإن وضعه على جنبه الأيسر مستقبل القبلة ، فإنه جائز ، ولكن خلاف الأولى " .
18- تغطية نعش المرأة :
أ- لا بأس من تغطية نعش المرأة بحيث لا يُرَى منه شئٌ ، لأنَّ هذا أبلغ في الستر ، مثل أن تغطى بالعباءة ثم بالبطانية كما يفعل القائمون على تغسيل الموتى في جامع الراجحي .
ب- قال ابن عبد البر : " فاطمة رضي الله عنها أول من غطي نعشها من النساء في الإسلام على الصفة المذكورة في هذا الخبر " .
ج- لما روي مرفوعاً عن أسماء بنت عميس رضي الله عنها : ( أنّ ابنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم توفيت ، وكانوا يحملون الرجال والنساء على الأسرة سواء ، فقلت يا رسول الله إني كنت بالحبشة وهم نصارى أهل كتاب وهم يجعلون للمرأة نعشاً فوقه أضلاع يكرهون أن يوصف شئ من خلقها ، أفلا أجعل لابنتك نعشاً مثله ، فقال : " اجعليه " ، فهي أول من جعل نعشاً انتعش في الإسلام ) رواه الطبراني في الأوسط .
د- قال في شرح الزاد : " وَيُسَجَّى قَبْرُ امرأةٍ فقط " أي يسن تغطية قبر المرأة لأنها عورة ولا يؤمن أن يبدوا منها شئ فيراه الحاضرون .
هـ لحديث أبي إسحاق أنه حضر جنازة الحارث الأعور فأبى عبدالله بن زيد أن يبسطوا عليه ثوباً ، وقال إنه رجل قال أبو إسحاق وكان عبدالله بن يزيد قد رأى النبي صلى الله عليه وسلم ) رواه البيهقي
و- ورواه سعيد بن منصور في سننه وزاد ثم قال : ( وانشطوا الثوب ، فإنما يصنع هذا بالنساء ) .
ل- قال الشيخ محمد الفوزان : " ويسن ستر قبر المرأة عند إنزالها فيه لأنها عورة " .
م- قال الشيخ محمد بن عثيمين : " أما الرجل فلا يسن فيه هذا ، بل يبقى كما هو عليه ، لأن فيه فائدة ، وهو قوة الاتعاظ إذا شاهده من كان معه بالأمس جثة هامدة على هذا السرير ، وإن ستر بعباءة كما
هو معمول به عندنا فلا بأس " .
19-من السنة أن يقولُ الذي يضَعُه في اللحدِ(بسم الله وعلى مِّلِة رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم):
أ- والدليلُ عليه حديثُ ابنِ عُمِر أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا وضعتُمْ موتاكم في القبور فَقُولوا بسمِ الله على سنَّةِ " وفي رواية : ملة " رسولِ الله ) أخرجه أبو داود والترمزي وغيرهما .
ب- ولحديث البَيَاضيِّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( الميتُ إذا وُضِعَ في قبرهِ ، فليقلِ الذين يضعُونه حين يوضَعُ في الَّلحدِ : باسمِ اللهِ ، وباللهِ وعلى ملةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم ) الحاكم .
20- وإذا كان الكفن مربوطاً فتحل عقده في القبر :
أ- فتحل الأربطة كلها ، للآثار الواردة في ذلك .
ب- قال سمرة بن جندب رضي الله عنه : ( إذا وضعته في لحده فقل بسم الله وعلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أطلق عقد رأسه وعقد رجليه ) رواه البيهقي وغيره .
ج- لما رواه البيهقي في سننه وأبو داود في المراسيل : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما وضع نعيم بن مسعود في قبره نزع الأخلّة بفيه ) . الأخلّة : العقد .
د- ولأن عقد الكفن كان خشية الانتشار وقد زالت هذه العلة ، ولذلك تحل العقد خشية أن ينتفخ الميت ويضيق عليه الكفن .
هـ- قال في شرح الزاد : " ويُجْعَلُ أكثَرُ الفاضِلِ عندَ رأْسِهِ ، ثم يَعْقِدُها ، وتُحَلُّ في القبرِ " .
و- قال الشيخ محمد بن عثيمين : " ولأن الميت ينتفخ في القبر ، فإذا كان مشدوداً بهذه العقد تمزق ، ولو فرض أنه نُسي أن تحل ، ثم ذكروا عن قرب ، فإن القبر ينبش من أجل أن تحل العقد " .
21 - لا يكشف وجه ورأس الميت عند دفنه :
أ- لأنه لم يرد حديث في ذلك ، إلا إذا كان محرما فيكون وجهه مكشوفاً .
ب- قال الشيخ محمد بن عثيمين : " أما كشف الوجه كله فلا أصل له وليس فيه دليل إلا فيما إذا كان الميت محرماً ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تخمروا وجهه ) ، أما الرأس للمحرم فلا يغطى "
22- يوضع تحت رأسه شيء قليل من اللبن ، وهو يصنع من التراب والماء ، حسب الحاجة :
أ- كي يستوي رأسه مع جسمه ، قال الشيخ صالح الفوزان : " ويجعل تحت رأسه لبنة أو حجر أو تراب ، ويدنى من حائط القبر الأمامي ، ويجعل خلف ظهره ما يسنده من تراب ، حتى لا ينكب على وجهه ، أو ينقلب على ظهره " .
ب- قال الشيخ محمد بن عثيمين : " واستحب بعض العلماء ، أو يوضع له وسادة لبنة صغيرة ".
ج- وقيل لا يضع تحت رأسه وسادة من لبن أو حجر ، لأنه لم يثبت ذلك ، قال الشيخ محمد بن عثيمين : " لا يسن وضع تحت الميت وسادة كلبنة أو حجر ، وهذا هو الظاهر من السلف ، فإن من خطب عمر بن عبدالعزيز أنه قال : " إنّكم تدعون الميت في صدع من الأرض غير موسد و لا ممهد ، فالأصل عدم السنية ولا أعلم في ذلك سنة ، ومن ادعى السنية فعليه بالدليل ، ولهذا عددَّ ذلك بعض العلماء من البدع " .
د- ثم يسد فتحة اللحد بالصلايا أو باللبن ، ويسد ما بين اللبن بالطين ، حتى يلتحم ، وذلك حتى لا يسقط شيء على الميت .
هـ والصلايا هي أحجار طويلة مسطحة توضع لتغطية الميت في لحده ، أو في شقه ، وينوب عنها ما يؤدي غرضها ، وعند التأكد من عدم وجود فراغات في اللحد ، يُهال التراب عليه .
23- اسْتِحْبَابُ ثلاثةِ حثيِاتٍ على القبر :
أ- ويستحب على كل مسلم من الحاضرين ، أن يحثُوا من التراب ثلاثَ حَثَواتٍ بيديهِ جميعاً ، بعد الفراغ من سَدِّ اللحدِ ، على القبر ، من قبل الرأس ، وعلى هذا عمل المسلمين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم .
ب- لحديث أبي هريرة : ( أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم صلى على جنازةٍ ثم أتى المَيِّتَ فحثَى عليه من قبل رأسِه ثلاثاً ) رواه بن ماجة .
ج- وعن أنس رضي الله عنه لما دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت فاطمة : ( يا أنس أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب ) رواه البخاري .
د- وأما استحبابُ بعض المتأخرين من الفُقهاء أن يقول في الحَثْيَةِ الأولى : ( " مِنها خلقناكم " ، وفي الثانية : " وفيها نُعيدُكم " ، وفي الثالثة : " ومنها نُخْرِجُكُم تارةً أخرى " ) فلا أصل له ، قال أحمد : " لا يُطلبُ قراءة شيءٍ عند حثْوِ التُّرابِ لِضعْفِ الحديثِ " .
24- تكره القراءة على القبر :
أ- قال الشيخ محمد بن عثيمين : " القراءة على القبر مكروهة ، سواء كان ذلك عند الدفن أو بعد الدفن ، لأنه لم يعمل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا عهد الخلفاء الراشدين " .
ب-قالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء : " لا يجوز قراءة القرآن على القبور أو على روح الميت ولا يجوز استئجار من يقرأ القرآن ويهب ثوابه للميت لأن النبي والصحابة والسلف لم يفعلوا ذلك"
ج- أنظر صفحة 147 .
25- يسن بعد الفراغ من دفنه أمور :
أولاً : أنْ يُرْفَعَ القبرُ عن الأرض قليلاً نحوُ شِبْرٍ :
أ - ولا يُسوّى بالأرض ، وذلك ليعرف فيزار ، ويعلم أنه قبر فَيُصانَ ولا يُهانَ بوطء وغيره .
ب- لحديث جابر رضي الله عنه : ( أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أُلْحِدَ له لَحْدٌ وَنَصَبَ عليه اللِّبنَ نَصْباً ورفعَ قبرَه من الأرضَ نحواً من شِبْرِ ) رواه ابن حبان والبيهقي .
ج- قال الشافعي : " وَأُحِبُّ أن لا يُزاد في القبرِ ترابٌ من غيره ، لأنه إذا زِيدَ ارتفع جداً ، وإنّما أُحِبُّ أن يُشْخَصَ على وجه الأرضِ شِبْراً أو نحوهَ " .
د- ولذا ينهى عن الزيادةِ على التُّرابِ الخارجِ من القبرِ ، فإنّ من المعلومِ ، أنّه يَبْقى بعد الدفن على القبرِ الترابُ الذي أُخْرج من الَّلحد الذي شَغَلَه جِسمُ الميتِ ، وذلك يساوي القدر المذكورَ في الحديثِ تقريبا
ثانياً : أن يُجعلَ القبر مُسنَّماً :
أ- أي على هيئة سنام البعير ، لأنه صفة قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، وتسنيم القبر أفضل من تسطيحه
ب- وهو مذهب أبو حنيفة ومالك وأحمد وكثير من الشافعية .
ج- ولحديث سفيان التمَّار قال : ( رأيت قبرَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وقبرَ أبي بكرٍ وعُمَر مُسَنَّماً ) أخرجه البخاري والبيهقي .
د- ولا يعارضُ ذلك ما روي عن القاسم قال : ( دخلت على عائشة فقلت : يا أُمَّ اكشفي لي عن قبر النبيِّ صلى الله عليه وسلم وصاحبيه رضي الله عنهما ، فكشفت لي عن ثلاثةِ قُبورٍ لا مُشْرفَةٍ ولا لاطئةٍ ، مبطوحة ببطحاءِ العرصةِ الحمراء ) أخرجه أبو داود والحاكم والبيهقي .
هـ قال التُّرْكُماني : ( حديث التَّمَّارِ أصح من حديث القاسم ، لأنه مخرج في الصحيحين " .
و_ وقال الألباني : " أنّ حديث القاسم فيه علة ، ولو صحَّ فليس مُعارضاً لحديث التمار ، لأنَّ قولَه : " مَبْطوح " ليس معناه مُسَطَّحٌ ، بل مُلْقى فيه البطحاءُ ، وهو الحصى الصغيرةُ ، وهذا لا ينافي التَّسْنيم ، وبهذا جمع ابن القيم بين الحديثين فقال : " وَقَبْرُهُ مُسَنَّمٌ مبطوحٌ ببطحاءِ العَرْصَةِ الحمراء ، لا مَبْنِيٌّ ولا مُطَيَّنٌ ، وهكذا كان قبرُ صاحبيهِ " .
ل-وذهب الشافعي إلى أنَّ التسطيحَ أفضلُ لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالتسوية وهو قول مرجوح
ثالثاً :سُنَّ رش القَبر بالماء ووضع عليه الحصباء :
أ- روى الشافعي ( أن النبيّ صلى الله عليه وسلم رشَّ على قبر ابنه إبراهيم ماء ، ووضع عليه حصباء )
ب- كما فعل بقبره صلى الله عليه وسلم ، ( ثم ترش الحصباء بالماء ، ثم يعلم القبر بحجرٍ أو نحوه عند الرأس ومن عند الأرجل ليعرف بداية القبر ونهايته ، وليدفنَ إليه من يموتُ من أهله ، لفعله صلى الله عليه
وسلم في قبر عُثمان بن مظْعون ) رواه أبو داود .
ج- وكذا فعل بقبر سعد بن معاذ ، لأنَّ هذا أثبت له وأبقى وأبعد لدروسه من أن تذهب به الرياح والسيول ، واستمر على ذلك عمل المسلمين .
رابعاً : عليه أن يقفُ على القبر ويدعو له بالتثبيت ، ويستغفرُ له ، ويأمرُ الحاضرين بذلك :
أ- لحديث عثمانَ بن عفان رضي الله عنه قال : ( كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا فرغَ من دفن الميتِ وقفَ عليه فقال : استغْفِروا لأخيكم وسَلوا له التثبيتَ فإنه الآن يُسأل ) أخرجه أبو داود والحاكم والبيهقي .
ب- والمراد بالتثبيت إجابة الملكين بعد الدفن ، فعن أنس رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : ( العبد إذا وضع في قبره وتولى أصحابه حتى إنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فأقعداه فيقولان له ما كنت تقول في هذا الرجل محمد صلى الله عليه وسلم ، فيقول أشهد أنَّه عبد الله ورسوله ، فيقال انظر إلى مقعدك من النار ، أبدلك الله به مقعداً من الجنة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم فيراهما جميعاً ، وأما الكافر أو المنافق فيقول لا أدري كنت أقول ما يقول الناس ، فيقال له لا دريت ولا تليت ، ثم يضرب بمطرقة من حديد ضربة بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها من يليه إلا الثقلين ) رواه البخاري ومسلم .
ج- وعن البراء بن عازب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : في قول الله تعالى : â àMÎm6sVã ª!$# úïÏ%©!$# (#qãZtB#uä ÉAöqs)ø9$$Î/ ÏMÎ/$¨V9$# á ( 27 : إبراهيم ) ، قال في القبر ، إذا قيل من ربك وما دينك ومن نبيك ؟ ) أخرجه الترمزي وغيره .
د- وبه يتبين أن انشغال بعض الناس في هذا الوقت في تحديد مكان القبر أو تعليمه للتعرف عليه مستقبلاًً ، وترك الدعاء خلاف هديه صلى الله عليه وسلم ، فالميت في هذا الوقت أحوج ما يكون للاستغفار والدعاء له بالتثبيت .
26- لا يجوز التلقين بعد الدفن :
أ- وهو أن يقال للمتوفي بعد الدفن : " قل ربي الله وديني الإسلام ... " .
ب- لأنه لم يثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، لضعف الحديث الوارد .
27- خلاف العلماء في التلقين بعد الدفن :
القول الأول : استحباب التلقين بعد الدفن :
أ- قال شيخ الإسلام بن تيمية : " وأما التلقين فقد ذكره طائفة من الخراسانيين من أصحاب الشافعي ، واستحسنوه أيضاً ، ذكره المتولي والرافعي وغيرهما ، وأمّا الشافعي نفسه فلم ينقل عنه فيه شئ ، ومن الصحابة من كان يفعله كأبي أمامة الباهلي وواثلة بن الأسقع وغيرهما من الصحابة ، ومن أصحاب أحمد من استحبه ، والتحقيق أنه جائز ، وليس بسنة راتبة " والله أعلم .
ب- لحديث ضمرة بن حَبيبٍ أحَدِ التَّابعين قال : ( كانوا يسْتَحِبُّونَ إذا سُوِّيَ على الميتِ قَبْرُهُ وانصرف الناس عنه أن يُقالَ عندَ قبره :" يا فُلانُ قل :لا إله إلا اللهُ ثلاثَ مراتٍ ، يا فُلانُ قلْ رَبِّي الله ، وديِني الإسلامُ ، ونَبِيِّي مُحَمَّدٌ ) رواه سَعِيدُ بنُ منصور موقوفاً .
ج- ولما رواه الطبراني من حديث أَبِي أُمامةَ مَرْفوعاً مُطَّولاً قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا مات أحد منكم ، فسويتم التراب على قبره ، فليقم أحدكم على رأس قبره ثم ليقل : يا فلان بن فلانة اذكر ما كنت في الدنيا من شهادة أن لا إله إلا الله ، وأنَّ محمداً عبده ورسوله ، وأنّك رضيتَ بالله رباً ، وبالإسلام ديناً ، وبمحمد نبياً ، وبالقرآن إماماً ) .
القول الثاني : كراهة التلقين بعد الدفن :
أ- ذهب طائفة من العلماء ، على كراهة ذلك وأنه بدعة .
ب- قال الشيخ عبدالله البسام " الحديث الأول ضعيف ، والحديث الثاني لا يصح رفعه " .
ج- الحديث الأول أخرجه الطبراني عن سعيد بن عبدالله الأزدي ، وهو مجهول ، قال ابن القيم : " لا يصح " ، والذي نرجح أن الحديث مقطوع وموقوف على رواية ضمرة وهو تابعي .
د- الحديث الثاني ضعفه العلماء منهم ابن الصلاح والنووي والعراقي وابن حجر والصنعاني .
هـ قال الأثرم : " قلت لأحمد بن حنبل هذا الذي يصنعون إذا دفن الميت يقف الرجل ويقول : يا فلان ابن فلانه ... ، قال : ما رأيت أحداً يفعله إلا أهل الشام حين مات أبو المغيرة " .
و- قال ابن القيم : " إن حديث التلقين هذا حديث لا يشك أهل المعرفة بالحديث في وضعه " .
ل- وقال الهيثمي : " في إسناده جماعة لم أعرفهم "
والقول الراجح : أنّ التلقين بعد الدفن لا يشرع لما يلي :
أ-لم يثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، لضعف الحديث الوارد .
ب- قال شيخ الإسلام بن تيمية : " التلقين بعد الموت ليس واجبا بالإجماع ولا كان من عمل المسلمين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه "والأحاديث التي وردت فيه ضعيفة لا تقوم بها الحجة .
ج- وقال ابن القيم : " كان هديه صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت ، قام على قبره وأصحابه ، وسأل الله له التثبيت ، وأمرهم أن يسألوا له التثبيت ، ولا يلقن كما يفعله الناس الآن " ، لما أخرجه أبو داود عن عثمان أنه صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من الميت وقف عليه وقال : ( استغفروا لأخيكم ، واسألوا له التثبيت ، فإنه الآن يسأل ) وهو مصداق قوله تعالى : â àMÎm6sVã ª!$# úïÏ%©!$# (#qãZtB#uä ÉAöqs)ø9$$Î/ ÏMÎ/$¨V9$# Îû Ío4quptø:$# $u÷R9$# Îûur ÍotÅzFy$# ( @ÅÒãur ª!$# úüÏJÎ=»©à9$# 4 ã@yèøÿtur ª!$# $tB âä!$t±t (27) á سورة إبراهيم ، ولم
يثبت عنه أنه لقن ميتا ، فعلينا أن نتبع ولا نبتدع فنندم والله أعلم .
د- لأن الحديث الوارد فيه لا يصحُّ ، فقد ضعفه جمع من أهل العلم ، منهم ابن القيِّم والنوويُّ وشيخ الإسلام ابن تيمية والحافظ بن حجر وابن باز ، وذكره الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ، وقال الصنعاني " أنه حديث ضعيف والعملُ به بدعةٌ ، ولا يُغْتَرَّ بكثرة من يفعلُه " .
هـ : قالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء : " الصحيح من قولي العلماء في التلقين بعد الموت
أنه غير مشروع ، بل بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وليس مذهب إمام من الأئمة الأربعة ونحوهم
كالشافعي حجة في إثبات حكم شرعي ، بل الحجة في كتاب الله وما صح من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يثبت في التلقين بعد الموت شئ من ذلك ، فكان مردوداً ".
28- الوعظ في المقبرة أثناء الدَّفْنِ بقصدِ تذكيرِ الحاضرين بالموتِ وما بعده :
أ- يشرع أحياناً في المقبرة الوعظ والتذكير بالموت وأحوال الآخرة ، ففي هذا الموطن وما فيه من رؤية الميت ومشاهدة القبور وتذكر أصحابها وما كانوا عليه ، وما صار إليه مظنة الانتفاع بالموعظة .
ب- لحديث البراء بن عازب خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار ، فانتهينا إلى القبر ولما يلحد ، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله وكأنَّ على رءوسنا الطير وفي يده عود ينكت في الأرض ، فرفع رأسه فقال استعيذوا بالله من عذاب القبر مرتين أو ثلاثاً ثم قال : ( إنَّ العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه كأنّ وجوههم الشمس ومعهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة حتى يجلسوا منه مدّ البصر ...) وذكر الحديث بطوله .
ج- وبوب البخاري على حديث علي رضي الله عنه باب " موعظة المحدث عند القبر وقعود أصحابه حوله ، وبوب عليه النووي في رياض الصالحين باب الموعظة عند القبر .
29- يجوزُ إخراجُ الميتِ من القبرِ لغَرَضٍ صحيحٍ أو مصلحة شرعية :
أ- كما لو دُفِن قبلَ غسلهِ وتكفينِه ، أو دفن في مسجد ، ونحو ذلك .
ب- لحديث جابر بن عبدالله قال : ( أتى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قبرَ عبدالله بن أُبيّ بن سلول بعدما أُدخل حُفرته ، فأمر به فأُخرج فوضَعه على رُكبتيه ونفثَ عليه من ريقِه والبسه قميصَه ، قال جابر : وصلى عليه ) أخرجه الشيخان والنسائي والبيهقي .
ج- قال الألباني : " والظاهرُ أنّ هذا كان قبل نزول قوله تعالى : â wur Èe@|Áè? #n?tã 7tnr& Nåk÷]ÏiB |N$¨B #Yt/r& wur öNà)s? 4n?tã ÿ¾ÍnÎö9s% ( öNåk¨XÎ) (#rãxÿx. «!$$Î/ ¾Ï&Î!qßuur (#qè?$tBur öNèdur cqà)Å¡»sù á ( 84 : التوبة ) .
30- لا يُسْتَحَبُّ للرجلِ أن يحفرَ قبرهَ قبل أن يموتَ :
أ- فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك هو ولا أصحابُه .
ب- والعبُد لا يدري أينَ ومتى يموتُ ، وربما يكون ذلك من تمني الموت .
ج- وإن كان مقصودُ الرجلِ الاستعدادَ للموت ، فهذا يكونُ من العَمَل الصالح .
31- ما يسن بعد الدفن والرجوع من المقبرة :
أ- عمل أحد الأعمال الصالحة التي تنفع الميت بعد موته إن تيسر ، وتنفيذ وصيته وقضاء دينه والدعاء له
ب- تعزية أهل الميت ، ولا يجوز لأي امرأة أن تحد على رجل فوق ثلاثة أيام إلا زوجها .
المبحث الخامس عشر
التعزية
1- تُشرَعُ تعزيةُ أهلِ الميتِ والوقوف معهم في مصيبتهم :
أ- لأن المسلمون إخوة كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى .
ب- لحديث قُرَّةَ المُزَني رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( مالي لا أرى فلاناً ، فقالوا : يا رسولَ الله بُنَيُّهُ الذي رأيته هلك ، فلقيه النبيُّ صلى الله عليه وسلم فسأله عن بُنَيِّه ؟ فأخبره بأنه هلك ، فعزَّاه عليه ...) أخرجه النسائي .
ج- وحديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من عزَّى أخاه المؤمن في مصيبةٍ كساه الله حُلَةً خضراءَ يُحبُر بها يومَ القيامةِ ، قيل يا رسول الله : ما يُحْبَرُ ؟ قال : يُغْبَطُ ) أخرجه الخطيب وابن عساكر .
د- والسنة تعزية المصاب ، ولو كان بعيداً ، وإذا أصيب الإنسان ونسي مصيبته لطول الزمن ، فإننا لا نعزيه ، لأننا إذا عزيناه بعد طول الزمن ، فهذا يعني أننا جددنا عليه المصيبة والحزن .
2- يُعَزِّيهم بما يظُنُّ أنه يُسَلِّيهم ويَكُفُّ من حُزْنِهم على الرِّضا والصبر :
أ- مما يثْبُتُ عنه صلى الله عليه وسلم إن كان يعلمُهُ ويستحضرُه ، وإلا فبما تيسر له من الكلام الحسن الذي يحقق الغرض ولا يخالف الشرع .
ب- وفي ذلك أحاديث منها ، حديث أسامة بن زيد قال : ( أَرْسَلَتْ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم بعضُ بناتِه : أنَّ صبياً لها ، ابناً أو ابنةً ، وفي رواية : أُميمةُ بنت زينب ، قد احتُضِرَت ، فأشْهَدْنا ، قال : فَأَرْسَلَ إليها يَقْرَأُ السلامَ ويقولُ : إنَّ لله ما أخذ ولله ما أَعْطى وكُل شيءٍ عندَه إلى أَجَلٍ مُسَمّى ، فَلْتَصْبِر وَلْتَحْتَسب ...) ،متفق عليه .
ج- قال الألباني : " وهذه الصيغة من التعزيةِ وإن وردتْ فيمن يشارفَ الموتَ فالتعزيةُ بها فيمن ماتَ أولى بدلالة النص ، ولهذا قال النوويُّ : " وهذا الحديثُ أحسنُ ما يُعَزّى به " .
د- قال الشيخ محمد بن عثيمين : " وأحسن لفظ قيل في التعزية ، ما اختاره رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما جاءه رسول من إحدى بناته يقول : " إنَّ عندها طفلاً يحتضر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إنّ لله ما أخذ وله ما أعطى ، وكل شئ عنده بأجل مسمى ، فمرها أن تصبر وتحتسب )
هـ وقوله صلى الله عليه وسلم حينما دَخَلَ على أُمِّ سلمة رضي الله عنها عَقِبَ موتِ أبي سَلَمة : ( اللهم اغْفِرْ لأبي سلمة وارفع دَرَجَتَه في المَهْديِّين واخْلُفْه في عَقِبِهِ في الغَابِرين ، واغْفِرْ لنا وله يا ربَّ العالمين ، وافْسَح له في قَبْرِه ، ونَوِّر له فيه ) أخرجه مسلم وغيره .
و- وإن قال ( عظم الله أجرك وأحسن الله عزاءك ، وغفر لميتك ) فلا حرج .
ل- ويرد المعزِّي : " استجاب الله دعاءك ورحمنا وإياك " فقد أثر هذا الرد عن الإمام أحمد رحمه الله .
3- أما التعزية بقراء الفاتحة على روح الميت :
أ- فهذا عمل غير مشروع ، بل هو بدعة .
ب- قالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء : " ما يفعله إخواننا السودانيين من رفع اليدين لتعزية أهل الميت ويقول الفاتحة ، فيقوم أولياء الميت ويقرؤون معه الفاتحة ، ثم يجلسون وبعد ذلك يسلم ، لا يجوز ، بل هو بدعة محدثة ، والمشروع أن يبدأ بالسلام ولا يقول الفاتحة ولا غيرها مما لا يشرع ، ولا يرفع يديه ، وقد ثبت أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) "
4- لا تُحَدُّ التعزيةُ بثلاثةِ أيامٍ لا يتجاوزُها ، بل متى رأى الفائدة في التعزية أتى بها :
أ- فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه عزّى بعد الثلاثةِ في حديث عبدالله بن جعفر رضي الله عنهما
ب- قال الألباني : " وقد ذهب إلى ما ذكرْنا من أنّ التعزيَة لا تُحَدُّ بِحَدٍّ جماعة من أصحاب الإمام أحمد ، وهو وجْهٌ في المذهب الشافعيِّ ، قالوا : لأن الغرضَ الدعاءُ والحملُ على الصبر والنهْي عن الجَزَع ، وذلك يحصُلُ مع طولِ الزمان " .
5- الإحداد المشروع وغير المشروع :
أ- عن زينب ابنة أبي سلمة قالت : " دخلت على أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين تُوفي أبوها أبو سفيان ابن حرب ، فدعت أم حبيبة بطيب فيه صفرة ، خلوق أو غيره ، فدهنت منه جارية ثم مسّت بعارضها ثم قالت : ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوجِ أربعة أشهر وعشراً ) رواه البخاري ومسلم .
ب- ففي الحديث بيان الإحداد المشروع على المرأة على زوجها ، أو على قريبها ، وما دون ذلك فليس بمشروع .
ج- قال الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله : " جرت عادة الكثير من الدول الإسلامية في هذا العصر بالأمر بالإحداد على من يموت من الملوك والزعماء لمدة ثلاث أيام أو أقل أو أكثر مع تعطيل الدوائر الحكومية وتنكيس الأعلام ، ولا شك أن هذا العمل مخالف للشريعة المحمدية وفيه تشبه بأعداء الإسلام ، وقد جاءت الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تنهي عن الإحداد وتحذر منه إلا في حق الزوجة فإنها تحد على زوجها أربعة أشهر وعشراً ، وللمرأة على قريبها ثلاثة أيام فأقل ، أما سوى ذلك من الإحداد فهو ممنوع شرعاً وليس في الشريعة الكاملة ما يجيزه على ملك أو زعيم أو غيرهما ، وقد مات في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ابنه إبراهيم وبناته الثلاث وأعيان آخرون ، فلم يحد عليهم صلى الله عليه وسلم ... ثم توفي النبي صلى الله عليه وسلم ... ولم يحد عليه الصحابة رضي الله عنهم ، ثم مات أبوبكر الصديق رضي الله عنه ... فلم يحدوا عليه ..." .
6- التعزية في المقبرة :
أ- سئل الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله : " يقوم بعض المعزين بإخراج أهل الميت بعيداً عن القبور ووضعهم في صف حتى تتم معرفتهم وتعزيتهم بنظام ولا تهان القبور ما حكم ذلك ؟ فأجاب : لا أعلم في هذا بأساً لما فيه من التيسير على الحاضرين لتعزيتهم " .
ب- قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين : " الأصل أنَّ هذا لا بأس به لأنهم يجتمعون جميعاً من أجل سهولة الحصول على كل واحد منهم ليعزى ولا أعلم في هذا باساً " .
7- التعزية بالهاتف :
أ- تجوز التعزية بالهاتف ، لبعد المسافة ، أو تعذر الذهاب ، أو المشغولية .
ب- وكذلك يجوز للمرأة أن تكلم أقاربها من غير المحارم من وراء حجاب ، أو في الهاتف ، وتعزيهم ، وكذلك يجوز للرجل ذلك .
8- يجوز لأهل الميت أن يحدوا على ميتهم :
أ- قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه : " يجوز للمصاب أن يحد على الميت وذلك بترك التجارة أو ثياب الزينة أو الخروج للنزهة أو نحو ذلك حزناً للميت ، ويكون ذلك لثلاثة أيّام فقط ، وإنما جاز هذا الإحداد لغير الزوجة لإعطاء النفوس بعض الشيء مما يهوّن عليها المصيبة ، لأنَ الإنسان إذا أصيب ثم كُبت ، ربما تبقى المصيبة في قلبه " ، وقال : " لا يجوز أن يحدّ في أمر يلحقه أو عائلته به ضرر ، كأن يكون الرجل متجراً ، لو عطل تجارته لتضررت كفايته " .
ب- خلاف الزوجة فيجب الحداد على زوجها مدة العدة أربعة أشهر وعشرة أيام إذا لم تكن حامل ، أو حتى تضع حملها .
9- ينبغي اجتنابُ أمرين وإنْ تَتابَعَ الناسُ عليهما :
أ- الاجتماعُ للتعزية في مكانٍ خاصٍّ كالدارِ أو الجمعية أو المسجدِ وعمل الصواوين لذلك ، وقراءة القرآن.
ب- اتِّخَاذُ أهلِ الميّتِ لضيافةِ الواردين للعَزَاء ، وصنع لهم الطعام ، وتقديم المأكولات ، فإن كان هذا من مال الميت ففي ذلك أخذ من حق الورثة ، وإن كان من مال أهل الميت أو من اجتمع معهم فإن في ذلك تكليف وإسراف في غير محله ، وهذا لم يشرع عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، وذلك لحديث جرير بن عبدالله البَجَلي رضي الله عنه قال : " كُنَّا نَعُدُّ ، " وفي رواية : نرى " الإجتماعَ إلى أهل الميتِ
وصنيعَةَ الطعامَ بعد دَفْنِهِ من النياحةِ " أخرجه أحمد وابن ماجة .
10 - حكم إقامة مراسم العزاء ؟
سئل الشيخ عبدالعزيز بن باز : عن إقامة مراسم العزاء خارج المنزل ، بعمل الصواوين وتعزية أهل الميت ، فأجاب : "هذا العمل ليس مطابقاً للسنة ، وإنما السنة التعزية لأهل المصاب من غير كيفية معينة ولا اجتماع معين ، وإنما يشرع لكل مسلم أن يعزي أخاه في البيت أو في الطريق أو في المسجد أو في المقبرة ، فإذا قابله شرع له مصافحته والدعاء له بالدعاء المناسب ، مثل : ( أعظم الله أجرك ، وأحسن عزاءك وجبر مصيبتك ) ، وإذا كان الميت مسلماً دعا له بالمغفرة والرحمة ، وهكذا النساء فيما بينهن يعزى بعضهن بعضاً ويعزي الرجل المرأة ، والمرأة الرجل ، لكن دون خلوة ولا مصافحة إذا كانت المرأة ليست محرماً له " .
11- وأما الجلوسُ للتعزية مكروهٌ :
أ- فنصَّ الشافعيُّ وسائر الأصحابِ على كراهتِه : قالوا : " بل يَنْبَغي أن ينصرِفوا إلى حوائِجهم فمن صَادَفَهم عَزَّاهم ، ولا فَرْقَ بين الرجالِ والنساءِ في كراهةِ الجلوسِ لها " .
ب- ونصُّ الإمام الشافعيِّ في كتاب الأم : " وأكرهُ الماتمَ ، وهي الجماعةُ ، وإنْ لم يكُن لهم بكاءٌ ، فإنَّ ذلك يُجَدِّدُ الحزنَ ، ويُكَلِّفُ المُؤْنَةَ ، مع ما مضى فيه من الأثَر " كأنه يشير لحديث جرير .
12- وإنِّما السُّنَّةُ أنْ يصنعَ أقرباءُ الميتِ وجيرانُهُ لأهلِ الميتِ طعاماً يُشْبِعُهم :
أ- لأنهم مشغولون بميتهم ، لحديث عبدالله بن جعفر رضي الله عنه ، قال : ( لما جاءَ نَعِيُّ جَعْفَر حين قُتل ، قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : ( اصْنَعُوا لآلِ جَعْفَرٍ طعاماً ، فقد أتاهم أمرٌ يَشْغَلُهم ، أو أتاهم ما يشغلهُم ) أخرجه أبو داود وغيره .
ب- قال الإمام الشافعي في الأم : " وأحبُّ لجيرانِ الميت أو ذي القرابةِ أن يَعْمَلوا لأهل الميتِ في يومِ يموتُ وليلتهِ طعاماً يُشبعهم ، فإنَّ ذلك سُنَّة ، وذِكْرٌ كريمٌ ، وهو من فعل أهل الخير قَبْلنَا وبعدَنا " .
ج- صارت سنة نبوية أن أصحاب الميت يرسل إليهم الطعام من أقاربهم أو جيرانهم أو أصدقائهم ونحوهم .
د- قال في شرح الزاد : " ويسن أن يُصنع لأهل الميت طعام يُبعث به إليهم ثلاثة أيام لقصة جعفر " .
هـ قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله : " أنّ صنع الطعام لأهل الميت سنة من انشغلوا عن إصلاح الطعام بما أصابهم من مصيبة ، أما إذا لم يأتهم ما يشغلهم فلا يسن أن يصنع لهم ، ومع ذلك غلا بعض الناس في ذلك ، فإذا مات الميت يرسلون الخرفان الكثيرة لأهل الميت ، ثم إنّ أهل الميت يطبخونها ويدعون الناس إليها كأنه بيت عرس ، وهذا لا شك من البدع المنكرة "
13- أما ما اعتاده الناس الآن من أنَّ أهل الميت هم الذين يصنعون الطعام ، ويطعمون الناس ، فهو بدعة شنيعة لأمور كثيرة :
1) إنه عمل مخالف للسنة ، وما خالف السنة فهو بدعة .
2) فيه تشبه بأعمال الجاهلية من العقر والنحر عند موت كبارهم .
3) فيه إنفاق محرَّم فهي داخلة في باب السرف .
4) قد يكون إنفاق المال الموروث ظلماً إذا كان لضعاف وصغار .
5) إنَّ أهل الميت في شغل عن إعداد الطعام ودعوة الناس إليهم بالانشغال عنه بمصيبتهم .
6) قال الصحابي الجليل جرير بن عبدالله البجلي رضي الله عنه : " كنّا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعهم الطعام من النياحة " رواه أحمد وابن ماجه .
7) قال الإمام أحمد : " هو من فعل أهل الجاهلية " .
8) قال شيخ الإسلام بن تيمية : " جَمْع أهل المصيبة الناس على طعامهم ليقرءوا له ، ليس معروفاً عند السلف ، قد كرهه طوائف من العلماء من غير وجه ، وعدَّه السلف من النياحة " .
14- قال في المغني والشرح الكبير وغيرهما :
" وإن دعت الحالة إلى ذلك ، صنعهم الطعام ، جاز فإنه ربما جاءهم من يحضر ميتهم من أهل القرى البعيدة ، ويبيت عندهم ، فلا يمكنهم إلا أن يطعموه " .
15- يجوز البكاء على الميت بلا تكلف :
أ- ( لأنه صلى الله عليه وسلم بكى لما مات ابنه إبراهيم ) متفق عليه ، ولكن بلا نياحة أو ندب .
16- ويُسْتَحَبُّ مسحُ رأسِ اليتيمِ وإكرامُه :
لفعله صلى الله عليه وسلم بآل جعفر .
17- يحرم النياحة على الميت :
أ- وهو أن يبكي ويندب برنة تشبه نياحة الحمام ، فيقول : " يا ويلاه ، يا ثبوراه " ، وما أشبه ذلك ، لأنه ينبئ عن التسخط .
ب- ويحرم الندب على الميت وهو تعداد محاسن الميت ومفاخره ، بحرف الندبة وهو " وا " فيقول : " وا مطعماه ، وا كاسياه ، واجبلاه ، واكريماه ، وا سيداه ، وا من يأتي بالطعام والشراب ، وا من يخرج بنا إلى النزهة ، وا من يفعل كذا وكذا ، ..) ، لأنه نعي الجاهلية ، وفيه اعتراض على القدر .
ج- ويحرم لطم الخدود وشق الجيوب والنياحة عند المصيبة ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( ليس منِّا من ضرب الخدود أو شقَّ الجيوبَ أو دعا بدعوى الجاهلية ) متفق عليه ، فالواجب عند المصيبة الصبر .
المبحث السادس عشر
الفصل الأول - ما يَنْتَفِعُ به المَيِّتُ
ويَنْتَفِعُ الميتُ من عَمَل غيرهِ بأمور :
1- دعاءُ المسلمِ له إذا توفرت فيه شروطُ القبول :
أ- لقوله تعالى : ( â úïÏ%©!$#ur râä!%y` .`ÏB öNÏdÏ÷èt/ cqä9qà)t $uZ/u öÏÿøî$# $oYs9 $oYÏRºuq÷z\}ur úïÏ%©!$# $tRqà)t7y Ç`»yJM}$$Î/ wur ö@yèøgrB Îû $uZÎ/qè=è% yxÏî tûïÏ%©#Ïj9 (#qãZtB#uä !$oY/u y7¨RÎ) Ô$râäu îLìÏm§ á ( 10 : الحشر ) .
ب- ولحديث أبي الدرداء رضي الله عنه قال قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( دعوةُ المرءِ المسلمِ لأخيه بِظَهْرِ الغيبِ مستجابةٌ ، عند رأسهِ ملكٌ مُوَكَلٌّ كُلَّما دعا لأخيه بخير قال الملكُ المُوكَّلُ به آميَن ولك بِمِثْلٍ ) أخرجه مسلم وأبو داود وأحمد .
2- صلاة الجنازة جلُّها شاهد على أنَّ الميت ينتفع بها ، لأنّ غالبَها دعاءٌ للميت ، واستغفارٌ له .
3- قضاءُ الدَّينِ عنه من أيِّ شَخْصٍ وليّا كان أو غيرَه :
أ- لحديث سعد بن الأطول رضي الله عنه : ( أنَّ أخاه ماتَ وتَرَكَ ثلاثمائة درهم ، وتركَ عيالاً ، قال : فأردتُ أن أُنْفِقَهَا على عياله ، قال : فقال لي النبيُّ صلى الله عليه وسلم : إنَّ أخالك محبوسٌ بدَيْنِه ، فاذهب فاقضِ عنه ..) رواه ابن ماجه وأحمد والبيهقي ، ولحديث جابر بن عبدالله قال : ( مات رجلٌ ، فَغَسَّلناه وكفَّناه .. ، ثم آذَنَّا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة عليه ، .. ثم قال : لعّل على صاحِبكم ديناً ، قالوا : نعم ، ديناران ، فتخَلّف ، قال : صلوا على صاحبكم ، فقال أبو قَتَادةَ : يا رسولَ صلِّ عليه وعليَّ دينه ) أخرجه الحاكم والبيهقي وغيرهما .
4- ما يفعلُه الولدُ الصالحُ من الأعمال الصالحةِ :
أ- فإنَّ لوالديهِ مثلَ أجرِهِ دون أن يَنْقُصَ من أجره شيءٌ لأنَّ الولدَ من سعيهما وكسبِهما .
ب- والله عز وجل يقول : â br&ur }§ø©9 Ç`»|¡SM~Ï9 wÎ) $tB 4Ótëy á ( 39 : النجم ) ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنَّ أطيبَ ما أكلَ الرجُلُ من كسبِه وإنَّ ولدَه من كسبِه ) أخرجه أصحاب السنن
ج- ووردت عدة أحاديث تدل على انتفاع الوالدِ بعمل وَلَدِهِ الصالح كالصدقة والصيام ونحوه ، منها حديث أبي هريرة رضي الله عنه : ( أنّ رجلاً قال للنبيِّ صلى الله عليه وسلم إنَّ أبي مات وترك مالاً ، ولم يُوصِ ، فهل يُكَفِّر عنه أن أتصدَّقَ عنه ؟ قال : نعم ) أخرجه مسلم والنسائي وابن ماجة .
د- قال الشوكاني : " والأحاديث تدلُّ على أنَّ الصدقَةَ من الوَلَدِ تلحقُ الوالدين بعد موتهما بدون وصيّة منهما ، ويصلُ إليهما ثوابُها ، وأمّا من غير الولد فالظاهر من العموميات القرآنيةِ أنه لا يصلُ ثوابهُ إلى
الميتِ ، فَيُوقَفُ عليها ، حتى يأتي دليلٌ يقتضي تخصيصَها " .
هـ قال الألباني : " وهذا هو الحقُّ الذي تقضيهِ القواعدُ العلميةُ ، أنَّ الآيةَ على عمومها ، وأنَّ ثوابَ الصدقةِ وغيرها يصلُ من الولدِ إلى الوالدِ لأنه من سعيه بخلاف غير الولد " .
5- ما خَلَّفه من بعدِه من صدقاتٍ جاريةٍ وآثارٍ صالحةٍ :
أ- لقول الله تعالى â Ü=çGò6tRur $tB (#qãB£s% öNèdt»rO#uäur á ( 12 يس ) مثل بناء مسجد أو مستشفى أو مدرسة
ب- فعن أبي هريرة أنَّ رسول الله صلى الله عليه قال : ( إذا ماتَ الإنسانُ انقطعَ عمله إلا من ثلاثةِ أشياءَ ، إلا من صَدَقةٍ جاريةٍ أو عٍلْمٌ يُنْتَفَعُ به ، أو وَلَدٍ صالح ٍيدعو له ) أخرجه مسلم وأبو داود وغيرهما
ج- ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنَّ مِمّا يلحقُ المؤمِن من عمله وحسناتِه بعد موتِه ، علماً علّمه ونشَره ، ووَلَدَاً صالحاً تَرَكَه ، ومُصحَفاً ورَّثَه ، أو مسجداً بناهُ ، أو بَيتاً لابنِ السبيلِ بناهُ ، أو نهراً أجراهُ ، أو صَدَقَةً أخرجها من ماله في صِحّتِه وحياتِهِ يلحقُهُ من بعد موتِهِ ) أخرجه ابن ماجة وابن خُزيمة والبيهقي .
6- قضاءُ وليِّ الميتِ صومَ النَّذْرِ عنه :
أ- لأنه دين عليه ألزم به نفسه .
ب- ولحديث ابن عباس رضي الله عنه : ( أنَّ امرأةً ركبت البحرَ فَنَذَرَتْ إِنِ الله تبارك وتعالى أَنْجَاها أنْ تصومَ شهراً ، فأنجاها الله عز وجل ، فلم تصُم حتى ماتت فجاءت قرابةٌ لها " إمّا أختُها أو ابنتُها " إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال : ( أرأيتُك لو كان عليها دينٌ كنتِ تقضينَه ؟ قالت : نعم ، قال : فدينُ الله أحقُّ أن يُقضى ، فاقضِ عن أُمِّك ) أخرجه أصحاب السنن وغيرهم .
ج- ولحديث ابن عباس أنَّ سعدَ بن عُبادة رضي الله عنه استفتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم : ( إنَّ أُمِّي ماتت وعليها نّذْرٌ ؟ فقال : اقْضِهِ عنها ) أخرجه الشيخان وغيرهما .
الفصل الثاني – مسائل في خلاف العلماء
1- خلاف العلماء في هل يصوم الولي عن الميت صوم الفرض ؟
القول الأول : ذهب الشافعية وغيرهم ، أن الولي يصوم عن الميت صوم الفرض أيضاً :
أ- لحديث عائشةَ رضي الله عنها أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال : ( مَنْ ماتَ وعليه صيامٌ صامَ عنه وليُّه ) أخرجه الشيخان وغيرهما .
ب- فالحديث يدلُّ بإطلاقه على الصوم ، فيشمل الفرض والنذر .
القول الثاني : وذهب الحنابلة أنه لا يصوم عنه الفرض :
أ- وحملوا حديث عائشة على صوم النذر فقط .
ب- بدليل ما روت عَمْرَةُ : ( أنَّ أمَّها ماتت وعليها من رمضانَ ، فقالت لعائشةَ : أقضيه عنها ؟ قالت : : لا ، بل تَصَدّقي عنها مكانَ كُلِّ يوم نصفَ صاعٍ على كُلِّ مسكين ) أخرجه الطحاوي
ج- ولحديث سعيد بن جُبير عن ابن عباس قال : ( إذا مرض الرجلُ في رمضانَ ، ثم مات ولم يصم ، أطعم عنه ولم يكن عليه قضَاءٌ ، وإن كان عليه نَذْرٌ قضى عنه وليُّه ) أخرجه أبو داود .
القول الراجح : هو القول الثاني أنه لا يصوم عنه الفرض :
أ- قال الألباني : " وهذا التفصيل الذي ذهبت إليه أم المؤمنين ، وحَبْرُ الأمَّة ابن عباس رضي الله عنهما ، وتابعَهما إمام السنة أحمد بن حنبل ، هو الذي تطمئن إليه النفسُ ، وهو أعدل الأقوالِ ، وفيه إعمالٌ لجميع الأحاديث دون ردٍّ لأيِّ واحد منها " .
ب- قال الألباني : " وقد بيّن المحقٍّقُ ابن القيم حديث عائشة فقال : " فطائفةٌ حملَتْ هذا على عمومه وإطلاقه ، وقالت : " يُصام عنه النذر والفرضُ ، وأبَتْ طائفةٌ ذلك وقالت : لا يُصامُ عنه نذرٌ ولا فرضٌ ، وفصّلت طائفةٌ فقالت : يُصام عنه النذرُ دون الفرض الأصليّ ، وهذا قول ابن عباس وأصحابه وهو الصحيحُ ، لأن فرض الصيام جارٍ مجرى الصلاة ، فكما لا يُصلي أحدٌ عن أحد ، ولا يُسلم أحدٌ عن أحد ، فكذلك الصيامُ ، وأما النذرُ فهو التزامٌ في الذمةِ بمنزلة الدَّينِ ، فيقبلُ قضاءُ الوليِّ له كما يقضي دينَه ، وهذا محضُ الفقهِ ، وطَرْدُ هذا أنّه لا يَحُجُّ عنه ، ولا يُزَكِّي عنه ، إلا إذا كان معذوراً بالتأخير كما يطعمُ الوليُّ عمَّن أفطر في رمضانَ لعُذْر ، فأمّا المُفَرِّطُ من غير عُذر أصلاً ، فلا ينفعه أداءُ غيره لفرائضِ الله التي فَرَّط فيها حتى مات ، وكان هو المأمورَ بها ابتلاءً وامتحاناً دون الوليِّ .." ".
2- خلاف العلماء في وصول ثواب العبادات البدنية كالصلاة وتلاوة القرآن :
قال شيخ الإسلام بن تيمية : " اتفق الأئمة على انتفاع الميت بالدعاء له وما يعمل عنه من البر ، وهذا مما يعلم بالضرورة من دين الإسلام ، وقد دلّ عليه الكتاب والسنة والإجماع ، فمن خالف ذلك كان من أهل البدع ، ولم يخالف في هذه الأحاديث الصحيحة الصريحة من بلغته ، وإنّما خالفها من لم تبلغه " فاختلف العلماء في العبادات البدنية والمحضة كالصلاة والصوم وتلاوة القرآن والذكر ، اختلف العلماء في الأعمال التي يصل ثوابها للميت إلى قولين :
القول الأول : يرون وصول الثواب إلى الميت :
ذهب الحنفية والحنابلة ومتأخرو الشافعية والمالكية وجمهور السلف إلى وصول ثوابها من الحي إلى الميت والحي ، واستدلوا بما يلي :
1) أن الميت ينتفع بما تسبب إليه ، للحديث : ( إذا مات ابن آدم انقطع علمه إلا من ثلاث ..) ، وحديث : ( من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها ، ومن سنّ سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر ما عمل بها من بعده ..) .
2) إن الميت ينتفع بغير ما تسبب به في القرآن والسنة والإجماع وقواعد الشرع ، أما القرآن فقوله تعالى : â úïÏ%©!$#ur râä!%y` .`ÏB öNÏdÏ÷èt/ cqä9qà)t $uZ/u öÏÿøî$# $oYs9 $oYÏRºuq÷z\}ur úïÏ%©!$# $tRqà)t7y Ç`»yJM}$$Î/ á ( 10 : الحشر ) ، وفي السنن عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا صليتم على الميت فأخلِصوا له الدعاء ) ، وفي حديث مسلم : ( كان صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر يقولون : ( السلام عليكم ...) .
3) وصول ثواب الصدقة ، في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها في الرجل الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم : ( إنَّ أمي ماتت ولم توصِ ، أفلها أجر إن تصدقت عنها ؟ ، قال : نعم ) ، وفي مسلم عن أبي هريرة أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم : ( إنّ أبي مات ولم يوص فهل يكفي إن تصدقت عنه ؟ قال : نعم )
4) وصول ثواب الصوم ، حديث أبي هريرة : ( من مات وعليه صوم صام عنه وليه ) ، وفي الصحيحين عن ابن عباس قال : ( جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله : إنّ أمي ماتت وعليها صوم شهر ، أفأقضيه عنها ؟ قال نعم ، دين الله أحق أن يقضى ) .
5) وأما وصول ثواب الحج ، ففي صحيح البخاري عن ابن عباس : ( أنّ امرأة قالت يا رسول الله : إنّي أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت ، أفأحج عنها ؟ قال : حجي عنها ، فالله أحق بالقضاء )
6) قال ابن القيم : " هذه نصوص متظاهرة على وصول ثواب الأعمال إلى الميت إذا فعلها الحي عنه ، فأي نص أو قياس أو قاعدة من قواعد الشرع يوجب وصول أحدهما ويمنع وصول الآخر ، فوصول الجميع محض القياس ، فإن الثواب حق للعامل ، فإذا وهبه لأخيه المسلم لم يمنع ذلك ، كما لم يمنع من هبة ماله في حياته وإبرائه منه بعد " .
7) وقال أيضاً : " من صام أو صلى أو تصدق وجعل ثوابه لغيره من الأموات والأحياء جاز ثوابها إليهم عند أهل السنة والجماعة ويحصل له الثواب بنية ذلك ، ولكن تخصيص صاحب الطاعة نفسه أفضل ، ويدعو كما ورد في الكتاب والسنة " .
8) وقال أيضاً : " والعبادات قسمان : مالية وبدنية ، وقد نبَّه الشارع بوصول ثواب الصدقة على وصول سائر العبادات المالية ، ونبه بوصول ثواب الصوم على وصول سائر العبادات البدنية ، وأخبر بوصول ثواب الحجِّ المركب من المالية والبدنية ، فالأنواع الثلاثة ثابتة بالنص والإعتبار " .
9) قال ابن قدامه في المغني : " والأحاديث التي وردت في وصول الثواب إلى الميت أحاديث صحاح وفيها دلالة على انتفاع الميت بسائر القُرَب ، لأن الصوم والدعاء والاستغفار عبادات بدنية ، وقد أوصل الله نفعها إلى الميت ، فكذلك ما سواها " .
10) قال في شرح الزاد وغيره من كتب الحنابلة : " وأي قُربة من دعاء واستغفار وصلاة وصوم وحج وقراءة وغير ذلك فعلها مسلم ، وجعل ثوابها لميت مسلم ، أو حي نفعه ذلك " .
11) قال الإمام أحمد : " الميت يصل إليه كل شيء من الخير للنصوص الواردة فيه "
12) قال ابن القيم : " أما قوله تعالى : â wur âÌs? ×ouÎ#ur uøÍr 2t÷zé& á ( 18 : فاطر ) ، وقوله تعالى : â br&ur }§ø©9 Ç`»|¡SM~Ï9 wÎ) $tB 4Ótëy á ( 39 : النجم ) ، فالآية لم تنف انتفاع الرجل بسعي غيره ، وإنما نفت ملكه لسعي غيره ، وبين الأمرين من الفرق ما لا يخفى ، وأما سعي غيره فهو ملك لساعية ، فإن شاء أن يبذله لغيره ، وإن شاء أن يُبقِيه لنفسه ، وكان شيخنا يختار هذه الطريقة ويرجحها ".
13) وقال أيضاً : " وأما الاستدلال بحديث : ( إذا مات ابن آدم ، ...) ، فاستدلال ساقط ، فإنه صلى الله عليه وسلم لم يقل انقطع انتفاعه ، فالمنقطع شيء والواصل شيء آخر " .
14) وقال أيضاً : " وأما القول لو نفعه عمل غيره لنفعه توبته عنه وإسلامه عنه ، فالجواب : إنَّ هذا جمع بين ما فرق الله بينه ، كما يقاس الربا على البيع ، والميتة على المذكي " .
15) وقال أيضاً : " وأما القول بأن العبادات نوعان : نوع تدخله النيابة ، ونوع لا تدخله النيابة ، وشرع في فرض الكفاية أنه إذا فعله من يكفي سقط عن الباقين " وقال : " ولهذا يصح ثواب جميع الأعمال من الحي إلى الميت والحي " .
16) قال شيخ الإسلام بن تيمية : " يصل إلى الميت قراءة أهله من التسبيح والتكبير وقراءة القرآن وسائر الذكر ، إذا أهدوه إلى الميت وصل إليهم " .
17) قال سيد سابق : " والقائلون بوصول ثواب القراءة إلى الميت ، يشترطون أن لا يَخُذَ القارئ على قراءته أجراً ، فإن أخذ القارئ أجراً على قراءته حُرِّمَ على المُعْطي والآخذِ ولا ثواب على قراءته ، لما رواه أحمد وغيره عن عبدالرحمن بن شِبْل : أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( اقرؤوا القرآن ، واعملوا … ولا تَجْفوا عنه ولا تُغْلُوا فيه ، ولا تأكلوا به ، ولا تستكثروا به ) ".
القول الثاني : يرون عدم وصول ثواب العبادات البدنية المحضة لغير فاعلها :
وذهب متقدمو الشافعية ومتقدمو المالكية إلى عدم وصول ثواب العبادات البدنية المحضة لغير فاعلها ، واستدل المانعون ، بأدلة منها :-
1) قوله تعالى : â br&ur }§ø©9 Ç`»|¡SM~Ï9 wÎ) $tB 4Ótëy á ( 39 : النجم ) ، قال ابن كثير : " أي كما لا يحمل وزر غيره ، كذلك لا يحصل له من الأجر إلا ما كسب لنفسه " ، ومن هذا الآية استنبط الشافعي رحمه الله ومن تبعه : " أنّ القراءة لا يصل ثوابها إلى الموتى ، لأنه ليس من عملهم ولا كسبهم " .
2) واستدلوا بما أخرجه مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا مات ابن آدم انقطع علمه إلا من ثلاث : ولد صالح يدعو له ، أو صدقة جارية ، أو علم ينتفع به من بعده ) ، وهذه الثلاثة هي من سعيه وجدّه وعمله ، كما جاء في الحديث : ( إنَّ أطيب ما أكل الرجل من كسبه ، وإنّ ولده من كسبه ، والصدقة الجارية ) ، كما أنَّ الوقف ونحوه من أثر علمه ، وقد قال تعالى : â $¯RÎ) ß`øtwU ÌÓ÷ÕçR 4tAöqyJø9$# Ü=çGò6tRur $tB (#qãB£s% öNèdt»rO#uäur á ( 12 : يس ) ، والعلم الذي نشره في الناس إذا اهتدى به الناس من بعده هو أيضاً من سعيه وعمله ، وجاء في الصحيح أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من دعاء إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه من غير أن يَنْقُصَ من أجورهم شيئاً ) .
3) قال شيخ الإسلام بن تيمية : " أفضل العبادات ما وافق هدي النبي صلى الله عليه وسلم وهدي أصحابه " ، وقال ابن مسعود : " من كان منكم مستنّاً فليستن بمن مات ، أولئك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم " ، والقرون المفضلة كانوا يدعون للمؤمنين المؤمنات كما أمر الله بذلك لأحيائهم وأمواتهم ، ولم يكن من عادتهم إذا صلوا أو صاموا تطوعاً أو حجوا أو قرأوا القرآن يُهدون ذلك لأمواتهم المسلمين بل كان عاداتهم الدعاء لهم فلا ينبغي للناس أن يَدَعوا طريق السلف فإنه أفضل وأكمل
4) العبادات نوعان : " نوع تدخله النيابة كالصدقة والحج ، فهذا يصل ثوابه إلى الميت ، ونوع لا تدخله النيابة بحال كالإسلام والصلاة والقراءة والصيام ، فهذا النوع يختص بفاعله ولا يتعداه ولا ينتقل عنه ، كما أنَّ في الحياة ما لا يفعله أحد عن أحد .
5) وقد جاء في سنن النسائي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يصلين أحد عن أحد ، ولا يصومن أحد عن أحد ولكن يُطعِمُ عنه ) .
6) معارَض بالقياس الجلي على الصلاة والإسلام والتوبة ، فإن أحداً لا يفعلها عن أحد .
القول الراجح والعلم عند الله هو :
1) أنّ الأعمال التي يجوز أن يُنيب فيها الإنسان وهو حي ، مثل الحج والصدقة ، كأن يكون مريضا ولم يحج الفرض ولا يستطيع ذلك ، فله أن ينيب عنه من يحج عنه ، فقال العلماء : " إن الميت يصله ثواب الحج بعد موته إذا كان هذا الحج عنه فرضاً ، أما غير الفرض فلا يصله منها إلا الدعاء إذا كان أدىَ من مال الميت .
2) أما الأعمال التي لا يجوز الإنابة فيها على قيد الحياة مثل الصلاة أو الإسلام أو قراءة القرآن فإن مثل هذه لا ينتفع الميت بها لو أديت بعد موته .
3) قال الشافعي : " أنَّ القراءة لا يصلُ إهداءُ ثوابها إلى الموتى لأنه ليس من عملهم ولا من كسبِهم ، ولهذا لم يَنْدُب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أُمَّتَه، ..، وباب القُرُباتِ يُقْتَصَرُ فيه على النُّصوص ولا يُتَصرفُ فيه بأنواع الأقيسةِ والآراءِ ) .
4) وقال العزُّ بن عبدالسلام في الفتاوى : " ومن فعل طاعةً لله تعالى ، ثم أهدى ثوابَها إلى حيٍّ أو ميتٍ ، لم يُنقل ثوابُها إليه ، فإنْ شرع في الطاعةِ ناوياً أن يَقَعَ عن الميتِ لم يقع عنه ، إلا ما استثناه الشرعُ كالصدقةِ والصومِ والحجِّ " .
5)قال الخطابي : " في الحديث ( إذا مات ابن آدم انقطعَ عنه عملُه إلا من ثلاثِ أشياء ..) فيه دليل على أنّ الصوم والصلاةَ وما دخل في معناهما من عَمَل الإبدان لا تجري فيها النيابةُ وقد يُستَدلُّ به من يذهبُ إلى أنّ من حَجَّ عن ميتٍ فإن الحجّ للحاج دون المحجوج عنه ، وإنّما يلحقه الدعاء ، ويكون له الأجرُ في المال الذي أعطي إن كان حجَّ عنه بمال " .
6)وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : " ولم يكن من عادةِ السلفِ إذا صلَّوا تطوعاً أو حجُّوا تطوعاً ، أو قرءوا القرآنَ يُهدون ثوابَ ذلك إلى أمواتِ المسلمين ، فلا ينبغي العدولُ عن طريق السلف فإنّه أفضلُ وأكملُ " .
7) وقال الألباني :" وللشيخ ابن تيمية رحمه الله قول آخر في المسألة ، خالف فيه ما ذكره آنفاً عن السلف ، فذهب إلى أنَّ الميتَ ينتفعُ بجميع العبادات من غيره ، وتبنى هذا القول ابن القيم ، وقد أورد خلاصة كلامه العلامة السيد محمد رشيد رضا في تفسير المنار ثم ردّ عليه ردّاً علميا قويا " .
3- قال في شرح الزاد : " وأيُّ قربةٍ فعلها ، وجعل ثوابها لمسلم ميتٍ أو حيٍّ نفعه " :
أ- قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله : " وقول المؤلف " أي قربة " لم يخصصها بالقربة المالية ولا البدنية بل أطلق ، نحو أن يصوم شخص يوماً عن شخص آخر تطوعاً ، أو رجل حج ونوى ثوابه لشخص ، أو رجل تصدق بمال عن شخص ، فيقول المؤلف : ينفعه ما دام مسلماً "
ب- وقال أيضاً : " فإن كان ميتاً ، ففعل الطاعة عنه قد يكون متوجهاً ، لأن الميت محتاج ولا يمكنه العمل لكن إن كان حياً قادراً على أن يقوم بهذا العمل ففي ذلك نظر ، لأنه يؤدي إلى اتكال الحي على هذا الرجل الذي تقرب إلى الله عنه وهذا لم يعهد عن الصحابة رضي الله عنهم ولا عن السلف الصالح "
ج- وقال أيضاً : " وإنما الذي عهد منهم هو جعل القُرَب للأموات ، أما الأحياء فلم يعهد ، اللهم إلا ما كان فريضة كالحج ، فإن ذلك عُهد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، لكن بشرط أن يكون المحجوج عنه عاجزاً عجزاً لا يُرجى زواله " .
د- وقال أيضاً : " ولكن هل فعل العامة اليوم على صواب ، فهم لا يعملون شيئاً إلا جعلوه لوالديهم وأعمامهم وأخوالهم ، حتى في رمضان يقرؤون القرآن وأول ختمة للأم ، والثانية للأب ، والثالثة للجدة ، وهكذا ، وكذلك في مكة يعتمرون ، الأولى له ، واليوم الثاني لأمه ، والثالث لأبيه ، والذين لا يعتمرون يطوفون ويكثرون الطواف لموتاهم ، فهذا غلط شديد ليس من هدي السلف "
هـ وقال أيضاً : " مع أنّ هادي الخلق ودالَّهم إلى الله محمداً صلى الله عليه وسلم لم يرشد الأمة إلى هذا ، فإنه قال : ( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له ) أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة ، فالحديث في سياق الأعمال النافعة التي تنفع الإنسان ، فلم يقل : أو ولد صالح يعمل له ، فيدل على أنه ليس من المشروع أن تجعل الأعمال للأموات ، وإن كنت تريد أن تنفعهم فادع لهم " .
و- وقال أيضاً : " ونحن لا ننكر أن الميت ينتفع ، لكن ننكر أن تكون المسألة بهذا الإفراط ، فكل شيء يجعل للأموات ! ، فأمواتنا محتاجون وأعمالهم منقطعة ، فنقول : ادع لهم ، فبدل أن تجعل العمل الصالح لهم ، اجعله لنفسك وادع الله لهم ، وهذا خيرٌ لك وأفضل ، وأخذٌ بتوجيه النبي صلى الله عليه وسلم " .
المبحث السابع عشر
زيارة القبور
1- أجمع العلماء على استحباب زيارة القبور للرجال :
أ- وذلك للدعاء لهم وللإتعاظ وتذكر الآخرة شريطة أن لا يقول عندها ما يغضب الله تعالى ، كدعاء أهلها والاستغاثة بهم من دون الله تعالى أو تزكيتهم والقطع لهم بالجنة ، أو مخالفة للشرع ونحو ذلك من الأعمال الشركية .
ب- لحديث بُريدة بن الحُصيب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنِّي كنتُ نهيتُكم عن زيارةِ القُبورِ فزورُوها فإنّها تُذَكِّرُكم الآخرة ، وَلْتَزِدْكُم زيارتُها خيراً ، فمن أرادَ أن يزورَ فيزُر ، ولا تقولوا هُجراً ) أخرجه مسلم وغيره . هُجراً : الكلام الباطل .
ج- قال الألباني : " ولا يخفى أنّ ما يفعلهُ العامّةُ وغيرهُم عند الزيارة من دُعاءِ الميتِ والاستغاثةِ به وسؤالِ الله بحَقِّهِ ، لَهَو من أكبرِ الهُجْرِ والقول الباطل ، فعلى العلماءِ أن يُبَيِّنُوا لهم حُكمَ الله في ذلك ، ويُفَهِّمُوهم الزيارةَ المشروعةَ والغايةَ منها " .
د- وقال الصنعاني : " والكُلُّ دالٌّ على مشروعية زيارةِ القُبورِ وبيانِ الحكمةِ فيها ، وأنّها للاعتبار ، فإذا خَلَتْ من هذهِ لم تكُن مُرادةً شرعاً " .
هـ ولحديث أبي سعيد الخُدْري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنِّي نَهَيْتُكُم عن زيارةِ القُبورِ فَزُوروها فإنّ فيها عِبْرةً ولا تقولُوا ما يُسْخِطُ الربّ ) رواه أحمد والحاكم والبيهقي .
2- تشرع زيارة القبور كل وقت ليلاً أو نهاراً :
أ- ولم يرد تخصيصها بأوقات معينة ، فعن عائشة رضي الله عنها قالت : ( لما كانت ليلتي التي كان النبي صلى الله عليه وسلم فيها عندي ... فخرج ... حتى جاء البقيع فقام فأطال القيام ثم رفع يديه ثلاث مرات ...) رواه مسلم .
ب- قال الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله : " المشروع أن تزار القبور في أي وقت تيسر للزائر من ليل أو نهار ، أما التخصيص بيوم معين أو ليلة معينة فبدعة لا أصل له " .
ج- وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله : " لا تتقيد الزيارة بيوم معين ، بل تستحب ليلاً ونهاراً في كل أيام الاسبوع ... وأما تخصيص الزيارة يوم الجمعة وأيام الأعياد فلا أصل له ، ليس في السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك " .
3- اختلف العلماء على استحباب زيارة القبور للنساء :
القول الأول : ذهب الحنفية إلى استحباب زيارة النساء للقبور كالرجال لما يلي :
أ- مُشارَكَتُهُنَّ الرجالَ في العلةِ التي مِن أجِلها شُرعت زيارةُ القبورِ ، لحديث أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كُنْتُ نَهَيْتُكُم عن زيارةِ القُبورِ ، ألا فَزُوروها فإنّها تُرِقُّ القلبَ وتُدِمْعُ العينَ ، وتُذَكِّرُ الآخرةَ ، ولا تقُولوا هُجراً ) أخرجه الحاكم وأحمد .
ب- عموم قوله صلى الله عليه وسلم بالأمر بالزيارة بدون تخصيص : ( فَزورُوا القُبورَ فإنّها تُذَكِّرُ الموتَ ) أخرجه مسلم وأبو داود ، من حديث أبي هريرة ، والأصل أنّ الأوامر عامة ما لم يرد ما يخصصها ، وهذه الكلمة يندرج تحتها الرجال والنساء .
ج- استدلوا بجواز زيارة النساء للقبور بحديثين حفظتْهُمُا لنا أم المؤمنين عائشةُ رضي الله عنها ، منها حديث عبدالله بن أبي مُليكة : ( أنَّ عائشةَ أقبلَتْ ذاتَ يومٍ من المقابرِ ، فَقُلْتُ لها : يا أَمَّ المؤمنين ، من أينَ أقبلتِ ؟ قالت : من قَبْرِ عبدالرحمن بن أبي بكر ، فقلتُ لها : أليس كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم نهى عن زيارةِ القبورِ ؟ قالت : نعم ثم أمرَ بزيارتِها ، وفي روايةٍ عنها : أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رخّص في زيارة القبور ) أخرجه الحاكم والبيهقي وابن ماجة .
د- استدلوا بإقرار النبيِّ صلى الله عليه وسلم المرأةَ التي رآها عند القبرِ في حديث أنَس رضي الله عنه : ( مرَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بامرأةٍ عند قبرٍ وهي تَبكي ، فقال لها : اتَّقي واصبري ، فقالت : إليك عني ، فإنّك لم تُصَب بمصيبتي !... ،فقالت : يا رسول الله إنِّي لم أَعْرِفْك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنَّ الصبر عند أول الصدمة ) رواه البخاري وغيره .
هـ وترجم له البخاري " بابُ زيارة القُبور " ، قال الحافظ في الفتح : " وموضعُ الدلالةِ منه أنّه صلى الله عليه وسلم لم يُنكِر على المرأةِ قعودَها عند القبر ، وتقريرهُ حُجَّة " .
و- قال الألباني : " أنّ النهي كان في مكة ،والقصة وقعة بعد النهي وهي مدنية لأن أنس جاءت به أمه أم سليم إلى النبي حين قدم المدينة ، فتمّ الاستدلال بها على الجواز " .
ل- وقال العَيْنيُّ في العمدة : " وفيه جوازُ زيارةِ القبورِ مُطْلقاً ، سواءٌ كان الزائر رجلاً أو امرأةً ، وسواءٌ كان المزورُ مسلماً أو كافراً ، لِعَدَمِ الفَصْلِ في ذلك " .
ك- وقال النووي : " وبالجوازِ قَطَع الجمهورُ " .
م- وقالوا المقصود في الحديث بزوارات القبور ، أي كثيرات الزيارة ، وليست الزيارة القليلة ، ولذلك لا يجوز لهن الإكثارُ من زيارةِ القُبورِ والتردُّد عليها ، لأن ذلك قد يُفْضي بهنَّ إلى مُخالفةِ الشريعةِ ، مثل الصياح والتبرُّج واتخاذِ القبورِ مجالسَ للنُّزهةِ ، وتضييعِ الوقتِ في الكلام الفارغ ، ولقلة صبرهنّ وكثرة جزْعِهنّ ، وهذا هو المراد بالحديث : ( لَعَن رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، وفي لفظ : لعن الله ، زَوَّارات القُبور ) رواه الترمزي وغيره من حديث أبي هريرة .
ن- قال القرطبي : " اللعنُ المذكورُ في الحديثِ إنما هو للمكثراتِ من الزيارة لما تقتضيه الصيغة من المبالغة ، ولعل السبب ما يُفضي إليه ذلك من تضييع حق الزوج والتبرج وما ينشأ من الصياح " .
م- قال في شرح الزاد : " واختار كثير من العلماء جواز زيارة النساء للقبور بشرط الصبر وعدم الجزع وعدم التبرج ، وأن يكون معها محرم " ولأن عائشة زارت قبر أخيها عبدالرحمن ، ولعموم قوله تعالى : ( كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ) .
س- قال الألباني : " لفظ " زَوَّرات" يدل على لعنِ النِّساء اللاَّتي يُكثِرْن الزيارةَ ، بخلاف غيرهنّ فلا يشملُهنّ اللعنُ ، فلا يجوز حينئذٍ أنْ يُعارضَ بهذا الحديث ما سبق من الأحاديثِ الدالّةِ على استحبابِ الزيارةِ للنساء ، لأنّه خاصٌّ وتلك عامةٌ ، فيُعمل بكُلٍّ منهما في محلِّه ، فهذا الجمعُ أولى من دعوى النَّسخِ وإلى نحو ما ذَكَرْنا ذهب جماعةٌ من العُلَماء " .
ص- قال القُرْطُبيُّ : " الَّلْعن المذكورُ في الحديثِ إنّما هو للمُكْثراتِ من الزِّيارةِ لِمَا تقتضيهِ الصِّيغةُ من المُبالَغةِ ولعلَّ السببَ ما يُفضي إليه ذلك من تَضْييعِ حقِّ الزَّوْج والتبرُّجِ ، وما ينشأ من الصِّياحِ ونحو ذلك ، وقد يُقال : إذا أُمِنَ جميعُ ذلك فلا مانِعَ من الإِذْنِ لَهُنَّ ، لأنَّ تذكُّرَ الموتِ يحتاجُ إليه الرجالُ والنساءُ "
ض- قال الشوكاني : " وهذا الكلام هو الذي ينبغي اعتماده في الجمع بين أحاديث الباب المتعارضة في الظاهر " .
القول الثاني : وهو الراجح ذهب جمهور العلماء والأئمة الثلاثة إلى كراهة زيارة النساء للقبور لما يلي :
أ- لحديث أبي هريرة : ( لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي لفظ : لعن الله ، زوارات القبور ) أخرجه أصحاب السنن .
ب- لأن النساء لديهن من الرقة ما يجدد لهن المصائب والحزن والبكاء ، وربما جرى منهن ما ينافي الصبر الواجب ،ولأنهن قليلات التحمل فقد يفعلن المحرمات من لطم الخدود والنياحة وغيرها ، وقد يكون سبباً للفتنة في موضع يذكر بالآخرة .
ج- قال في شرح الزاد : " تُسَنُّ زيارةُ القُبُورِ إلا النساءِ " فتُكره لهنَّ زيارتها ، لأن المرأة قليلة الصبر سريعة الإنفعال ، فلا يؤمن تهييج حزنها برؤية قبور الأحبة فيحملها ذلك على فعل محرم .
د- قال الشيخ محمد بن عثيمين : " والصحيح أن زيارة المرأة للقبور من كبائر الذنوب ، لأنّ اللعن لا يكون إلا على كبيرة من كبائر الذنوب ، ولأن المرأة ضعيفة التحمل ، قوية العاطفة ، سريعة الإنفعال فلا تتحمل أن تزور القبر ، وإذا زارته حصل لها من البكاء والعويل وربما شق الجيوب ولطم الحدود ونتف الشعور وما أشبه ذلك ".
هـ وإذا لم يؤمن جميع ذلك فالأفضل عدم زيارة النساء للقبور لضعفهن وقلة عقولهن ودينهن وللمحاذير التي قد تنتج من جراء ذلك وخاصة في الأزمنة البعيدة عن القرون المفضلة .
و- ذكر منار السبيل : " ولكن إذا اجتازت المرأة بقبر في طريقها ، فسلّمت عليه ودعت له فحسنٌ ، لأنها لم تخرج لذلك ".
ل- وقال الشيخ محمد بن عثيمين : " وإذا مرت المرأة بدون قصد الزيارة على مقبرة ، فلا حرج أن تسلم على أهل القبور ، وأن تدعو لهم " .
م- واستثنى الأصحاب من فقهاء الحنابلة : قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبر صاحبيه ، وقالوا : إنّ زيارة النساء لهذه القبور الثلاثة لا بأس بها ، وعللوا أنّ زيارتهن لهذه القبور الثلاثة لا يصدق عليها أنها زيارة ، لأنّ بينهن وبين هذه القبور ثلاثة جدر ، كما قال ابن القيم :
فأجاب رب العالمين دعائه وأحاطه بثلاثة الجدران
4- يجوزُ زيارةُ قبرِ من ماتَ على غيرِ الإسلامِ للعبرةِ فَقَط :
أ- لحديث أبي هُريرة رضي الله عنه قال : ( زار النبيُّ صلى الله عليه وسلم قبر أُمِّهِ ، فبكى ، وأبكى مَنْ حولَه فقال : استأذنتُ رَبي في أنْ استغفرَ لها فلم يُأْذَنْ لي ، واستأذنتهُ في أن أزورَ قبرَها فَأَذِنَ لي ، فَزورُوا القُبورَ فإنّها تُذَكِّرُ الموتَ ) أخرجه مسلم وأبو داود .
ب- قال النووي : " فيه جوازُ زيارةِ المشركين في الحياة ، وقبورِهم بعد الوفاة ، لأنّه جازَت زيارتُهم بعد الوفاة ، ففي الحياة أَوْلى ، وفيه النهي عن الاستغفار للكُفار " .
ج- قال عياضُ : " سببُ زيارِته صلى الله عليه وسلم قبرها ، أنّه قصد قُوةَ الموعظةِ والذكرى بمشاهدة قبرها " .
5- المقصودُ من زيارةِ القبورِ شيئان :
الأول : إنتفاعُ الزائرِ بِذِكِرِ الموتِ والموتى ، وأنّ مآلهُم إمّا إلى جنّةٍ وإمّا إلى نارٍ .
الثاني : نَفعُ الميتِ والإحسانُ إليه بالسلامِ عليه ، والدُّعاءِ والاستغفارِ له ، وهذا خاص بالمسلم ، لحديث عائشة رضي الله عنها : ( أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَخْرُجُ إلى البقيعِ ، فيدعو لهم ، فَسَأَلَتْهُ عائشةُ من ذلك ؟ فقال : إني أُمْرتُ أن أَدْعُوَ لهم ) أخرجه أحمد .
6- ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم عدة آثار في السلام على أهل المقابر منها :
أ- حديث عائشة قالت : كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم كُلّما كان ليلتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرجُ من آخِرِ الليلِ فيقول : ( السلامُ عليكُم أهلَ دارِ قوم مؤمنين ، وإنّا وَإيّاكم وما تُوْعَدُونَ غَدَاً مُؤَجَّلُون ، وإنّا إن شاءَ الله بِكُم لاحِقٌون ، اللهمَّ اغفِرْ لأهلِ بَقيعِ الغَرْقَدِ ) أخرجه مسلم
ب- ولحديث عائشة رضي الله عنها قالت : ( كيف أقولُ لهم يا رسولَ الله ؟ ، قال قولي : السلامُ على أهلِ الديارِ من المؤمنينَ والمُسلمين ، ويرحمُ الله المُستقدِمين منّا والمُستأخرين ، وإنّا إنْ شاء الله بكم لَلاحِقُون ) أخرجه مسلم وغيره .
7- أهل القبور يخاطبون مخاطبة السامع ، وليس مخاطبة الحجر :
أ- لحديث النبي صلى الله عليه وسلم : ( ما من مسلم يمر بقبر أخيه كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا ردّ الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام ) .
ب- قد صحح الحديث ابن عبد البر ، وذكره ابن القيم في كتاب الروح وأقره عليه .
ج- لا يبعد أن يكون أهل المقبرة عموماً إذا سلم عليهم يسمعون .
د- قال ابن القيم : " والأحاديث والآثار تدل على أن الزائر متى جاء عَلِمَ المَزُورُ ، وسَمِعَ كلامه ، وأنسِ به ، وهذا عام في حق الشهداء وغيرهم ، وأنه لا توقيت في ذلك "
هـ قال الشيخ تقي الدين : " استفاضت الآثار بأنه يرى وبأنه يدري بما فُعِل عنده ، ويُسَرٌّ بما كان حسناً ، ويتألم بما كان قبيحاً " .
و- وأما قول الله تعالى : â y7¨RÎ) w ßìÏJó¡è@ 4tAöqyJø9$# á ( 80 : النمل ) ، أي موتى القلوب ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يخرج لأهل القبور يدعوهم . .
8- قراءةُ القرآن عند زيارة القبور لا أصلَ لها في السُّنَّةِ :
أ- وقد نهى جماعة من السلف عن ذلك ، والأحاديث المذكورةُ سابقاً ، تُشعر بعدم مشروعيّتها ، إذ لو كانت مشروعةً ، لفعلها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وعَلَّمها أصحابه .
ب- لا سيَّما : ( وقد سأَلَتْه عائشةُ رضي الله عنها ، وهي أحبِّ الناس ِ إليه صلى الله عليه وسلم عمّا تقولُ إذا زارت القُبورَ ؟ فَعَلَّمها السلامَ والدُّعاءَ ، ولم يُعلِّمها أن تقرأ الفاتحة أو غيرَها من القرآن ) .
ج- ولحديث بريدة قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمهُم إذا خرَجوا إلى المقابرِ ، فكان قائلُهم يقول : السَّلامُ عليكم أهلَ الديار من المؤمنين والمُسلمين ، وإنّا إنْ شاءَ الله بكم لَلاحِقُون ، أنتم لنا فَرَطُ ، ونحنُ لكُمْ تَبَعٌ ، أسألُ الله لنا ولكم العافيةَ ) أخرجه مسلم والنسائي وابن ماجة .
د- ومّما يقوي عدم المشروعية قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا تَجْعَلُوا بيوتَكم مقابرَ ، فإنَّ الشيطانَ يفرُّ من البيت الذي فيهِ سورةُ البقرةِ ) ، أخرجه مسلم وغيره ، ولحديث ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( صَلُّوا في بُيُوتِكم ، ولا تَتَّخِذوُها قُبوراً ) أخرجه مسلم وغيره .
هـ فقد أشار صلى الله عليه وسلم إلى أنَّ القبور ليست موضِعاً للقراءة والصلاة ، فلذلك حضَّ على قراءة القرآن والصلاة في البُيُوت ونهى عن جعلها كالمقابر التي لا يقرأُ فيها ولا يُصلّى فيها .
و- ولذلك كان مذهب جمهور السلف كأبي حنيفةَ ومالكٍ وغيرهم كراهةَ القراءة عند القبور ، وهو قول الإمام أحمد ، فقال أبو داود : " سمعتُ أحمدَ سُئل عن القراءةِ عند القبر ؟ فقال : لا " ، وقال مالكٌ : " ما علمتُ أحداً يفعلُ ذلك ، فَعُلم أنّ الصحابّة والتابعين ما كانوا يَفعَلُونَه " .
ل- وقال شيخ الإسلام بن تيمية : " والقراءةُ على الميّت بعد موتهِ بدعةٌ " .
9- يجوزُ رفُع اليدينِ في الدُّعاء للأموات عند القبور :
لحديث عائشةَ رضي الله عنها : قالت : (... فوقف صلى الله عليه وسلم في أدنى البقيع ثم رفع يديهِ ثم انصرف ) أخرجه أحمد .
10- يكره استقبال القبور حين الدعاء لها ، بل تُستقبل الكعبة :
أ- لنهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن الصلاةِ إلى القبورِ ، والدعاءُ هو مُخُّ العبادةِ ومُخُّ الصلاةِ ولبُّها ، كما هو معروفٌ ، فله حُكْمُها .
ب- وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( الدعاءُ هو العبادةُ ، ثم قرأ : â tA$s%ur ãNà6/u þÎTqãã÷$# ó=ÉftGór& ö/ä3s9 á ) ( 60 : غافر ) أخرجه البخاري والترمزي وغيرهما ، ولحديث أنس بن مالكٍ مرفوعاً بلفظِ : ( الدعاءُ مُخُّ العبادة ) أخرجه الترمزي .
ج- قال الألباني : " فإذا كان الدعاءُ من أعظمِ العبادةِ فكيفَ يتوجَّه به إلى غير الجهةِ التي أَمَرَ باستقبالها في الصلاة ، ولذلك كان من المُقَرَّر عند العلماءِ المُحَقِّقين أنه لا يُستقبل بالدُّعاء إلا ما يستقبلُ بالصلاة "
د- وعند الإمام أحمد وأصحاب مالك : " أنّ المشروع استقبالُ القِبْلَة بالدُّعاء حتى عند قبرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بعد السلام عليه " .
هـ وقال النووي في المجموع : " ولا يستلمُ القبرَ بيده ، ولا يُقَبِّلُهُ ، وعلى هذا مضتِ السُّنَّةُ ، والذي يفعله العوام اليوم من المبتدعاتِ المنكرةِ شرعاً ، فمن قَصَدَ السلامَ على مَيِّتٍ سلّم عليه من قبلِ وجههِ ، وإذا أراد الدُّعاء تحوّل عن موضِعِه ، واستقبلَ القبلة " .
11- إذا زار المسلم قبرَ الكافرِ فلا يُسَلّم عليه ولا يَدعو له بل يُبَشِّرهُ بالنار :
أ- لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم لحديث سعد بن أبي وقّاص : ( جاء إعرابيٌّ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال : إنَّ أبي كان يَصِلُ الرَّحِمَ ، وكان ، وكان ، فأينَ هو ؟ قال : في النارِ ، فكأنَّ الأعرابيَّ وجد من ذلك ، فقال : يا رسولَ الله ! فأينَ أبوك ؟ ، قال : حَيْثُما مررتَ بقبرِ كافرٍ ، فَبَشِّرْهُ بالنَّارِ ) ، قال : فأسلمَ الأعرابيُّ بعدُ ذلك ، فقال : كَلَّفني رسول الله صلى الله عليه وسلم تَعَباً ! ما مررتُ بقبر كافرٍ إلا بَشَّرْتُه بالنار ) أخرجه الطبراني وابن ماجة .
ب- ولحديث أبي هريرة مرفوعاً : ( إذا مَرَتُم بقُبورِنا وقبُورِكم من أهلِ الجاهليةِ ، فأَخبروهم أَنَّهم من
أهل النار ) رواه ابن السُّني .
12- لا يُشْرَعُ وضعُ الطيب والرَّيَاحينِ والوُرودِ على القبورِ :
أ- لأنه لم يكن من فعل السَّلَفِ ولو كان خيراً لسبقونا إليه .
ب- قال ابن عمر : ( كلُّ بدعةٍ ضلالةٌ وإن رآها الناسُ حسَنةًً ) .
13- ولا يشرع بوضع جريد النخل على القبر :
أ- لكي يخفف له ، لأنه ادعى علم الغيب أنه يعذب ، وذلك خاص برسول الله صلى الله عليه وسلم .
ب- لحديث جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنِّي مررْتُ بقبرينِ يُعَذّبانِ ، فأحببتُ بشفاعتي أن يُرَدَّ عنهما ما دام الغِصْنان رطبين ) راه مسلم .
ج- فالحديث صريحٌ في أنَّ العذابِ إنّما هو بسبب شفاعتهِ صلى الله عليه وسلم ودعائهِ ، لا بسبب النَّداوة .
د- ولحديث ابن عباس في وضْع النبيّ صلى الله عليه وسلم شِقّي جريدة النَّخْلِ على القبرين وقوله : ( لعلّه يُخَفّف عنهما ما لم يَيْبَسا ) متفق عليه .
هـ قال الخطابي : " إنّه من التبرُّك بأَثر النبي صلى الله عليه وسلم ودُعائِهِ بالتخفيفِ عنهما ، وكأنّه جعل مُدَّة بقاءِ النداوةِ فيهما حَدَّاً لما وقعت به المسألةُ من تخفيفِ العذابِ عنهما ، وليس ذلك من أجلِ أنَّ الجريد الرَّطْبِ معنى ليس في اليابس " .
و- قال الألباني : " في حديث ابن عباس ورد لفظ ( ثم دعا بعسيبٍ فشقّه اثنين ) يعني طولا ، فإنّ من المعلوم أن شقّه سبب لذهاب النداوة من الشقّ ويُبسه بسرعةٍ ، فلو كانت هي العلة لوضع على كل قبر عسيبا أو نصفه على الأقل ، فدلّ على أن النداوة ليست هي السبب " .
14- زيارة القبور تستحب بثلاثة شروط :
أ- أن يكون الزائر من الرجال لا من النساء لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لعن الله زوّرات القبور )
ب- أن تكون بدون سفر ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا تشدّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد )
ج- أن يكون القصد منها الإتعاظ والاعتبار والدعاء للأموات .
ملاحظة : فإن كان القصد منها التبرك بالقبور والأضرحة وطلب قضاء الحاجات وتفريج الكربات من الموتى ، فهذه زيارة شركية بدعية محرمة .
15- زائر القبور لا يخلو من أربع حالات :
أ- السلام على الأموات ، والدعاء لهم ، ويسأل الله تعالى لهم المغفرة والرحمة ، ويخص من زاره منهم بالسلام والدعاء والاستغفار ، ويَعتَبِر بحال الموتى وما آلوا إليه ، فيُحْدِث له ذلك عبرة وذكرى وموعظة
، لأن العلة من زيارة القبور إنها تذكر الآخرة ، فهذه زيارة شرعية .
ب- أن يدعو الله تعالى لنفسه ولمن أحب عند القبور ، أو عند صاحب قبر خاص ، معتقداً أنَّ الدعاء في المقابر أو عند قبر الميت فلان أنَّه أفضل وأقرب للإجابة من الدعاء في المساجد ، فهذه بدعة منكرة .
ج- أن يدعو الله تعالى متوسلاً بجاههم أو حقهم ، فيقول " أسألك يا ربي أعطني كذا بجاه صاحب هذا القبر ، وبحقه عليك ، أو بمقامه عندك ونحو ذلك ، فهذه بدعة محرمة ، لأنها وسيلة إلى الشرك بالله تعالى
د- أن لا يدعو الله تعالى ، وإنّما يدعو أصحاب القبور ، أو صاحب هذا القبر ، كأن يقول : " يا ولي الله ، يا نبي الله ، يا سيدي أغنني أو أعطني كذا ، ونحو ذلك ، فهذا شرك أكبر .
16- قال شيخ الإسلام بن تيمية : " الزيارة على قسمين : شرعية وبدعية :
أ- فالشرعية المقصود منها السلام على الميت والدعاء له .
ب- والبدعية أن يكون مقصود الزائر طلب حوائجه من ذلك الميت ، وهذا شرك أكبر ، أو يقصد الدعاء عند قبره ، أو الدعاء به ، وهذه بدعة منكرة ووسيلة إلى الشرك " .
17- قال ابن القيم : " كان من هديه صلى الله عليه وسلم إذا زار قبور أصحابه ، يزورها للدعاء لهم والترحم عليهم والاستغفار لهم ، وهذه هي الزيارة التي سنّها لأمته وشرعها لهم ، وأمرهم أن يقولوا إذا زارها : " السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، نسأل الله لنا ولكم العافية " وكان هديه أن يقول ويفعل عند زيارتهم من جنس ما يقوله عند الصلاة على الميت من الدعاء والترحم والاستغفار ، فأبى المشركون إلا دعاء الميت ، والإقسام على الله به ، وسؤاله الحوائج والاستعانة به والتوجه إليه ، بعكس هديه صلى الله عليه وسلم فإنه التوحيد وإحسان إلى الميت ، وهدي هؤلاء شرك وإساءة إلى نفوسهم ، وإلى الميت لأنه لا يخلو من ثلاثة أمور : إما أن يدعو الميت ، وإما أن يدعو به ، وإما أن يدعو عنده ، ويرون أن الدعاء عنده أوجب وأولى من الدعاء في المسجد والأسحار ، ومن تأمل هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه تبين له الفرق بين الأمرين ، وبالله التوفيق " .
18- حكم زيارة القبور ودعوة الأموات عندها ؟
أولاً : سئل الشيخ محمد بن عثيمين : " نرجو منكم توجيه نصيحة لمن يزور القبور ويدعو الأموات وينذر لهم ويستغيث بهم ، لأنهم كما يزعم أولياء لله ؟
الجواب : " نصيحتنا لهؤلاء وأمثالهم أن يرجع الإنسان إلى عقله وتفكيره فهذه القبور التي يُزعم أنّ فيها أولياء تحتاج :
أولاً : إلى إثبات أنها قبور ، إذ قد يوضع شئ يشبه القبر ويقال : هذا قبر فلان ، كما حدث ذلك ، مع أنه ليس بقبر .
ثانياً : إذا ثبت أنها قبور ، فإنه قد يحتاج إلى إثبات أنَّ هؤلاء المقبورين كانوا أولياء لله ، لأننا ما ندري هل هم أولياء لله أم أولياء للشيطان .
ثالثاً : إذا ثبت أنهم من أولياء الله ، فإنهم لا يزارون من أجل التبرك بزيارتهم أو دعائهم ، أو الاستغاثة بهم والاستعانة بهم ، وإنما يزارون كما يزار غيرهم للعبرة والدعاء لهم فقط ، على أنه إن كان في زيارتهم فتنة أو خوف فتنة بالغلو فيهم فإنه لا تجوز زيارتهم دفعاً للمحظور ودرءاً للمفسدة .
فأنت أيها الإنسان حكّم عقلك ، فهذه الأمور الثلاثة التي سبق ذكرها لا بدّ أن تتحقق وهي :
أ- ثبوت القبر . ب- ثبوت أنه وليّ .
ج- الزيارة لأجل الدعاء لهم ، فهم في حاجة إلى الدعاء مهما كانوا ، فهم لا ينفعون ولا يضرون ، ثم إننا قلنا إن زيارتهم من أجل الدعاء لهم جائزة ما لم تستلزم محظوراً .
أما من زارهم ونذر لهم وذبح لهم أو استغاث بهم ، فإن هذا شرك أكبر مخرج عن الملة يكون صاحبه به كافراً مخلداً في النار " .
ثانياً : قال سيد سابق : " قد سرى عن تشييد أبنية القبور وتحسينها مفاسدُ يَبْكِي لها الإسلام ، منها اعتقاد الجهلة فيها كاعتقاد الكُفارِ في الأصنام ، وعظَّموا ذلك ، فظنّوا أنَّها قادرة على جلبِ النَّفعِ ودفْعِ الضرِّ فجعلوها مقصداً لطلبِ قضاء الحوائجِ ، وسألوا منها ما يسأل العبَادُ منْ ربهِم ، وسدُّوا إليها الرحال ، وتمسَّحُوا بها واستغاثوا بها ، وبالجملةِ إنهم لم يدعُوا شيئاً ممّا كانت الجاهلية تفْعَلُه بالأصنامِ إلا فعلوه ، فإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون ، ومع هذا المُنكر الشَّنِيعِ ، والكُفْرِ الفظيعِ ، لا تَجِدُ منْ يغضبُ لله ويَغَارُ حمِيَّةً للدين الحنيف لا عالماً ولا متعلماً ولا أميراً ولا وزيراً ولا مَلكاً ، وأنّ كثيراً من هؤلاء المقبورين إذا تَوجَّهَتْ عليه يمينٌ من جهة خصمه ، حلف بالله فاجراً ، فإذا قيل له بعد ذلك ، احلف بشيخك ومُعتقدك الوليَّ الفلانيَّ ، تلعثم وتلكأ وأبى واعترف بالحقِّ ، وهذا من أبين الأدلةِ على شركهم قد بلغ فوق شركِ من قال : ، إنّه تعالى ثاني اثنين ، أو ثالث ثلاثة ، فيا علماء الدين ، أي بلاء لهذا الدين أضَرُّ عليه من عبادة غير الله ، وأي مصيبة يُصابُ بها المسلمون تعدِلُ هذه المصيبة ، وأيُّ مُنكرٍ يجبُ إنكاره إنْ لم يكنْ إنكارُ هذا الشركِ البَيِّنِ واجباً " .
المبحث الثامن عشر
ما يَحْرُمُ عند القُبُور
1- الذبح لها والنحر عندها :
أ- لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا عَقْرَ في الإسلام ) ، قال عبدالرزَّاق بن همّام : " كانوا يَعِقْرون عند القبرِ بقرةً أو شاةً " .
ب- قال شيخ الإسلام بن تيمية : " وأما الذبحُ عند القبور فمنهيٌّ مطلقاً " .
ج-وقال النووي : " وأما الذبْحُ والعقْرُ عند القبرِ فمذمومٌ لحديث أنسٍ هذا ، رواه أبو داود والترمزي "
د- وقال الألباني : " وهذا إذا كان الذبحُ هناك لله تعالى ، وأمّا إذا كان لصاحب القبر كما يفعلُهُ بعضُ الجُهّال فهو شركٌ صريحٌ وأكلُه حرامٌ وفِسْقٌ ، كما قال تعالى : â wur (#qè=à2ù's? $£JÏB óOs9 Ìx.õã ÞOó$# «!$# Ïmøn=tã ¼çm¯RÎ)ur ×,ó¡Ïÿs9 á ( 121 : الأنعام ) ، أي والحالُ أنّه كذلك بأنْ ذُبح لغير الله ، إذ هذا هو الفسقُ هنا كما ذكره الله تعالى بقوله : â ÷rr& $¸)ó¡Ïù ¨@Ïdé& ÎötóÏ9 «!$# ¾ÏmÎ/ á ( 145 : الأنعام ) " .
هـ ولحديث ابن عباس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لَعَنَ الله ، وفي روايةٍ : مَلْعونٌ ، من ذَبَحَ لغير الله ) رواه أحمد .
2- رفعها زيادة عن التراب الخارج منها :
أ- يجوز رفع القبر بقدر ما يساعدُ عليه الترابُ الخارجُ منه ، وذلك يكونُ نحو شبرٍ ، لِيُعْرَفَ فيصُانَ ولا يُهانَ ، ويُزارَ ولا يُهْجَرَ .
ب- فعن أبي الهَيَّاج الأسَددى قال : ( قال لي عليُّ بن أبي طالب : ألا أبعثُك على ما بعثني عليه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : ( أن لا تَدَعَ تِمثالاً ، وفي رواية : صورَة في بيت ، إلا طَمَسْتَه ، ولا قبراً مُشْرِفاً إلا سَوَّيْتَهُ ) أخرجه مسلم وغيره .
ج- قال الشوكاني في شرح الحديث : " فيه أنَّ السنةَ أنَّ القبرَ لا يُرْفعُ رفعاً كبيراً من غير فرق بين من كان فاضلاً ومن كان غيرَ فاضل ، والظاهر أنّ رفع القبور زيادةٌ على القَدْرِ المأذونِ فيه مُحَرَّمٌ ، وقد صرّح بذلك أصحابُ أحمد ، وجماعةٌ والشافعيُّ ومالك ، .. ، منها القُبَبُ والمشاهدُ المعمورةُ على القبورِ ، وأيضاً اتخاذ القبورِ مساجد ، .. ، وشدوا الرحال إليها ، وتمسحوا واستغاثوا .."
3- يُحرم تجصيص القبور :
أ- فلا يجوز تجصيصُ القبر بالجِصّ من أجل الزينة .
ب- لحديث جابر قال : نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ يُجَصَّصُ القبرُ وأن يُقعدَ عليه وأن يبنى
عليه ) رواه مسلم وغيره
ج- وفي رواية الترمزي : ( نهى أنْ تُجَصصَ القُبورُ ، وأنْ يُكتبَ عليها ، وأن يُبنى عليها , وأن توطأَ ) .
د- وفي رواية النسائي : ( أنْ يُبنى على القبر أو يُزادَ عليه أو يُجصَّصَ أو يُكتبَ عليه ) .
هـ أما تطيين القبر فللعلماء فيه قولان : التحريم نصّ عليه الإمام أحمد ، ولا بأْس به ، حكاه أبو داود عن الإمام أحمد ، والترمزي عن الإمام الشافعي .
و- قال الألباني : " ولعلّ الصواب التفصيل : فإن كان المقصودُ من التطَّيْين المحافظة على القبر وبقائِه مرفوعاً قَدْرَ ما سمحَ به الشرعُ ، وأنْ لا تَنْسِفَه الرياحُ ولا تُبعثره الأمطارُ ، فهو جائزٌ بدون شكٍّ لأنه يُحَقِّق غايةً مشروعةً ، وإن كان المقصودُ الزينةَ ونحوهَا ممّا لا فائدة فيه ، فلا يجوزُ لأنّه مُحْدث " .
4- الكتابةُ عليها :
أ- فلا يجوز الكتابة على القبر ، فظاهر الحديث تحريمُها وهو ظاهر كلام الإمام أحمد ، وصرَّح به الشافعّيةُ والحنابلةُ بالكراهةِ فقط .
ب- واستثنى بعض العُلماء كتابة اسم الميت لا على وجْهِ الزخرفةِ ، بل للتعرُّف قياساً على وضعِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم الحجَر على قبرِ عثمان بن مَظْعون .
ج- قال الشوكاني : " وهو من التَّخْصيصِ بالقياسِ وقد قال به الجمهورِ " .
د- وقال الألباني : " والصواب تقييد القياس ، فإذا كان الحجرُ لا يُحَقِّقَ الغايةَ التي من أجلِها وضعَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الحجرَ ، ألا وهي التعرُّف عليه ، وذلك بسَبَبِ كثرةِ القُبورِ مثَلاً وكثرةِ الأحجار المُعَرِّفةِ ! فحينئذٍ يجوزُ كتابة الاسمِ بِقَدْرِ ما تتحقّقُ به الغايةُ المذكورةُ " .
هـ قال الشيخ عبدالرحمن بن سعدي : " المراد بالكتابة ما كانوا يفعلونه في الجاهلية من كتابات المدح والثناء ، لأنّ هذه هي التي يكون بها المحظور ، أما التي بقدر الإعلام ، فإنها لا تكره " .
و- سئل الشيخ عبدالعزيز بن باز : هل يجوز وضع قطعة من الحديد أو لافتة على قبر الميت مكتوب عليه آيات قرآنية بالاضافة إلى اسم الميت وتاريخ وفاته ..إلخ ؟
الجواب : " لا يجوز أن يكتب على قبر الميت لا آيات قرآنية ولا غيرها ، لا في حديدة ولا في لوح ولا في غيرها ، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث جابر رضي الله عنه : ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنْ يُجَصَّصَ القبْرُ وأنْ يُقعدَ عليهِ وأنْ يُبنى عليه ، وأن يكتب عليه ) رواه مسلم والترمزي والنسائي .
5- البناءُ عليها :
أ- لحديث أبي سعيد الخُدري : ( أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يُبْنى على القبرِ ) أخرجه ابن ماجة
6- القعودُ عليها :
أ- وما رواه أبو يَعْلى : ( نهى نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم أنْ يُبنى على القُبورِ ، أو يُقعدَ عليها ، أو يُصَلى عليها ) .
ب- ولحديث أبي هريرة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لأنْ يجْلِس أحدُكُم على جَمرةٍ فتحْرِق ثيابَه فتخْلص إلى جِلْدِهِ خيرٌ له مِن أنْ يَجْلِس وفي رواية : يطأ ، على قبرٍ ) أخرجه مسلم وغيره
ودليل ما سبق :
حديث جابرٍ رضي الله عنه قال : ( نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يُجَصَّصَ القبرُ ، وأن يُقْعَدَ عليه ، وأن يُبنى عليه ، أو يزاد عليه ، أو يُكتبَ عليه ) أخرجه مسلم وأبو داود وغيرهما .
7- النهي عن امتهان القبور والمشي بينها بالأحذية :
أ- لا يمْشِي بين قُبورِ المُسلمين في نعليه ، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لصاحب السبتتين ، لحديث بَشير بن الخَصَاصِيَة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يمشي بين القُبورِ عليه نعلان ، فقال : ( يا صاحبَ السِّبْتِيَّتَيْنِ ألقهما ، فلما عرف الرجل رسول الله صلى الله عليه وسلم خلع نعليه فرمى بهما) رواه أحمد وأصحاب السنن وغيرهم .
ب- قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري : " والحديث يدلُّ على كراهةِ المشي بين القُبورِ بالنِّعال " ، قال الألباني : " والنهي من باب احترام الموتى ، فهو كالنهي عن الجُلوسِ على القبر " .
ج- قال أبو داود : " رأيتُ أنّ أحمدَ إذا تَبِعَ الجنازةَ فَقَرُبَ من المقابِر خَلَع نعليهِ " .
د- قال الشيخ عبدالعزيز بن باز : " لا يجوز أن يمشى بالنعال في المقبرة إلا عند الحاجة مثل وجود الشوك في المقبرة أو الرمضاء الشديدة ، أمّا إذا لم يكن هناك حاجة فينكر عليه ، كما أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على صاحب السِّبْتِيَّتَيْنِ ويُعَلَّم الحكم ، ويخلعهما إذا كان يمر بين القبور ، أمَّا إذا لم يمر بين القبور فلا يخلعهما ، مثل أن يقف عند أول المقبرة ويسلم فلا يخلع ، وكذلك إذا كان هناك طريق في المقبرة معد للمشي فلا يخلع ، إنّما يخلع إذا كان يمشي بين القبور " .
هـ لحديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنَّ العبد إذا وضع في قبرهِ وتولى أصحابُه ، إنَّه ليَسمعُ قَرْعِ نِعالِهم ) .
و- قال الشيخ محمد بن عثيمين : " انظر كيف نهى النبي صلى الله عليه وسلم : ( أن يجصص القبر وأن يبنى عليه أو يكتب عليه وأن يوطأ عليه ) حيث جمع في هذا النهي ما يكون سبباً للغلو فيه وسبباً لامتهانه ، فالغلو في البناء والتجصيص والكتابة ، والامتهان في الوطء ، من أجل أن يعامل الناس أهل القبور معاملة وسطاً لا غلو فيها ولا تفريط " .
8- الصلاةُ إلى القُبورِ :
أ- لحديث أبي مَرْثَد الغَنَويِّ قال : سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( لا تُصَلُّوا إلى القبورِ ، ولا تجْلِسوا عليها ) أخرجه مسلم وغيره .
ب- وهذا التحريم إذا لم يقْصِد بالاستقبالِ تعظيمَ القبورِ ، وإلاّ فهو شِرْكٌ .
9- الصلاةُ عِنْدَها ولو بدونِ استقبالٍ :
أ- لحديث أبي سعيد الخُدْري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الأرضُ كلُّها مسجدٌ إلاّ المقبرةَ والحمّامَ ) أخرجه أصحاب السنن الأربعةِ إلا النسائي .
ب- ولحديث أنس : ( أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاةِ بين القبورِ ) رواه البزّار .
ج- ولحديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تَجْعَلُوا بُيُوتكم مَقابِرَ ، إنَّ الشيطانَ يَنْفِرُ من البيتِ الذي تُقْرَأُ فيه سورةُ البقرةِ ) أخرجه مسلم .
د- فالحديث يدُلُّ على أنَّ المقبرةِ ليست موضعاً للصلاة ، ولا تصحُّ الصلاة فيها ولا إليها ، والنهيُ هو سدٌّ لذريعةِ الشرك .
10- بناء المساجد أو الدور عليها أو القباب أو تعبيد الطرق من فوقها :
أ- لحديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( قاتَلَ الله اليهودَ ، وفي رواية : لعَنَ الله اليهودَ والنصارى ، اتَّخذُوا قبورَ أنبيائهم مساجد ) أخرجه الشيخان وغيرهما .
ب- وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( اللهمَّ لا يَجْعَلْ قَبْري وَثَناً ، لعنَ الله قوماً اتَّخَذوا قبورَ أنبيائهم مساجد ) أخرجه أحمد وغيره .
ج- قال سيد سابق : " وقد أفتى العلماء بهدم المساجد والقباب التي بنيت على المقابر "
د- قال الفقيه الهيثمي في الزواجر : " إنَّ من أعظم المُحَرِّماتِ وأسباب الشرك الصلاة عند القبور واتِّخاذُها مساجدَ ، أو بناؤها عليها ، فتجبُ المبادرة بهدمها وهدمِ القِبابِ التي على القُبورِ إذ هي أضرُّ من مسجدِ الضرارِ " .
هـ قال ابن القيم : ( يجب هدم القباب التي على القبور لأنها أسست على معصية الرسول " ، حيث أنَّ البناء على القبور حرام لا يجوز ، فيجب هدم كل بناء على قبر .
و- وقال النووي في شرح صحيح مسلم : " قال الإمام الشافعي رحمه الله في كتابه الأم : " رأيت الأئمة الأربعة كلهم بمكة يأمرون بهدم ما يبنى على القبور " .
ل- قالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء : " بناء القبة على القبر حرام يأثم فاعله ، لمخالفته ما ثبت عن أبي الهياج الأسدي قال : ( قال لي علي بن أبي طالب رضي الله عنه : ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن لا تدع تمثالاً إلا طمسته ، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته ) ، وعن جابر رضي الله عنه قال : ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه ) رواهما مسلم ، ولأن بناء القبور واتخذا القباب عليها من وسائل الشرك بأهلها ، فيجب سد الذرائع الموصلة للشرك ، ولا يصح الإحتجاج ببناء الناس قبة على قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم على جواز بناء قباب على قبور الأموات ، صالحين أو غيرهم ، لأن بناء أولئك الناس قبة على قبره صلى الله عليه وسلم حرام يؤثم فاعله ، لمخالفته للنصوص " .
م- قال الشيخ محمد مختار الشنقيطي : " ليس مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ، مسجد بني على قبر ، ومن ظن ذلك ، فقد أخطأ الصواب وخالف الإجماع من المسلمين ، لأن المسجد بني قبل قبره عليه السلام ، وإنما أدخل القبر بالتوسعة في عهد التابعين في المسجد ، ولكن الجدران الأربعة التي تفصل بين القبر والمسجد تمنع أن يكون القبر داخل المسجد ، فلا يمكن لأحد أن يستقبل القبر وهو يصلي لبعد المسافة ، ولأجل أن الجدار صار مثلثاً ".
ك- قال الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ : " أن قبر النبي صلى الله عليه وسلم ما اتخذ مسجداً ، وأن وصيته عليه الصلاة والسلام في التحذير قد أخذ بها في مسجده وفي قبره ، ولكن خالفتها بعض الأمة في قبور الصالحين من هذه الأمة ، فاتخذوا قبور بعض آل البيت مساجد وعظموها ، كما تعظم الأوثان " .
11- اتِّخاذُها عيداً :
أ- تحريم اتَّخاذِ قُبورِ الأنبياء والصّالحين عيداً ، وهو المكان الذي يقصدُ الاجتماعُ فيه وإتيانه في أوقاتٍ معيّنةٍ ، ومواسم معروفة ، للعبادة عنده ، أو لغير العبادة .
ب- لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تَتَّخذوا قبري عيداً ، ولا تَجْعَلُوا بيُوتَكم قُبوراً ، وحَيْثُما كُنْتُم فصَلُّوا عليَّ فإنَّ صلاتَكُم تبلغني ) أخرجه أبوداود وأحمد
ج- قال ابن تيمية : " ولهذا كَرِهَ مالكٌ رضي الله عنه وغيرهُ من أهل العلم لأهل المدينةِ ، كُلَّما دخلَ أحدهُم المسجدَ أن يَجيءَ فَيُسَلِّمَ على قَبرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وصاحبيْهِ ، قال : وإنَّما يكونُ ذلك لأحدِهم إذا قَدِمَ من سَفَر ، أو أرادَ سَفَراً ، ونحوَ ذلك ، وأمَّا قصدُه دائماُ للصلاةِ والسلامِ فما علمتُ أَحَداً رخَّص به ، لأنَّ ذلك نوعٌ من اتَّخاذِهِ عيداً " .
د- قال ابن تيمية : " ولهذا كَرِهَتَ الأمةُ استلامَ القبرِ وتقبيلَه ، وَبَنوه بناءً مَنَعوا الناسَ أن يُصَلَّوا إليه " .
هـ وكذلك اعتيادُ قَصْدِ هذه القبور في وقت معين ، في يوم في السنة ، أو في شهر معين ، كالنصف من شعبان ، والاجتماع العامُ عندها هو اتِّخَاذُها عيداً ، فهذا من التشبه بأهل الكتاب ، كما أخبرنا
صلى الله عليه وسلم أنه كائنٌ في هذه الأمة ، وأصل ذلك هو اعتقاد فضل الدعاءِ عندها .
12- السَّفَرُ إليها :
أ- عن أبي هُريرة عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تُشَدُّ الرِّحالُ إلا إلى ثلاثةِ مساجد : المسجدِ الحرامِ ، ومسجد الرسولِ صلى الله عليه وسلم ومسجدِ الأقصى ) أخرجه البخاري وغيره
ب- وعن قَزْعةَ قال : أردتُ الخروج إلى الطور فسألتُ ابنَ عُمَر ، فقال : أمَا علِمْتَ أنَّ النبيّّ صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تُشَدُّ الرِّحالُ إلا إلى ثلاثةِ مساجدَ : المسجدِ الحرامِ ، ومسجدِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، والمسجدِ الأقصى ) ، ودع عنك الطُّورِ فلا تَأْتِهِ " أخرجه الأزرقيُّ .
الطُّور : هو الجبلُ المُقَدَّسَ الذي كلَّم الله تعالى موسى عليه .
ج- وما يحسن التنبيهُ إليه في جواز زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم بدون السَّفر ، فيشدُّ الرحال إلى المسجد النبويّ ، ثم بعدها يزور قبر الرسول صلى الله عليه و
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق