الأحد، 19 فبراير 2012

تكملة أحكام الطهارة 6

(9) باب التيمم [1]
126- عَنْ جَابِرِ بن عَبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا; أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:  ( أُعْطِيتُ خَمْساً لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ, وَجُعِلتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِداً وَطَهُوراً, فَأَيُّمَا رَجُلٍ أَدْرَكَتُهُ الصَلاةُ فَلْيُصَلِّ ... )  وَذَكَرَ الْحَدِيثَ [2]. 
127- وَفِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ ( وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُوراً, إِذَا لَمْ نَجِدِ الْمَاءَ  ) [3].
128- وَعَنْ عَلٍّي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عِنْدَ أَحْمَدَ:  ( وَجُعِلَ التُّرَابُ لِي طَهُوراً  ) [4] . 
129- وَعَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ:  ( بَعَثَنِي النَّبِيُّ صَلى الله عليه وسلم فِي حَاجَةٍ فَأَجْنَبْتُ, فَلَمْ أَجْدِ الْمَاءَ, فَتَمَرَّغْتُ فِي الصَّعِيدِ كَمَا تَتَمَرَّغُ الدَّابَّةُ , ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ، فَذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ , فَقَالَ: "إِنَّمَا يَكْفِيكَ أَنْ تَقُولَ بِيَدَيْكَ هَكَذَا " ، ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ الأَرْضَ ضَرْبَةً وَاحِدَةً , ثُمَّ مَسَحَ الشِّمَالَ عَلَى الْيَمِينِ , وَظَاهِرَ كَفَّيْهِ وَوَجْهِهِ  )  مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ, وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ ، وَفِي رِوَايةٍ لِلْبُخَاِريِّ : ( وَضَرَبَ بِكَفَّيْهِ الأَرْضَ, وَنَفَخَ فِيهِمَا, ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ ) [5]. 
130- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّم  : ( التَّيَمُّمُ ضَرْبَتَانِ : ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ , وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ إِلى الْمِرْفَقَيْنِ  )  رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ, وَصَحَّحَ الأَئِمَّةُ وَقْفَهُ [6] . 
131- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّم  : ( الصَّعِيدُ وَضُوءُ الْمُسْلِمِ , وَإِنْ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ , فَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ فَلْيَتَقِ اللهَ, وَلْيُمِسَّهُ بَشَرَتَهُ  )  رَواهُ الْبَزَّارُ, وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ , وَلكِنْ صَوَّبَ الدَّارَقُطْنِيُّ إِرْسَالَهُ [7].
132- وَلِلتِّرْمِذِيِّ: عَنْ أَبِي ذَرٍّ نَحْوُهُ, وَصَحَّحَهُ [8].
133- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ:  ( خَرَجَ رَجُلانِ فِي سَفَرٍ, فَحَضَرتِ الصَّلاةُ وَلَيْسَ مَعْهُمَا مَاءٌ ، فَتَيَمَّمَا صَعِيداً طَيِّبَاً, فَصَلَّيَا, ثُمَّ وَجَدا الْمَاءَ فِي الْوَقْتِ، فَأَعَادَ أَحَدُهُمَا الصَّلاةَ وَالْوُضُوءَ , وَلَمْ يُعِدِ الآخَرُ, ثُمَّ أَتَيَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَا ذَلِكَ لَهُ, فَقَالَ لِلَّذِي لَمْ يُعِدْ: "أَصَبْتَ السُّنَةَ وَأَجْزَأَتْكَ صَلاَتُكَ" ، وَقَالَ لِلآخَرِ: "لَكَ الأَجْرُ مَرَّتَيْنِ"  )  رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَ النَّسَائِيُّ [9]. 
134- وَعنْ ابْنِ عَبَاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : (( وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلى سَفَرٍ  )) قَالَ: ( إِذَا كَانَتْ بِالرَّجُلِ الْجِرَاحَةُ فِي سَبِيلِ اللهِ  وَالْقُرُوحُ فَيُجْنَبُ فَيَخَافُ أَنْ يَمُوتَ إِنْ اغْتَسَلَ تَيَمَّمَ )  رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مَوْقُوفاً وَرَفَعَهُ الْبَزَّارُ,وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ [10]. 
135- وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ :  ( انْكَسَرَتْ إِحْدَى زَنْدَيَّ  فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ؟ فَأَمَرَنِي أَنْ أَمْسَحَ عَلَى الْجَبَائِرِ  )  رَوَاهُ ابْنَ مَاجَهْ بِسَنَدٍ وَاهٍ جِدّاً [11]. 
136- وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبَدِ اللهِ  رَضِي اللهُ عَنْهُمَا فِي الرَّجُلِ الَّذِي شُجَّ فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ ( إَنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ , وَيَعْصِبَ عَلى جُرْحِهِ خِرْقَةً , ثُمَّ يَمْسَحَ عَلَيْهَا وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ )  رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ فِيهِ ضَعْفٌ, وَفِيهِ اخْتِلافٌ عَلَى رُوَاتِهِ[12] . 
137- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ :  ( مَنَ السُّنَةِ أَنْ لا يُصَلِّيَ الرَّجُلُ بِالتَّيَمُّمِ إِلا صَلاةَ وَاحِدَةً , ثُمَّ يَتْيَمَّمُ لِلصَّلاةِ الأُخْرَى  )  رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ جِدّاً [13]. 
(10) باب الحيض [14]


[1] (9) باب التيمم
1- لما ذكر المؤلف الأجاديث الواردة في الوضوء والاغتسال ، ناسب أن يذكر بعدها الطهارة بالتراب الذي هو بديل عن الطهارة بالماء ، لأن الله سبحانه وتعالى ذكر الطهارتين بالماء وبالتيمم في آيتي المائدة والنساء ، قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (المائدة:6) ، وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً) (النساء:43) . 
2- التيمم في اللغة : القصدُ إلى الشيء ، تقول : تيمم كذا ، إذا قصده ، وتيمم البيت ، وتيمم المسجد إذا قصده ، قال تعالى : ( وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ)(المائدة: 2) . وفي الشرع : استعمال الترابِ أو الصعيدِ لمسح الوجه والكفين بصفة مخصوصة بينها النبي صلى الله عليه وسلم  ،  وقد عرفه بعض العلماء : " طهارة ترابية تشتمل على مسح الوجه واليدين عند عدم الماء أو عدم القدرة على استعماله " ، ودليله الكتاب والسنة والإجماع والقياس ، قال تعالى : ( فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ )(المائدة: 6) ، أما دليله من السنة أحاديث الباب ، منها ما في مسلم من حديث حذيفة : ( وجعلت تربتها لنا طهوراً إذا لم نجد الماء ) ، وهو إجماع العلماء ، وأما القياس فقال شيخ الإسلام : " والحق أن التيمم على وفق القياس الصحيح ، فنشأتنا من مادتي الماء والتراب ، فالتراب أصل الإنسان والماء حياة كل شيء ، وكان أصلح ما يقع تطهير الأدناس هو الماء ، وفي حالة عدمه أو العذر باستعماله ، يكون التراب أولى "
3- التيمم من خصائص هذه الأمة ، كما في حديث جابر في الصحيحين : " أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي : جُعلتْ لي الأرض مسجداً وطهوراً ) ، وشرع التيمم في السنة السادسة في غزوة المصطلق ، لَمَّا ضاع عِقْد عائشة ، ومكثوا في طلبه على غير ماء ، فنزلت آية التيمم ، ففي التيمم رحمة من الله تعالى ، وتوسعة لهذه الأمة ، وأزال عنها الحرج ، فجعل الله سبحانه وتعالى التيمم بالتراب كافياً عن الماء عند عدم وجود الماء أو العجز عن إستعماله ، ولهذا قال تعالى : ( مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)(المائدة: 6) .
4- من شروط التيمم : أ-  عدم الماء ، قال تعالى : (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ) . ب- عدم القدرة على إستعماله ، أو خاف بإستعماله ضرر على بدنه أو أهله أو ماله . ج-  وأن يكون بالتراب الذي له غبار كتراب الحرث وهو أولى وأحوط إذا أمكن ، فإن لم يجد تراباً فإنه يتيمم  بما تصاعد على وجه الأرض من رملٍ أو حجارة ، لأنه الله يقول : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ )(التغابن: 16) . د-  ويكون التراب طاهراً ومباحاً .
5-  ومن فروض التيمم : النية ، ومسح الوجه كله ، ومسح اليدين إلى الكوعين ، والترتيب والموالاة ، وحكم التيمم واجب إذا دخل وقت الفريضة وعدم الماء .
6- أما مبطلات التيمم  منها مبطلات الوضوء ، ووجود الماء ولو في الصلاة لا بعدها .
7- من لم يقدر على التيمم لمرضه أو كونه محبوساً أو مصلوباً ، فإنه يصلي على حسب حاله .
8- أذكر شروط التيمم ؟ .
[2] 1- تكملة الحديث : ( وأُحِلَّتْ لِيَ الغَنَائِمُ ولَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي ، وأُعْطِيتُ الشَّفاعةُ ، وكانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إلى قومِهِ خاصَّةً ، وبُعِثْتُ إلى النَّاس كَافَّةً ) .
[3] 1- نص الحديث كاملاً : ( فضلنا على الناس بثلاث : جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة ، وجعلت لنا الأرض كلها مسجداً ، وجعلت تربتها لنا طهوراً إذا لم نجد الماء ) .
2- مفردات الأحاديث : أُعْطِيتُ : أعطاني الله تعالى . خَمْساً :أي خمس خصال ، وقد صح أكثر من خمس ، وليس في هذا تعارض ، فإن ذكر العدد لا يدل على الحصر ، وفعل أعطى ينصب مفعولين الأول ضمير المتكلم التاء والثاني خمساً ، وقد ألف الحافظ السيوطي في كتابه " الخصائص النبوية " ما يزيد على مئتي خاصية للنبي صلى الله عليه وسلم .  الرُّعْبِ : الخوف والفزع . مَسِيرَةَ شَهْرٍ : والنكتة في جعل الغاية شهراً ، أنه لم يكن بينه عليه الصلاة والسلام وبين أحداً من أعدائه أكثر من شهر . مَسْجِداً : كل موضع في الأرض فهو مسجد . تُرْبَتُها : هي طبيعة الأرض ، يقال أرض جيدة التربة . طَهُوراً: هو الطهور بذاته المطهر لغيره . الغَنَائِمُ : جميع غنيمة ، وهي ما يستولي عليه المسلمون بالقوة من أموال الكفار المحاربين في المعارك والجهاد ، فالله سبحانه وتعالى أباحها لهذه الأمة ، بل جعلها من أطيب المكاسب ، قال تعالى : ( فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً)(الأنفال: 69) . أدْرَكَتْهُ : أي لحقته الصلاة بأن دخل وقتها . فليصلِّ : وإن لم يجد مسجداً ولا ماء .
[4] 1- درحة الحديث : حسن رواه أحمد .
2- هذا الحديث برواياته فيه فوائد جمة وأحكام مهمة تدل على تفضيل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على سائر الأنبياء ، وفضل أمته على سائر الأمم ، منها إنّ الله تعالت قدرته نصر نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بالرعب ، فيصاب عدوه بالخوف ولو كان بينهما مسيرة شهر ، وهذا من أكبر العون والنصر على الأعداء ، فيصاب العدو بالإنهيار والخذلان ، وقد خافه وقتها جميع الجيوش ، ومنهم ملك بني الأصفر يعني ملك الروم ، حتى إنه قال : " سيملك ، يعني الرسول صلى الله عليه وسلم ، ما تحت قدمي هاتين " وهو في الشام ، لأنهم يجدون في التوراة والإنجيل صفات هذا الرسول صلى الله عليه وسلم .
3- وأنّ الله تفضل على نبيه صلى الله عليه وسلم حينما أحل له الغنائم التي هي مكاسب الجهاد ، بينما كان الأنبياء قبله على قسمين : الأول لم يشرع لهم الجهاد ، فقد كان النبي يُبعث إلى قومه فيدعوهم إلى الله ، فإن استجابوا وإلا فإنّ الله يهلكهم بعذاب من عنده كما فعل بقوم نوح وقوم هود وقوم صالح وقوم شعيب ، ولا يُنجي إلا من آمن منهم واستجاب ، والقسم الثاني من شُرع له الجهاد من الأمم السابقة ، فقد شرع الله الجهاد لموسى عليه الصلاة والسلام ، والأنبياء من بني إسرائيل ، لكنه حرم عليهم الغنائم ، وكانوا يجمعونها ثم تنزل عليها نار من السماء فتحرقها .
4- ومنها أنّ الله شرف نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بشمول دعوته وعموم رسالته ، فكان كل رسول قبله إنما يُبعث في قومه خاصة ، وفي زمن مؤقت محدد ، أما رسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فهي التي عمت جميع الناس ، الثقلين الجن والإنس وجميع العالمين إلى قيام الساعة ، قال تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً)(سـبأ: 28) ، وقال تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الانبياء:107) .
5- ومنها إنّ الله خصه بالمقام المحمود والشفاعة العظمى ، يوم يتأخر عنها أولو العزم من الرسل ، في عرصات القيامة ، فيقول : أنا لها ، ويسجد تحت العرش ، ويمجد الله تعالى بما هو أهله ، فيقال : " اشفع تُشفَّع وسل تعطَه " ، فيسأل ربه أن يفصل القضاء بين عباده ، فيستجيب الله له ، ويأتي الله سبحانه وتعالى لفصل القضاء بين عباده ، وهذا هو المقام المحمود الذي قال الله تعالى فيه : ( وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً) (الاسراء:79) .
6- ومنها إنَّ الأرض كلها جعلت له ولأمته مسجداً ، فالأصل في جميع البقاع أنها طاهرة تصح الصلاة فيها إلا المواطن الذي ورد النهي عن الصلاة فيها ،  فأينما تدركهم الصلاة فليصلوا ، فلا تتقيد بأمكنة مخصوصة كما كان من قبلهم لا يؤدون عباداتهم إلا في الكنائس أو الْبِيَع ، وكذلك جعل لهذه الأمة صعيد الأرض طهوراً يرتفع بها الحدث والجنابة ، إذا فقد الماء أو لا يقدر على إستعماله  ، وأن التيمم يقوم مقام الماء من أجل العبادة لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم سمّاه طهوراً ، كما أنّ الله جعل الماء طهوراً  ، قال تعالى : ( وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً)(الفرقان: 48) ، بينما الأمم السابقة لا يطهرها إلا الماء ، فالتيمم والصلاة في جميع الأرض هي خصوصية خص الله بهما هذه الأمة تخفيفاً عنها ورحمة بها ، فله الفضل والمنة .
7- في الحديث دليل على مشروعية التحدث بنعمة الله تعالى وأنها من شكره ، قال تعالى :  ( وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) (الضحى:11) ، فتعديد نعم الله تعالى على العبد على وجه الشكر لله ، وذكر آلائه ، فإنه يعدّ عبادة وشكراً لله تعالى عليها ، واعترافاً بفضله ومِننه وكرمه على عبده ، والشكر كما يقول العلماء له ثلاثة أركان : الأول : التحدث بها ظاهراً وهو أن يذكر نعم الله عليه ويتحدث بها بلسانه ، والثاني : الإعتراف بها باطناً : فهو أن يعترف بها في قلبه أنها من الله سبحانه وتعالى تفضلاً منه عليه ، وأنها ليست بحوله ولا بقوته ، والثالث : استعمال هذه النعم في طاعة الله تعالى : بأن يستعين بها في مصالحه ومنافعه المباحة ، أما الذي يجحد نعمة الله ، أو يستعين بها في معصية الله ، فهذا من كفر النعمة ، ويعرضها للزوال ، فالنعم كلها من الله ، قال تعالى : ( وَمَا بِكُم مِّنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ)(النحل: 53) .
8- في الحديث دليل على أنه يجوز التيمم بجميع وجوه الأرض ، سواء أكانت ترابية أو رملية أو سبخة أو غير ذلك ، وفيه دليل على صحة الصلاة في جميع بقاع الأرض ، وأنّ الأصل فيها الطهارة ، إلا ما استثناه الشرع من بعض الأماكن ، فإنك إذا أردت أن تصلي في أي مكان فالأصل فيه أنه طاهر ، ولا ينبغي لك أن تترك المكان بحجة أنه ربما وقعت عليه نجاسة . 
[5] 1- في الباب حديث عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنَ رضي الله عنه أنَّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم رَأى رَجُلاً مُعْتَزِلاً لَمْ يُصَلِّ فِي القومِ فقال : ( يَا فُلانُ ما مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّي في القَوْمِ ؟ ، فقال : يا رسُولَ اللهَ أَصابَتْني جَنَابَةٌ وَلا مَاءَ ، فقال : عَلَيْكَ بالصَّعِيدِ فَإِنَّه يَكْفِيكَ ) رواه البخاري .
2- ترجمة راوي الحديث : عَمَّار بن ياسر ، يكنى أبا اليقظان ، من السابقين الأولين ، عذب في مكة  في الله هو وأبوه ياسر وأمه سمية ، حتى إنّ أمه قُتلت في التعذيب ، فكانت أول شهيدة في الإسلام  وهاجر الهجرتين ، شهد بدراً والمشاهد كلها ، قال له النبي صلى الله عليه وسلم : " ويحك يا عمار تقتلك الفئة الباقية " أخرجه مسلم ، وقد كان في صفين (سنة 36هـ) مع علي بن أبي طالب وقتله جنود معاوية ، وكان عمره إذ ذاك 73 سنة .
3- مفردات الحديث : بَعَثَنِي النَّبِيُّ صَلى الله عليه وسلم فِي حَاجَةٍ: أرسله النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة لم يبينها . فَتَمَرَّغْتُ فِي الصَّعِيدِ : تقلبتُ على الأرض كما تتقلب الدابة ، قياساً منه للتيمم من الجنابة على الغُسل منها ، فالظاهر أن عمار كان يعرف مشروعية التيمم ، ولكن لا يعلم كيفيته ، لأن الآية مجملة . الصَّعِيد : وجه الأرض . الدَّابَة : كل ما يدب على الأرض كما قال تعالى : ( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا)(هود: 6) ، وقد غلب على ما يُركب من الحيوان ، ويسمّى به المذكر والمؤنث ، جمعه دواب . يكفيك : يغنيك عن التمرغ بالتراب .  أنْ تَقُولَ بِيَدَيْكَ هَكَذَا : فيه استعمال القول في معنى الفعل . نفخ : بفمه أخرج منه الريح ، وأراد هنا إزالة ما على اليدين من التراب ، لأنه لم يرد التيمم ، وإنما جاء بصورة التيمم للتعليم .
4- يؤخذ من الحديث أنّ التيمم أحد الطهورين المشروعين ، فيشرع للصلاة وغيرها من العبادات الواجب لها الطهارة ، ففي الحديث سماحة الشرعية ويسرها ، كما قال تعالى : ( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ )(الحج: 78) ، وفيه التعليم بالقول والفعل يكون بتمثيل المطلوب تعلمه ، وهو ما يسمى الآن " وسائل الإيضاح "  ، وفيه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر عماراً بالإعادة ، فدل هذا على أنّ من عَبَدَ اللهَ على طريق غير مشروعة جهلاً ، فإنه يعلَّم ولا يؤمر بقضاء ما فاته ، ولهذه المسألة أدلة منها قصة الرجل المسيء في صلاته ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : " اذهب فصل فإنّك لم تصلِ " ، وفيه دليل على تعليم الجاهل .
5- صفة التيمم أن ينوي ثم يسمِّيَ ويضرب التُّرابَ بيديه مُفرَّجتَيِ الأصابعِ ضربة واحدة تكفي للوجه واليدين  ،فيمسحُ وجههُ بباطن أصابعهما ،  ويمسح كفيه براحتيه أي يمسح كل ظاهر يدٍ براحة الأخرى ، والمعنى يجعل ما علق بالأصابع للوجه ، ويجعل ما علق بالراحتين للكفين ، سواء في الحديث الأصغر أو الأكبر ، فصفته واحدة  لا فرق بينهما ، وفيه أنّه لا بد من طلب الماء من قوله فلم أجد الماء .
6- حديث عمار يُفيد بيان كيفية التيمم ، وأنه ضربة واحدةٌ يَمسحُ بها يَديه ووجهه وهي مطلقة ، والواو لا تفيد الترتيب ، إنما لمطلق الجمع ، إنما الذي يفيد الترتيب " ثم " ، وفي رواية البخاري الترتيب وأنه مسحَ بيديهِ وجهَهُ وكفَّيهِ ، فهي تُبين إطلاق لفظ مسلم ، ولأن الله بدأ بالوجهِ قبل اليدين في قوله تعالى : ( فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ )(المائدة: 6) ، وقياساً على الوضوء فنبدأ بما بدأ الله به ، ولأنّ من شروط التيمم الترتيب .
7- رواية البخاري تدل على أنه ليس المقصود من شرعية التيممُ تعفيرُ الوجه بالتراب ، ولذلك نفخ فيهما ، وإنما المقصود الامتثال والطاعة والتيسير على هذه الأمة والتخفيفُ ورفعُ الحرج ، ولذلك يجوز تخفيف الغبار الكثير العالق باليدين من ضرب الأرض بالنفخ .
8- ما صفة التيمم ؟ .
[6] 1- درجة الحديث : الحديث ضعيف جداً ، وموقوف على ابن عمر ، قال الحافظ في فتح الباري : " الأحاديث الواردة في صفة التيمم ، لم يصح مها سوى حديث ابن جهيم ، وحديث عمار ، وما عداهما فضعيف أو مختلف في رفعه ، والراجح عدم رفعه " ، فالعمدة حديث عمار وبه جزم البخاري في صحيحه .
2- مفردات الحديث : التيمم : هو قصد صعيد طاهر مباح ، واستعماله بصفة مخصوصة لاستباحة الصلاة ونحوها ، وامتثال الأمر .
3- يدل حديث ابن عمر على أنّ التيمم يكون بضربتين لا ضربة واحدة ، تكون أولى الضربتين لمسح الوجه ، والضربة الثانية تكون لمسح اليدين إلى المرفقين ، والحديث موقوف على ابن عُمر ، فيكون إجتهاداً له ، واجتهاد الصحابي لا يعارض به النص ، لأن الحجة فيما روى لا فيما رأى ، وهو معارض لحديث عمار السابق الذي ليس فيه إلا ضربة واحدة تكون للوجه والكفين.
4- اختلف العلماء في صفة التيمم :ذهب الإئمة الثلاثة أبو حنيفة ومالك والشافعي إلى أن التيمم ضربتان يمسح بإحدهما وجهه ، وبالأخرى يديه إلى مرفقيه ، واستدلوا بحديث ابن عمر ، وذهب الإمام أحمد إلى أنّ المشروع في التيمم هو ضربة واحدة يمسح بها وجهه وكفيه ، واستدلوا بحديث عمار ، وهو القول الراجح لما يلي :
أ- حديث عمار في الصحيحين ، وحديث ابن عمر في سنن الدار قطني التي لم يلتزم صاحبها بالسنن الصحيحة ، بل كثيراً ما يروي فيها الأحاديث الضعيفة .
ب- حديث عمار مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، أما حديث ابن عمر فهو من كلام ابن عمر ، وإن كان مما لا مجال للرأي فيه ، وفرق بين المرفوع والموقوف .
ج- كل الروايات التي وردت بالضربتين ، فهي إما موقوفة لم ترفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وإما ضعيفة لا تقوم بها حجة ، قال ابن عبد البر : " الآثار المرفوعة ضربة واحدة ، وما روي من ضربتين فكلها مضطربة ، وقال الألباني : " وفي الضربتين أحاديث واهية معلولة " ، وعلى فرض صلاحية تلك الأحاديث للاستدلال ، فلا تعارض ما في الصحيحين
د- لذا فالراجح في هذا الباب والعمدة هو حديث عمار ، وبه جزم البخاري في صحيحه ، وقال الحافظ في فتح الباري : " هذا هو الواجب المجزيء " ، وقال الإمام أحمد : " من قال إنّ التيمم إلى المرفقين ، فإنما هو شيء زاده من عنده " ، قال الترمزي : " وهو قول غير واحد من أهل العلم من الصحابة والتابعين ، منهم علي وعمار وابن عباس " ، واختاره شيخ الإسلام وابن القيم .
5- كيف الجمع بين حديث عمار وحديث ابن عمر رضي الله عنهما في صفة التيمم ؟ .
[7] 1- درجة الحديث : الحديث صحيح ، وما بعده يشهد له ، صححه المؤلف وأحمد والترمزي وغيرهم .
2- مفردات الحديث : الصَّعِيد : وجه الأرض البارز تراباً كان أو غيره . عشر سنين : المقصود منه المبالغة دون التحديد . فَلْيَمَسَّهُ بَشَرَتَهُ : فليجعل الماء يصيب بدنه بالتطهر به ، لمستقبل العبادة . البَشَرَة : ظاهر الجلد .
[8] 1- درحة الحديث : صحيح رواه الترمزي ، ولفظه : " إنّ الصعيد الطيب طهور المسلم ، وإن لم يجد الماء عشر سنين ، فإذا وجد الماء فليمسه بشرته ، فإنّ ذلك خير له " ، وقال حسن صحيح ، وصححه الألباني في صحيح الترمزي .
2- يؤخذ من الحديثين مشروعية التيمم عند فقد الماء ، وعدم حصوله ، وإنّ التيمم طهور وكاف عن الماء في رفع الأحداث مهما طالت المدة عند عدم الماء ، وإذا وجد الماء بطل التيمم ، فيجب على المسلم العدول عن التيمم إلى استعمال الماء ، لما يستقبل من العبادات التي من شرطها الطهارة ، وذلك أنّ وجود الماء يرفع استصحاب الطهارة التي كانت بالتراب .
3- قوله صلى الله عليه وسلم " عشر سنين " ليس توقيتاً لنهاية مدة التيمم ، وإنما مثال لطول المدة ، فالحديث يفيد نفي التوقيت في التيمم ووجوب الماء بعد زوال العذر ، ويجوز التيمم على جميع ما تصاعد على وجه الأرض ، من أي نوع من أنواع التربة .
4- حديث أبي هريرة دليلٌ على أنّ التيمُّمَ رافعٌ للحدثِ إلى وجود الماء لا مُبيحاً ، لأنّه سمَّاه وضوءاً كما سمَّاه طَهوراً في الأحاديث السابقة ، والطَّهُور والوضوءُ يرفعُ الحدثَ ، ومثلُهُ حديث الترمزيِّ عن أبي ذر .
[9] 1- درجة الحديث : صحيح ، صححه الألباني في صحيح أبي داود .
2- مفردات الحديث : صَعِيداً : وجه الأرض . طَيباً : طهوراً مباحاً . أَصَبْتَ السنة : الطريقة الشرعية ، أي فعلك صحيح ، وموافق للطريقة الشرعية ، التي سنّها النبي صلى الله عليه وسلم . أجْزَأَتْك : كفتك .
3- مشروعية التيمم ، وأنَّ فقد الماء هو أحد عذري الطهارة بالتيمم ، كما قال تعالى : ( فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً )(النساء: 43) ، وجواز التيمم على ما تصاعد على وجه الأرض من أي تربة كانت ، ولا بدّ من طهارة ما يتيمم به من تراب ، فلا يصحّ التيمم بنجس لقوله تعالى : (صَعِيداً طَيِّباً ) .
4- إنّ من صلى بالتيمم في الوقت عادماً للماء ، ثم وجد الماء بعد الصلاة لم يعدها ، فقد أجزأته صلاته وأصاب السنة ، لأنه صلَّ الصلاة التي أُمِروا بها ، وهو مذهب الأئمة الأربعة ، وأما الحديث الذي رواه أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( فَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ فَلْيَتَقِ اللهَ, وَلْيُمِسَّهُ بَشَرَتَهُ ) ، فهذا الحديث مطلق ،  وحديث أبي سعيد مقيد ، فيحمل المطلق على المقيد ، فيكون معناه إذا وجدت الماء قبل الصلاة في وقتها ، فأمْسِسْه بشرتك فيقيد بذلك ، أما المعيد فإن أعاد جهلاً منه لظنه أو خوفِه أن صلاته الأولى بالتيمم لا تجزيه  فله أجران ، أجر الصلاة بالتيمم ، وأجر إجتهاده الصلاة بالماء ، وإن كان عالماً لا ينبغي له إعادة الصلاة ، لأن إصابة السنة أفضل من الإعادة .
5- في الحديث دليل على أنه لا يجب الإنتظار إلى آخر الوقت حتى يفقد الأمل من الحصول على الماء ، أما إذا كان يرجو الحصول عليه بغلبة الظن فلا بأس في ذلك ، وكذلك لو صلى في أول الوقت فلا بأس عليه أيضاً فهو بالخيار .
6- إختلاف العلماء فيما هو المقصود من الصعيد : فذهب الإمامان الشافعي وأحمد إلى أنه لا يصح التيمم إلا بتراب له غبار ، واستدلوا بقوله تعالى : ( فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ)(المائدة: 6) ، وبما رواه مسلم من حديث حذيفة أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( وجعلت لنا الأرض مسجداً وجعلت تربتها لنا طهوراً ) ، وذهب الإمامن أبو حنيفة ومالك إلى جواز التيمم بكل ما تصاعد على وجه الأرض ، سواء أكانت ذات غبار أو غير ذات غبار ، كالرمل والحصى والأحجار ، وهي الرواية الأخرى لأحمد واختارها شيخ الإسلام وابن القيم ، وهو القول الراجح ، لأنه ربما تلزم الطهارة في مكان لا ماء فيه وتكون الأرض غير ترابية ، ولأن في ذلك تيسيراً وتوسيعاً على الأمة ورفعاً للحرج ، لا سيما وقد جاءت الرواية الأخرى عامة في الأرض ، قوله صلى الله عليه وسلم : ( جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً ) ، فعموم النصوص تفيد جواز التيمم بجميع ما تصاعد على وجه الأرض ، بشرط أن تكون طاهرة ، قال تعالى : ( فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ) ، والمراد بالطيب الطاهر .
7- ما هو الدليل على أنّ من صلى بالتيمم في الوقت ثم وجد الماء ، فإنه لا يعيد ؟ .
8- أذكر القول الراجح في المقصود بالصعيد ؟ .                                                                        
[10] 1- درجة الحديث : ضعيف موقوفاً ومرفوعاً ، والموقوف رواه الدار قطني ، والمرفوع رواه بن خزيمة والحاكم .
2- مفردات الحديث : الجِراَحَة : الجرح هو الشق في البدن ، جمع الجرح جروح ، وجمع الجريح جَرحى . مرضى : جمع مريض ، وهو عبارة عن خروج البدن عن حدّ الإعتدال ، والمراد هنا المرض الذي يخشى معه التضرر من استعمال الماء . القُرُوح : جمع قرح ، وهي الجروح والشقوق من أثر السلاح أو المرض . يُجْنِب : من أجنب أي صار جنباً .
3- تفسير ابن عباس للآية بأن من به جروح ، مثال للضرر المبيح للتيمم ، فهو من باب التمثيل لا من باب الحصر ،  وليس المقصود الرجل الذي به جراحة وقروح فحسب ، وإنما المعني جميع من به مرض يشقُّ عليه استعمال الماء ، لعموم قوله تعالى : ( وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ)(النساء: 43) ،  وهذا الحديث سواء كان مرفوعاً أو موقوفاً فهو صحيحٌ ، وقال العلماء : " من خاف باستعمال الماء ضرر بدنه من مرض يخشى زيادته ، أو بطء برئه ، أو بقاء أثره ونحو ذلك ، فإنه يعدل عن استعمال الماء  في الوضوء أو الغسل إلى التيمم حتى يبرأ " ، وكذلك العذر بعدم الماء كما في أحاديث جابر وعمار وأبي هريرة وأبي سعيد .
4- كما فعل عمرو بن العاص رضي الله عنه في سرية ذات السلاسل لما خاف من برودة الماء وهو سليم الجسم عدل إلى التيمم حشية المرض أو حدوث المشقة ، رضي الله عنه ، وكان حينها قائداً للسرية .
5- وقوله : " في سبيل الله " هذا تمثيل ، وإلا فهو شاملٌ لكل حالةٍ في السفر أو الحضر  ، والسفر نفسه ليس مبيحاً للتيمم ، فلا يجوز للمسافر الذي يجد الماء ولا يخاف الضرر بإستعماله أن يتيمم ، بل يجب عليه الوضوء ، وإنّ كان السفر غالباً يكون معه العذر إلى التيمم ، لأنهم كانوا يحملون في سفرهم القليل من الماء الذي يكون بقدر شربهم ، وإصلاح طعامهم ، فيتيممون لصلاتهم . 
[11] 1- درجة الحديث : الحديث ضعيف ، وقال الألباني في ضعيف ابن ماجه : ضعيف جداً ، رواه بن ماجه والدار قطني وفي إسناده عمرو بن خالد الواسطي وهو كذاب ، قال النووي : " اتفق الحفاظ على ضعف هذا الحديث " ، وفي معناه أحاديث أخر ، وأصح ما فيه حديث جابر وسيأتي بعد هذا الحديث ، فيكون معضداً لهذا ، وصحح البيهقي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه توضأ وكفه معصوبة ، فمسح عليها وعلى العصابة وغسل ما سوى ذلك .
2- مفردات الحديث : زَنْدَيّ : الزندان هما الساعد والذراع ، فالأعلى منهما هو الساعد ، والأسفل منهما هو الذراع ، وقيل الزند مفصل طرف الذراع في الكف ، أي الرسغ .  الجبائر : جمع جبيرة هي ما يجبر به العظم المكسور ، من خرقة تُلَفّ عليه أو أعواد تشدّ عليه أو جبس أو غير ذلك .
[12] 1- درجة الحديث : الحديث ضعيف ، رواه أبو داود وابن ماجه والدار قطني وقد تفرّد به الزبير بن خريق ، وهو ليس بالقوي ، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود دون قوله " إنما كان يكفيك " ، وصححه ابن السكن ، وهذا الحديث وحديث علي الأول قد تعاضدا على وجوب المسح على الجبائر بالماء
2- مفردات الحديث : شُجَّ : والشجّة هي الجرح في الرأس والوجه خاصة ، أما إذا كان الجرح في بقية البدن ، فلا يسمى شجه ، وإنما يسمى جراحة  . يَعْصِبُ : بشد العصابة على رأسه ، يدير خرقة على مكان الشجة من رأسه تمنع عنه الأذى والضرر ، ثم بعد ذلك يمسحها بالماء ثم يفيض الماء على بقية جسده ، والعصابة هي العمامة . خِرْقة : القطعة من الثوب الممزق .
3- قصة الحديث : قال جابر : خرجنا في سفر فأصاب رجلاً منا حجر فشّجه في رأسه ثم احتلم ، فسأل أصحابه فقال : هل تجدون لي رخصة في التيمم ؟ ، قالوا : لا ، ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء ، فاغتسل فمات ، فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أُخبر بذلك ، فقال : قتلوه قتلهم الله ، ألا سألوا إذا لم يعلموا ، فإنما شفاء العيّ السؤال ، إنما يكفيه أن يعصب على جرحه خرقة ثم يمسح عليها ويغسل سائر جسده .
4- حديث علي وحديث جابر يدلان على سماحة أحكام الشريعة ، وعلى مشروعية المسح على الجبائر ،  ويكتفي بذلك عن غسل ما تحتها ، والجبيرة كل ما وضع على كسر أو جرح من أخشاب أو جبس أو خرق أو غير ذلك ، تربط على الكسر أو الجرح ، أو ما يكون على الجرح من ضمادات ونحوها مثل اللصَّقةُ التي توضع على الألم ، والحديثان يجبرُ أحدُهما الآخرَ ، ويؤيدُهما المعنى ، وهو أنّ الخفينِ يُمسحُ عليهما من باب الارتفاق والرُّخصة ، فالجبائرُ أولى ، وعلى ذلك فالجبائرُ يمسحُ عليها ، وهو إمرارُ اليدِ عليها مبلولةً بالماء ، ويسمى المسح غُسلاً خفيفاً .
4- المسح على الجبيرة يخالف المسح على الخفين وعلى العمامة والخمار ببعض الأحكام لأن مسح الجبيرة ضرورة ، ولا يمكن قياسها على الخفين ، وأما ما عداها فمسحه رخصة وسهولة وتيسير ، والأحكام هي :
أ- يمسح على الجبيرة بالحدثين الأكبر والأصغر ، بخلاف الخف والعمامة والخمار ففي الأصغر فقط .
ب- إنّ مسح الجبيرة غير مؤقت ولا يتحدد بمدة فيمتد حتى يبرأ الجرح أو الكسر ، لأن لُبسها للضروة  بخلاف الخف ونحوه لأن لُبسها اختياري ، فالمسح يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام ولياليها للمسافر ، ويخلعها بعد إنتهاء المدة .
ج- أن يمسح على الجبيرة كلها وليس على بعضها ، ولا يترك منها شيء لا يسمح عليه عند المالكية والشافعية والحنابلة ، بخلاف الخف والعمامة والخمار فعلى بعضه وهو ظاهر الخف والعمامة ، وقد تقدمت صفته .
د- أنه لا يشترط في الجبيرة ربطها على طهارة ، بخلاف الخف والعمامة والخمار ، فلا يلبسها إلا على طهارة .
هـ أنه لا يشترط في الجبيرة أن تستر محل الفرض ، بخلاف الخف فيشترط فيه أن يستر محل الفرض .
5- يكفيه المسح على الجبيرة ، فإن كان يَضُرُه المسحُ عليها يتيمم ، ولا يجمع في الجبيرة بين المسح والتيمم ، لأنه لم يرد في السُّنَةِ الجمعُ بينهما ، بل إن مسح كفاه ، وما زاد من العصب عن موضع الجُرحِ عن الحاجة فإنه يزيلُهُ ويغسلُهُ ، فإن كان محتاجاً إليه في الشدِّ والربطِ ولا يقدِرُ على إزالتهِ إلا بظهورِ الجُرحِ فإنه يمسحُ عليه معه ، ويكونُ حكمُهُ حكمُ موضعِ الجُرجِ ،  وأما قولُ المتأخرين من الحنابلة " إذا كانت الجبيرةُ بمقدار الحاجة تماماً فلا حاجة للتيمم ، أما إذا كانت زائدةً عن موضعِ الجُرحِ فإنه يمسحُ عليها ويتيممُ للزائد " ، فهذا الجمع بينَ المسحِ والتيممِ اجتهادٌ لا دليل عليه ، وما ورد في بعض روايات حديث جابر : " أنه يتيمم مع المسح " لا يثبت .
6- الحديثان يوافقان القرآن الكريم في قوله تعالى : ( وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى)(النساء: 43) ، ولا يخالفان صحيح السنة في جواز المسح على الكسور والجروح ، ويدل على مشروعية المسح على الجبيرة ، سواء أكانت على جرح أو كسر ، وهي عزيمة وليست رخصة ، وإنّ الواجب المسح على كل الجبيرة  ، ثم غسل بقية البدن الذي لم تصبه الحراح .
7- في الحديث مشروعية سؤال أهل العلم عند الإشكال ، لأن علياً سأل النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذه قاعدة معروفة ، ويدل أيضاً على خطورة الفتوى بغير علم ، حيث أدت هذه الفتوى إلى قتل نفسه مؤمنة .
8- في مسح الجبيرة هل يجمع بين المسح والتيمم ؟ .
[13] 1- درجة الحديث : الحديث ضعيف جداً  ، لأنه من رواية الحسن بن عمارة هو ضعيف جداً .
2- مفردات الحديث : مِنْ السُّنَّة : يعني سنّة النبي صلى الله عليه وسلم ، فله حكم الرفع إذا  صح الحديث .
3- إذا قال الصحابي من السنة كذا ، فالحديث له حكم الرفع ، لأنهم لا يريدون بالسنة إلا سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، ومثله قولهم : " كنّا نؤمر بكذا ، أو نُنهى عن كذا ، أو كنّا نفعل هذا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهذه العبارات لها حكم الرفع عند علماء الحديث .
4- حديث ابن عباس حُجةُ من يقول إنّ التيمم مُبيحٌ لا رافعٌ ، ويدل أنه لا يجوز للمتيمم أن يصلي بالتيمم الواحد إلا صلاة واحدة ،  وهذا يعني أنّ حكم التيمم ينتهي بالصلاة ، وأنه يجب عليه أن يتيمم للصلاة الأخرى تيمماً آخر ، وعمومه يفيد سواء كانت الصلاتان في وقت واحد ، أو كل صلاة منهما في وقت ، ومن يرى هذا الرأي يعلل بأن طهارة التيمم إنما هي طهارة ضرورة أبيحت بها العبادة فقط ، وإلا فليست رافعة للحدث كالوضوء بالماء ، ولكن الحديث لا يثبتُ ، ولضعف هذا الحديث لم يقل به الفقهاء المحدثون ، وقالوا : " إنّ الله تعالى جعل التراب قائماً مقام الماء ، وقد علم أنّ الوضوء لا يجب إلا من حدث ، فالتيمم مثله ، وسيأتي تحقيق المسألة في خلاف العلماء .
5- خلاف العلماء في مسألة هل التيمم يرفع الحدث كالماء أم لا يرفعه ، وإنما هو مبيح لما تشرع له الطهارة كالصلاة ونحوها إلى حين القدرة على الماء وأما الحدث فقائم بحاله  ؟
أ- ذهب الإمام مالك والشافعي وأحمد في المشهور عنه على أنّ التيمم غير رافع للحدث بل مبيح فقط ، ولذا يجب أن يتيمم لوقت كل صلاة ، فإن تيممه يبطل بدخول وقت الثانية ، ودليلهم حديث الباب ، ولكنه قول ضعيف فالتيمم بدل الماء وله أحكامه ، وكذلك استدلوا بحديث أبي هريرة : ( فإذا وجد الماءَ فلْيَتَقِ الله ، ولْيُمِسَّهُ بشَرَته ) ، ووجه استدلالهم على أنه يمسّ بشرته للزمان الماضي أنّ الجنابة باقية عليه ، أو الحدث الأصغر باقٍ عليه .
ب- وذهب أبو حنيفة ورواية عن أحمد إلى أنّ التيمم رافع للحدث من الجنابة كالماء ، وقائم مقام الماء في كل أحواله ، وأنه بدل عنه ، والبدل له حكم المبدل ، فيصلي بالتيمم الواحد ما شاء من الأوقات فروض ونوافل ، حتى يجد الماء أو يحصل له ناقض من نواقض الوضوء ، ووجه استدلالهم بحديث أبي هريرة : ( فإذا وجد الماءَ فلْيَتَقِ الله ، ولْيُمِسَّهُ بشَرَته ) ، يعني للمستقبل ، إذا أجنب أو أحدث في المستقبل ، أما الحدث الماضي فإنه مرتفع بالتيمم ، وهو القول الراجح اختاره شيخ الإسلام ، وهو يدل عليه القياس لأنّ الله سماه طهوراً والطهور يرفع الحدث ، فالتيمم بمنزلة الطهارة حتى يجد الماء أو يحدث ، فلو تيممَ للظُّهر فإنه يصلي بتيممه هذا العصر والمغرب والعشاء ما لم يجد ماءً أو يحدثْ ، فإذا وحد الماء بطل التيمم ، فإن أراد الصلاة وكان عليه جنابة سابقة اغتسل وإلا توضأ ، أما الحديث الذي معنا فهو حديث ضعيف جداً .
ج- فهم مجمعون على أنه في المستقبل لا بدّ أن يستعمل الماء ، إنما الخلاف على الماضي هل ارتفع الحدث بالتيمم ، أو هو باق عليه ، ولكن الله أباح له الصلاة بالتيمم مع بقاء الحدث عليه إلى أن يجد الماء ؟ هذا هو محل الخلاف .
6- ما هو القول الأرجح والأصح في مسألة هل التيمم رافع مطلقاً أو مؤقتاً ؟ . 
[14] باب الحيض
1- في باب الحيض يذكر المؤلف رحمه الله الأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحكام الحيض والاستحاضة والنفاس وما يلزم النساء في ذلك ، يقال حاضت المرأة تحيض حيضاً ومحيضاً فهي حائض ، إذا جرى دمها ، فالتاء المربوطة تلحق الصفات تفرقة بين المذكر منها والمؤنث ، ولكن الأوصاف الخاصة بالنساء لا تلحقها إلا سماعاً فلا يقال : حائضة بل حائض .
2- الحيض لغة : السيلان ، من قولهم حاض الوادي إذا سال ، وشرعاً : دم طبيعة وجِبلَّة يخرج من قعر رحم المرأة البالغة التي لم تبلغ سن الإياس في أيام معدودات من كل شهر غالباً من غير داء ولا ولادة ، وأما الإستحاضة فإنها دم مرض يخرج في غير وقته من أدنى الرحم ، وهو نزيف وله أسباب ، فقد يخرج نتيجة ورم أو إلتهاب أو غير ذلك من الأمراض في الرحم ، وقد يكون خروجه بسبب تناول شيء من العقاقير والحبوب أو حالات نفسية . 
3- فالحيض ذكر الله أحكامه في القرآن الكريم وذكر النبي صلى الله عليه وسلم أحكامه في سنته ، فهو جدير بالعناية والإهتمام ، لأنه يعتري النساء المسلمات ، وقلَّ أن تسلَم منه امرأة ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنه شيء قد كتبه الله على بنات آدم ) أخرجه البخاري ومسلم ، فالمرأة تحتاج في حال الحيض إلى معرفة ما يلزمها من أمور دينها ، فبيّن الله ذلك في كتابه العزيز ، وبينه الرسول صلى الله عليه وسلم في سنته ، وتدارسه العلماء وعقدوا له باباً في كتب العلم ، ولكن بعض المثقفين من يستخفّ بالعلماء ويقول عنهم " إنهم علماء حيض ونفاس " ، جهلاً منهم واستهزاءً بأحكام الله ، فهؤلاء يجب عليهم الرجوع والتوبة إلى الله ، لأنّ في ذلك إحباطاً لأعمالهم ، قال تعالى : ( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) (محمد:9) .
4- والأصل في الحيض الكتاب والسنة والإجماع ، قال تعالى : ( وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) (البقرة:222) ، فالآية تدل على أنّ دم الحائض نجس ، فيجب ترك جماعها في الفرج وقت الحيض ، أما الاستمتاع بما دون الفرج جائز ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( اصنعوا كل شي إلا النكاح " حديث رقم " 144" ، فإذا انقطع حيضها لا يجوز جماعها إلا بعد أن تغتسل ، وأما السنة فمستفيضة ، ومنها الأحاديث الثلاثة التي قال شيخ الإسلام إنّ أحكام الحيض تدور عليها وهي : حديث فاطمة بنت أبي حبيش ، وحديث أم حبيبة بنت جحش ، وحديث حِمنة بنت جحش ، وإجماع العلماء عليه وعلى أحكامه في الجملة ، وستأتي أكثر أحكامه مفصلة إن شاء الله تعالى .
- عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا ( أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ كَانَتْ تُسْتَحَاضُ, فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّم "إِنَّ دَمَ الْحَيْضِ دَمٌ أَسْوَدُ يُعْرَفُ , فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَأَمْسِكِي عَنِ الصَّلاةِ , فَإِذَا كَانَ الآخَرُ فَتَوَضَّئِي وَصَلِّي"  )  رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ  وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ  وَاسْتَنْكَرَهُ أَبُو حَاتِمٍ . 
139- وَفِي حَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ : ( وَلْتَجْلِسْ فِي مِرْكَنٍ, فَإِذَا رَأَتْ صُفْرَةً فَوْقَ الْمَاءِ , فَلْتَغْتَسِلْ لِلظُّهْرِ وَالْعَصْرِ غُسْلاً وَاحِداً , وَتَغْتَسِلْ لِلْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ غُسْلاً وَاحِداً , وَتَغْتَسِلْ لِلْفَجْرِ غُسْلاً وَاحِداً , وَتَتَوَضَّأْ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ ) [1]. 
140- وَعَنْ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ قَالَتْ:  ( كُنْتُ أُسْتَحَاضُ حَيْضَةً كَثِيرَةً شَدِيدَةً , فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّم أَسْتَفْتِيهِ , فَقَالَ: "إِنَّمَا هِيَ رَكْضَةٌ مِنَ الشَّيْطَانِ , فَتَحَيَّضِي سِتَّةَ أَيَّامٍ , أَوْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ , ثُمَّ اغْتَسِلِي, فَإِذَا اسْتَنْقَأْتِ فَصَلِّي أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ  أَوْ ثَلاثَةً وَعِشْرِينَ , وَصُومِي وَصَلِّي , فَإِنَّ ذَلِكِ يُجْزِئُكِ , وَكَذَلِكَ فَافْعَلِي كَمَا تَحِيضُ النِّسَاءُ , فَإِنْ قَوِيتِ عَلَى أَنْ تُؤَخِّرِي الظُّهْرَ وَتُعَجِّلِي الْعَصْرَ , ثُمَّ تَغْتَسِلِي حِينَ تَطْهُرِينَ وَتُصَلِّينَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعاً, ثُمَّ تُؤَخِّرِينَ الْمَغْرِبَ وَتُعَجِّلِينَ الْعِشَاءَ , ثُمَّ تَغْتَسِلِينَ وَتَجْمَعِينَ بَيْنَ الصَّلاَتَيْنِ  فَافْعَلِي، وَتَغْتَسِلِينَ مَعَ الصُّبْحِ وَتُصَلِّينَ ، قَالَ: وَهُوَ أَعْجَبُ الأَمْرَيْنِ إِليَّ ) رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا النَّسَائِيَّ, وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ , وَحَسَّنَهُ البُخَارِيُّ [2]. 
141- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا ;  ( أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ جَحْشٍ شَكَتْ إِلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَّلَم الدَّمَ , فَقَالَ: " امْكُثِي قَدْرَ مَا كَانَتْ تَحْبِسُكِ حَيْضَتُكِ , ثُمَّ اغْتَسِلِي " فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلاةٍ )  رَوَاهُ مُسْلِمٌ [3].
142- وَفِي رِوَايَةٍ للبُخَارِيِّ :  ( وَتَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلاةٍ  )  وَهِيَ لأَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ [4]. 
143- وَعَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالتْ :  ( كُنَّا لا نَعُدُّ الْكُدْرَةَ وَالْصُّفْرَةَ بَعْدَ الطُّهْرِ شَيْئاً  )  رَوَاهُ البُخَارِيُّ, وَأَبُو دَاودَ وَاللَّفْظُ لَهُ [5] . 
144- وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ  ( أَنَّ الْيَهُودَ كَانَتْ إِذَا حَاضَتِ الْمَرْأَةَ فِيهِمْ لَمْ يُؤَاكِلُوهَا, فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهٍ وَسَّلَم : "اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلا النِّكَاحَ"  )  رَوَاهُ مُسْلِمٌ [6]. 
145- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالتْ :  ( كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم يَأْمُرُنِي فَأَتَزِرُ فَيُبَاشِرُنِي وَأَنَا حَائِضٌ  )  مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
149- وَعَنْ مُعَاذِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ  ( أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَّلَمَ مَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنِ امْرَأَتِهِ  وَهِيَ حَائِضٌ ? فَقَالَ : "مَا فَوْقَ الإزَارِ"  )  رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَضَعَّفَهُ [7].
146- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا , عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم - فِي الَّذِي يَأْتِي امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ - قَالَ: ( يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ  أَوْ بِنِصْفِ دِينَارٍ ) رَوَاهُ الْخَمْسَةُ , وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَابْنُ الْقَطَّانِ , وَرَجَّحَ غَيْرُهُمَا وَقْفَهُ [8]. 
147- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم  : ( أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ ?  )  مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ [9]. 
148- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالتْ:  ( لَمَّا جِئْنَا سَرِفَ حِضْتُ , فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم : "افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ  غَيْرَ أَنْ لا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي"  )  مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي حَدِيثٍ طَويِلٍ [10]. 
150- [11] وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالتْ:  ( كَانَتِ النُّفَسَاءُ تَقْعُدُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم بَعْدَ نِفَاسِهَا أَرْبَعِينَ يَوْماً  )  رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا النَّسَائِيَّ , وَاللَّفْظُ لأبِي دَاوُدَ ، وَفِي لَفْظٍ لَهُ:  ( وَلَمْ يَأْمُرْها النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَسَلَّم بِقَضَاءِ صَلاةِ النِّفَاس


[1] 1- درجة الحديث : حديث عائشة صحيح ، قال الدار قطني : " رواته كلهم ثقات " وقال الحاكم " على شرط مسلم " ، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود ،  قال الحافظ : " رواه مسلم في الصحيح دون قوله وتوضئي " ، وفي رواية : " فإنما هو عرق " . أما حديث أسماء ، صحيح ، وصححه الألباني في صحيح أبي داود ،  وقال الحاكم والذهبي " إنه على شرط مسلم " .
2- ترجمة راوي الحديث : أسماء بنت عُميس " وعميس بالتصغير " ، صحابية جليلة هاجرت الهجرتين ، وكانت زوجة لجعفر بن أبي طالب ، هاجرت معه إلى الحبشة ، وولدت له هناك أولاداً منهم عبدالله ، تزوجها أبوبكر الصديق بعد قتل جعفر بمؤتة ، فولدت له محمداً ، وتزوجها علي بن أبي طالب بعد وفاة أبي بكر ، فولدت له يحي ، واستشهد علي وهي في عصمته ،  وكان عمر يسألها عن تعبير الرؤيا ، ماتت بعد علي .
3- مفردات الحديث : تُسْتَحاضُ : الاستحاضة هي سيلان الدم في غير أوقاته المعتادة . يُعْرَفُ : بالبناء للمعلوم من باب الأفعال ،  أي له عُرف ورائحة . يَعْرف : بالبناء للمفعول : من المعرفة ، أي تعرفه النساء  . مِرْكَن : إناء  تُغْسل فيه الثياب . صُفْرَةً فَوْقَ الْمَاءِ : فلتعلم أنها علامة  لذهاب الحيض وانتهائه . صُفْرَة : لون دون الحمرة . ذلِكِ : بكسر الكاف ، خطاب للمرأة الذي تشتكيه ، ويجوز فتح الكاف على أنه خطاب عام . أَمْسِكِي عنِ الصلاة : أي أتركيها ، كما جاء في رواية الصحيحين : " فاتركي الصلاة " . فَلْتَغْتَسِلْ لِلظُّهْرِ وَالْعَصْرِ غُسْلاً وَاحِداً : بأن تأخر الظهر إلى آخر وقتها وتقدم العصر في أول وقتها فتكون قد أتت بكل صلاة في وقتها وقد جمعت بينهما جمعاً صورياً ، وكذا في المغرب والعشاء .
4- معنى حديث عائشة : أتت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت أنها تستحاض ، فتسأله ماذا تفعل بهذا الدم الذي يخرج في غير وقته ، هل حكمها حكم الحائض تدع الصلاة والصيام والجماع ، أو أنّ لها حكماً آخر ؟ فأجابها بجوابٍ شافٍ كافٍ ، أنّ دم الحيض أسود غليظ ثخين يُعرَف أي تعرفه النساء أو يُعرِف أي ذو رائحة منتنة بخلاف دم الاستحاضة فإنه أحمر خفيف ليست له رائحة ،  فإذا حصل هذا الدم الأسود ، فهو دم حيض فدعي الصلاة والصيام  ، وإذا كان الآخر وهو ليس بأسود أي دم أحمر رقيق ليس له رائحة ، فتوضيء وصلي ، فأفاد الحديث أنّ هناك فرقاً بين دم الحيض ودم الاستحاضة ، من حيث الصفة ومن حيث الحكم ، فالفرق من حيث الصفة أن دم الحيض أسود يعرف وأن دم الاستحاضة ليس كذلك ، ومن حيث الحكم فإن الحائض لا تصلي وأما المستحاضة فإنها تصلي .
5- معنى حديث أسْماء بنت عُميس : تجلسُ المستحاضة في إناء وتصبُّ على نفسها الماء ، فإذا رأت صفرة فوق الماء يعني ذلك أنّ الدم تغير ، فتغتسل وتصلي ، وهذا الدم هو دم استحاضة ، وإذا رأت سواد بدل الصفرة ،  فهذا حيض ، ففي الحديث فائدتان : أولاً كيف تعرف المستحاضة نهاية حيضها ، وذلك بأن تختبر نفسها فتجلس في إناء وتصب عليها الماء ، أما حديث عائشة أفاد أنها تميز بين الدم الأسود وغير الأسود ، ثانياً : تغتسل في اليوم والليلة ثلاث مرات ، اغتسال واحد للظهر والعصر ، واغتسال واحد للمغرب والعشاء ، واغتسال واحد للفجر ، بيما جاء في حديث عائشة الاقتصار على الوضوء فقط ، فدلّ على هذا أنّ الاغتسال مستحب .
6- الحيضُ دمُ طبيعةٍ وجِبلَّةٍ تُرخيه الرَّحمُ ، أوصافُه أسود ، أو ثخين أو له رائحهٌ أو أحمرُ شديدُ الحُمرةِ ، كتبَهُ اللهُ على بناتِ آدمَ ، خلَقَهُ لحكمةِ غذاء الولد ، ولهذا إذا حَمَلت المرأةُ انقطعَ في الغالبِ لأنه يتحولُ إلى غذاء الولدِ ، والحائضُ تجلسُ لا تصومُ ولا تُصلِّي ولا تُجامع ، فالصلاة لا تجب على الحائض لا أداءً ولا قضاءً ، أما الصيام فإنه لا يجب على الحائض أداءً ولكنه يجب عليها قضاءً ، ويجب عليها بعد الطُّهر أن تقضي الصيام ولا تقضي الصلاة ، وإذا انتقلت العادةُ أو زادتْ أو نقصت فإنها تنتقل معها وتجلسها بدون تكرار .
7- أما المستحاضة وهي التي أطبق عليها الدَّمُ أغلبَ الشهرِ أو جميعَهُ ، أوصافُه أصفر أو أحمرُ خفيفٌ أو أبيضُ ،  وقال الجمهور : " حدُّ ذلك ما زاد على نصفِ الشهرِ وهو قولٌ قويٌ ، والمستحاضة تُصلي وتصومُ ويُجامعها زوجها ،  فلها ثلاثُ حالاتٍ إن كان لها عادة جلست عادتها ، وإن لم يكن كالمبتدئة عملت بالتمييز ، وإن لم يكن جلست غالب الحيض أي تحيضت ستة أو سبعة كعادة نسائها وتفاصليها كما يلي  :
الحالة الأولى  : العادة الخاصة : أن تكون معتادةً ، وهي أقوى العلامات ، وذلك بالرجوع إلى عادتها قبل أن يصيبها ما أصابها من جريان دم الإستحاضة ، لأن الأصل بقاء الحيض دون غيره  ، ، فهذه تعمل بما في حديث أم حبيبة بنت حبيش ، وهو أنها تمكث قدر عادتِها قبل الاستحاضة ، ثم تغتسل وتتلجم ، بمعنى أنها تضع شيئاً على فرجها من القطن أو غيره يمنع خروج الدم ، وهو ما يعرف الآن بالحفائظ النسائية ، ولو أنّ دم الاستحاضة معها ،  وتتوضأ لوقت كل صلاة ، وإن خرج شيء أثناء الصلاة فصلاتها صحيحة  .
الحالة الثانية : التمييز بين الدمين : أن يكونَ لها تمييزٌ ولا عادة لها ، فتمير بين دم الحيض والإستحاضة ، فإن دم الحيض أسود ثخين ذات رائحة كريهة ، ودم الحيض أحمر صاف ،  وذلك بأن تكون مبتدأ أو ناسية لعادتها زماناً وعدداً ، فهذه تعملُ بما في حديث فاطمةَ بنتِ أبي حُبيشٍ تجلسُ في أيامِ دمِ الحيضِ ، فإذا تغير الدم من السواد إلى الحمرة فذلك علامة طهرها من الحيض ، فتغتسل وتتحفظ  وتُصلي في أيام دمِ الاستحاضةِ ، وتتوضأ لكل صلاة .
الحالة الثالثة : المتحيرة : أن لا يكون لها عادةٌ ولا تمييز ، فتعمل بعادة النساء الغالبة ، وهو بالقياس على أمثالها من النساء في سنها ومزاجها ، لأن الأصل إلحاق الفرد بالأغلب ، كما في حديث حمنة بنت جحشٍ ، تحيضُ ستة أيامٍ أو سبعةَ أيامٍ ، ثم تغتسل وتتحفظ  وتُصلي في أيام دمِ الاستحاضةِ ، وتتوضأ لكل صلاة .
8- وإن تعارضت العلامتان أو أكثر فلا شك أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قدّم العادة ثم علامة كون دم الحيض أسود غليظاً ثم التأسي بأمثالها من النساء ، والتمييز بهذه الأمور سهل جداً يتيسر الأخذ به للعاقلة والخرقاء .
9- إنّ دم الإستحاضة ليس له حكم دم الحيض من ترك الصلاة ونحوها ، وإنما هو دم مرض تكون معه المرأة طاهرة ، تفعل كما يفعله النساء الطاهرات من الحيض ، ويستحب للمستحاضة أن تغتسل لكل صلاتين غسلاً واحداً ، فالظهر والعصر بغسل ، والمغرب والعشاء بغسل ، والفجر بغسل ، والسنة أن تتوضأ لكل صلاة ، لأنها في حكم من حدثه دائم لا ينقطع ، مثل سلس البول أو مذي أو ريح أو جرح لا يرقأ دمه ، فعليه أن يغسل وجوباً النجاسة ومحلها ، فينقي المخرج ، ثم يضع شيئاً على قبله أو على دبره يمنع تمدد الخارج ، والمرأة المستحاضة إذا تمت عادتها تغتسل و تتلجم ،   وتتوضأ لوقت كل صلاة .
10- اختلاف العلماء في وجوب غسل المستحاضة لكل صلاة :
أ- ذهب بعض العلماء إلى وجوب الغسل على المستحاضة لكل صلاة ، عملاً بأحاديث وردت في بعض السنن ، ولحديث أسماء وحديث حمنة في الأمر لهما بالغسل .
ب- وذهب الجمهور من العلماء ومنهم الأئمة الأئمة أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد ، إلى أنه لا يجب ، استصحاباً للبراءة الأصلية ، ومستحب أن تجمع بين الظهرين والعِشاءين جمعاً صورياً ، بأن تؤخر الظهر إلى آخر وقتها وتعجل العصر في أول وقتها ، وكذلك العشاءين جمعاً صورياً ، والدليل على أنّ الغسل مستحب أنه لم يؤمر به فاطمة بنت أبي حبيش ولا أم حبيبة بنت جحش ، وأجابوا عن أحاديث الأمر بالغسل أنه ليس فيها شيء ثابت ، وأما ما في مسلم  ، فإنّ أم حبيبة كانت تغتسل لكل صلاة ، فلا حجة في ذلك ، لأنها فعلته من جهة نفسها ، ولم يأمرها النبي صلى الله عليه وسلم ، بل قال لها : " امكثي ما كانت تحبسك حيضتك ثم اغتسلي " .
ج-  والقول الراجح هو قول الجمهور ، قال شيخ الإسلام بن تيمية : " والغسل لكل صلاة مستحب ، ليس بواجب عند الأئمة الأربعة وغيرهم ، بل الواجب عليها أن تتوضأ لكل صلاة من الصلوات الخمس عند الجمهور " ، ولا تصلي صلاتين بوضوء واحد كما في رواية البخاري في حديث أم حبيبة .
11- للمستحاضة ثلاث حالات ، فما هي بالتفصيل ؟ .
12- ما حكم الغسل لكل صلاة ، الوضوء لكل صلاة بالنسبة للمستحاضة ؟ . 
[2] 1- درحة الحديث : الحديث حسن ، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود ، وصححه جماعة آخرون منهم ابن المنذر والشوكاني ، والإمام أحمد في إحدى الروايتين عنه .
2- ترجمة راوي الحديث : حَمْنة بنت جَحْش ، هي أحت المؤمنين زينب بنت جحش ، كانت حمنة تحت مصعب بن عمير ، فقتل عنها يوم أحد ، ثم تزوجها طلحة بن عبيدالله .
مفردات الحديث : حَيضة : بالفتح المرة الواحدة ، حِيضة : بالكسر الاسم . كثيرة شديدة : كثيرة في المدة ، شديدة في الكيفية . رَكْضة : والركضة معناها الضرب بالرجل على الأرض  ، ومنه قوله تعالى : ( ارْكُضْ بِرِجْلِكَ )(صّ: 42) ، فهي إصابة لَبَّس الشيطان بها على هذه المرأة المؤمنة في أمر دينها . اسْتَنْقَأْت : فالنقاء هو الطهر بانقطاع الدم . فتحيضي : اجعلي نفسك حائضاً . وَهُوَ أَعْجَبُ الأَمْرَيْنِ إِليَّ : الأمر الأول الجمع بين الوضوء والإغتسال كل يوم ثلاث مرات ، وهو أحب الأمرين  والأمر الثاني الاقتصار على الوضوء لكل صلاة  بدون اغتسال .
2- الإستحاضة ليست حيضاً طبيعياً ، إنما هو دم يخرج من أدنى الرحم ، وهو نزيف وله أسباب ، وقد يكون سببه استخدام العقاقير التي تمنع التجلط ،  وهو مرض يصيب المرأة من الشيطان الذي يجري من ابن آدم مجرى الدم ، ويريد أن يلبس عليه عباداته بكل ما أقدره الله من وسائل الأذى والمضرة ، وهذه الركضة سماها الرسول صلى الله عليه وسلم عرقاً ، يسمى هذه الشريان بالعاذل .
3- في الحديث أنّ الإستحاضة " إِنَّمَا هِيَ رَكْضَةٌ مِنَ الشَّيْطَانِ " ، وفي الحديث الآخر :" إِنّمَا ذلك عِرْقٌ " ، وبالجمع بين الحديثين نستخلص أنّ الشيطان لعنه الله يركض هذا العرق ويحركه فينفجر ، من أجل أن يشوش على المسلمة ، ويوسوس لها ويشدد الأمر عليها ، ويلقي عليها الإشكالات من أجل أن يُغِمَّها ويحزنها ، فالشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم ، ويصيب الإنسان بالأذى ، إذا لم يتحصن منه بالذكر والاستعاذة ، فلا منافاة بين كون الرسول صلى الله عليه وسلم علَّل بأنه عرق ، وبين تعليله له بأنه ركضة من الشيطان ، وكلا المعنيين صحيح .
3- حديث حمنة بنت جحش يبين الحالة الثالثة للمستحاضة ، وهو أن لا يكون لها عادةٌ ولا تمييز ، وهي المتحيِّرة ، فإنها تعتبر نفسها حائضاً ستة أيامٍ أو سبعةَ أيامٍ ، من أول كل شهر هلالي ، لأنّ هذا غالب مدة الحيض عند النساء ، وهذا ما يسمى بالدورة الشهرية ، وأما قوله " أو " ليست للشك ، وإنما هي للتنويع ، والدلالة على أنّ بعض النساء يحضن ستة أيام ، وبعضهن يحضن سبعة أيام ، وكل امرأة تتبع عادة نسائها وقريباتها ،  ثم تغتسل المستحاضة إذا تمت عادتها  و تتلجم ، وبذلك تكون قد طهرت من الحيض ، ثم تصلي أربعة وعشرين يوماً إذا كانت عادتها ستة أيام ،  أو ثلاثة وعشرين يوماً إذا كانت عادتها سبعة أيام ، فهاتان العادتان هم أغلب عادات النساء ، وكذلك يجب عليها أن تصوم ، لأنها في حكم الطاهرات ، ويجب عليها أن تصلي فتستنجي ووتتلجم وتتوضأ لكل صلاة ، وتفعل هذه الصفة كل شهر لأن العادة الغالبة عند النساء أن شهرها في الحيض والطهر ثلاثون يوماً ، ستة أو سبعة منها حيض ، والباقي طهر ، والغالب أن يكون شهرها شهراً هلالياً .
4- إنّ دم الاستحاضة لا يمنع من الصلاة ونحوها من العبادات الواجب لها الطهارة ، وإن دم الحيض يمنع من الصلاة ونحوها مما يشترط له الطهارة من الحيض ، وإن الصلاة المتروكة زمن الحيض لا تقضى ، وإن الدم نجس يجب غسله .
5- إذا أرادت المستحاضة أن تغتسل ، فبدلاً من أن تغتسل لكل صلاة من الصلوات الخمس ، مما يسبب لها المشقة الكبيرة لا سيما في وقت البرد ، فإنّ لها أن تؤخر الظهر إلى آخر وقتها ، وتقدم العصر إلى أول وقتها ، وتصليهما في وقتيهما بغسل واحد ، وكذلك المغرب والعشاء ، وهذا ما يسمى بالجمع الصوري ، أما الفجر فلها غسل مستحب واحد لانقطاعهما عما قبلها وما بعدها من الصلوات الخمس ، ولا شك أنّ الغسل فيه كمال النظافة لولا المشقة العظيمة .
[3] 1- مفردات الحديث : شَكَتْ : أخبرت النبي صلى الله عليه وسلم على وجه التألم ، مما ألـمّ بها من هذا المرض . امكثي : توقفي وانتظري قدر عادة حيضتك .
[4] 1- يؤخذ من حديث أم حبيبة بنت جحش  بروايتيه أنه يبين الحالة الأولى للمستحاضة ، وهو أن تكون معتادةً ، فهذه تمكث قدر عادتِها قبل الاستحاضة ،  ثم تغتسل وتتلجم ، وتتوضأ لكل صلاة ، لأن المستحاضة تعتبر ممن حدثه دائم لا ينقطع ، وعليه فيجب الوضوء لكل صلاة إن خرج منها ما ينقض الوضوء ، وإلا فهي باقية على طهارتها .
2- أم حبيبة من حرصها رضي الله عنها على كمال الطهارة للعبادة ، فإنها تغتسل لكل صلاة .
3- فالمتنقلة إذا تغيرت عادتها بزيادة أن نقص أو انتقال بأن تقدمت أو تأخرت فذلك حيض و أنها تصير إليه من غير تكرار ، حتى تعلم أنها مستحاضة باستمرار الدم ، وهو الرواية الأخرى عن الإمام أحمد و اختيار شيخ الإسلام بن تيمية .
4- لا حدّ لأقل الطهر ولا لأكثره ، فما دام الدم موجوداً فهو حيض ، وما دام النقاء فهو طهر ، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك .
5- في الحديث دليل على سؤال أهل العلم عما يشكل في أمور الدين ، حيث أنّ المرأة شكت إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
6- يجب على الحائض والمستحاضة إذا انتهى حيضها أن تغتسل لرفع الحدث الأكبر ، وهذا غسل واجب ، فإن لم تجد ماء ، أو وجدته ولم تقدر على استعماله لمرض ونحوه ، فإنها تتيمم مثل الجنب ثم تصلي . 
[5] 1- درجة الحديث : صحيح ، وهو موقوف ، وله حكم الرفع .
2- ترجمة راوي الحديث : أم عطية اسمها نسيبة بنت كعب ، وقيل بنت الحارث الأنصارية من كبار الصحابيات ، كانت تغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تمرض المرضى وتداوي الجرحى ، قاتلت يوم أحد قتال الأبطال ، شهدت غسل بنت النبي صلى الله عليه وسلم فأتقنت ذلك  وحكت ، وأخذه عنها جماعة من الصحابة وعلماء التابعين بالبصرة ، وحديثها أصل في غسل الميت ، تعدّ من البصريين .
3- مفردات الحديث : كنّا لا نعدُ : يعني أنّ ذلك كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم . الكُدْرَة : ماء يخرج من فرج المرأة مخلوط بسواد ، وهو ما يكون بلون الماء الوسخ الكدر . الصُّفْرة : هو ماء يخرج من فرج المرأة ، يعلوه لون أصفر ، وهو ما يكون كالصديد يعلوه إصفرار  . بعد الطهر : أي إذا انقطع خروج دم الحيض . شيئاً : أي حيضاً تقعد فيه المرأة عن الصلاة ونحوها من العبادات .
4- يدل الحديث على أنّ الماء الذي ينزل بعد الطهر من الحيض وإنقطاع الدم  لا يعتبر حيضاً ، ولو كان فيه الكدرة والصفرة المكتسبة من الدم ، لكنها تنقض الوضوء لخروجها من الفرج ،  أما إذا كان نزول هذه الكدرة والصفرة زمن الحيض والعادة ، فإنه يعتبر حيضاً تجلسها المرأة لأنه دم في وقته ، إلا أنه ممتزج بماء ، ولو زاد ذلك على عادتها ، وفيه دليل على أنّ تغير الدم إلى لون آخر لا يشكك في أنه حيض ، ما دام في زمنه ووقته .
5- قال الألباني في تمام المنة : " وكنت قديماً أرى أنّ الحيض هو الدم الأسود فقط لظاهر حديث فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها ، ثم بدا لي وأنا أكتب هذه التعليقات أنّ الحق ما ذكره السيد سابق ، أنه الحمرة والصفرة والكدرة أيضاً قبل الطهر لهذا الحديث وشاهده ، وبدا لي أيضاً أنه لا يعارضهما حديث فاطمة ، لأنه وارد في دم المستحاضة التي اختلط عليها دم الحيض بدم الاستحاضة ، فهي تُميز بين دم الاستحاضة ودم الحيض بالسواد ، فإذا رأته تركت الصلاة  ، وإذا رأت غيره صلت ، ولا يحتمل الحديث غير هذا " .
6- يكون الطهر من الحيض وانقطاع الدم يعرف بعلامتين مشهورتين :
الأولى : رؤية القصَّةُ البيضاءُ  ، وهو ماء أبيض لزج ينزل من فرج المرأة تعرف به نهاية الحيض ، وسميت بالقصة لأنها تشبه لون الجص .
الثانية : أن ترى النَّشاف ، بحيث أنها إذا احتشت فرجها بقطن ثم أخرجته ونظرت فيه ، لم ترَ فيه شيئاً ، أي تخرج نقية ، هذا يسمى النشاف وهو علامة الطهر ، فإنها تغتسل بعد ذلك وتصلي .
7- الحديث له حكم الرفع ويحتجّ به  لأن الصحابية تحكي حال نساء الصحابة زمن النبي صلى الله عليه وسلم ووجوده عندهم وإقراره لهم ، فقول الصحابي : " كنا نعدُّ ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم " ، أو " كنّا نفعل " ، أو " كنّا ننهي " ، أو " كنّا نؤمر " ، أو " كنّا ننهى " ، فهذه كلها لها حكم الرفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
8- وضح حكم الصفرة والكدرة قبل الطهر وبعده ؟ .
9- يكون الطهر من الحيض وانقطاع الدم يعرف بعلامتين مشهورتين أذكرهما ؟ . 
[6] 1- المفردات : اليهود : شعب معروف .  لم يؤاكلوها: أي لم يكونوا يأكلون ويشربون معها . النكاح : الجماع .
2- اليهود شعب معروف ، فهم أولاد إسرائيل ، وإسرائيل هو يعقوب عليه الصلاة والسلام ،  دينهم اليهودية ، ونبيهم موسى عليه السلام ، وكتابهم التوراة كتاب أنزله الله تعالى على نبيه موسى عليه الصلاة والسلام ، لكن قومه حرفوه من بعده ، وهم اثنا عشر سبطاً ، لأن أولاد يعقوب اثنا عشر سبطاً ، قال تعالى : ( وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً )(الأعراف: 160) ، وكل ابن صار له ذرية ، وتسلسلت فسموا الأسباط ، فالأسباط في بني إسرائيل بمنزلة القبائل في العرب  ، وقد قيل في تسميتهم يهوداً من الهَوَد ، ومعناه الرجوع والتوبة ، أي من قولهم : ( إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ)(الأعراف: 156) ، يعني تبنا ورجعنا إليك ، وقيل سموا يهوداً نسبة إلى يهوذا بن يعقوب ، وأما النصارى فسموا بذلك نسبة إلى بلدة الناصرة في فلسطين ، وهي موطن المسيح ، وقيل سمّوا نصارى من قولهم : ( فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ )(آل عمران: 52) والله أعلم .
[7] 1- مفردات حديث عائشة : فأتزر : يعني أَلْبِسُ كساء تستر به العورة وما حولها . فيُباشرني : يقال باشر ني زوجي ، أي يمسنى ويلصق بشرته ببشرتي ، وجلده بجلدي ، وكل ذلك فيما دون الجماع .
2- حديث معاذ برقم " 149 " ، تم تقديمه هنا لجمع الأحاديث في موضوع واحد .
 3- درجة حديث معاذ : الحديث ضعيف ، وليس بالقوي ، لأن في إسناده بقية بن الوليد ، قال البيهقي : " أجمعوا على أنه ليس بحجة ، وجهالة حال سعيد الأغطش ، فإنا لا نعرف أحداً وثقه ، ومع القول بضعفه ، فإن هذه الجملة التي ذكرها الحافظ هنا صحيحة ، فإنّ له متابعاً عند الطبراني ، وله شاهد عند أبي داود والترمزي .
4- مفردات الحديث : حائض : لم يقل حائضة لعدم الالتباس بين صفة المذكر والمؤنث . ما فوق الإزار : الإزار ثوب يحيط بالنصف الأسفل من البدن ، وما فوق معقد الإزار هو النصف الأعلى من البدن .
5- يؤخذ من الأحاديث أنّ الحائض  طاهر بدنها وعرقها وثيابها ، فتجوز مباشرتها وملامستها وقيامها بشؤون منزلها من إعداد الطعام والشراب وغير ذلك ، وفيه وجوب مخالفة اليهود الذين لم يؤاكلوا المرأة الحائض ويعتزلوها .
6- في الحديث دليل على تحريم جماع الحائض ، وإنه يحل من المرأة الحائض كل شيء إلا الجماع ، فيجوز لزوجها أن يأمرها فتلبس أزاراً أو سروالاً قصيراً أو طويلاً ، ثم يباشرها في أي مكان من بدنها ما دام ذلك في غير مكان الحيض وهو الفرج ، فله أن ينام معها ، ويلمسها ويقبلها ويستمتع بها .
7- حديث عائشة ، وحديث معاذ ،  يدل أمر الحائض بالإتزار أو لبس السروال عند إرادة مباشرتها ، وأنّ ما تحت الإزار من الحائض لا يجوز مباشرته ، وجواز مباشرة الحائض بما فوق الإزار ، أي بقية جسمها فلا بأس أن يباشره زوجها ، بينما حديث أنس ( اصنعوا كل شيء إلا النكاح ) ، يدل على أنه يجوز مباشرة جميع جسم المرأة الحائض حتى ما تحت الإزار سوى الفرج ، وكذلك الآية الكريمة أمرت بإعتزال المحيض فقط ، وهو مكان الحيض أي الفرج ، فقال تعالى : ( فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ )(البقرة: 222) ، لذا اختلف العلماء في هذه المسألة وهذا ملخصها :
أولاً : أجمعوا على تحريم الجماع في الفرج والمرأة حائض ، قال تعالى : ( فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ)(البقرة: 222)
ثانياً : أجمعوا على جواز مباشرة الحائض ما فوق الإزار ، فالاستمتاع بالحائض بما فوق السرة ودون الركبة لا خلاف في إباحته عند الفقهاء ، كما في سنن أبي داود أن حكيم بن حزام قال : يا رسول الله : ما يحل لي من امرأتي وهي حائض ، قال  " لك ما فوق الإزار "  ، وجاء في الصحيحين عن عائشة قالت : كان رسول الله  صلى الله عليه وسلم يأمرني فأتزر ، فيباشرني وأنا حائض " ، ومعناه يلصق بشرته ببشرتها .
ثالثاً : وهو محل الخلاف : وهو مباشرة الحائض ما تحت الإزار ، أي فيما دون السرة وفوق الركبة ، فالصحيح على إباحة جميع جسد الحائض إلا موضع الأذى ، ووجهوا حديث المنع وهو حديث عائشة على أنه من باب الإستحباب والاحتياط لا من باب الوجوب جمعاً بين الأدلة ، ، وأنّ كون المرأة تتزرُ من باب الإستحباب ، لأنه أحوط وأبعدُ عن الوقوع في المحذور وهو الجماع ، ولأنه لم يؤمر بالاتِّزار في حديث أنس ، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول : ( كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه ) أخرجه البخاري ومسلم .
8- الإزار يحتمل معنيين ، الأول أن يكون الإزار كناية عن الجماع ، أي يحل ما دون الجماع ، والثاني أن يكون كناية عن محل الإزار ، أي يحل له المباشرة ما عدا بين السرة والركبة ، لأن هذا هو مكان الإزار المنهي عن قربه ، وعلى هذا فحديث عائشة ومعاذ معارض بحديث أصح منه وهو قوله صلى الله عليه وسلم : " اصنعوا كل شيء إلا النكاح " ، ولذا فيحمل هذا الحديث على الإحتمال الأول حتى يتطابق الحديثين ، فيكون الراجح حواز مباشرة الحائض بكل بدنها عدا الفرجين . أما إذا حمل الحديث على المعنى الثاني ، فحديث معاذ ضعيف فلا حجة فيه .
9- مقارنة بين الأديان الثلاثة :
اليهود : اليهود كانوا متشددين ومتعنتين ، لذا شدد الله عليهم عقوبة لهم على ذلك ، فكان إذا تنجس ثوب أحدهم ، فإنه لا يغسله ، وإنما يقطع الجزء الذي فيه النجاسة ، وكانوا  يرون المرأة الحائض رجساً نجساً ، فيعزلونها ويعتزلونها ، فلا يؤاكلونها ولا يأكلون الطعام الذي هو من صنعها ، ولا يجالسونها ، ولا ينامون معها في فراش واحد ، لأنهم يعتقدون نجاستها ونجاسة ثيابها وعرقها ، فقد روى الإمام أحمد ومسلم عن أنس : (  أنّ اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم ، لم يؤاكلوها ولا يجامعوها في البيوت )  ، فالنبي صلى الله عليه وسلم أمر بمخالفتهم " اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلا النِّكَاحَ " ، الذي هو الجماع في الفرج .
النصارى : كانوا على نقيض اليهود ، فكانوا لا يتحاشون ولا يأنفون من النجاسات ، بل إنهم يتقربون إلى الله بالنجاسات ، ويعتبرونها من العبادة والتواضع ، ولذلك كانوا يأكلون لحم الخنزير مع أنه أقبح النجاسات ، فلديهم التساهل والتفريط ، فإنهم يستحلون جماعها في فرجها على ما فيه من الأذى والدنس والمفاسد .
الإسلام : فهو الوسط بين الغلو والجفاء ، ودين العدل في الأمور كلها ، ولله الحمد ، لا هم متشددون ولا هم متساهلون ، فإنهم إذا أصابتهم النجاسة غسلوها وأزالوها بالماء ، وانتفعوا بالثوب والآنية وغير ذلك ، فالحائض محصورة نجاستها في فرجها فقط ، فهذا هو المحرم ، قال تعالى : ( فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ)(البقرة: 222) ، وبهذا فإن الإسلام ترفع عن الأذى والقذر الذي لم يتحاشا عنه النصارى ، ولم يهن المرأة وينزلها منزلة سافلة كاليهود ، أما الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يضرب لأمته المثل في العشرة الزوجية ، فيقبّل زوجته وهي حائض ، ويضطجع معها ، ويدعوها وهي في حال حيضها إلى مضاجعته ، ويقرأ القرآن في حجرها ، ويمكنها من ترجيل رأسه ، ويأمرها فتتزر فيباشرها بما فوق الإزار ، وهو يتقي الجماع ويتجنبه منها .
10- ما القول الراجح في مباشرة الحائض ما تحت الإزار ؟
11- كيف يمكن الجمع بين حديث أنس وحديث عائشة وحديث معاذ في مباشرة الحائض ؟ .
[8] 1- درجة الحديث : اختلف العلماء في قبوله ، الحديث صحيح ، صححه الألباني في صحيح أبي داود ،  وقال : " قوّاه الإمام أحمد ، وصححه جماعة من المتقدمين والمتأخرين " ، وأخرجه الطبراني والبيهقي بإسناد صحيح على شرط البخاري ، وصححه الذهبي وبن حجر وابن القيم ، وبالغ النووي في نقله الإجماع في تضعيفه ، وقال الحافظ ابن حجر : " فيه اضطراب كثير جداً في متنه وسنده " ، وقال الترمزي : " علماء الأمصار أنه لا فدية دليل على العمل على تركه " .
2- مفردات الحديث : بِدينار : الدينار نقد ذهب ، والدينار الإسلامي زنته أربعة غرامات وربع من الذهب (4.25) .
3-  في الحديث دليل على أنّ جماع المرأة الخائض في الفرج حرام ، قال تعالى : ( وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ)(البقرة: 222) ، وللحديث رقم "144" ، قال صلى الله عليه وسلم ("اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلا النِّكَاحَ"  .
4- إنّ الذي يجامع زوجته وهي حائض فعليه كفارة يتصدق بها ، وهي دينار أو نصف دينار ، وقدر الدينار 4.25 غرام من الذهب ، والوطء المحرم هو الإيلاج ،  وله مضار كثيرة ، منها تمتد الإلتهابات إلى قناتي الرحم فتسدها مما يؤدي إلى العقم أو الحمل خارج الرحم ، ويمتد الإلتهاب إلى قناة مجرى البول فالمثانة فالحالبين فالكلى مما يسبب أمراض الجهاز البولي ، وتقبل الرغية الجنسية لدى المرأة ، ويسبب الصداع النفسي ، وتصاب المرأة بحالة من الكآبة والضيق ، أما مباشرة الحائض في غير الفرج فتقدم جوازها .
5- خلاف العلماء في حكم كفارة الوطء في الحيض :
أ-  ذهب الأئمة الثلاثة أبو حنيفة ومالك والشافعي إلى أنه لا كفارة عليه ولا عليها ، وحجه هؤلاء بأنّ الحديث معلول من وجوه ، فمنهم من ذهب إلى ترجيح وقفه ، ومنهم من ذهب إلى أنه مرسل ، ومنهم من قال بأنه مضطرب الإسناد ، وأنّ الأصل براءة الذمة حتى يصح الدليل على خلافه ، قال الترمزي : " وهو قول علماء الأمصار " ، وقال ابن كثير : " فيستغفر الله ، والأصل أنّ الذمة بريئة إلى أن تقوم الحجة " ، وقال ابن عبد البر : " حجة من لو يوجب الكفارة اضطراب الحديث ، وأنّ الذمة على البراءة ، وحجة الموجبون صحة الحديث ، وأنه صالح لإيجاب حكم شرعي " .
ب- وذهب الإمام أحمد إلى وجوب الكفارة على من وطيء في فرج الحائض ، وعليها هي أيضاً كفارة إن طاوعته ، قال شيخ الإسلام : " وجوب الكفارة في وطء الحائض بالنص والقياس ، أما النص فهو هذا الحديث ، وأما القياس فكما أوجب الله الكفارة على من جامع في رمضان ، وأوجب الكفارة على من جامع وهو محرم ، وكذلك فإنه تجب الكفارة على من جامع امرأته وهي حائض " " ذلك أنّ المعاصي التي جاء تحريمها كالوطء في الصيام والإحرام والحيض تدخلها الكفارة ، بخلاف المعاصي المحرم جنسها كالظلم والزنا لم يشرع لها كفارة " .
6- اختلف العلماء في وجه التخيير بين الدينار ونصفه :
أ- قيل إن الترديد بين الدينار ونصف الدينار إنه للتنويع ، وليس من باب التخيير ، فإن كان في أول الحيض فدينار ، وإن كان في آخر الحيض فنصف الدينار ، ويؤيد هذا أنّ الدم في أول أيامه أغزر وأشد في إصابة الأذى منه في آخره .
ب- وقيل إن الترديد بين الدينار ونصف الدينار شك من الراوي .
ج- وقيل إن الترديد بين الدينار ونصف الدينار  من باب التخيير ، إن شاء تصدق بدينار وهذا أفضل ، وإن شاء تصدق نبصف دينار ، وهذا هو الحد الأدنى ، فيكون مخيراً بين أمرين ، موكولاً ذلك على كرمه ، وقد خير الله سبحانه وتعالى في غير هذه الكفارة ، ففي كفارة اليمين قال تعالى : ( فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ)(المائدة: 89) ، ولا شك أن تحرير رقبة أفضل ، ومع ذلك خير بينها ، وكتخيير المسافر بين القصر والإتمام ، ويميل إلى هذا شيخ الإسلام ، وهو القول الراجح .
7- أذكر القول الراجح في حكم كفارة الوطء في الحيض ؟ .   
[9] 1- مفردات الحديث : أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ : ، الاستفهام هنا للتقرير عما جاء في أول الحديث من ذكر نقص دين المرأة ، و الهمزة للإنكار ، وإنكار النفي إثبات , والمعنى أنه قد تقرر في الشرع ترك الصلاة والصوم للحائض .
2- أصل الحديث : وهو أنّ النبي صلى الله عليه وسلم وصف النساء بأنهن ناقصات عقل ودين ، فقالت امرأة : " ولِمَ يا رسول الله ؟ فبين صلى الله عليه وسلم نقصان عقلهنَّ بأنّ شهادة المرأة تعدل نصف شهادة الرجل ، فهذا من نقصان عقلها ، وبيّن نقصان دينهنَّ في أنّ المرأة تجلس شطر عمرها لا تصوم ولا تصلي ، وذلك في فترة الحيض والنفاس  ، قال صلى الله عليه وسلم : ( أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ ?  ) .
3- تحريم الصلاة على الحائض ، وعدم صحتها منها لو صلَّتها ، وليس عليها قضاء أيام حيضها بعد الطهر ، فالصلاة لا تجب على الحائض لا أداءً ولا قضاءً ،  وتحريم الصيام على الحائض ، ولكن تقضي قدر ما أفطرته أيام حيضها إذا طهرت ،  فالصيام لا يجب على الحائض أداءً ولكنه يجب عليها قضاءً ،  لما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت : " كنا نؤمر بقضاء الصوم ، ولا نؤمر بقضاء الصلاة " ، قال العلماء : " والحكمة في ذلك  أنّ الصلاة تتكرر في اليوم والليلة ، فلو أمرت بقضائها لشق عليها ذلك  ، بخلاف الصوم فإنه لا يتكرر ولا يصعب عليها قضاءه ، والله أعلم " ، فالمسألة مسألة اتباع واقتداء ، وما هي مسألة عقل .
4- ما حكم الصلاة والصيام على الحائض ؟ .
[10] 1- مفردات الحديث : سَرِف : واد قريب من مكة عن طريق المدينة ، يبعد عن حدّ الحرم من جهة التنعيم بنحو عشر كيلومتر ، وعن المسجد الحرام بنحو ثمانية عشر كيلومتر ، يمر به طريق مكة المدينة . حِضْتُ : أي أصابها الحيض .
2- كانت عائشة محرمة بالعمرة متمتعة بها إلى الحج  مع النبي صلى الله عليه وسلم من ذي الحليفة ، وذلك في حجة الوداع فأصابها الحيض بِسَرِف ، واد قريب من مكة عن طريق المدينة ، فدخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم وهي تبكي لأنها ظنت أن الحيض سيخل بنسكها ،  فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : ( هذا شيء كتبه الله على بنات آدم ، افعلي ما يفعل الحاج ، غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري )  فأدخلت حجها على عمرتها ، وصارت قارنة لأنها لا تتمكن من طواف العمرة والتحلل منها من أجل حيضتها .
3- جواز إتيان الحائض بجميع شعائر الحج والعمرة من الإحرام من الميقات والوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة  ورمي الجمار والمبيت بمنى والسعي بين الصفا والمروة ، لو سبق أن طافت قبل الحيض ، وصحة ذلك منها حيث لا يشترط لها الطهارة ، وهو إجماع ، ويجوز أن يؤديها وهو على  غير طهارة .
4- أنه لا يشترط الطهارة للإحرام ، فيصح أن يحرم الإنسان وهو على غير طهارة ، ولكن الأفضل أن يكون على طهارة  إن أمكن ، وأن يكون بعد صلاة ، فإن أحرم على غير طهارة سواء أكان حدث أصغر أو أكبر  صحّ إحرامه ، فقد ولدت أسماء بنت عُميس رضي الله عنها في الميقات وهي مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فأمرها أن تستثفر بثوب ، فتغتسل وتتلجم ، بمعنى أنها تضع شيئاً على فرجها من القطن أو غيره يمنع خروج الدم ، وهو ما يعرف الآن بالحفائظ النسائية ، وأن تحرم وهي نفساء .
5- في الحديث دليل على اشتراط الطهارة للطواف ، وهو قول جمهور أهل العلم ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري ) ، فلو طاف الإنسان وهو على غير طهارة ، فطوافه غير صحيح .
6- في الحديث احترام البيت وتعظيمه ، وأن لا يأتيه المسلم إلا على أحسن هيئة وأتم طهارة ، قال تعالى : ( يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ)(الأعراف: 31) ، وكانت العرب حتى في جاهليتها تعظمه ولا تطوف به في ثيابها التي عصت الله فيها ، وإنما يستعيرون ثياب قريش يطوفون بها ، فإذا لم يجدوا طافوا عراة .
7- الحائض ممنوعة من عبادات منها :
أ-  منعها من دخول المسجد والمكث فيه ، لحديث " لا أحل المسجد لحائض ولا جنب " ، انظر حديث " 122 " ، لأنه إذا منعت من الطواف ، فيلزم من هذا منعها من دخول المسجد ، قال صلى الله عليه وسلم : ( إنِّي لا أُجِلُّ المسجدَ لحائضٍ ولا جنب ) أخرجه أبو داود ، وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا)(النساء: 43) ، والمراد مكان الصلاة وهو المسجد ، فلا يجوز لمن عليه حدث أكبر دخول المسجد والمكث فيه إلا العابر الذي يمر ويخرج .
ب- تحريم الطواف بالبيت على الحائض وعدم صحته منها حتى تطهر ، طواف القدوم والإفاضة ، لحج أو عمرة ، لحديث : " الطواف بالبيت صلاة " ، ولحديث الباب " 148" ، أما طواف الوداع فإنه يسقط عن الحائض بدليل حديث عائشة رضي الله عنها أنّ صفية لما حاضت بعد فراغها من الحج وأخبرته عائشة بذلك ، قال صلى الله عليه وسلم : ( أحابستنا هي ؟ ) ، قالوا يا رسول الله إنها قد فاضت ، يعني طافت طواف الإفاضة ، قال : " فانفري إذاً " ) أخرجه البخاري وسلم ، والمعنى سافري مع الناس وليس عليك وداع ، وكذلك في حديث ابن عباس رضي الله عنهما " أمروا أن يكون آخر عهدهم بالبيت الطواف ، إلا أنه خفف عن المرأة الحائض  "، أما طواف الإفاضة فإنها تنتظر حتى تطهر ، فإذا طهرت فإنها تؤديه ، ولا يصح منها وهي حائض .
ج- تحريم مس المصحف للخائض ، لحديث رقم "77"  عمرو بن حزم : " ولا يمس المصحف إلا طاهر " ، أما قراءة القرآن فيجوز للحائض قراءته للضروة ، وقد ذكرنا الخلاف في ذلك ، انظر حديث " 78" ، وفي هذا الحديث دليل على أنّ الحائض تقرأ القرآن ، وهو أحدُ قوليِّ العلماء وهو الصواب ، لأن الْمُحرمِين يقرأون القرآنَ ، بلْ هو من أفضل أعمالهم ، وهي لم تُمنع إلا من الطواف ، فدلّ على أنها تقرأُ القرآن عن ظهر قلبٍ ، ولا تمس المصحف ، ولا يصحُّ قياسها على الجُنبِ .
8- ما حكم الإحرام من الميقات ، الوقوف بعرفة ، الطواف بالكعبة ، طواف الوداع بالنسبة للحائض ؟ .  
[11]  حديث رقم " 149 " يراجع حديث " 145 " وذلك لجمع الأحاديث التي تتحدث في موضوع واحد .
- درحة الحديث : قال الألباني في صحيح أبي داود حسن صحيح ، و صححه الحاكم ووافقه الذهبي ، وضعفه جماعة منهم الترمزي ، ذلك لأن فيها الأزدية لا يعرف حالها ، ورد تضعيفه النووي ، وقال : له شاهد عند ابن ماجه من حديث أنس ، وللحاكم من حديث عثمان بن أبي العاص ، فهذه الأحاديث يعضد بعضها بعصاَ ، وحسن الخطابي وقال : " أثنى عليه البخاري " .
2- مفردات الحديث : نِفاساً : مأخوذ من النَّفْس وهو الدم ، ولهذا يقول الفقهاء : " أنّ ما لا نفس له سائلة لا يؤثر في الماء إذا مات فيه ، يعني : ما ليس له دم , وقيل مأخوذ من التنفس ، وهو الخروج ، لأن الدم يخرج بعد الولادة من الرحم ، فيقال : تنفَّس إذا خرج ، وفي الحديث : " من نفَّس عن مؤمن كربة " أخرجه مسلم ، يعني أخرجه من الشدة والضيق . النُفَاس : ولادة المرأة ، والمشهور في اللغة : نَفِسْتُ معناه حِضْتُ ، وأما الولادة فيقال : نُفِسَت .
3- دمُ النُفَاس هو الدم الذي يخرج بعد الولادة ، ويستمر لمدة ثلاثة إلى أربعة أسابيع ، وقد تطول إلى أربعين يوماً ، ويكون في الأيام الأربعة الأولى قانياً غليظاً ومحتوياً على دم مجمد ، ثم يخف تدريجياً بعد ذلك ، ثم يصير بني اللون مختلطاً بمادة مخاطية ، وأخيراً تظهر " القصة البيضاء " ، وقد تتوقف الإفرازات الدموية ثم يعود الدم إلى الظهور ، ويعتبر ذلك نتيجة  لوجود بقايا ولو بسيطة من المشيمة في الرحم .
4- النفاس دم ترخيه الرحم مع الولادة ، وأحكامها هي أحكام الحائض فيما يجب ويحرم ويكره ويباح ، فيما يحرم كالصلاة والصوم والوطء في الفرج ، وفيما يجب كالغسل وكفارة الوطء ، فيما يسقط كقضاء الصلاة ، وفيما يحل كاستمتاع بما دون الفرج ، وفيما يجب قضاؤه كالصيام الواجب  ، والمعنى أنّ النفساء مثل الحائض تدع الصلاة والصيام ولا يجوز لزوجها أن يجامعها ، ويجوز له أن يستمتع بها دون الجماع مثل الحائض تماماً ، ولا يجوز لها اللبث في المسجد ، ، ولا مس المصحف ، ولا يجوز لزوجها أن يطلقها وهي نفساء ، فهي في الأحكام مثل الحائض تماماً .
5- في الحديث دليل على أن أكثر مدة النفاس أربعون يوماً ، فإذا أتمت الأربعين فإنه يجب عليها الإغتسال ولو لم ينقطع الدم عند جمهور أهل العلم ، وتجب عليها الصلاة والصيام ، ويعتبر دم فساد ، وإن انقطع في أثناء الأربعين فإنها تغتسل وتصوم وتصلي ويجامعها زوجها كما ذكرنا ، فإن عاد عليها خلال الأربعين دم ، فإنها تمسك ويعتبر دم نفاس وهكذا ، أي أنّ العبرة في وجود الدم وعدمه حتى تتمَّ الأربعين ، لما روي ابن ماجه عن أنس : " أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت للنفساء أربعين يوماً إلا أن ترى الطهر قبل ذلك " ،  وتفصل دم النفاس من غيره ، وبعد ذلك تنظر في الدم المستقيل وهل يوافق عادتها في الحيض أم لا ، ويحتاج هذا إلى تأمل ، والله أعلم .
6- ويثبت النفاس بوضع ما تبين فيه خلق إنسان ، بأن يكون قد وضحت أعضاؤه ، فإن ألقت مضغة  ليس فيها تخليقٌ فإنها لا تُعتبر نفساء ، وما يأتيها من الدم يعتبر دم فساد ونزيف ، ويعتبر الجنين سقط ، فتصلى وتصوم وتُجامع ، والفقهاء يقولون : " إن أقل مدة يتبين فيها خلق الإنسان عندما يدخل في الأربعين الثالثة ، يعني بعد واحدٍ وثمانين يوماً ، لأن الجنين يكون أربعين يوماً نطفة ، ثم يكون أربعين يوماً علقة ، ثم يكون أربعين يوماً مضغة ، فإذا دخل في بداية الأربعين الثالثة ، أي بعد ثمانين يوماً يبدأ حينئذ تخليق الأعضاء وتفريدها ، فإذا تمّ له أربعة أشهر بُعث الملك إليه ونفخ فيه الروح في الأربعين الرابعة ، فإذا مات الجنين قبل الثمانين يوماً  يكون مضغة لحم يدفن في أي مكان ولا يصلى عليه ولا يكفن ، وإذا بدأ تخليق الجنين بأن تبينت أعضاءه أي بعد الثمانين يوماً يستحب أن يكفن ويصلى عليه ويدفن ، أما  بعد المائة وعشرين يوماً ، فإنه يكون قد نفخ فيه الروح فيغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين ، والله أعلم .
7- هذا الحديث له حكم الرفع ، فالاحتجاج بما يفعل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم  يعتبر إقرار منه صلى  الله عليه وسلم فهو تشريع ، وهو من أقسام السنة ، لأنّ السنة إما قول أو فعل أو تقرير .
8- ما الحكم في الحالات الآتية : إذا انقطع دم النفاس قبل الأربعين ؟ ، إذا ألقت الحامل علقة أو مضغة لم يتبين فيها تخيط إنسان ؟ .
انتهى كتاب الطهارة ، ويليه كتاب الصلاة إن شاء الله ، أسأل الله أن ينفع بهذا الشرح الإسلام والمسلمين ، وأي يجعل عملي خالصاً لوجهه الكريم ، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق