بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من أدلة الأحكام
مقدمة الجزء الثاني من كتاب الطهارة
(1) بلوغ المرام من أدلة الأحكام تصنيف الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (733-852هـ) ، فهو مختصر يمكن حفظه بسهولة ، يشتمل على أُصول الأدلة الحديثيةِ لأحكامِ الشرعيةِ ، فانتقى أحاديث الأحكام وعزاها وحَكَم عليها ، فيجمع الأدلة على كل مسألة وعلى كل باب ، فهذا الكتاب مفيد للطلبة الناشئين وللكملة الماهرين .
(2) وقد بَيَّنَ عَقِيْبَ الحافظ كُلِّ حديثٍ منْ أخرجَهُ من الأئمةِ ، فالمرادُ بالسبعةِ : أحمدُ والبخاريُ ومسلمٌ وأبوداودَ والنسائيُّ والتِّرْمِذيُّ وابنُ ماجَهْ ، وبالسِّتَّة : مَنْ عدا أحمدَ ، وبالخمسةِ مَنْ عدا البخاريَّ ومسلماً ، وقد أقولُ : الأربعةُ وأحمدُ ، وبالأربعةِ أصحاب السنن أبوداودَ والنسائيُّ والتِّرْمِذيُّ وابنُ ماجَهْ وبالثلاثة أصحاب السنن من عدا ابن ماجه ، وبالمتفقِ عليه : البخاري ومسلم ، وقد يكتفي بنسبة الشيخين فقط مع أن غيرهما أيضاً أخرجهما ، وما عدا ذلك أي السبعة فهو مبين بصريح اسمه ، وسمّاه بلوغ المرام .
(3) رتب المؤلف كتبه وأبوابه وأحاديثه على كتب الفقه ليسهل على القارئ مراجعته ، وليساير كتب الأحكام من حيث الدلالة عليه ، ففي أول الباب يكتب عن ويذكر الصحابي والحديث التالي يقول وعن وإن كان نفس الصحابي قال وعنه ، وذلك من باب الإختصار .
(4) قمت بضبط الأحاديث بالشكل وقد أضفت بعض الأحاديث من الصحيحين التي لم يذكرها المؤلف في الباب من كتاب تيسير العلام حتى تتم الفائدة ، وجمعت بعض الأحاديث في مكان واحد التي تتناول مسألة واحدة ، فخالفت فيها الترتيب الذي رتبه الحافظ ابن حجر ، وقد اختلفت النسخ في شرح بلوغ المرام في ترقيم الأحاديث فأعتمت الترقيم الموجود في كتاب تسهيل الإلمام لصالح الفوزان وهو نفس الترقيم الذي على السي دي ، وللتسهيل قمت بترقيم الهوامش التي فيها شرح الحديث بنفس أرقام الأحاديث .
(5) وفي حالة إختلاف أقوال العلماء أكتب القول الراجح ، وفي حالة إختلاف القول الراجح من المصادر التي اعتمدت عليها ، أذكر قول شيخي عبدالعزيز الراجحي .
(6) وضمنت البحث ببعض الأسئلة ، حتى يتدرب القارئ على حلها لتعم الفائدة ، ونقلت بعضها من المسابقة الأسرية (19) لمدرسة الشفاء بنت عبدالله .
(7) وفي الغالب يكون الشرح كما يلي : درجة الحديث ، ترجمة راوي الحديث ، مفردات الحديث ، ما يؤخذ من الحديث من أحكام مع ذكر القول الراجح ، سؤال .
(8) وسوف أرسل إن شاء الله نسختين لدار الإمام مالك ودار ابن عباس لتحفيظ القرآن الكريم ، حتى يدرس كمنهج للدارسات .
(9) ولأهمية الكتاب تناوله جمع غفير من العلماء بالشروح والتعليقات ، وقد اعتمدت بعد توفيق الله سبحانه وتعالى على الشروح التالية :
1- الإفهام في شرح بلوغ المرام من أدلة الأحكام شرح الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله الراجحي .
2- توضيح الأحكام من بُلوغ المرام تأليف عبدالله بن عبدالرحمن آل بسام .
3- تسهيل الإلمام بفقه الأحاديث من بلوغ المرام شرح الشيخ صالح بن فوزان الفوزان .
4- بلوغ المرام من أدلة الأحكام مع تعليقه إتحاف الكرام للشيخ صفي الرحمن المبار كفوري .
5- بلوغ المرام من أدلة الأحكام مع تعليقات نفيسه لعبدالعزيز بن باز ، محمد بن عثيمين ، محمد ناصر الدين الألباني ، تخريج وتعليق أبو مالك محمد بن حامد بن عبدالوهاب .
6- تيسير العلام شرح عمدة الأحكام تأليف عبدالله بن عبدالرحمن آل بسام .
7- سي دي بلوغ المرام شرح صالح بن فوزان الفوزان – البرنامج الأول .
8- سي دي بلوغ المرام عبدالله بن صالح الفوزان – البرنامج الأول .
9- سي دي بلوغ المرام شرح عبدالكريم بن عبدالله الخضير – البرنامج الخامس .
10- زاد المستقنع " مختصر المقنع " تأليف شرف الدين موسى بن أحمد الحجاوري .
(10) واحتوى الجزء الثاني من كتاب الطهارة على الأبواب التالية :
7- باب آداب قضاء الحاجة ص 70
8- باب الغسل وحكم الجنب ص 85
9- باب التيمم ص 100
10 - باب الحيض ص 110
هذا والله أسأل أن يوفقني في إكمال هذا البحث المتواضع في جميع أبواب الكتاب ، وأن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم ، وهو ولي ذلك ونعم القدير ، والحمد لله رب العالمين ،،،
وكتبه الطالب / عبدالله أبوبكر عبدالرحمن باوارث
الرياض 27/6/1428هـ
(7) باب قضاء الحاجة
86- عَنْ أَنَسٍ بن مالك رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: ( كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلمَ إَذَا دَخَلَ الْخَلاءَ وَضَعَ خَاتَمَهُ ) أَخْرَجَهُ الأرْبَعَةُ, وَهُو مَعْلُولٌ [1].
87- وَعَنْهُ قَالَ: ( كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ الْخَلاءَ قَالَ: "اللَّهُمَّ إِني أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخُبْثِ وَالْخَبَائِثِ" ) أَخْرَجَهُ السَّبْعَةُ [2].
88- وَعَنْهُ قَالَ: ( كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدْخُلُ الْخَلاءَ, فَأَحْمِلُ أَنَا وَغُلامٌ نَحْوِي إِدَاوَةً مِنْ مَاءٍ وَعَنَزَةً, فَيَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [3] .
89- وَعَنِ الْمُغِيْرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رَضِي اللهُ عَنْهُ قَالَ: ( قَالَ لِي النَّبِي صلى الله عليه وسلم "خُذِ الإدَاوَة " ، فَانْطَلَقَ حَتى تَوَارَى عَنِّي, فَقَضَى حَاجَتَهُ ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [4].
90- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلّم : ( اتَّقُوا الَّلاعِنَيْنِ: الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ فِي ظِلِّهِمْ ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ [5].
91- وزَادَ أَبُو دَاوُدَ عَنْ مُعَاذٍ: ( الْمَوَارِدَ ) ، وَلَفْظُهُ : ( اتَّقُوا الْمَلاعِنَ الثَّلاثّةَ : الْبَرَازَ في الْمَوارِدِ ، وقَارِعَةِ الطَّرِيقِ ، وَالظِّلِّ ) [6] .
92 - وَلأحَمَدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما : ( أَوْ نَقْعِ مَاءٍ ) وفيهما ضعف [7].
93- وَأَخَرَجَ الطَّبَرَانِيُّ النَّهْيَ عَنْ قَضَاءِ الْحَاجَةِ تَحْتَ الأَشْجَارِ الْمُثْمِرَةِ وَضَفَّةِ النَّهْرِ الْجَارِي ، مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ [8].
94- وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : ( إِذا تَغَوَّطَ الرَّجُلانِ فَلْيَتَوَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ, وَلا يَتَحَدَّثَا ، فَإِنًّ اللهَ يَمْقُتُ عَلى ذَلِكَ ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ السَّكَنِ , وَابْنُ الْقَطَّان, وَهُوَ مَعْلُولٌ [9].
95- وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يَمَسَّنَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ وَهَوُ يَبُولُ , وَلا يَتَمَسَّحْ مَنْ الخَلاءِ بِيَميِنِهِ, وَلا يَتَنَفَّسْ فِي الإنَاءٍ ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ, وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ [10].
96- وَعَنْ سَلْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: ( لَقَدْ نَهَانَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَسْتَقْبِلَ القِبْلَةَ بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِالْيَمِينِ, أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلاثَةِ أَحْجَارٍ , أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِرَجِيعٍ أَوْ عَظْمٍ ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ [11] .
97- وَلِلسَّبْعَةِ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأنْصارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : ( لا تَسْتَقْبِلُوا القِبْلَةَ وَلا تَسْتَدْبِرُوهَا بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ , وَلكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا ) [12].
98- وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (مَنْ أَتى الْغَائِطَ فَلْيَسْتَتِرْ ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ [13]
99- وَعَنْهَا ( أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَان إِذَا خَرَجَ مِنْ الْغَائِطِ قَالَ: غُفْرَانَكَ ) أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ أَبُو حَاتِمٍ وَالْحَاكِمُ [14].
100- وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: ( أَتَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الغَائِطَ, فَأَمَرَنِيِ أَنْ آتِيَهُ بِثَلاثَةِ أَحْجَارٍ, فَوَجَدْتُ حَجَرَيْنِ , وَلَمْ أَجِدْ ثَالِثًاً ، فَأَتَيْتُهُ بِرَوْثَةٍ ، فَأَخَذَهُمَا ، وَأَلْقَى الرَّوْثَةَ, وَقَالَ: هَذَا رِجْسٌ أَوْ رِكْسٌ ) أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ ، وَزَادَ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ: ( ائْتِنِي بِغَيْرِهَا) [15].
101- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ( أَنَّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ يُسْتَنْجَى بِعَظْمٍ أَوْ رَوْثٍ وَقَالَ : إَنَّهُمَا لا يُطَهِّرَانِ ) رَوَاهُ الدَّارَ قُطْنِيُّ وَصَحَّحَهُ [16].
102- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم :( اسْتَنْزِهُوا مِنْ الْبَوْلِ, فَإِنَّ عَامَّةَ عَذابِ القَبْرِ مِنْهُ ) رَوَاهُ الدَّارَ قُطْنِيُّ [17].
103- وَلِلْحَاكِمِ : ( أَكْثَرُ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْ الْبَولِ ) وهو صحيح الإسناد [18].
104- وَعَنْ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: ( عَلَّمَنَا رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم في الْخَلاءِ أَنْ نَقْعُدَ عَلَى الْيُسْرَى وَنَنْصِبَ الْيُمْنَى ) رَوَاهُ الْبَيْهَقَيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ [19].
105- وَعَنْ عِيسَى بْنِ يَزْدَادَ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلم ( إِذَا بَالَ أَحَدُكُمْ فَلْيَنْتُرْ ذَكَرَهُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ ) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ [20].
106- وَعنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما ( أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَأَلَ أَهْلَ قُبَاءٍ فَقَالَ : إنَّ اللهَ يُثْنِي عَلَيْكُمْ ، فَقَالُوا: إِنَّا نُتْبِعُ الْحِجَارةَ الماءَ ) رَوَاهُ الْبَزَّارُ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ .
107- وَأَصْلُهُ فِي أَبِي دَاوُدَ والترمذي ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِدُونِ ذِكْرِ الْحِجَارَةِ [21] .
[1] (7) باب آداب قضاء الحاجة
[1] 1- مقدمة : آداب : جمع أدب ، والمراد التحلي بالأخلاق الطيبة من قول أو فعل . قضاء الحاجة : المراد به الغائط والبول ، وقضاؤها المراد به التخلي منها وإزالتها وإزالة آثارها لأنها من المؤذيات ، وآداب قضاء الحاجة المراد به ما يفعله الإنسان وما يقوله عند يعرض له قضاء الحاجة من بول أو غائط ، وقضاء الحاجة يكنى بها عما قبح التصريح بذكره .
2- وآداب قضاء الحاجة يشمل أقوالاً وأفعالاً يشرع للمسلم إتباعها منها :
أ- الإبتعاد عن الناس ، والاستتار عن الأنظار ، واختيار المكان المطمئن الآمن به من رشاش البول .
ب- الذكر عند دخول الخلاء ، وعند الخروج منه ، وهيئة الجلوس ، والإستعداد بأداة التطهير من الأحجار ونحوها والماء ، والتحاشي من التطهر بالمواد النجسة أو العظام أو الأشياء المحرمة .
ج- الإبتعاد عن قضاء الحاجة عند مجالس الناس ومرافقهم العامة وتحت الأشجار المثمرة ، أو استقبال القبلة أو استدبارها ، ولزوم السكوت حال قضاء الحاجة .
د- قطع الخارج ، والتطهر منه ، والتحرز أن يصيبه شيء منه ، وغير ذلك من الأداب في هذا الباب ، فإن الشريعة علمتنا كل شيء .
3- دين الإسلام دين النظام ودين الكمال ، فقد نهى عن النقائص والرذائل والسفاسف ، حتى إنه علم الأمة آداب قضاء الحاجة ، وقد روي عن رجلاً من اليهود قال لأبي ذر رضي الله عنه : " علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة ؟ ، قال : نعم علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عند قضاء الحاجة أن نفعل كذا وأن نفعل كذا " ، فما ترك هذا الدين شيئاً يحتاجه البشر إلا بيّنه ، وبهذا يتميز الإنسان عن الحيوان ، فالإنسان كرمه الله وأعزّه ، فالحيوان يخرج فضلاته دون تقيد بكيفية ولا صفة ولا مكان بخلاف الإنسان ، قال تعالى : ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) (الاسراء:70) .
4- درجة الحديث : حسن ، ونقل ابن حجر تصحيحه عن الترمزي وابن حبان والمنذري ، ومن صححه قال مجيباً عن العلة الذي ذكروها وهي أنه من رواية ابن جريج عن الزهري ، وابن جريج موصوف بالتدليس ، وقد رواه عنه بالعنعنة ، فهذا يعني عدم سماع ابن جريج من الزهري ، فأجابوا عن العلة فقالوا : فقد سمع ابن جريج من زياد بن سعد عن الزهري بلفظ آخر ، وهو " أنه صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتماً من ورق ثم ألقاه " ، فزالت علته ورواته ثقات . قال أبو داود " الحديث منكر " ، وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود ، وقال المؤلف معلول لانقطاع سنده بين ابن جريج والزهري ، حيث لم يسمع منه . قال الحافظ " وهو معلول " والقياس أن يقال : " وهو معل " من أعلّه يُعِلُّه فهو مُعَلٌّ ، أما كلمة معلول فهي مأخوذة من علَّ يَعُلُّ فهو معلول ، مثل قتل يَقتُلُ فهو مقتول .
5- مفردات الحديث : دخل : أراد الدخول ، كقوله تعالى : ( فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) (النحل:98) ، يعني إذا أردت قراءة القرآن ، وكقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ)(المائدة: 6) ، أي إذا أردتم القيام إلى الصلاة ، وليس المراد أنه يقول ذلك بعد الدخول . الخلاء : المكان الخالي ، ثم كثر استعماله لموضع قضاء الحاجة . خاتمه : هو حلقة ذات فص من غيرها ، والتي تلبس في الأصبع ، قال ابن كثير : " اتخذ صلى الله عليه وسلم خاتماً من فضة ، ونقش فيه ( محمد رسول الله ) " هكذا رواه البخاري . وضع خاتمه : لأنه نقشه " محمد رسول الله " وفيه تنبيه على إبعاد ما فيه ذكر الله عن المواضع المستخبثة
6- الخلاء المراد به المكان الذي تُقضى فيه الحاجة ، سمِّي خلاء لأنه يكون خالياً من الناس في غير أوقات الحاجة ، أو لأن الإنسان يخلو فيه ، ثم صار يُطلق على الخارج نفسه من باب الكناية ، كما سمي الغائط غائطاً ، مع العلم بأن الغائط أصله المكان المنخفض ، ولما كان من عادة الناس عند قضاء الحاجة أن يذهبوا إلى مكان منخفض ليستتروا فيه ، سمِّي الخارج غائطاً من تسمية الشيء باسم مكانه ، وكذلك سمٍّي البَراز برازاً ، فالبراز في الأصل المكان البارز ، وهو المكان الخالي من البنيان ، ولذا فإنه يكون بارزاً ، ثم صار يُطلق البراز على الشيء الخارج من الإنسان ، كل هذه كنايات : الخلاء والغائط والبَراز ، أصلها أسماء أمكنة ، ثم سميت بها الفضلات التي تخرج من الإنسان من باب الكنايات تأدباً ، لأنهم يكرهون التلفظ بالأشياء المكروهة فيكنون عنها كناية ، مثل الجماع ، فالجماع أصله المقارنة والإختلاط ، هو كناية عمّا يفعله الإنسان مع أهله ، لهذا فهو لا يُذكر ، لأنه يستحيا منه ، فصار يُكنى عنه ، كذلك النكاح بمعنى الجماع .
7- يؤخذ من الحديث مشروعية الاستتار عند قضاء الحاجة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخل الخلاء ، والخلاء هو المكان الخالي الذي ليس فيه أحد ، وفي الحديث كراهة دخول الإنسان الخلاء أو المكان الذي سيقضي فيه حاجته ومعه شيء مكتوب فيه ذكر الله تعالى أو أسمائه وصفاته ، حيث كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم عليه " محمد رسول الله " فكان لا يدخل فيه الخلاء ، لأن فيه اسم الله ، ويضعه خارجه ، وأما المصحف فيحرم إدخاله أو إدخال بعضه ولو كان ملفوفاً بحائل لما له من مكانة لا تسامى ، قال تعالى : ( إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ) (الواقعة:77) .
8- قال الفقهاء : " إلا إذا كان دخوله به لحاجة كخشية سرقته أو نسيانه ، وهذا الاستثناء مبني على قاعدة : " أن الكراهة تزول مع الحاجة " ، ولكنه يخفيه فيجعله في جيبه ، ويضع النقود التي فيها ذكر الله في المحفظة ، وإن كان خاتماً فإنه يديره ويجعل الفص الذي فيه ذكر الله داخل كفه ، قال شيخ الإسلام : " الدراهم إذا كتب عليها " لا إله إلا الله " وكانت في منديل أو خريطة يجوز أن يدخل بها الخلاء " .
9- الرسول صلى الله عليه وسلم بشر يطرأ عليه ما يطرأ على البشر من أكل وشرب وقضاء حاجة ومرض وموت ، وإنما شرفه الله برسالته ونبوته ، أما ما ينسب إليه أنه ليس كالبشر وأنه خُلق من نور ، فهذا أمر باطل ، قال تعالى : ( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ )(الكهف: 110) ، ، وفي الحديث إباحة إتخاذ الخاتم للرجل ، ولا سيما إذا كان محتاجاً إليه وكان عليه اسمه ويختم بها على الرسائل ونحوها ، وأن يكون من فضة أو من غير الفضة ولو كان ثميناً كالألماس والأحجار الثمينة سوى الذهب ، لأن الذهب محرم على الرجال ، وأن يكتب عليه ، ولو كان اسمه فيه اسم من أسماء الله تعالى ، كعبدالله وعبدالرحمن .
10- ما آداب قضاء الحاجة ؟ ، وما حكم دخول الخلاء بشيء فيه ذكر الله إذا خاف على ما معه ؟
[2] 1- مفردات الحديث : أعوذ : أعتصم به وألتجيء إليه . الخُبْث : بتسكين الباء ، الشر ، والخُبُث : بضم الباء جمع خبيث ، وهو ذكور الشياطين. الخبائث : جمع خبيثة ، وهم إناث الشياطين ، فهو استعاذ من ذكران الشياطين وإناثهم أو أنه استعاذ من الشر وأهله . قال ابن العربي : " أصل الخبث في كلام العرب المكروه ، فإن كان من الكلام فهو الشتم ، وإن كان من الملل فهو الكفر ، وإن كان من الطعام فهو الحرام ، وإن كان من الشراب فهو الضار .
2- يؤخذ من هذا الحديث وغيره يستجب للمسلم إذا أراد دخول الخلاء أن يقدم رجله اليسرى ويقول : " بسم الله " ، "اللَّهُمَّ إِني أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخُبْثِ وَالْخَبَائِثِ" ، لأن موضع قضاء الحاجة محلٌّ للشياطين وهي تألف الأشياء النجسة والقذرة ، وفي هذه الإستعاذة يحصن بها المسلم نفسه من محاولة الشيطان إيذائه وتنجيسه ، وليعلم أن المكان إذا كان معداً لقضاء الحاجة مثل دورات المياه والمراحيض فإنه يقول هذه الكلمات قبل الدخول فيه لا بعده ، وإن كان فضاء يقول عند إرادة رفع ثيابه .
3- في الحديث إثبات وجود الجن والشياطين ، وإنكارهم ضلال وكفر .
4- أذكر الدعاء المأثور في دخول الخلاء ؟ .
[3] 1- مفردات الحديث : غلام : الصبي من الولادة إلى البلوغ ، وقد يطلق الغلام على الخادم . نحوي : أي مقارب لي في السن . إداوة : قِربة صغيرة من جلد تتخذ للماء . عَنَزَة : عصا صغيرة في رأسها حديدة مدببة تُركز في الأرض ، وهي الرمح القصير ، فهي نوع من السلاح الخفيف ، وكانت أيضاً تُركز أمامه صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يصلي ، فتكون سترةً له يصلي خلفها . فيستنجي : هو قطع الأذى بالماء والحجارة . الاستجمار : هو إزالة الأذى بالحجارة وحدها .
2- من أداب دخول الخلاء أن يستتر الشخص عن أعين الناظرين بحيث لا يراه أحد حتى لا تُرى عورَتُهُ ولا يسمع له صوتٌ ولا يشم له ريح ، إما بالبعد أو إغلاق باب مكان قضاء الحاجة عليه ، أو وضع ما يستره من الناس ولو من خرقة ونحوها ، لأن النظر إلى العورة بدون ضرورة محرّم .
3- استعداد المسلم بطهوره عند قضاء الحاجة ، مثل أخذ العنزة والإداوة التي فيها الماء ، لاستعماله عند الفراغ ، لئلا يحوجه إلى القيام والتلوث بالنجاسة ، والحكمة من حمل العَنَزَة أن يضع عليها ثوباً يستره إذا أراد قضاء حاجته ، والحكمة من حمل الإداوة أن يكون معه ماء ليتطهر ويستنجي به .
4- فيه مشروعية الإستنجاء بعد قضاء الحاجة ، والإستنجاء معناه أن يغسل مكان الخارج بالماء ، هذا يسمى استنجاء من النجو وهو القطع ، أي يقطع أثر الخارج بغسله بالماء ، ولا يجوز للإنسان أن يترك أثر الخارج ، لأنه ينجسه وينجِّس ثيابه ، هذا من الناحية الشرعية ، أما من الناحية الطبية فإنه يضر بالصحة ، فربما يكون في هذا شيء من حمل المرض وإنتشاره ، فديننا دين النظامة ودين الكمال ، والأحوال ثلاثة في الإستنجاء : أ- أفضلها الجمع بين الحجارة والماء ، بتقديم الحجارة لتخفيف النجاسة وتقل مباشرتها بيده ثم إتباعها بالماء . ب- الإقتصار على الماء فقط . ج- الإقتصار على الحجارة وحدها بشروطها .
5- مشروعية خدمة أهل الفضل ، وفيه فضيلة الصحابي أنس بن مالك ، تشرف بخدمة النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين ، وجواز استخدام الأحرار حتى في مثل هذه الأشياء .
[4] 1- مفردات الحديث : توارى عنِّي : احتجب واستتر عنّي واستخفى . حاجته : كناية عن التبول والتغوّط .
2- يؤخذ من الحديث استحباب إعداد الماء عند إرادته قضاء الحاجة ليقطع الخارج عنه بدون طلبه بعد الفراغ من قضاء الحاجة ، وجواز الإقتصار في الإستنجاء على الماء دون الحجارة ، واستحباب البعد والتواري عن الناس عند إرادة قضاء الحاجة ، أما ستر العورة عن الناس فواجب لتحريم كشفها إلا في مواضع خاصة .
3- فيه جواز طلبة الخدمة من الغير ، وأنه لا حرج في ذلك ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم طلب من المغيرة أن يحمل له الإداوة ، وفيه مشروعية خدمة أهل الفضل والصالحين ، وفيه التعاون إذا كانوا ضعفاء أو عاجزين ، وفيه فضيلة الصحابي المغيرة بن شعبة الثقفي من أهل الطائف ومن ساداتها ، تشرف بخدمة النبي صلى الله عليه وسلم ، وجواز استخدام الخادم ولو كان خراً حتى في مثل هذه الأشياء .
[5] 1- درجة الحديث : الحديث رواه مسلم ، ولكن فيه زيادات أوردها المؤلف بعد هذا الحديث كلها ضعيفة .
2- مفردات الحديث : اتقوا : اجتبوا . اللاعِنَيْن : بصيغة التثنية ، أي ما يكون سبباً للعنِ الناسِ لفاعله ، فسمَّيا لاعنَيْن لأن الناس يلعنون ويشتمون من يفعلُ واحداً منهما ، فلما كانا سبباً لذلك أضيف الفعل إليهما ، فكانا كأنهما اللاعنان . يتخلى : يتغوط ويقضي حاجته ، والكلمة مأخوذة من المكان الخالي ، لأن عادة من يريد قضاء حاجته الابتعاد عن الناس والخلوة بنفسه ، فهي من ألفاظ الكناية التي يعبر فيها عما يقبح ذكره بما دلّ عليه . اللعن : هو الطرد والإبعاد عن الخير ورحمة الله تعالى . ظلهم : المكان الذي يستظل الناس فيه الناس من حرارة الشمس ، وينتفعون به ويجلسون فيه ، كظل الأشجار والحدران ، وغير ذلك ، لأن هذه الظلال من المرافق العامة ، وليس المراد مطلق الظل ، فإنّ ما لم يحتج إليه فليس في التغوط تحته حرج .
[6] 1- درجة الحديث : قال الحافظ " الحديث ضعيف ، وسبب ضعف زيادة أبي داود الانقطاع ، لأنه من رواية أبي سعيد الخميري عن معاذ ، وهو لم يدرك معاذاً فيكون منقطعاً " ، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود .
2- مفردات الحديث : الموارد : جمع مورد ، وهو الموضع الذي يرده الناس من عين ماء أو نهر أو بئر أو نحوهم لشرب الماء أو السقي أو التوضؤ والغسل ونحوها . البَراز : بفتح الباء المتغوط ، وهو المتسع من الأرض ، فمن أراد قضاء حاجته قصده ، ويكنى به عن الغائط ، وسميت به عذرة الإنسان ، من باب الأدب ، وهو عدم ذكر الأشياء المستقذرة والمستكرهة بأسمائها ، أما بكسر الباء المبارزة في الحرب والقتال . قارعة الطريق : المراد به الطريق العام الذي يمر به الناس ويقرعونه بنعالهم وأرجلهم ومراكبهم .
3- أكمل الحديث : ( اتَّقُوا الْمَلاعِنَ الثَّلاثّة ..... ) ؟ .
[7] 1- درجة الحديث : الحديث ضعيف ، وسبب ضعف زيادة أحمد لسببين الأول وجود ابن لهيعة في سنده ، وهو سيء الحفظ ، وقد اختلط بعد احتراق كتبه ، والثاني أن الراوي عن ابن عباس مبهم ، قال الشيخ عبدالعزيز الراجحي : " أما ضعفه فبسبب جهالة أحد رواته ، وهو ينجبر بما له من شواهد ، وانظر إن شئت " صحيح أبي داود 1/55 " .
2- مفردات الحديث : نقع ماء : الماء المجتمع من السيول أو غيرها ، أو محبس الماء ، أو المستنقعات ، لأن هذا الماء ينتفع به حيث الدواب تشرب منه ، ولربما شرب منه الناس ، سيما إن لم يوجد غيره ، فإذا تلوث بالبول والغائط يؤدي إلى تولد الجراثيم وإنتشار الأمراض ، وقد نهى الشارع في التبول في الماء الدائم الذي لا يجري .
[8] 1- درجة الحديث : الحديث ضعيف ومنكر ، وسبب ضعف زيادة الطبراني فإن في سنده فرات بن السائب وهو متروك .
2- مفردات الحديث : ضفة النهر : ضفة النهر أو البحر هي ساحله وشاطئه ، والنهر له ضفتان من الجانبان ، فلا يجوز قضاء الحاجة في ضفة النهر ، لأن فيه ضرر الناس لأنها مرافق . تحت الأشجار المثمرة : أي الأشجار التي لها ثمر ينتفع به ، فلا يجوز التغوط تحتها لمخافة تلوث الثمر بعد سقوطه ، وربما تشربت الأشجار من هذه النجاسة فأثر ذلك على ثمرها ، وكذلك لأن من يذهب هناك لقطف الثمر أو لحاجة أخرى يتأذى بهذه القاذورة .
3- هذه الأحاديث بمجموعها تدل على أنّ المواضعَ المنهيَّ عن التبول والتغوط فيها ستة : قارعة الطريق ، والظل ، والموارد ، ونقع الماء ، وتحت الأشجار المثمرة ، وعلى ضفة النهر الجاري .
4- تحريم البول أو التغوط في مرافق الناس العامة ، من طرق الناس التي يعبرون معها ، أو ظلّهم التي يجلسون ويستظلون فيه ، أو مواردهم التي يسقون منها ، أو يسقون منها مواشيهم ، أو ضفاف الأنهر وشواطيء البحار ونقع الماء التي يتنزهون عندها ، أو تحت الأشجار المثمرة التي يجنون ثمارها ويأكلون منها ، فكل هذه مرافق هامة ونافعة للناس ، فيجب احترامها وصيانتها عما يقذرها أو يلوثها ، ويحرم الآخرين من الانتفاع بها ، فلا يجوز توسيخها وتقذيرها عليهم وإلحاق الضرر بهم ، ويقاس عليها كل ما يحتاج إليه الناس من الحدائق والميادين العامة وغير ذلك مما يرتاده الجمهور ويجتمعون فيه ويرتفقون فيه ، وكذلك المشمّس الذي يتشمس الناس فيه في الشتاء .
5- إنّ التغوط أو البول في هذه الأماكن وأمثالها يستحق لعنة الله ، قال تعالى : ( الَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً) (الأحزاب:58) ، وكذلك يسبب لعن الناس لفاعلها ، وربما لحقته لعنتهم ، لأنه هو المتسبب ، لما روى الطبراني بإسناد حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من آذى المسلمين في طرقهم وجبت لعنتهم ) ، ففيه جواز إطلاق اللعنة على من فعل ما فيه أذية المسلمين ، واللعن معناه الدعاء بطرده عن رحمة الله تعالى ، وهذا دعاء عليه من مظلومين ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( اتق دعوة المظلوم ، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب ) .
6- في الأحاديث كمال الشريعة وسمّوها من حيث النظافة والنزاهة وبُعدها عن القذارة والوساخة ، وتحذيراً عما يضر الناس في أبدانهم وأديانهم وأخلاقهم ، وفيه أنّ كل من يؤذي المسلمين فهو حرام ، قال تعالى : ( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً) (الأحزاب:58) ، وفيه شمول الشريعة فإنها لم تترك خيراً إلا دعت عليه ، ولا شرّاً إلا حذرت منه ، حتى في هذه المواضع وجّهت الناس ، وبيّنت لهم أمكنة قضاء حاجاتهم ، والأمكنة التي يجب بُعدهم عنها .
7- أذكر المواضعَ الستة المنهيَّ عن التبول والتغوط فيها ؟
[9] 1- درجة الحديث : الحديث حسن ، فإن علته التي أشار إليها المؤلف وهي أنّ فيه عكرمة بن عمّار العجلي اليماني وهو مضطرب الرواية عن يحي بن كثير ، ولكن الحديث له شواهد يستحسن بها ، ، وأنّ الإمام مسلم احتج به في صحيحه ، وضعَّف بعض العلماء هذا بأن فيه يحي بن كثير ، ولكن البخاري استشهد بحديثه ، فأخرج له ، وبهذا تنتفي التهمة عن الحديث ، ويصبح حسناً ، قال الشوكاني : " لا وجه لتضعيفه " ، وهو عند أحمد في المسند "11310" ، من طريق عكرمة بن عمار عن يحي بن أبي كثير عن هلال بن عياض عن أبي سعيد الخضري مرفوعاً ، وأخرجه أبو داود وابن ماجه من حديث أبي سعيد الخضري رضي الله .
2- مفردات الحديث : إذا تغوَّط الرجلان : أي خرجا لقضاء الحاجة ، الرجلان ذكر تغليباً ، وإلا فالحكم يشمل الإثنين فأكثر والرجال والنساء ، وهو في حقهن أشد وأعظم . تغوط : مأخوذ من الغائط ، وهو المكان المطمئن من الأرض ، ثم أطلق الغائط على الخارج المستقذر من الإنسان كراهة لتسميته باسمه الخاص ، ثم توسعوا فيه حتى اشتقوا منه وقالوا : تغوط الإنسان أي تخلى وقضى حاجته . فليتوار كلٌ منهما عن صاحبه : فليتحجب وليستتر عن نظر صاحبه ، ولا ينظر بعضهم إلى عورة بعض ، لأن هذا محرم ، وأن كشف العورة أمام الآخرين منافٍ للمروءة والحياء والأخلاق والقيم . لا يتحدثا : لا ناهية ، أي لا يتكلما حال التغوط . يمقت : من المقت وهو أشد البغض . على ذلك : أي على كل مما ذكر ، أي على ترك الاستتار ، وعلى التكلم حال التخلي .
3- يؤخذ من الحديث وجوب التواري حال قضاء الحاجة عن أنظار الناس وستر العورة ، ولا يقضي حاجته أمام الناس بحيث يرون عورته ، وتحريم النظر إلى العورات حال قضاء الحاجة وغير ذلك ، لأن هذا وسيلة للفاحشة ، ويحرم التحدث أثناء قضاء الحاجة مع الغير ، لما فيه من الدناءة وقلة الحياء وضياع المروءة ، فقد روى البخاري عن ابن عمر : " أنّ رجلاً مر على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلّم عليه ، فلم يرد عليه " ، وتحريم هذه الأمور مأخوذ من أنّ الله يمقت على ذلك ، والمقت أشد البغض ، والله تعالى لا يبغض إلا على الأعمال السيئة ، والتحريم هو الظاهر من الحديث ، ولكن مذهب الجمهور أنه محمول على الكراهة فقط ، هذا في الحديث المباح ، أما الواجب كتنبيه الأعمى من الوقوع في حفرةٍ أو بئرٍ فلا يدخلُ في النهي .
4- إثبات صفة البغض لله تعالى إثباتاً يليق بجلاله بدون تشبيه لصفة المخلوقين ولا تحريف بتفسير البغض بالعقاب ، وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة في صفات الله تعالى ، يثبتون الصفة كما تليق بجلاله ، بدون تمثيل ولا تشبيه ولا تعطيل ولا تحريف ، قال تعالى : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)(الشورى: 11) .
5- ما حكم الكلام حال قضاء الحاجة ، مع ذكر الدليل ؟ .
[10] 1- مفردات الحديث : لا يمسَّنَّ : لا ناهية ، والفعل مبني على الفتح في محل جزم . لا يتمسحْ : المراد الإستنجاء بيمينه ، وأعم من أن يكون في القبل أو الدبر ، والتمسح إمرار اليد لإزالة الشيء السائل أو المتلطخ . الخلاء : يطلق على الفضاء ، والمراد هنا موضع الخارج من السبيل . ولا يتنفس في الإناء : المراد التنفس في الإناء أثناء الشرب .
2- يؤخذ من الحديث ثلاثة آداب :
الأدب الأول : النهي عن مس الفرْج أو الدبر مباشرة باليد اليمنى حال البول والغائط ، وهذا يشمل الرجال والنساء .
الأدب الثاني : النهي عن الإستنجاء أو الاستجمار باليد اليمنى ، وإنما يستعمل لذلك اليسرى ، والنهي للكراهة عند الجمهور ، والعلة في ذلك أنّ إزالة النجاسة من الأشياء المستقذرة ، وخشية أن يُصيب اليمينَ شيءٌ من البول وهي محل التكريم ومُصافحةِ الناس .
الأدب الثالث : النهي عن التنفس في الإناء حال الشرب ، لأن تنفسه في الأناء يُكرِّهه على غيره ، فلربما تطاير مع نفسه شيء من ريقة أو شيء من فضلات فمه أو أنفه ، أو الرائحة فيقذر الشراب الذي يشرب منه على غيره أو حتى على نفسه ، وربما عاد الضرر على الشارب أيضا ، والنهي للكراهة عند الجمهور ، فالمشروع للإنسان أثناء شربه أن يتنفس خارج الإناء ، ويستحب له أن يتنفس ثلاث مرات كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ، يعني يشرب بثلاثة أنفاس ويكون ذلك خارج الإناء ، إلا أن العلماء استثنوا حالة واحدة وهي عند شرب الأشياء الحارة كالشاي والمرق ، فالشيء الحار لا بأس أن ينفخ فيه من أجل أن يبرد ، لحاجته لذلك ، أما إذا كان الإناء فارغاً فلا يدخل في النهي .
3- بيان شرف اليمنى وفضلها على اليد اليسرى ، وأن تعد اليمنى للأشياء المستطابة والشريفة والمستحسنة ، لما في الصحيحين : " كان يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله " ، ووجوب اجتناب الأشياء النجسة ، فإذا اضطر إلى مباشرتها فليكن باليسار، لأن اليسار للأشياء المستقذرة والمستقبحة .
4- في الحديث دليل على كمال هذه الشريعة ، وأنها جاءت بمكارم الأخلاق والعادات الطيبة والأوامر السامية ، وأنها نهت عن الأخلاق الرزذيلة والعادات الذميمة ، وعن كل ما فيه مضرة للإنسان ، حتى في الأشياء التي مما يُكره ذكرُه كقضاء الحاجة والإستنجاء .
5- أذكر ما جاء في النهي عنه في هذا حديث أبي قتادة ؟ .
[11] 1- ترجمة راوي الحديث : هو سلمان الفارسي رضي الله عنه ، يقال له " سلمان الخير " ، كنيته أبو عبدالله ، سمَّي بالفارسي لأنه من فارس ، كان أبوه مجوسياً وكان من سدنة النار التي يعبدونها ، ولكن سلمان سافر في طلب الدين فتنصر وترك المجوسية ، وانتقل من راهب إلى راهب ، وكان آخر راهب أخبره بأنّ هناك نبي قد أظل زمانه ، ، ثم انتقل إلى المدينة وعرض عليه في الطريق ركبٌ فأخذوه واسترقوه وباعوه إلى يهودي في المدينة ، وآمن بالنبي صلى الله عليه وسلم أول مقدمه بها ، فاشتراه النبي صلى الله عليه وسلم من اليهودي وأعتقه ، وصار مولى للرسول صلى الله عليه وسلم حتى قال فيه : " سلمان منّا أهل البيت " أخرجه ابن سعد ، وكان رأساً في الإسلام ، استعمله عمر على فارس ، فصار أميراً على المدائن ، توفى بالمدينة سنة 50 هـ ، وقيل 32 هـ ، وكان من المعمرين عاش 250 سنة وقيل 350 سنة .
2- مفردات الحديث : القبلة : الكعبة المشرفة . نَسْتَنْجِيَ : هو إزالة الغائط والبول بالماء أو الحجارة . رجيع : روث ذي الحافر ، وهو الحمار والبغل ، وفي الحُكْم يشمله وغيره .
3- يؤخذ من الحديث أربع نواه :
النهي الأول : النهي عن استقبال القبلة أثناء البول أو الغائط ، لأن القبلة إنما تُستقبل في العبادات ، وهي أشرف الجهات ، فلا يجوز أن تستقبل في الأشياء المستكرهة والمستقذرة ، وكذلك استدبارها ، فإن الإنسان الذي يقضي حاجته عليه أن ينحرف عن القبلة ، هذا هو الأدب الإسلامي ، وظاهر الحديث أنّ النهي عام ، فلا فرق في التوجيه بين الفضاء أو بين البنيان ، قال تعالى :( ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ)(الحج: 30) ، وفيه تعظيم لبيت الله الحرام ، بتجنب كل ما يمسّ قدسيتها من المعاصي حولها ، قال تعالى : ( وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ)(الحج: 25) ، وتقديسها بالطاعات كالحج والإعتمار والطواف والصلاة ، وسائر العبادات والقربات ، قال تعالى : ( إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ) (آل عمران:96) .
النهي الثاني : النهي عن الإستنجاء أو الاستجمار باليد اليمنى تكريماً لها ، وهو مثل حديث أبي قتادة رقم "95" .
النهي الثالث : النهي عن الاستجمار بالعظم والرجيع وأنهما لا يجزيئان ، لأنهما لا يطهران ولا يُنقِيَّان ، لما في العظم من المُلوسة ، فالعظم لزجاً لا يكاد يتماسك فلا ينشف النجاسة ولا يقطع البلة ، وكذلك الزجاج ، وقيل لأن العظم طعام إخواننا من الجن ، لما جاء في البخاري أنّ أبا هريرة قال يا رسول الله ( ما بال العظم ؟ فقال هي طعام إخوانكم من الجن ) ، وأما الرجيع فهو روث البغال والحمير فإنه ركس نجس فلا يطهر المحل ، ولأنه علف دواب الجن ، ولا منافاة في تعدد الأسباب ، وكذلك النهي عن الإستنجاء بكل محترم مثل الورق الذي عليه كتابة ، وطعام الإنس .
النهي الرابع : النهي عن الاستجمار بأقل من ثلاثة أحجار ، ويقيد هذا النهي بما إذا لم يرد إتباع الحجارة الماء ، أما إذا أراد إتباعها فلا بأس من الاقتصار على أقل من ثلاثة ، لأن الإقتصار على الماء وحده كاف ، وذكر الحجارة بناء على الأغلب في أعمال المستجمرين ، وإلا فالقصد التطهر بالحجارة أو ما قام مقام الحجارة في الإنقاء مثل الأعواد والأخشاب والطين المتحجر والخرق والمناديل والأوراق المنشفة وغيرهم مما لايمنع الإستجمار به وتحصل به الطهارة ، وليس المراد بالأحجار عددها ، وإنما المراد بذلك المسحات ، فلو كانت الثلاث بحجر ذي شعب أجزت إن أنقت ، لحديث جابر : " فليمسح ثلاث مرات " ، و علامة الإنقاء بالحجر هو أن يبقى أثر لا يزيله إلا الماء ، قال شيخ الإسلام : " علامة الإنقاء أن لا يبقى في المحل شيء يزيله الحجر " ، وإن إحتاج إلى زيادة أحجار فإنه يزيد إلى أن يزول أثر الخارج ، لأن الحديث حدد الأقل ولم يحدد الأكثر .
4- في الحديث دليل على كمال الشريعة ، وأنها ما تركت شيئاً يحتاجه الناس إلا بينته ، فقد بين الحديث المحظورات من الاستنجاء وفي قضاء الحاجة من غير حرج ، وفيه أنّ الجن عالم غيبي ، علينا الإيمان بذلك متى صحت الأخبار ، ولو لم ندرك كيفيتها ، فنحن لم نؤت من العلم إلا قليلاً .
5- في حديث سلمان أربع نواه أذكرها ؟ .
[12] 1- ترجمة راوي الحديث : أبو أيوب الأنصاري ، اسمه خالد بن زيد بن كليب ، نزل عليه النبي صلى الله عليه وسلم عند قدومه المدينة ، كان من أكابر الصحابة وعظمائهم ، شهد بدراً ، ومات غازياً في الروم سنة 50 هـ ، وقبره تحت سور قسطنطينية معروف يزار .
2- مفردات الحديث : لا : ناهية . لا تستدبروها : أي لا تجعلوا إليها دبركم . وَلكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا : أمر من التشريق والتغريب ، أي اجعلوا وجوهكم قبل المشرق أو قبل المغرب عند الغائط والبول ، وهو خطاب لأهل المدينة ، ومعلوم أن قبلتهم إلى الجنوب ، وكذلك الخطاب لمن كانت قبلته إلى الجنوب أو الشمال ، ممن إذا شرقوا أو غربوا لا يستقبلون القبلة ولا يستدبرونها ، أما من كانت قبلته إلى المشرق أو المغرب مثل أهل نجد ، فإنهم إذا شرقوا أو غربوا فإنهم يستقبلون القبلة أو يستدبروها ، ولذا عليهم أن يجعلوا وجوههم إلى الشمال أو الجنوب اجتناباً عن الاستقبال أو الاستدبار ، فيدور الحكم عليه .
3- يؤخذ من الحديث النهي عن إستقبال أو ستدبار القبلة أثناء البول أو الغائط ، والحكمة في ذلك هو تعظيم الكعبة المشرفة ، والأمر بالتشريق أو التغريب حتى ينحرف عن استقبال القبلة أو استدبارها ، وهذا خاص بأهل المدينة النبوية ومن هو في سمْتهم ممن إذا شرق أو غرب لا يسقبل القبلة .
4- خلاف العلماء في إستقبال القبلة واستدبارها أثناء قضاء الحاجة : جاء في الصحيحين عن ابن عمر قال : ( رقيت يوماً على بيت حفصة ، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته مستقبل الشام ، مستدبراً الكعبة ) ، من أجل هذا الحديث اختلف العلماء ، فذهب أبو أيوب وابن حزم وشيخ الإسلام بن تيمية وبن القيم إلى التحريم مطقاً في الفضاء والبنيان ، واحتجوا بحديث أبي أيوب ، وذهب آخرون يجوز في البنيان استدبار القبلة دون استقبالها ، والصحيح التفصيل هو جواز الاستقبال والاستدبار في البناء ، وتحريمه في الفضاء ، وهو قول مالك والشافعي وأحمد ، وهو القول الراجح .
5- حسن تعليم النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لما بين الجهة المحرمة في الإستقبال والاستدبار ، علمهم مخرجاً مباحاً ، فلم يسدّ عليهم الباب ويتركهم ، وهذا المنهج الحكيم في الفتوى هو الذي يتعين على المفتين أن يسلكوه .
6- ما حكم استقبال القبلة واستدبارها حال قضاء الحاجة في الفضاء وفي البنيان ؟ .
[13] 1- درجة الحديث : إسناده حسن ، كما صححه ابن حبان والحاكم والنووي وابن الملقن ، وقال آخرون : " الحديث ضعيف ، وهو ليس من حديث عائشة لا عند أبي داود ولا غيره ، ولعل هذا من أوهام الحافظ ، وهو من حديث أبي هريرة رواه أبو داود وفي إسناده حصين الحبراني وهو ضعيف ، وفيه أيضاً أبو سعد الخير وهو مجهول ، ورواه وأحمد وابن ماجه والبيهقي بنحو " .
2- مفردات الحديث : منْ أتى ... فلْيستتر : أتى فعل الشرط ، فليستتر جواب الشرط ، والاستتار أن يجعل بينه وبين الناس سترة تمنع رؤية عورته ، فيكون الإنسان في مكان لا يراه أحد .
3- يؤخذ من الحديث وجوب بالاستتار حال قضاء الحاجة سواء بغائط أو بول ، بشيء يستره إما بجدار أو شجرة أو شيء مُعدٍّ لقضاء الحاجة ، فلا يكون بارزاً أمام الناس ، لأن هذا مخالف للآداب الإسلامية ، وتحريم كشف العورة في هذه الحال وفي غيرها ، إلا ما استثني للحاجة .
4- أما ستر بقية الجسم أثناء قضاء الحاجة فإنه من الآداب الكريمة والأخلاق الفاضلة ، فلا ينبغي أن يقضي حاجته أمام الناس ، ولو لم يروا عورته ، فقد كان صلى الله عليه وسلم يبتعد عن الناس كما في حديث المغيرة رقم 89 (فَانْطَلَقَ حَتى تَوَارَى عَنِّي, فَقَضَى حَاجَتَهُ ) .
[14] 1- درجة الحديث : صحيح ، وصححه الألباني في صحيح أبي داود ، وصححه أيضاً ابن خزيمة وابن حبان والنووي والذهبي ، قال أبو حاتم وهو ابن حبان " هو أصح ما في هذا الباب " .
2- مفردات الحديث : الغائط : أصل الغائط ما انخفض من الأرض ، وكانت العرب تقصده لقضاء حاجتها تستر عن أعين الناس ، ثم سمِّي الحدث الخارج من الإنسان غائطاً للمقاربة ، فهو اسم عرفي لا لغوي . غفرانك : أي أطلب غفرانك من الذنوب والأوزار ، فهو طلب العبد من ربه ستر ذنوبه وعيوبه وعفوه عنها .
3- يؤخذ من الحديث وغيره : استحباب أن يقدم رجله اليمنى ويقول : " غفرانك " بعد الخروج وقضاء الحاجة ، ومناسبة هذا الدعاء هنا يرجع إلى قولين : الأول : أنّ قضاء الحاجة وخروج الأشياء المؤذية من الإنسان نعمة من الله يستحقُّ عليها الشكر إذا لو انحبست هذه الأشياء في بدن الإنسان لآلمه ذلك وربما ضايقه ، وكذلك أن الإنسان لما خف جسمه بعد قضاء الحاجة وارتاح من الأذى الذي كان يثقله ، سأل الله أنه كما منّ عليه بالعافية من خروج الأذى ، أنْ يمنّ عليه فيخفف عنه أوزاره وذنوبه ، ليخف مادياً ومعنوياً ، ونظير هذا الذكر بعد الوضوء ، فإن المتوضيء لما طهر ظاهره ، سأل الله تعالى أن يطهر باطنه بهذا الذكر . الثاني : لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله على كل أحيانه ، ومعلوم أنّ الذي يقضي حاجته لا يذكر الله ، فهو يستغفر الله من هذا الانقطاع عن الذكر ، فاعتبره صلى الله عليه وسلم تقصيراً في حق ربه ، حيث مرت عليه هذه الفترة لا يذكر الله فيها .
4- قال أبو حاتم "ابن حبان " : " أصح ما في الباب حديث عائشة " ، وقد وردت أدعية أخر مرفوعة بعد الخروج من الخلاء وقضاء الحاجة ، ولكن كل أسانيدها ضعيفة ، مثل قوله " الحَمدُ للهِ الذيِ أَذهبَ عنِّي الأذى وعافاني " فلم تَثُبتْ بالحديثِ ، إنما أخرجها ابن ماجه من حديث أنس بسند فيه ضعف ، ضعفه البوصيري ، ولكن إذا قالها بعضَ الأحيانِ على أنها كلامٌ طيبٌ فلا بأس .
5- أذكر الدعاء المأثور الذي يقال عند الخروج من الخلاء ؟ .
[15] 1- ترجمة راوي الحديث :عبدالله مسعود رضي الله عنه ، أحد السابقين الأولين ومن نبلاء فقهاء الصحابة وكبار البدريين ، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، له مناقب جمة ، وفضائل وافرة ، توفي بالمدينة سنة 32 هـ .
2- درجة الحديث : الحديث رواه البخاري وزيادة اللفظ للدار قطني ، وأما لفظ أحمد فهو : " ائتِنِي بحجر " وهي زيادة صحيحة .
3- مفردات الحديث : رَوْثة : رجيع الدابة ، فضلة الدابة ذات الحافر ، وأكثرها الحمير ، كما في رواية ابن خزيمة " كانت روثة حمار " . رِكْسٌ : قيل المعنى رجس أي نجس ، وقيل المعنى القذر ، وقيل غير ذلك.
4- الحديث دليل على مشروعية الإستجمار بعد قضاء الحاجة ، وعلى وجوب ثلاثة أحجار للإستجمار ، وهو أقل ما يقطع به الخارج ، وهو أدنى حد للحجارة المطهرة ، ولو حصل الإنقاء بأقل من ذلك لا يكفي في الإستجمار الذي يُكتفى به عن الماء ، لأنه لما قبل الحجرين وألقى الروثة طلب بدلها ، مراعاة للإنقاء والإيتار ، فالإنقاء لا بدّ منه ، فإذا لم يحصل الإنقاء بثلاثة أحجار فنزيد عليها ، ويستحب حينئذ الإيتار ، وهو قطع الاستجمار على وتر ، ويتم الإستجمار بالحجارة ونحوها بشروط أن تكون ثلاثة أحجار ، وأن يحصل الإنقاء ، و أن لا يتعدى الخارج موضع العادة ، مثل أن يكون الغائط منتشر في الصفحتين ، أو يكون البول منتشر في الخصيتين أو الفخذين ، ففي هذه الحالة لا يكفي الإستنجاء بالحجارة بل لا بدّ من الماء .
5- أما إذا أراد أن يتبع الحجارة الماء ، يكتفي بما تيسر حصوله من الحجارة ولو أقل من ثلاث لتحفيف النجاسة والتقليل من مباشرتها ، لأنّ الماء وحده كافٍ في الإستنجاء كما في حديث أهل قباء .
6- الحديث يدل على أنه يحرم الاستنجاء بالروثة ، لأنها رجس نجس ، فمن استجمر بها فإن استجماره غير صحيح .
7- في الحديث دليل على مشروعية تعليل الأحكام ، وفيه دليل على حسن تعليم النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه لما ردّ الروثة أعلم ابن مسعود بسبب ذلك ، ولم يردها ويطلب غيرها ويسكت ، وفيه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم بشر ، يحتاج إلى ما يحتاج إليه البشر من طعام وقضاء حاجة وغير ذلك ، قال تعالى : ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً )(الرعد: 38) ، وقال تعالى : ( وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ )(الفرقان:7) ، وفيه جواز استخدام الإنسان للغير ، لا سيما إذا كان المخدوم من أهل الفضل ، أو كان كبيراً في السن ، أو كان من ولاة أمور المسلمين ، فهؤلاء خدمتهم مستحبة .
[16] 1- درجة الحديث : الحديث صحيح ، فالبخاري أخرج في صحيحه قريباً منه ، وقال الحافظ : " إسناده حسن " .
2- مفردات الحديث : الإستنجاء : إزالة الغائط . بعظم : هو العظم المعروف ، وهو الذي ينبت عليه اللحم. روث : جمع روثة ، وهي فضلة الدابة ذوات الحافر ، وأكثرها الحمير . إنهما لا يطهران : تعليل للنهي عن الاستنجاء بهما .
3- يؤخذ من الحديث النهي عن الإستنجاء بالعظم والروث ، وأنهما لا يطهران ، وقد سبق الكلام في الحديث "96" .
4- خلاف العلماء في حكم الإستجمار بالحجارة هل هو مطهر أم مبيح للصلاة ، فالمشهور من مذهب الإمام أحمد أنّه ليس مطهر للمحل ، وإنما هو مبيح للصلاة ونحوها ، فعندهم الاستجمار لا يطهر تطهيراً تاماً ولكن يعفى عن الأثر الذي يبقى ، وبناء عليه فإن أثر الاستجمار نجس ، وإنما يعفى عن يسيره ، والرواية الأخرى أنه مطهر اختاره جماعة ، والحديث الذي معنا يدل على طهارة المحل بعد الاستجمار ، ولا يلزم بعدها الماء ، ولو كان متوفراً لديه ، بل لو كان على ضفة البحر ، واستجمر استجماراً منقياً فإن ذلك يكفيه ويجزئه ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يطهران ) يعني العظم والروث ، فدّل على أنّ الحجارة وحدها تطهر ، قال عبدالرحمن بن سعدي : " الصحيح أنّ الإستجمار مطهر للمحل بعد الإتيان بما يعتبر شرعاً ، للنص الصحيح أنه مطهِّر " ، والاستجمار الذي تحصل به الطهارة هو الإنقاء بالحجارة ونحوها ، بحيث لا يبقى من النجاسة إلا أثر لا يزيله إلا الماء .
5- ما العلة في النهي بأَنْ يُسْتَنْجَى بِعَظْمٍ أَوْ رَوْثٍ ؟ .
[17] 1- درجة الحديث : الحديث صحيح ، وله شواهد في الصحيحين أنّ النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ بقبرين فقال : ( إنهما يعذبان وما يعذبان بكبير ، أما أحدهما فكان لا يستبريء من البول ، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة ) .
2- مفردات الحديث : اسْتَنْزِهُوا مِنْ الْبَوْلِ : اجتبنوا البول و الابتعاد عنه بأن لا يصيبه في بدنه ولا ثوبه . فَإِنَّ عَامَّةَ عَذابَ القَبْرِ مِنْهُ : أي أكثر عذاب القبر سببه عدم التنزّه من البول .
[18] 1- درجة الحديث : صحيح ، رواه الحاكم وقال : " صحيح على شرط الشيخين ، ولا أعرف له علة ، ولم يخرجاه " ، وصححه الدار قطني والنووي والشوكاني ، وقال الذهي : " له شواهد " .
2- ما يؤخذ من الحديثين : البول نجس ، فإذا أصاب بدناً أو ثوباً نجَّسه ، فلا تصح الصلاة ، لأن الطهارة للصلاة أحد شروطها ، وفيه وجوب التحرز من البول ويكون ذلك بملاحظته عند النزول فيحرص أن لا يصيبه في بدنه ولا ثوبه فعليه أن يتبول في مكان رخو من الأرض ، ولا يبتول في مكان صلب ، حتى لا يتطاير رذاذ البول إلى جسمه أو إلى ثوبه ، وبغسل أثره إذا أصيب الإنسان بشيء منه لئلا تصاحبه النجاسة ، ثم يغسل مكان الخارج .
3- أنّ عدم التحرُّز منه من أسباب عذاب القبر ، وأن أكثر عذاب القبر من عدم التحرز من البول ، وفيه إثبات عذاب القبر ، وأنه حق ، ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت : سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن عذاب القبر قال : ( نعم ، عذاب القبر حق ) ، ومذهب أهل السنة والجماعة أنّ عذاب القبر على الروح والبدن ، وفيه إثبات الجزاء في الآخرة ، فأول مراحل الآخرة هي القبور ، فالقبر إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار ، يُعذب الإنسان فيه أو يُنعَّم ، ولم يخالف في عذاب القبر إلا المعتزلة لأنهم يعتمدون على إستباط الأحكام على محض العقل ، قالوا : " لو فتحنا قبرناً لوجدنا الميت كما وضعناه ، ولم نرَ أيَّ شيء يدلُّ على تعذيبه ، والعياذ بالله منهم ، والرد عليهم أنّ عذاب القبر من الأمور الغيبية ، فإن الميت قد يُنعم أو يعذب ولا ندري ، ولذا أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن نتعوذ في التشهد الأخير من أربعٍ : ( عذاب جهنم وعذاب القبر وفتنة المحيا والممات وفتنة المسيح الدحال )
[19] 1- ترجمة راوي الحديث : سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكٍ بن جُعْشُم المدلجي الكناني ، يكنى أبا سفيان ، صحابي مشهور ، وهو الذي تعقب رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريق الهجرة فساخت يدا فرسه حتى بلغتا الركبتين ، توفي سنة 24هـ .
2- درجة الحديث : الحديث ضعيف ، قال النووي : " الحديث ضعيف لا يحتج به ، لكن يبقى المعنى ، ويستأنس بالحديث " ، وهذا لا يمنع من الاستدلال به في هذه المسألة لأنها من فضائل الأعمال ، أما تأسيس حكم شرعي من تحليل أو تحريم فلا يستدل بحديث ضعيف .
3- مفردات الحديث : الخلاء : أصله المكان الخالي ، فسمِّي به المكان المعد لقضاء الحاجة لخلوه من الناس ، أو لخلو الإنسان به عن الأنظار.
4- يؤخذ من الحديث : من آداب قضاء الحاجة استحباب نصب الرجل اليمنى ولا يعتمد عليها والتحامل على الرجل اليسرى أثناء قضاء الحاجة ، وقال العلماء هذه الكيفية تسهل خروج الخارج ، هذا من الناحية الطبية ، أما من الناحية الأدبية لأن اليسرى يعتمد عليها في إزالة الأذى ، واليمنى تستعمل للأشياء الطيبة ولذلك لا يعتمد عليها في قضاء الحاجة ، فالشريعة جاءت بكل ما فيه صلاح ، ونهت عن كل ما فيه ضرر ، وإنها لم تترك شياً من أمور العبادة إلا بينته ، حتى في هذه الحال وجّهتهم إلى ما فيه راحتهم وصحتهم .
5- قال الدكتور الطبيب محمد على الباز : " إن أحسن طريقة لقضاء الحاجة لإخراج الفضلات الجلوس على الأرض والإتكاء على الرجل اليسرى ، لأن الإمعاء الغليظة التي فيه تنخزن الفضلات تكون في هذه الحالة في حالة مستقمية مما يسهل نزول الغائط " ، ولا شك أنّ هذا من الإعجاز العلمي في السنة المطهرة ، وأنّ هذه التعاليم الحكيمة من حكيم عليم .
6- قال الشيخ عبدالعزيز الراجحي : " الحديث ضعيف ، لأن فيه راويين ضعيفين ، أما القعود على اليسرى في الحاجةِ وإن كان قد ذهبَ إليه بعض الفقهاءِ ، وقال : إنه أعونُ على خروج الخارج ، لكن ليس بظاهر ، بل قد يتعبُ من الاتَّكاء على اليُسرى ، ولعلّه تصحَّف على هذا الراوي الضعيف " الصلاة " فأبدلها " بالخلاء " وإنما القُعودُ على اليُسرى ونصبُ اليمنى في الصلاة " قاله صاحب سبل السلام .
[20] 1- درجة الحديث : الحديث ضعيف ، وضعفه الألباني في ضعيف ابن ماجه ، ورواه أحمد وأبو داود والبيهقي في المراسيل ، وفي إسناده زمعة بن صالح وهو ضعيف ، وعيسى بن يزداد وأبوه مجهولان ، وقال النووي : " اتفقوا على أنه ضعيف " ، وقال ابن القيم : " راجعت شيخنا – يعني ابن تيمية – في السلت والنتر ، فلم يره وقال : لم يصح الحديث .
2- ترجمة راوي الحديث : عيسى بن يزداد وأبوه كلاهما مجهولان ، وأبوه قيل يزداد وقيل أزداد .
3- مفردات الحديث : فَلْيَنْتُرْ ذَكَرَهُ : هو عصر ذكره بيده اليسرى بأن يضغظ عليه حتى يخرج ما تبقى في الداخل من البول في القضيب ، أي جذب ذكره لإخراج ما في الداخل من بقية البول .
4- يؤخذ من الحديث على استحباب نتر الذكر ثلاث مرات بعد البول ، والحكمة في ذلك إخراج بقية البول من الذكر إلى الخارج زيادة في الإنقاء ، وتخلصاً من بقية البول ، ، لئلا يخرج بعد ذلك فينجسه ، وهو من باب الإستبراء من البول ، ولكن الحديث ضعيفٌ لا تثبت به حجةٌ في نَترِ الذَّكَرِ لأنه مرسلٌ لأن يزداد لم تُثبت صحبة ، ونَتْرُ الذَّكرِ فيه مضرة ، لأنه يسبب نزول البول ويؤدي إلى الوسواس ، لأن الذكر كالضّرعِ يدرُّ عند معالجتِهِ ، إذا تركته قرَّ وإذا حرَّكته درَّ ، فالصحيح إذا أفرغ بوله وانقطع فإنه يستنجي من دون نتر ومن دون معالجة .
5- خلاف العلماء في نتر الذكر ثلاث مرات بعد البول ، فالمشهور من مذهب الإمام أحمد هو استحباب النتر والسلت ، وذهب شيخ الإسلام إلى أنّ سلت الذكر ونتره بدعة ، والبول يخرج بطبعه ، وقال عبدالرحمن السعدي : " الصحيح أنه لا يستحب المسح والنتر ، لعدم ثبوت ذلك ، ولأنه يحدث الوسواس " ، وهو القول الراجح .
[21] 1- درجة الحديث : قال الحافظ : " الحديث صحيح عن أبي هريرة بدون ذكر الحجارة " ، ضعيف معها ، لأن فيه محمد بن عبدالعزيز بن عمر الزهري ، ضعفه البخاري والنسائي ، وهو الذي أشار بجلد مالك ، وفيه أيضاً عبدالله بن شبيب وهو ضعيف ، قال النووي : " المعروف من طرق الحديث أنهم كانوا يستنجون بالماء ، وأما ما اشتهر في كتب التفسير والفقه من جمعهم بين الأحجار والماء فلا يعرف ، والمحفوظ الإقتصار على الماء " ، وقال الألباني : " الصحيح أنّ الآية نزلت في استعمال الماء فقط ، كما في الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : قال : ( نزلت هذه الآية في أهل قباء ( فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا)(التوبة: 108) ، قال كانوا يستنجون بالماء ، فنزلت فيهم هذه الآية ) ، ورواه ابن خزيمة في صحيحه من حديث عويم بن ساعدة الأنصاري ، ولم يروه من حديث أبي هريرة ، وبالاقتصار على الماء أخرجه أبوداود والترمزي وابن ماجه ، فصح الحديث بشواهده وطرقه بدون ذكر الحجارة .
2- مفردات الحديث : قباء : حي في المدينة معروف يسكنه قسم من الأنصار يقال لهم بنو عمرو بن عوف ، وفي هذا الحي المسجد الذي قال الله فيه : ( لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ )(التوبة: 108) . نُتْبِعُ الْحِجَارةَ الماءَ : يستجمرون بالحجارة من الغائط ، ثم يغسلون مكان الخارج بالماء ليحصل كمال الإنقاء ، ونتبع من باب الأفعال التي تنصب مفعولين ، الحجارة مفعوله الأول ، والماء مفعوله الثاني . يُثْنِي عَلَيْكُمْ : أي يمدحكم في أمر الطهور ، يقال أثنيت عليه خيراً وبخير ، وأثنيت عليه شراً وبشر .
3- يؤخذ من الحديث أنّ الله أثنى على أهل قُباء إحدى قبائل الخزرج ، فالله أثنى على مسجدهم ، ثم أثنى عليهم بقوله : ( فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ)(التوبة: 108) ، لأنهم كانوا يستنجون بالماء بدل الحجارة ، أو أنهم يجمعون بين الحجارة والماء ، ففي الحديث الذي رواه ابن خزيمة عن عويم بن ساعدة الأنصاري : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأهل قباء: "إن الله قد أحسن عليكم الثناء في الطهور" وقال: (فيه رجال يحبون أن يتطهروا) حتى انقضت الآية فقال لهم: "ما هذا الطهور؟" فقالوا: ما نعلم شيئا إلا أنه كان لنا جيران من اليهود وكانو يغسلون أدبارهم من الغائط فغسلنا كما غسلوا ) ، والمعروف أنهم كانوا يستنجون بالماء ، وكانت العرب تستجمر بالحجارة ، وقد يقولون : إن الإستنجاء بالماء للنساء .
4- يستحبُ لأهل المدينة ولمن جاء زائراً لمسجد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يخرج إلى مسجد قباء ويصلي فيه ، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ، لأنه مسجد فيه فضل ، إلا أنه لا يسافر إليه ، ولكن أناساً من المنافقين بأمر من عمرو الفاسق بنو مسجداً بجانبه أجل الإضرار بمسجد قباء ويصرفوا الناس عنه ، وطلبوا من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يصلي فيه ، فنزل عليه جبريل بالوحي ، قال تعالى :( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادَاً لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) (التوبة:107) .
5- ففي الحديث دليل على إزالة النجاسة من السبيل بتخفيفها بالحجارة ثم إتباعها بالماء ، هو أكمل التطهر حيث لم يبق بعد هذا أثر النجاسة .
6- فيه فضيلة استعمال الماء في الاستنجاء ، سواء جمعت معه الحجارة ، أو اقتصرت عليه ، فهو أفضل من الاقتصار على الاستجمار ، فأحوال الإستنجاء ثلاثة : أكملها إستعمال الحجارة ثم إتباعها الماء حتى الإنقاء ، ثم يليها الإقتصار على الماء فقط ، لأنّ الماء أبلغ في الإنقاء وإزالة النجاسة من الحجارة وحدها ، وآخرها رتبة وفضلاً الاقتصار على الحجارة بشروطها وهي أن تكون طاهرةً منقية ، وأن تكون ثلاثةً فأكثر ، وأن لا يتجاوز الخارجُ موضعَ العادة .
7- ما هي أنواع الإستنجاء ؟ واذكر شروط الإقتصار على الحجارة في الاستجمار ؟ .
8- لخص ما جاء النهي عنه في هذا الباب آداب قضاء الحاجة ؟ .
(8) باب الغُسل وحكم الْجُنُب [1]
108- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ ( الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، وَأَصْلُهُ في الْبُخَارِيِّ [2].
109- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلم : ( إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأَرْبَعِ , ثُمَّ جَهَدَهَا, فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَزَادَ مُسْلِمٍ : "وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ " [3].
110- وَعَنْ أُمِّ سَلَمَة رَضِيَ اللهُ عَنْهَا ، أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ ، وَهِيَ امْرَأَةُ أَبِي طَلْحَةَ قَالتْ : ( يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي مَنَ الْحَقِّ ، فَهَلْ عَلى الْمَرْأَةِ من غُسْلٍ إِذَا احْتَلَمَتْ ؟ قَالَ : نَعَمُ ، إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [4].
111- وَعَنْ أَنَسٍ بن مالك رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: ( قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ : ( في الْمَرْأَةِ تَرَى فِي مَنَامِهَا مَا يَرَى الْرَّجُلُ ، قَالَ: تَغْتَسِلُ ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، زَادَ مُسْلِمٌ: ( فَقَالتْ أُمُّ سَلَمَةَ ( وَهَلْ يَكُونُ هَذَا ? قَالَ: نَعَمْ ، فَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ الشَّبَهُ ? " ) [5].
112- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالتْ: ( كَانَ النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْتَسِلُ مِنْ أَرْبَعٍ : مِنَ الْجَنَابَةِ, وَيْومَ الْجُمُعَةِ, وَمِنَ الْحِجَامَةِ, وَمِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ, وَصحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ [6].
113- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَ ( فِي قِصَّةِ ثُمَامَةَ بْنِ أُثَالٍ, عِنْدَ مَا أَسْلَمَ ، وَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَليه وسلم أَنْ يَغْتَسِلَ ) رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، وَأَصْلُهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [7].
114- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ ) أَخْرَجَهُ السَّبْعَةَ [8].
115- وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ تَوَضَّأّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ, وَمَنِ اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ ) رَوَاهُ الْخَمْسَةُ , وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ [9].
116- وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: ( كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يُقْرِئُنَا الْقُرْآنَ مَا لَمْ يَكُنْ جُنُباً ) رَوَاهُ الْخَمْسَةُ , وَهَذا لَفْظُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَه, وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ [10].
117- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِي اللهُ عَنْهُ قَال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسلم : ( إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَََهْلَهُ , ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَعُودَ فَلْيَتَوضَّأْ بَيْنَهُمَا وُضُوءاً ) رَواهُ مُسْلِمٌ ، زَادَ الْحَاكِمُ: ( فَإِنَّهُ أَنْشَطُ لِلْعَوْدِ ) [11].
118- وَلِلأَرْبَعَةِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللهُ عَنْهَا قَالتْ: ( كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَنَامُ وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمَسَّ مَاءً ) وَهُوَ مَعْلُولٌ [12].
119- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالتْ: ( كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ يَبْدَأُ فَيَغْسِلُ يَدَيْهِ ثُمَّ يُفْرِغُ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ فَيَغْسِلُ فَرْجَهُ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ ثُمَّ يَأْخُذُ الْمَاءَ فَيُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فٍي أُصُولِ الشَّعَرِ, ثَمَّ حَفَنَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلاثَ حَفَنَاتٍ, ثُمَّ أَفَاضَ عَلى سَائِرِ جَسَدِهِ, ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ) مُتَّفَقٌ عَليهِ, وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ [13].
120- وَلَهُمَا مِنْ حَدِيثِ مَيْمُونَةَ رضيَ الله عنها : ( ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى فَرْجِهِ, وَغَسَلَهُ بِشِمَالِهِ, ثُمَّ ضَرَبَ بِهَا الأَرْضَ ) ، وَفِي رِوَايَةٍ: ( فَمَسَحَها بِالتُّرَابِ ) ، وَفِي آخِرِهِ : ( ثُمَّ أَتَيْتُهُ بِالْمَنْدِيلِ فَرَّدَهُ ) , وَفِيهِ: ( وَجَعَلَ يَنْفُضُ الْمَاءَ بِيَدِهِ ) [14].
121- وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالتْ ( قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي امْرَأَةٌ أَشُدُّ شَعَرَ رَأْسِي, أَفَأَنْقُضُهُ لِغُسْلِ الْجَنَابَةِ ? ، وفِي رِوَايَةٍ: وَالْحَيْضَةِ ?- قَالَ: " لا, إِنَّمَا يَكْفِيكِ أَنْ تَحْثِي عَلَى رَأْسِكِ ثَلاثَ حَثَيَاتٍ" ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ [15].
122- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسلمَ : ( إِنِّي لا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ ، وَلا جُنُبٍ ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ, وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ [16].
123- وَعَنْهَا رَضِيَ اللهُ عنْهَا قَالتْ: ( كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسلمَ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ, تَخْتَلِفُ أَيْدِينَا فِيهِ مِنَ الْجَنَابَةِ ) مُتَّفَقٌ عَليْهِ ، وَزَادَ ابْنُ حِبَّانِ: ( وَتَلْتَقِي أَيْدِينَا ) [17].
124- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسلمَ : ( إِنَّ تَحْتَ كُلِّ شَعَرَةٍ جَنَابَةً, فَاغْسِلُوا الشَّعَرَ, وَأَنْقُوا الْبَشَرَ ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ, وَالتِّرْمِذِيُّ ، وَضَعَّفَاهُ .
125- وَلأحْمَدَ عَنْ عَائِشَةَ رضيَ اللهُ عنهَا نَحْوُهُ , وَفِيهِ رَاوٍ مَجْهُولٌ [18].
1- مقدمة : الغُسْل : اسم مصدر للإغتسال ، يعني الفعل ، وهو تعميم البدن بالماء ، وشرعاً : إفاضة الماء على جميع البدن على وجه مخصوص .
2- الغسل ثابت بالكتاب والسنة والإجماع ، قال تعالى : ( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا)(المائدة: 6) ، والأحاديث كثيرة منها أحاديث الباب ، وأجمع العلماء على أنّ الجنابة تحلُ جميع البدن ، وأنه يجب الغسل منها .
3- الجُنُب : من أصابته الجنابة ، وأصل الجنابة البعد ، وسمِّي جُنُباً لأنه يجتنب بعض الأشياء لا تحل له ما دام جُنباً ، فالجُنُب ممنوع من قراءة القرآن ومن مسّ المصحف ومن اللبث في المسجد ، وقيل سمي جنباً لأن الماء جانب محلّه وخرج عن مكانه ، من المُجانبة وهي المباعدة .
4- وجوب الإغتسال من الجنابة هذا من محاسن الدين الإسلامي والحكمة في ذلك النزاهة والنظافة لأن المني عبارة عن مادة مكونة من جميع أجزاء البدن ومن جوهر الغذاء ، ولذا نرى الجسم يتأثر بخروجه ، فيحصل فيه فتور واسترخاء وكسل ويفقد شيئاً من نشاطه وقوته ، فالغسل بالماء يعيد إلى البدن هذه القوة المفقودة بعد خروج المني ويعيد للجسم نشاطه ، ويساعد في تنشيط دورة الدم في الجسم ، وقد قال صلى الله عليه وسلم عن الوضوء بعد الجماع : ( فإنه أنشط للعود ) ، فتعميم الغسل بالماء أشد نشاطاً وقوة ، وأنّ ترك الإغتسال يسبب له أضراراً كثيرة ، أما خروج البول فإن الجسم لا يتأثر بخروجه ، ولذلك شرع فيه الإستنجاء ثم الوضوء .
5- موجبات الغسل خمسة :
الأول : خروج المني دفقاً بلذة ، فإن خرج المني بسبب مرض أو برد لم يجب الغسل ، وكذلك إذا احتلم ورأى المني .
الثاني : تغييب حشفة أصلية في فرج أصلي . الثالث : الموت ، فإذا مات مسلم وجب تغسيله ، إلا شهيد المعركة في سبيل الله .
الرابع والخامس : الحيض والنفاس ، ولا يجب الغسل إذا ولدت المرأة ولم يخرج منها دم ويجب عليها أن تصلي في الحال ، وكذلك إذا أسقطت الجنين دون أن يتخلق ، قبل واحد وثمانين يوماً ، فالدم دم فساد فعليها أن تتحفظ وتتوضأ لكل صلاة وتصلي مع جريان الدم .
6- أذكر موجبات الغسل ؟ .
[2] 1- رواية مسلم عن أبي سعيد الخضري قال : ( خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين إلى قباء ، حتى إذا كنا في بني سالم ، وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على باب عتبان فصرخ به ، فخرج يجر إزاره ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أعجلنا الرجل ، فقال عتبان : يا رسول الله : أرأيت الرجل يعجل عن امرأته ولم يمن ماذا عليه ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما الماء من الماء ) ، ولفظ البخاري : ( إذا أعجلت أو قحطت فعليك الوضوء ) وهو رواية لمسلم .
2- مفردات الحديث : الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ : مبتدأ وخبر ، فالماء الأول ماء الاغتسال والثاني المني النازل دفقاً بلذة ، قال تعالى : ( خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ) (الطارق:6) . مِنْ : للتعليل ، وفي بعض الطرق " إنما الماء من الماء " ، أي ماء الغُسل من ماء المني ، وهذا من الجناس التام ، وهو اتفاق اللفظين في الحروف مع اختلاف المعنى ، ومنه قوله تعالى : ( وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ) (الروم:55) ، فالساعة التي تقوم غير الساعة التي لبثوها ، فالمعنى مختلف .
3- الحديث يدل على أنّ وجوب الإغتسال من الجنابة لا يكون إلا من إنزال الماء الذي هو المني ، وأنّه إن لم ينزل فلا غسل عليه من الجنابة ، وهذا كان أول الإسلام رُخصة ، ثم نسخ ذلك بحديث أبي هريرة الذي بعده ، فصار وجوب الغسل معلقاً بالجماع ، أنزل أو لم ينزل ، وذلك بتغييب الحشفة ، فإن مسّ الختانُ بالختانِ بدون تغييبِ الحشفةِ فلا يجبُ الغسلُ ، وبقي حديثُ أبي سعيدٍ في المحتلم ، فإنه لا يجبُ عليه الغسلُ إلا إذا أنزل ، فإنه يغتسلُ إذا وجد البلل حتى ولو لم يذكر احتلاماً .
4- إشرح الحديث : ( الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ ) ؟ .
[3] 1- مفردات الحديث : إذا جلس : أي الرجل . شُعَبِهَا الأَرْبَع : الراجح أنّ المراد بها يدا المرأة ورجلاها ، وهو كناية على الجماع . جَهَدَهَا : أي أبلغ جهده وكده بحركته في العمل بها ، وفي رواية : ( إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل ) ، والمراد ختان الرجل وختان المرأة .
2- الشعب الأربع هنا يدا المرأة ورجلاها ، وجلوس الرجل بينها أثناء الجماع هي أليق صفة من صفات الجماع ، مع جواز غيرها ما دام الإيلاج في مكان الخرث وهو القبل .
3- ثم جهدها كناية عن الدخول والإيلاج ويفسرّه رواية أبي داود " وألزق الختان بالختان ثم جهدها " ، وأنّ نفس الإيلاج موجب للغسل ، وإن لم يحصل إنزال .
4- إن منطوق حديث أبي هريرة رواية مسلم ناسخ لمفهوم حديث أبي سعيد السابق ، ودليل النسخ :
أ- أن دلالة المنطوق مقدمة على دلالة المفهوم .
ب- حملوا حديث أبي سعيد على حالة الإحتلام من النائم ، فإذا لم يخرج منه شيء فلا شيء عليه ، وحديث أبي هريرة محمول على حالة الجماع في البقظة ، فيجب الغسل سواء أنزل أم لم ينزل .
ج- أنّ حديث أبي سعيد كان سابقاً ومتقدماً على حديث أبي هريرة ، فعن أُبيّ بن كعب قال : ( كانوا يقولون إنّ الماء من الماء رخصة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رخصّ بها في أول الإسلام ، ثم أمر بالاغتسال بعد ) رواه الإمام أحمد ، وصححه ابن خزيمة وابن حبان ، ويؤيد هذا الحديث قوله تعالى : ( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا )(المائدة: 6) ، قال الشافعي : " الجنابة تطلق بالحقيقة على الجماع ولو لم يخصل إنزال " .
5- متى يجب الغسل إذا جامع الرجل زوجته ؟ .
[4] 1- أم سليم اسمها الرميصاء أو الغميصاء بنت ملحان والدة أنس بن مالك ، من الصحابيات الفاضلات ، كانت تحت مالك بن النضر ، فأسلمت وعرضت عليه الإسلام ، فغضب عليها وخرج إلى الشام فهلك ، وخطبها بعده أبو طلحة وكان مشركاً ، فأبت عليه إلا أن يسلم ، فأسلم فتزوجته ، لها مناقب جمة ، ماتت في خلافة عثمان .
2- مفردات الحديث : إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي مَنَ الْحَقِّ : قالت هذا اعتذار عن سؤالها عما تستحيي النساء عن مثله ، مأخوذ من قوله تعالى : ( إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ )(الأحزاب: 53) ، فالله سبحانه وتعالى يوصف بالحياء كما في الحديث ، ولكن الحياء لا يمنع سبحانه وتعالى أن يبين لعباده ما به صلاحهم وفلاحهم ، كما أنّ الحياء أيضاً لا يمنع العباد أن يسألوا عن الذي أشكل عليهم من أمور دينهم . . إذا احْتَلَمَتْ : وفي رواية : " إذا رأت زوجها يجامعها في المنام " ، من الحُلْم ، ما يراه النائم في نومه من الأشياء ، والمراد هنا إذا رأت المرأة في نومها مثل ما يرى الرجل من صورة الجماع وتمثيله . رَأَتِ الْمَاءَ : أي المني بعد الإستيقاظ ، يعني إذا خرج منها المني أثر الرؤيا المنامية ، كما جاء في رواية ابن ماجه : " ليس عليها غُسل ، حتى تنزل كما ينزل الرجل ) .
[5] 1- مفردات الحديث : مَا يَرَى الْرَّجُلُ : أي الاحتلام . نعم : حرف جواب يؤتى به للدلالة على جملة الجواب المحذوفة ، فإذا قيل : أتذهب ؟ فقلت نعم ، فالجواب : نعم أذهب ، فالجواب في الحديث تقديره : نعم على المرأة غسل إذا احتلمت . فَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ الشَّبَه : الشَّبَه أي المثل ، وذلك أنّ الولد يُخلقُ من إجتماع ماء الرجل والمرأة ، كما قال تعالى : ( أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ)(الانسان: 2) ، والأمشاج معناه الممتزج المختلط من المائين ، فأيهما علا أو سبق كان الشَّبَهُ لهُ .
2- يؤخذ من الحديثين المرأة تُمني مثل ما يمني الرجل في الإحتلام وفي الجماع ، وترى أنها تُجامع ، فإذا احتلمت فعليها الغسل من الجنابة ، لكن بشرط أن ترى الماء وهو المني ، والدليل على ذلك وجود الشبه بأمه أو بأقارب أمه ، لأنَّ الجنين يولد من نطفتي الرجل والمرأة ، وهي نطفة الأمشاج التي قال الله تعالى عنها : ( إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ )(الانسان: 2) ، ، وفيه أنّ شبه الولد " ذكراً أو أنثى " بأمه يكون من سبب مائها الذي يلتقي بماء الرجل أثناء العملية الجنسية ، فأي المائَيْن غلب كان له الشبه .
3- الاستفهام للإنكار رداً على أم سلمة في زعمها أن المرأة لا تحتلم ، وتقريره أن الولد تارة يشبه أباه ، وتارة يشبه أمه وأخواله ، وليس هذا إلا لأجل أنّ المرأة لها ماء يتدفق عند الشهوة ويسهم في تكوين الولد ، وإنكار أم سلمة يدل على أنّ الاحتلام يندر في النساء ولا يكثر مثل الرجال .
4- الذي يجد بعد استيقاظه من النوم بللاً في ثوبه أو بدنه من ذكر أو أنثى ، لا يخلو من ثلاث حالات :
الأولى : أن يتحقق أنه مني ، فيغتسل فقط ولو لم يذكر احتلاماً ، ويجب عليه غسل ما أصاب بدنه أو ثوبه احيتاطاً .
الثاني : أنْ يتحقق أنه مذي ، فهو نجاسة لا غير ، يجب عليه غسلها ، وليس عليه غسل .
الثالث : أن يكون جاهلاً بكونه منياً أو مذياً ، ففي هذه الحال إن سبق نومه ملاعبة أو فكر أو انتشار ونحو ذلك ، فالغالب أنه مذي ، فيجب عليه غسل ما أصاب بدنه أو ثوبه منه ، ولا يجب عليه غسل ، وإن لم يسبق نومه سبب خروج المذي ، فهنا يجب عليه الغسل ، ويجب عليه غسل ما أصاب بدنه أو ثوبه احيتاطاً .
5- إثباء صفة الحياء لله تعالى إثباتاً يليق بجلاله ، وفيه مشروعية سؤال الإنسان ما يحتاج إليه من أمور الدين ، وأنّ الحياء لا ينبغي أن يمنع من تعلم العلم حتى في المسائل التي عادة يستحيى منها ، فقد قالت عائشة رضي الله عنها : " نِعْمَ النساء نساء الأنصار ، لم يمنعهن الحياء من التفقه في الدين " ، ومن الأدب وحسن المخاطبة أن يقدم أمام الكلام الذي يستحيى منه مقدمة تناسب المقام تمهيداً للكلام ، وليَخِفَّ وقعه ، ولئلا يُنسب صاحبه إلى الجفاء .
[6] 1- درجة الحديث : ضعيف ، وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود ، وتركه مسلم فلم يُخرجه ، وفي سنده مصعب بن شيبة ، روى أحاديث مناكير ، وضعف الحديث كل من البخاري والشافعي وأبو داود ، ووثقه آخرون ، ولكن بيّنة الجرح مقدمة على بيّنة التعديل ، والغسل من الجنابة وللجمعة ومن غسل الميت ثبت بأحاديث أُخر .
تنبيه : الحديث عند أبي داود من فعله صلى الله عليه وسلم ، وعند ابن خزيمة من قوله .
2- مفردات الحديث : أربع : لفظ العدد من الثلاثة إلى التسعة وكذلك العشرة إذا لم تركب ، يؤنث مع المذكر ويذكر مع المؤنث ، يعني يكون على عكس المعدود ، فيقال أربعة رجال وأربع نساء. الحِجَامة : استخراج الدم بواسطة الْمِحْجَم ، بآلة يُشرط الجلد بها ، يعني يشق ، ثم يوضع القرن الذي يسمى المحجم على هذا الشق ، ثم يمتصه الحاجم ، فيجذب الدم الفاسد من الجسم ، وهذا من باب العلاج ، وهي طب نبوي ، فقد احتجم النبي صلى الله عليه وسلم ، وأرشد بذلك بقوله ( الشفاء في ثلاثة : شرطة محجم ، شربة عسل ، كية بنار ، وأنا أنهي أمتي عن الكي ) أخرجه البخاري . غُسل الميت : تغسيله بعد وفاته ، وغاسل الميت هو من يباشر تقليبه ودلكه ولو بحائل ، لا من يصب الماء عليه .
3- يدل الحديث على مشروعية الإغتسال من هذه الأمور الأربعة الآتية :
أ) غسل الجنابة : والإغتسال منها واجباً إجماعاً ، ونصوص ذلك في الكتاب وصحيح السنة كما تقدم ، منها قوله تعالى : ( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا)(المائدة: 6)
ب) غسل يوم الجمعة مستحب عند الجمهور ، وأجوبه بعضهم ، والراجح متأكد الإستحباب وسيأتي إن شاء الله .
ج) الغسل من الحجامة سنة وليس بواجب لهذا الحديث ، وذلك لما في إخراج الدم من الضعفِ فينجبر هذا الضعفُ بالغسل ويحصل له نشاطٌ كما في الحائض والنفساء ، ولحديث أنس أنّ النبي صلى الله عليه وسلم ( احتجم وصلى ولم يتوضأ ) ، والحديث ليس بالقوي .
د) الغسل من تغسيل الميت مستحب ، لما يحصُل من الضعفِ برؤية الميِّيتِ وتقبيله وتذكُّرِ الآخرة ، فَيُشُرعُ الاغتسالُ جَبراً لهذا الضعف ، ولحديث أبي هريرة أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من غسّل ميتاً فليغتسل ) وهو ضعيف ، وحديث الباب ضعيف .
4- في الحديث دليل على القاعدة الأصولية " إنّ دليل المقارنة ليس صحيحاً " ، فإن الحديث جمع ما هو واجب إجماعاً وهو الغسل من الجنابة ، وما ليس بواجب إجماعاً وهو الغسل من الحجامة ، فهذا التفريق في نص واحد دليل على ضعف دلالة المقارنة ، وقال الإمام أحمد : " لم يثبت في هذا الباب شيء " يعني الاغتسال من الحجامة ومن غسل الميت .
[7] 1- درجة الحديث : الحديث صحيح ، فقد رواه البيهقي من طريق عبدالرزاق وفيه " فأمره أن يغتسل فاغتسل " ، وسنده صحيح من رجال الشيخين ، وأصله فيهما ، وفيه " فانطلق ثمامة إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل " ، وصححه أيضاً ابن خزيمة .
2- ثُمامة بن أُثال من بني حنيفة ، سيد أهل اليمامة ، خرج للعمرة ، وكان كافراً ، فلقيته سرية أرسلها النبي صلى الله عليه وسلم قِبَل نجد ، فأخذته أسيراً ، وجاءوا به إلى المدينة ، فربطوه بسارية من سواري المسجد النبوي ، ثلاثة أيام وفي كل يوم يقول به النبي صلى الله عليه وسلم : " ما عندك يا ثمامة " ، فيقول : " إنْ تُنعِم تنعِم على شاكرٍ ، وإن تقتُلْ تَقتُل ذا دمٍ ، وإن تريد المالَ فاطلب تُعطَ " ، وبعد ثلاثة أيام مّن عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأطلق سراحه ، فأسلم وحسن إسلامه ، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم ثُمامة أن يقضي عمرتَهُ ، لأن خيله أخذته ، وقد تجهز للعمرة ، ومنع الحبوبَ من اليمامة إلى مكة حتى يأذن بها النبي صلى الله عليه وسلم ، ثبت في أيام الردة على الإسلام ، ووقف موقفاً حازماً محموداً إزاء قومه حينما فتنوا بمسيلمة الكذاب .
3- يؤخذ من الحديث أنّ الغسل مستحب عند إسلام الكافر ولو مرتداً ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر ثمامة بالإغتسال ، لكنّه هو الذي اغتسل لما أطلقة ، وكذلك يستحب إذا أسلم الكافر أن يحلق شعره ويغسل ثيابه أو يبدلها بغيرها ، لما روى أبو داود والبيهقي عن عثيم بن كثير بن كليب الحضرمي عن أبيه عن جده أنه أسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ( ألق عنك شعر الكفر ) ، قال النووي إسناده ليس بالقوي ، لأن عثيماً لم يوثق ، ورواه أبو داود بإسناد حسن ، لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر به كل من أسلم ، بل بعضهم .
4- خلاف العلماء في وجوب الغسل عند إسلام الكافر ، ذهب الإمام مالك وأحمد إلى وجوب الغسل عند إسلام الكافر ، مستدلين بحديث الباب ، ولأن ( قيس بن عاصم أمره الرسول صلى الله عليه وسلم حينما أسلم أن يغتسل ) رواه أحمد وأبوداود والنسائي والترمزي وغيرهم ، وقال الألباني إسناده صحيح ، وذهب الإمام الشافعي لا يجب عليه الغسل إلا أن يكون وجد منه حال كفره ما يوجب الغسل ، وهذا قول ليس عليه دليل ، لأنه لم ينقل أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يستفسر عمن دخل الإسلام عن ذلك ، وذهب أبو حنيفة أنه لا يجب عليه الغسل بحال ، ودليلهم أنّ الإسلام يجب ما قبله ، والقول الراجح أن غسل الكافر إذا أسلم مستحب وليس بواجب لما يلي :
أ- لأن حديث قيس وثمامة يحملان على الإستحباب ، وليس في حديث ثمامة أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أمره بالإغتسال ، وإنما هو الذي ذهب إلى حائط قريب من المسجد واغتسل .
ب- والنبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذاً إلى اليمن قال ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، ولو كان الغسل واجباً لأمرهم به ، لأنه أول واجبات الإسلام .
ج- وأنّ الجمّ الغفير أسلموا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، فلو أمر كل من أسلم بالغسل لنقل نقلاً متواتراً .
5- ما هو القول الراجح في غسل الكافر إذا أسلم ؟ .
[8] 1- مفردات الحديث : واجِب : ما يثاب فاعله ويعاقب تاركه . مُحْتلم : من بلغ سن الحلم ذكراً كان أو أنثى ، وجرى عليه حكم الرجال ، سواء احتلم أو لم يحتلم .
2- يبدأ وقت الغسل من طلوع الفجر إلى قبل صلاة الجمعة ، ولا يجزيء في ليلة الجمعة ، ولما جاء في الصحيحين أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ما طلعت الشمس ولا غربت على يوم خير من يوم الجمعة ) ، وهو مذهب جمهور العلماء ، ولكن الراجح بأن الإغتسال يكون عند الذهاب لصلاة الجمعة ، لأنه يتحقق بذلك المقصود من الإغتسال ، وهو التنظيف والتجمل والتهيؤ لحضور هذا الجمع العظيم ، لا سيما وأنه ورد في الحديث ما يشير إلى ذلك ، لما جاء في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا جاء أحدكم يوم الجمعة فليغتسل ) . 3- وظاهر الحديث وجوب غسل الجمعة على كل بالغ من الرجال دون النساء ممن أراد صلاة الجمعة ، اللهم إلا إن أرادت المرأة أن تذهب لصلاة الجمعة ، فهذا لا مانع من أن تغتسل ، وأما من لم يبلغ لا يجب عليه الغسل ، لأن التكاليف الشرعية لا تجب على الصغير والمجنون ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( رفع القلم عن ثلاثة : الصغير حتى يحتلم ، .. ) أخرجه أحمد وأبوداود وابن ماجه والترمزي.
4- قال الألباني : " وهو الحق ، أي وجوب غسل الجمعة ، الذي لا ينبغي العدول عنه ، لأن الأحاديث الدالة عليه أقوى إسناداً وأصرح في الدلالة من الأحاديث التي استدل بها المخالفون على الاستحباب ، فانظر مثلاً استدلالهم على حديث عمر المذكور في الكتاب ، فإنه لا حجة لهم فيه ، بل هو عليهم ، لأن إنكار عمر على رأس المنبر في ذلك الجمع الحافل على مثل ذلك الصحابي الجليل ، وتقرير جميع الحاضرين من الصحابة وغيرهم لما وقع من ذلك الإنكار ، لهو من أعظم الأدلة القاضية بأن الوجوب كان معلوماً من الصحابة وغيرهم ، ولو كان الأمر عندهم عدم الوجوب لما عوَّل ذلك الصحابي في الاعتذار على غيره ، فأي تقرير من عمر ومن حضر بعد هذا الإنكار " ، أما الجمهور فيقولون أنه سنة ، ويحملون الوجوب على التأكيد ، وسيأتي بيان خلاف العلماء في ذلك والقول الراجح .
5- في الحديث دليل على تعظيم يوم الجمعة ، فيوم الجمعة فيه خُلق آدم ، وفيه أدخل الجنة ، وفيه أُهبط منها ، وفيه تقوم الساعة ، وفيه ساعة إجابة ، ويكون بالاستعداد للصلاة واجتماعه بالغسل والطيب واللباس الحسن ، والتبكير في الذهاب إلى المسجد والتفرغ للعبادة فيه ، ويسن أن يتنظف للجمعة بقص شاربه وتقليم أظافره ، وقطع الروائح الكريهة بالسواك وغيره ، وأن يتطيب ويلبس أحسن ثيابه ، لما روى البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر ، ويدهن ويمس من طيب امرأته ، ثم يصلي ما كتب له ، إلا غفر له ما بين الجمعة والأخرى ) .
6- أخذ بعض العلماء من مشروعية اغتسال صلاة الجمعة ، استحباب الاغتسال لكل إجتماع عبادة عام كصلاة العيد ، لأن النظافة وإزالة الروائح مطلوبة شرعاً خصوصاً عندما يحضر الإجتماعات الدينية ، ولهذا نهي عن أكل الثوم والكرات لمن يحضر المسجد ويصلي في الجماعة ، فالإسلام دين النظافة والجمال والآداب الطيبة الحسنة .
[9] 1- الحديث صحيح ، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود ، وقال رجاله ثقات ، وله شواهد كثيرة .
تنبيه : الحديث لم يخرجه ابن ماجه من حديث سمرة ، وإنما خرجه من حديث أنس .
2- ترجمة راوي الحديث : سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ صحابي مشهور ، يكنى أبا عبدالله ، فزاري ، حليف للأنصار ، كان من الحفاظ المكثرين ، سكن البصرة ، وكان شديداً على الحرورية "الخوارج" ، توفي في أواخر سنة 59 هـ .
3- مفردات الحديث : فَبِهَا : أي فإنه أخذ بالسنة والرخصة . وَنِعْمَتْ : نعم ما فعل بأخذه بالسنة ، فهذا ثناء عليه . أفضل : فعل تفضيل ، إذ الجانب المفضول فيه فضل أقل من الجانب الآخر .
4- معنى الحديث من توضأ فقد أخذ بالسنة ، ونعمت السنة التي أخذ بها ، ومن اغتسل فقد زاد خيراً ، وهو أفضل من الاقتصار على الوضوء ، وهذا حديث صريح بعدم وجوب الغسل لصلاة الجمعة ، وهو يؤيد ما ذهب إليه الجمهور من عدم وجوب غسل يوم الجمعة ، لكن الحديث الدال على الوجوب أصح وأرجح وأقوى مما يدل على عدم الوجوب ، فالأخذ به أحوط .
5- يدل الحديث على استحباب غسل يوم الجمعة لأجل الصلاة ، وإن لم يتمكن من الغسل لعذر أو لغير عذر ، كفاه الوضوء ولكن فاته الأجر والفضيلة ، وهذا الحديث يدل على عدم وجوب الغسل لصلاة الجمعة وهو معارض للحديث أبي سعيد .
6- خلاف العلماء في حكم غسل الجمعة مستحب أو واجب ، ففيه ثلاثةُ أقوالٍ :
الأول : ذهب الظاهرية إلى وجوب الغسل عملاً بحديث " أبي سعيد " ، وبما جاء في الصحيحين ( من جاء منكم الجمعة فليغتسل ) .
الثاني : وذهب الجمهور ومنهم الأئمة الأربعة إلى أن غسل يوم الجمعة مستحب وغير واجب ، لحديث الباب " سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ " ، حيث جعلوا حديث سمرة مفسراً لحديث أبي سعيد ، وحديث أبي سعيد مؤكداً لحديث سمرة ، وليس من باب الوجوب ، كقولك " زيارتك حق وواجبٌ علىَّ " ، فليس المعنى أنك إذا لم تزره فإنك تؤثم ، ويؤيد أنه للإستحباب ما ذكر معه في رواية عند البخاري والنسائي : ( غسلُ الجمعة واجبٌ على كل محتلمٍ وأن يستاكَ وأن يتطَيَّبَ ) ، والسواك والطِيبُ مستحبان لا واجبان ، وكذلك ما قرن معها من غُسل الجمعة .
الثالث : وفصلّ بعضهم في المسألة ، وتوسطوا وهو ما ذهب إليه شيخ الإسلام بن تيمية فقال : " هو مستحب ، ولكنه يجب على من فيه رائحة كريهة ، وعنده عرق يؤذي المصلين والملائكة ، فلا يجوز أن يحضر الجمعة واجتماع المسلمين بهذه الرائحة حتى يقطعها بالاغتسال والتنظيف ، لما جاء في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت : ( كان الناس ينتابون الجمعة من منازلهم ومن العوالي ، فيأتون بالعباء ويصيبهم الغبار ، فيخرج منهم الريح ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا ) .
والقول الراجح أنّ غُسلَ الجمعةِ متأكد الإستحباب لحثّ النبي صلى الله عليه وسلم عليه ، وللتنظفِ وقطعِ الروائحِ ، وللخروجِ من خلافِ من أوجَبَهُ من العلماء .
7- ما هو القول الراجح في غسل الجمعة لكل محتلم من الذكور ؟ .
[10] 1- درحة الحديث : الحديث صحيح ورواه الحاكم والبزار والدار قطني والبيهقي وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود
2- مفردات الحديث : كان : كان يفعل كذا ، بأنه يتكرر منه فعله ، وكان عادته . يُقْرِئُنَا الْقُرْآنَ : أي يتلو القرآن علينا ، ويعلمنا إياه بتلقينه إياه لنا . مَا لَمْ يَكُنْ جُنُباً : أي مدة بقائه جنباً .
3- يؤخذ من الحديث تحريم قراءة القرآن الكريم على الجنب ، ولحديث : ( فأما الجنب فلا ، ولا آية ) ، قال شيخ الإسلام : " أجمع الأئمة على ذلك " ، ولما رواه علي رضي الله عنه قال : ( قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً من القرآن ، ثم قال : هكذا لمن ليس بجنب ) ، قال الهيثمي رجاله موثقون ، وأما الذكر والدعاء وقولُ ما وافق قرآناً كالبسملة والحمدلة ونحوهما والآيات التي في الكتب أو يقرأ بعضها ويقول : الآية ، فيجوز ذلك .
4- جواز قراءة القرآن للمحدث حدثاً أصغر ، لقوله " مَا لَمْ يَكُنْ جُنُباً " ، من غير أن يمسّه ، وفيه فضل تلاوة القرآن والاجتماع إليه ، وفيه فضل تعليم القرآن ، لما رواه البخاري أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( خيركم من تعلم القرآن وعلّمه ) ، وفيه وجوب تعظيم القرآن واحترامه ، وأن يبعد عن كل ما يمس كرامته وقدسيته من الأمكنة القذرة والمحرمة من مجالس اللهو الغناء والفحش والصور المحرمة ، قال تعالى : ( إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) (الواقعة: 77-79) ، وقال تعالى : ( فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ * مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ) (عبس: 13- 14) ، وروى أبو داود أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يمس القرآن إلا طاهر ) ، وروى مسلم عن ابن عمر : ( أنّ النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يُسافر بالقرآن إلى أرض العدو ، مخافة أن يناله العدو ) .
5- وأما الحائض والنفساء ففيهما خلاف في قراءة القرآن ، قيل : لا تقرآن وهو مذهب الجمهور قياساً على الجنب ولحديث ضعيف رواه الترمزي من حديث ابن عمر رضي الله عنهما ، وقيلَ : تقرآنِ وهو الصوابُ ، لأن مُدِّتَهما تطولُ ، ولأنه ليس في إمكانهما الاغتسال المعتبر ، ولا يصحُّ قياسَهُما على الجنب للفرق ، ولا سيَّما إذا خشيتا نسيان القرآن أو كانت مُدرِّسَةً أو طالبةً .
6- عدم وجوب المبادرة بالاغتسال للجنب ، وجواز مجالسته الناس ، لما في الصحيحين عن أبي هريرة : ( أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لقيه في بعض طرق المدينة وهو جنب قال : فانخنست منه ، فذهبت فاغتسلت ثم جئت فقال : أين كنت يا أبا هريرة ؟ قال كنت جنباً فكرهت أن أجالسك وأنا على غير طهارة ، فقال : سبحان الله إنّ المؤمن لا يجنس ) .
7- فيه فضل الصحابة رضي الله عنهم كانوا يتلقون العلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاباً وسنة ، ويدل على أنّ العلم يجب أن يتلقى عن العلماء .
7- ما حكم قراءة القرآن لكل من : المحدث حدثاً أصغر ، الجنب ، الحائض ؟ .
[11] 1- درجة الحديث : صدر الحديث في مسلم فلا داعي للكلام فيه ، وزيادة الحاكم زيادة صحيحة .
2- مفردات الحديث : وضوءاً : هو غسل الفرج والأعضاء الأربعة . أنشط : أي أكثر نشاطاً فهو أطيب وأجود . للعود : عاد إلى إتيان امرأته . بينهما : أي بين الجماع الأول والجماع الثاني .
3- استحباب وضوء من جامع أهله ثم أراد العود للجماع مرة أخرى ، ولا يكرر الجماع بدون وضوء ، هذا الأمر لتأكد الإستحباب ، لما في الوضوء من النظافة بعد غسل الفرج ، ولما فيه من النشاط ، فترك الوضوء أقل أحواله الكراهة ، وعموم الحديث يفيد أنه سواء أكانت التي يريد العود إليها هي الموطوءة أو الزوجة الأخرى ممن عنده أكثر من زوجه ، والحكمة في ذلك " فإنه أنشط للعود " ، ذلك أن المجامع يحصل له كسل وفتور ، وإنّ الماء يعيد إليه نشاطه وقوته وحيويته ، وأبلغ من الوضوء الغسل بإعادة النشاط والقوة.
4- أذكر العلة فيما يلي : " إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَََهْلَهُ , ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَعُودَ فَلْيَتَوضَّأْ بَيْنَهُمَا وُضُوءاً " ، و" إذا أراد أن ينام وهو جنب فليتوضأ " ؟ .
[12] 1- درجة الحديث : رواية الأربعة عن عائشة فالمؤلف أعلها ، لأنها من رواية أبي اسحاق السبيعي عن الأسود عن عائشة ، قال أحمد ليس بصحيح ، وقال أبو داود : إنّه وهم ،لأنّ أبا إسحاق لم يسمع من الأسود ، ولكن صححه البيهقي وأثبت له السماع ، وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
2- مفردات الحديث : وهو جُنُب : من أصابته الجنابة . مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمَسَّ مَاءً : يشمل نفي الغسل والتوضأ كليهما .
3- الحديث يفيد أنّ الجنب " ينام من غير أن يمسّ ماء " فهو معلول ، وظاهره أنه لا يمس ماءً لا للغسل ولا للوضوء ، لكن الصحيح أنه لا يمسّ ماءً للغسل فقط ، جمعاً بين الأحاديث الأخرى ، والصواب يتأكد الوضوء إذا أراد أن ينام الجنب ، لما في الوضوء من النظافة بعد غسلِ الفَرج ، ، أما الأكل والشرب فهو أخف ، وقال الترمزي : " على تقدير صحة حديث عائشة فيحتمل أنّ المراد لا يمس ماء الغسل ، دون ماء الوضوء ، ويوافق أحاديث الصحيحين المصرحة بأنه يغسل فرجه ويتوضأ لأجل النوم والأكل والشرب والجماع ، ومنها حديث ابن عمر أن عمر قال : ( يا رسول الله أينام أحدنا وهو جنب ؟ قال : نعم إذا توضأ ) متفق عليه ، وأنّ عمار بن ياسر : ( أنّ النبي صلى الله عليه وسلم رخص للجنب إذا أراد أن يأكل أو يشرب أو ينام أن يتوضأ وضوءه للصلاة ) رواه أحمد والترمزي وصححه ، وحديث الباب يفيد استحباب الوضوء للجماع .
4- خلاف العلماء في حكم نوم الجنب بدون وضوء ، فذهب الظاهرية إلى التحريم ، أخذاً بحديث ابن عمر وعمّار ، وذهب الإمام أحمد في المشهور من مذهبه إلى استحباب الوضوء ، قال شيخ الإسلام : " يستحب الوضوء عند كل نوم لكل أحد " ، وهو ما تدل عليه الأحاديث الكثيرة الصحيحة الصريحة في هذه المسألة ، والقول الراجح هو تأكد الإستحباب ، وكراهة تركه ، لأن الوضوء يخفف غلظ الجنابة ، كما جاء في الترمزي وغيره من حديث البراء أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا أخذت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ).
5- فالحالات التي يفعلها الجنب ثلاثة :
الأولى : أن يغتسل وينام على طهارة كاملة ، وهي الأكمل .
الثانية : أن يغسل فرجه ثم يتوضأ قبل أن ينام ، لأن الوضوء يخفف الجنابة .
الثالثة : أن ينام من غير أن يمس ماءً أصلاً ، وهذا جائز ، مع الكراهة .
[13] 1- مفردات الحديث : اغتسل : أراد الإغتسال والشروع فيه . من الجنابة : المراد بالجنابة الحدث الأكبر وهو الذي يكون سببه الجماع أو إنزال المني باحتلام وغيره ، فإن إنزال المني بشهوة ولو كان من غير جماع فإنه يوجب الإغتسال ، ويقال له جُنُب ، سمّي بذلك لأن الماء باعد محله وجانبه ، أو لأن الجنب يتجنب ما لا يتجنبه الطاهر . فَيَغْسِلُ فَرْجَهُ : أي يغسل فرجه وما حول فرجه من أصول الفخذ . فرْجه : الفرج لغة الفتحة بين الشيئين ، وبه سمي فرج المرأة والرجل ، لأنهما بين الرجلين ، ويطلق الفرج على القبل والدبر ، وكثر استعماله في العرف في القبل . أصول الشعر : أسافله التي تلي البشرة ، أي يدخل أصابعه في أصول الشعر فيخلل بها رأسه ليصيب الماء أصول الشعر والبشرة . حفن : ملء الكف من شيء ، جمعه حفنات ، أي ملأ الكفين منه ، أي أفرغ الماء بجمع يديه . ثلاث حفنات : هذه زيادة على أخذِ الماءِ وتخليل الشعر بأصابعه أولاً . أفاض : صبه وأجراه ، أي أسال الماء على بقية جسده وأجراه عليه . سائر جسده : أي بقية جسده .
[14] 1- مفردات الحديث : أفرغ : يصبّ الماء ويريقه ، والمعنى صبّ على يديه من الماء . ضرب بها الأرض : مسح بيده الأرض ليزيل ما عليها من لزوجة النجاسة أو المني . المنديل : منشفة يمسح بها رذاذ الماء ونحوه ، جمعه مناديل . فردّه : هذه الرواية تؤيد أنّ ما جاء في بعض روايات البخاري من قوله : " فناولته خرقة فلم يُرِدْها " أنها مخففة ، وليست مشددة
2- أورد المؤلف في صفة غسل النبي صلى الله عليه وسلم من الجنابة حديثين ، حديث عائشة وحديث ميمونة ، ففيهما استحباب البداءة بغسل يديه ، وهما الكفان لأنهما أداة غرف الماء ، فينبغي طهارتهما قبل إدخالهما الإناء ، ثم البداءة بغسل الفرج قبل بقية البدن ، لإزالة الأذى عليه ، ثم يمسح يده بالتراب أو يغسلها بمطهر آخر مثل الصابون لمزيد النظافة والطهر ، ولإزالة اللزوجة العالقة بها من غسل الفرج المتلوث بالنجاسة أو المني ، وتكون قبل رفع الحدث ، ثم يتوضأ ، فيكون رفع الحدث الأصغر قبل الأكبر ، ثم يروي بالماء أصول شعره بتخليل الشعر ليصل الماء إلى ما تحت البشرة ، ثم يصب الماء على رأسه بثلاث حفنات ، ليعم الماء ظاهر الشعر وباطنه ، ثم يغسل سائر جسده ، ويفيض عليه الماء مرة واحدة ، أما التثليث فلم يرد إلا في غسل الرأس ، ثم يغسل رجليه ، وفي بعض ألفاظ حديث ميمونة : " ثم تنحى عن مقامه ذلك فغسل رجليه " وهذا أبلغ في تنظيفهما ، وأنّ الدلك في الوضوء والغسل سنة ، ولا يجب .
3- لكن لو أحدث أو مسّ فرجَهُ بعد أن توضأ وهو يغتسل ، فإنه يعيد الوضوء ، لأنه انتقض وُضوؤُه ، ولو نوى ارتفاع الحدثينِ أو أن يصلي بهذا الاغتسال ، وغَسَلَ فرجَهُ أولاً واستنجى ارتفع الحدثان ، وإذا أحس الرجل بانتقال منيه عن صلبه ، والمرأة إذا أحست بانتقاله عن ترائبها ، قال أكثر العلماء لا يجب الغسل إلا بخروج المني .
4- غسلُ الرجلين إما مرة ثانية لإزالة ما علق بهما ، وهذا إذا لم يكن المكانُ مبلطاً ، وإما لأنه أخَّر الرجلين في الوضوء ، ولعله يفعل هذا تارة وهذا تارةً ، فإن كان مبلطاً وأراد تحريك نفسه من أجل العمل بالسنة فحَسَنٌ .
5- هذه الصفة هي أفضل الصفات للغسل من الجنابة ، فقد جمعت بين تنظيف أداة الغسل ، وغسل الأذى وتروية أصول الشعر ، وإسباغ الوضوء والغسل ، ففيها النظافة والطهارة الكاملة .
6- فيه أن المنديل لتنشيف الجسم في الغسل خلاف الأولى ، لأن ما على البدن أو أعضاء الوضوء هو من أثر العبادة ، فينبغي بقاؤها واستصحابها ، ويكتفي بنفض زائد الماء باليد دون إزالته ، أما تنشيف أعضاء الوضوء فإن أمره أوسع .
7- والسنة أن يتوضأ بمد ، ويغتسل بالصاع ، والمد ربع الصاع ، وإن زاد ما لم يبلغ حد الإسراف جاز ، فإن أسرف كره ، والغسل على قسمين : الكامل وهو الذي يأتي المغتسل بالواجب والمسنون ، وهو الوارد في حديثي الباب ، وأما المجزيء وهو الذي يأتي بالواجب فقط ، وهو أن يعم بدنه بالغسل مرة واحدة بدون وضوء .
8- ما صفة الغسل الكامل ؟.
[15] 1- درجة الحديث : رواه مسلم ، وزاد " ثم تفضين عليك الماء فتطهرين " .
2- مفردات الحديث : أَشُدُّ شَعَرَ رَأْسِي : شد الشيء أوثقه وربطه وقواه وأحكمه ، والعقدة أحكمها وأوثقها . أَفَأَنْقُضُهُ : نقض الشعر حل إبرامه وعقده . أنْ تَحْثِي حَثَيَاتٍ : تفرغي وتصبي ، والحثية هي الحفنة التي ملء الكف من الماء وغيره ، والجمع حثيات ، أي غرفات الماء .
3- في الحديث عدم وجوب نقض المرأة شعرها للغُسل من الجنابة أو الغسل من الحيض ، والإكتفاء بحثي ثلاث مرات على الرأس ، وهذا هو مذهب الجمهور .
4- اختلاف العلماء في مسألة هل على المرأة نقض شعرها للغسل من الحيض ؟ لا يجب على المرأة نقض شعرها لغسلها من الجنابة رواية واحدة ، واختلفوا في وجوب نقض شعر المرأة لغسلها من الحيض :
أ- فذهب الإمام أحمد في المشهور من مذهبه إلى وجوب نقضه ، لما جاء في الصحيحين من حديث عائشة أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال لها : " إذا كنت حائضاً انقضي رأسك وامتشطي " ، ولأن الأصل وجوب نقض الشعر ليتيقن وصول الماء إلى ما تحته ، فعفي عنه في غسل الجنابة لأنه يكثر فيشق ذلك بخلاف الحيض .
ب- وذهب أكثر العلماء ومنهم الأئمة الثلاثة إلى أنه لا يجب ، لما روي مسلم لحديث الباب ، وهي رواية عن الإمام أحمد ، اختارها شيخ الإسلام بن تيمية .
ج- والقول الراجح أنه لا يجب نقض شعر رأسها ، وحمل الحديثين على الاستحباب ، فيكون نقضُهُ أكمل في النظافة والطهارة ، وهو محمل حسن ، وقال عبدالعزيز بن باز : " الصحيح أنه لا يجب عليها نقضه في غسل الحيض ، لما ورد في بعض روايات أم سلمة عن مسلم ، أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : ( إني امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضه للحيض والجنابة ؟ قال : لا ) ، ومذهب الجمهور أنه إذا وصل الماء إلى جميع شعرها ظاهره وباطنه من غير نقض ، لم يجب النقض
5- ولكن وردت أحاديث أخرى تدلُّ على أنَّ نقض الشعر لغُسل الحيض أولى وأكمل في الطهارة ، لأنه قد يعلقُ بالشعرِ شيء من الأوساخ والأقذار ، ولا يلزم غسل باطن الشعر الكثيف ، بل يكفي غسل ظاهره ، وما يوضع على الرأس من سدرٍ أو وَردٍ أو حِنَّاءِ ، فإنه يجبُ إزالتُهُ ، لأن ظاهر الشعر كالبشرةِ ويجبُ إزالة ما يمنع وُصولَ الماءِ إلى البَشَرة .
6- في الحديث دليل على قاعدة رفع الحرج في الشريعة الإسلامية ، فلما كان نقض المرأة لشعر رأسها يشقُّ عليها ، فإن الشارع الحكيم خفَّف عنها ، وأمرها بالاكتفاء بصب الماء عليه وإفاضته عليه ، وفيه الرجوع إلى أهل العلم وسؤالهم عن ما أشكل من أمور الدين ، قال تعالى : ( فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) ، وفيه أنّ الحياء لا يمنعن النساء أن يسألن عن أمور دينهن .
7- في الحديث دليل على أنّ المرأة تترك شعر رأسها ولا تقصه ، إلا إذا شق عليها تسريحه ، فلا بأس لها أن تخففه ، ويجوز لها أن تجدل شعرها ، أن تجعله ضفائر يدخل بعضها في بعض حتى تصبح كهيئة الحبل ، وتجعله من جوانب الرأس ، لأن ذلك أحفظ وأجمل للمرأة ، ويجوز لها أن تشده شداً واحداً وتجمعه وتعقصه ، ويجوز لها أن ترسله ، وهذا يعود إلى عادات النساء ، أما الذي لا يجوز لها ويحرم عليها هو أن تجمعه وتشده من الأعلى بحيث يصبح له حجم يضاهي حجم الرأس ، أي كأن لها رأسان يشبه سنام البخت ، وهو الإبل الذي له سنامان ، وقد ورد النهي في قوله صلى الله عليه وسلم : ( صنفان من أهل النار لم أرهما ، نساءٌ كاسيات عاريات مائلات مميلات ، رؤوسهن كأسمنة البُخت المائلة ، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها ) أخرجه مسلم .
8- أذكر القول الراجح هل على المرأة نقض شعرها للغسل من الحيض ، والغسل من الجنابة ؟ .
[16] 1- درجة الحديث : الحديث حسن ، وسنده جيد ، وقد نقل الحافظ تصحيحه مرتضياً به ، وتكلم في بعض رجاله ، ولكن صححه ابن خزيمة وهو حسن عند أبي داود ، ويوجد له شواهد ، وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود .
2- مفردات الحديث : لا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ : من الحلال ضد الحرام ، والمراد لا أرخص للحائض والجنب أن يمكثا في المسجد ، والصيغة صريحة في التحريم . حَائِضٍ : جمعها حيّض ، ويكفي ولو بدون تاء التأنيث لأن الحيض وصف مختص بالمرأة ، فلا تحتاج للفرق بينها وبين الرجل بالتاء ، بخلاف الوصف المشترك كقائم للذكر ، فإنه يقال للمرأة قائمة . جُنُبٍ : من أصابته الجنابة ، يستوي فيه المذكر والمؤنث المثنى والجمع ، قال تعالى : ( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا )(المائدة: 6) .
3- يؤخذ من الحديث تحريم المكث والنوم في المسجد للجُنُب والحائض والنفساء ، سواء خشي منها تلويثه أم لا ، وهو مذهب الجمهور ، وقد ورد عن بعض الصحابة ما يدلُّ على جوازِ الْمُكث في المسجد إذا توضأَ الجُنُب ، فعن عطاء بن يسار قال : ( كان الرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون جنباً فيتوضأ ، ثم يدخل المسجد فيتحدث فيه ) ، والأولى المنع لعموم الحديث .
4- أما المرور في المسجد للحاجة من أخذ شيء أو كون الطريق فيه ، فقد أجازه أكثر العلماء ، وهو مذهب مالك والشافعي ، لقوله تعالى : ( وَلا جُنُباً إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا)(النساء: 43) ، والمعنى اجتنبوا مواضع الصلاة وهي المساجد ، وأنتم جنب ، إلا عابري سبيل ، وللحديث الذي رواه مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال لعائشة : ( ناوليني الخُمرة من المسجد ، قالت : إني حائض ، قال : إنّ حيضتك ليست في يدك ) رواه مسلم ، والخمرة المراد بها قطعة فراش يصلى عليها ، وعن جابر قال : ( كان أحدنا يمر في المسجد جُنُباً مجتازاً ) رواه سعيد بن منصور .
5- ولا يعارضُه النهي عن اتخاذ المساجدِ طرقاتٍ ، لأن المراد في قوله تعالى : ( إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ ) ، العبورَ لحاجةٍ عارضة
6- ما حكم ما يلي : المكث في المسجد ، الدخول من باب والخروج من الباب الآخر ، لكل من المحدث حدثاً أصغر ، والمحدث حدثاً أكبر ؟ .
[17] 1- مفردات الحديث : تَخْتَلِفُ أَيْدِينَا فِيهِ : اختلف الشيء لم يتفقا ، والمعنى أن يدخل كل واحد منهما يده ويغرف من الإناء بعد يد الآخر ، ولعله لضيق فم الإناء ، وجاء في بعض الرويات : " من إناء واحد ، من قدح يقال له الفَرَق ) ، وهو يسع ستة عشر رطلاً . وَتَلْتَقِي أَيْدِينَا : تجتمعان أثناء الأخذ والغرف من الإناء تارة .
2- وجوب الإغتسال من الجنابة على الرجل والمرأة ، وفيه دليلٌ على جواز اغتسال الرجُلِ وزوجتهِ جميعاً من إناء واحد ، وفيه جواز أن يرى كل واحد من الزوجين بدن الآخر وعورته ، وهو داخل تحت قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) (المؤمنون:5-6) وجواز الإغتسال بفضل المرأة أو الرجل ، لقولها " تَخْتَلِفُ أَيْدِينَا " ، لأنها إذا اغترفت بقي بعضها فضلةٌ ، وكذلك إذا اغترف هو ، وهذا لا يؤثر في طهارة الماء ، وإنّ وضع الجُنُب يده في الإناء الذي فيه الماء لا يسلبه الطهورية ، بل هو باق على طهوريته ، وقد تقدم الحديث في النهي عن الوضوء بفضل المرأة ، وأنه محمول على الأولى عند عدم الحاجة إليه ، فإذا احتيجَ إليه زالت الكراهة .
3- وفيه تواضعه صلى الله عليه وسلم ، فهو سيد ولد آدم وأفضل الخلق ، ومع هذا يغتسل مع امرأته ، وفيه حسن عشرة النبي صلى الله عليه وسلم لأهله ، ومشاركته لهم في أحوالهم وأعمالهم تطييباً للقلب وإزالة للكلفة ، وهكذا ينبغي للداعية أن يكون ، لكي يجذب الناس إلى دعوته ، ولذا وصفه الله تعالى بقوله : ( وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم:4) ، وبقوله : ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)(آل عمران: 159) ، وفيه فضل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لا سيمّا الصديقة بنت الصديق ، فكم نقلن للأمة من الأحكام الشرعية ، لا سيمّا المنزلية التي لا يطلع عليها إلا الْمُعاشِر في المنزل .
4- وفيه استحباب التقليل من ماء الوضوء والغسل ، فهذا النبي صلى الله عليه وسلم هو وعائشة يغتسلان ويغترفان من إناء واحد ، جاء في بعض الروايات البخاري : " من قدح يقال له الفَرَق " والقدح إناء شرب ، يسع صاعان أو ثلاثة آصع ، كما عليه الجماهير .
[18] 1- درجة الحديث : حديث أبي هريرة ضعيف ، لأنه من رواية الحارث بن وجيه وهو ضعيف وحديثه منكر ، قال أبو داود : " حديثه منكر وضعيف " ، أما حديث عائشة ضعيف لأن فيه راوٍ مجهول ، وجهالة الراوي من غير الصحابة توجب ضعف الحديث ، ولكن في الباب حديث علي رضي الله عنه مرفوعاً : ( من ترك موضع شعرة من جنابة لم يغسلها ، فُعِل به كذا وكذا ) أخرجه أبو داود وبن ماجه وإسناده صحيح ، لكن قيل إنّ الصواب وقفه على علي ، قلت ولا يضر وقفه حيث له حكم الرفع ، لأنه مما لا مجال للرأي فيه ، وقيل الحديث ضعيف لا تقوم به حجة لما في سنده من الراوي المجهول ، والله أعلم .
أما حديث عائشة في إسناده رجل لم يُسمَّ ، لذا فهو مبهم ، وفيه أيضاً شريك بن عبدالله النخعي ، وهو سيء الحفظ .
2- مفردات الحديث : جَنَابَةً : تطلق على المعنى الحكمي الذي ينشأ عن إلتقاء الختانين أو الإنزال . َأَنْقُوا: نقي الشيء نقاوة ونقاء ، أمر من الإنقاء وهو التنظيف . الْبَشَر : ظاهر جلد الآدمي ، مفرده بشرة .
3- في الحديث دليل على أنّ الجنابة تنتشر في الجسم ، وتعم جميع الجسم ، وفيه وجوب الغسل من الجنابة ، ووجوب تعميم الجسم بالماء فلا تكمل الطهارة بترك شيء منه ولو قليلاً ، ووجوب تروية أصول الشعر وإيصال الماء إلى ما تحتها من البشرة ، ووجوب إنقاء البشرة وذلك بتبليغ الماء إليها ، وهو يدل على استحباب ذلك في بقية البدن للتحقق من وصول الماء إلى كل جزء منه ، قال تعالى : ( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا)(المائدة: 6) .
4- قال العلماء : " ينبغي للمغتسل من الحدث الأكبر أن يتيقن وصول الماء إلى مغابنه وجميع بدنه ، فيتفقد أصول شعره وغضاريف أذنيه وتحت حلقه وإبطيه وعمق سرته وبين إليتيه ، وطي ركبتيه ، لأنه إذا لم تصح طهارته ، فإن صلاته لا تصح ، ويكفي الظن في الإسباغ " ، وقوله (إِنَّ تَحْتَ كُلِّ شَعَرَةٍ جَنَابَةً ) إما أن يحمل على ظاهره فيكون معناه إن كل شعرة تحتها جزء لطيف من البدن لحقته الجنابة ، فلا بدّ من رفعها بإصابة الماء هذا الجزء ، وإما أن يحمل على المبالغة فتكون المبالغة جائزة لا سيما في مواطن الحث والإهتمام .
أزال المؤلف هذا التعليق.
ردحذفآداب دخول الخلاء
ردحذفآداب دخول الخلاء